"كلنا نغني": عرض فني يعيد الزمن الجميل إلى المسرح البلدي بالعاصمة التونسية    مسؤول أمريكي: المغرب دعامة حقيقية للأمن والاستقرار في إفريقيا    ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في إسبانيا إلى 205 على الأقل    صدور عدد جديد من مجلة القوات المسلحة الملكية    الملاكم المغربي عثمان شدغور يحرز الميدالية البرونزية في بطولة العالم للشبان    فؤاد عبد المومني في أول تصريح له بعد إطلاق سراحه: ما تعرضت له هو اختطاف (فيديو)    البيضاء تحيي سهرة تكريمية للمرحوم الحسن مكري    الأميرة للا حسناء تزور معرضين في قطر    بركة يشرف على تنصيب عبد السلام فريندو عاملا على إقليم الدريوش    المغاربة ينفقون 22.31 مليار درهم في السفر وتحويلات الجالية تفوق 91 مليارا    نمو حركة النقل الجوي بمطار الحسيمة بنحو 18 في المائة مع متم شتنبر    البطولة: أولمبيك آسفي يتنفس الصعداء بعد الانتصار على شباب السوالم    اتهم المغرب بالتجسس على فرنسا.. النيابة العامة تقرر متابعة حقوقي في حالة سراح    جثة مجهولة تستنفر الدرك الملكي باقليم الحسيمة    لقجع يكشف خارطة مدن كأس العالم بالمغرب    منْ كَازا لمَرْسَايْ ! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)        عالمي: المغرب يحقق أعلى معدل لاستقطاب السياح    حصيلة القتلى الإسرائيليين في غزة ولبنان    ارتفاع حصيلة القتلى في فيضانات إسبانيا لأزيد من 200 ضحية    مجلة إسبانية: المغرب "فاعل استراتيجي" في قطاع ترحيل الخدمات    يتيم مهاجما بنكيران: التطبيع لم يكن قرار "العدالة والتنمية" ومن يملك الجرأة عليه انتقاد الدولة وليس استهداف "الحيط القصير"    ابتدائية الدار البيضاء تتابع عبد المومني في حالة سراح    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية يجري لقاء مع وزير الدفاع الموريتاني    التامك يحذر من ارتفاع نزلاء المؤسسات السجنية الذي يتجاوز الطاقة الاستيعابية    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية "إسكوبار الصحراء" إلى 22 نونبر بسبب إضراب المحامين    الدار البيضاء.. ثلاث رصاصات لتوقيف شخص واجه الشرطة بمقاومة عنيفة    اختتام الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي النسخة 45    رسميا.. الكاف يعلن عن برنامج دوري ابطال أفريقيا للسيدات    مقتل 47 فلسطينيا وإصابة العشرات إثر غارات إسرائيلية على وسط غزة        عمر هلال: الجزائر ودي ميستورا يغفلان أن المغاربة أقسموا على عدم التفريط في صحرائهم    ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا فى إسبانيا    إحباط عملية لتهريب أزيد من 63 ألف قرص مهلوس بمعبر بني انصار    أبناء مارادونا يكشفون عن "النصب التذكاري" للأسطورة الأرجنتينية    اشتباك دموي في مدينة فرنسية يخلف 5 ضحايا بينها طفل أصيب برصاصة في رأسه    مجلس النواب.. جلسة عمومية تخصص للأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    البريد بنك حاضر في احتفالات المعهد العالمي لصناديق الادخار    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    الأشعري يناقش الأدب والتغيير في الدرس الافتتاحي لصالون النبوغ المغربي بطنجة    الفتح يعلن إستقبال الوداد بمدينة المحمدية    بعثة تسبق المنتخب المغربي إلى الغابون للاطلاع على مقر الإقامة وملاعب التداريب    دعوى قضائية بمليارات الدولارات .. ترامب يتهم "سي بي إس" بالتحيز    الصحراء المغربية.. المغرب يرحب بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار 2756    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    مالك صحيفة "هآريتس" العبرية يصف الفلسطينيين ب"مقاتلي الحرية" ويدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل    موسم أصيلة يحتفي بمحمد الأشعري، سيرة قلم لأديب بأوجه متعددة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة شفشاون الزرقاء
نشر في تطوان بلوس يوم 06 - 04 - 2018

لم يكن الشنآن مع مرتادي المكان المهجور والمتسخ ذي الرائحة الكريهة، أكبر مشاكل صاحبة المطعم الجديد، فنظرة المجتمع الدونية وتصدِّي أصحاب المطاعم المجاورة كان أشد إيلاماً وتجريحاً، خاصة حينما شاهدوا ازدياد أعداد زبناء المقهى والمطعم، “وصل بهم الأمر إلى تعمد أذية الزبناء من المغاربة والأجانب، كانوا يزعجونهم وينفضون عليهم غبار الأرضية ويصرخون بطريقة فجَّة ونابية، كم مرة وجدت مصابيح المطعم مُكسرة، وكم مرة رمَّمت السقف الخشبي؟”.
المرأة الشَّاونية.. جمال ونِضال
لا تنسى نورا، كيف عيَّرَها صاحب مطعم مجاور، بكونها ناقصة الأنوثة حين قبِلت على نفسها العمل بوجه مكشوف والتعامل مع السياح والزبائن عوض البقاء في بيتها ورعاية أطفالها، تقول المتحدثة التي أصبحت تجوب المدن الأوربية لتُعلم مواطنيها أسرار الطبخ المغربي الأصيل، “لم أجد فتيات أو نساء يقبلن بالعمل داخل المطعم، كلهن لا يمانعن العمل داخل مطابخهن وبيوتهن، وهذا حال الكثير من النساء الشَّاونيات”.
في شفشاون أو الشَّاون، تلجأ أعداد كبيرة من الفتيات والنساء إلى العمل لمساعدة الأسرة والمساهمة في توفير احتياجاتها، إلا أن هذا العمل يبقى داخل بيتها سواء عبر طهي أنواع من المخبوزات والفطائر والحلويات التقليدية أو الخياطة والتطريز، تقول نورا “لا يجد الآباء والأزواج غضاضة في أن تعمل زوجاتهم أو بناتهم في الخفاء، لكنهم بالمقابل يرفضون خروجهن للمجتمع وانفتاحهن على الناس وتعاملهن مع الزبائن”.
واقع الحال هذا تغير خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد النجاح الذي حققه مطعم “صوفيا” وسمعتُه الطيبة وصداه الحسن لدى السياح الأجانب، “استطاعت نساء أخريات فتح محلات صغيرة واستقبال الزبونات والزبائن، لقد كسَرتُ القيد الحديدي”، تختم نورا كلامها ل “عربي بوست” بكل ثقة.
تَوقُ المرأة الشاونية للحرية والانعتاق ليس وليد اللحظة، إنما هي الجينات تفعل فعلتها وقد سارت الرُّكبان بخبر “السيدة الحُرة” التي حكمت شفشاون لأزيد من ثلاثين عاماً، يقول عنها الكاتب والأستاذ الجامعي عبد الواحد التهامي العلمي في كتابه ” شفشاون.. ذاكرة المكان”: “أيتها السيدة المُجاهدة التي امتزجت فيك دماء الأندلس بدماء المغرب، ها أنت تجمعين كل الصفات الرفيعة التي تتحلى بها امرأة نبيلة ذات الأصول العريقة، فجمعت بين الجمال والشجاعة، والنبل والوفاء والإيثار والتضحية والعلم والسياسة والإخلاص وحب الوطن”.
شفشاون.. غرناطة الصغرى
وكأنها معرض فني يَسع المدينة بأكملها، بهيةُ ورائقة اتخذت لها مكاناً في حضن جبل يحميها، وبَدَت لزُوَّارها من بعيد جوهرة زرقاء في قلب إكليل أخضر من غابات الأَرز وأشجار الشُّوح النادرة، وبساتين السَّرخس والرَّند والتُّوت.
زارها الأديب اللبناني أمين الريحاني سنة 1939 ليَصفها قائلاً، “شفشاون مجموعة ظلال على الأفق المشرق.. الصُّروح البيضاء المتوجة بتيجان الحصون، الحاملة خارجاً وداخلاً رسالة الحمراء في الهندسة الغرناطية..”.
لا يمتلك الزائر لشفشاون، إلا أن يقف مُنبهراً بجمالها الطبيعي الخلاب ومنابعها المائية الرقراقة وجمال معمارها ذي النمط الأندلسي المتشبث بأمجاد غابرة، يصفها الفنان التشكيلي محمد الخزوم ل”عربي بوست” قائلاً، “تُشبه اللوحة، فهي على شكل أنثى نائمة بين أحضان الجبل”.
حَواري المدينة القديمة وأزقَّتها الضَّيقة تُشبه المتاهة بسبب كثرة منعرجاتها وسلالمها التي تصل حياً بآخر، لا ينجو سوى العارفون لها من التِّيه. بألوان زاهية يغلب على جُدرانها اللون الأزرق السماوي الصافي يتداخل مع ألوان القرنفل والريحان والنباتات التي تزين بوابات البيوت ونوافذها، في حين تتوزع محلات تجارية بسيطة بسجادها العتيق وتحفها الفنية المصنوعة من الفخار.
يسهل على زوار المدينة الهادئة أن تمتد أيديهم إلى هذا الوشاح التقليدي أو تلك الآنية الفخارية الجميلة أو تحسس نسيج سجاد يدوي، أو وضع قلادة من الفضة والخرزات الفيروزية على الجيد، المنتجات مبسوطة على الأرض أو معلقة على الجدران، في حين يتخذ الحرفيون أماكن مكشوفة يتمكن العابرون من رؤية تفاصيل ومراحل اشتغالهم، حتى الفنانون يرسمون لوحاتهم أمام الزوار.
المدينة المتحف
المدينة التي يقطُنها زهاء 40 ألف نسمة، استطاعت أن تتبوأ المرتبة السادسة عالمياً كأكثر المدن جمالاً متفوقة على باريس وأمستردام، ويعود الفضل لجمال طبيعتها وتأثير العِمارة الأندلسية، كيف لا وهي “توأمة غرناطة” وصورة مصغرة عنها، أُسِّست قبل سقوط المدينة الأندلسية ب 20 سنة على يد علي بن راشد المنبهر بغرناطة آنذاك وصديق مقرب لآخر أُمرائها.
يعودُ بنا الفنان التشكيلي محمد الخزوم، إلى قرون مضت ليقول، “ورثت الشاون، وهي كلمة أمازيغية تعني القُرون، كناية على القمم الجبلية التي تحيطها شرقاً، الثقافة الموريسكية التي جاء بها الموريسكيون المهاجرون ممن استقروا بها منذ 1471 وكان أغلبهم من كبار المعماريين وصانعي الحلي، ممن ساهموا في ازدهار المدينة وعمارتها الإسلامية الرائعة وتصاميم سَواقيها المتطورة”.
وطا الحمام”.. القلب النابض”
لن تزور مدينة شفشاون وتتنقل بين دروبها دون أن تأخذك قدماك صوب ساحة “وطا الحَمام” (أي موطئ الحَمام)، فهي من المدينة بمثابة القلب الذي تتفرع عنه الشرايين، الأحياء والأزقة، المرتبطة والمتداخلة مُفضيةً إلى الساحة الشهيرة التي كانت أول مكان شُيِّد بالمدينة.
للساحة اسمان اثنان فهي “وطا الحَمَام”، إشارة إلى طيور الحمام التي كانت تستقر بالساحة آنفاً، وهو المكان الذي يؤُمُّه المغاربة للاغتسال، فعلى بعد 50 متراً من الساحة يوجد حمَّام عتيق مشيد منذ قرون، لتكون الساحة بذلك “مكاناً واطئاً ومنبسطاً يستريح به كل من غادر الحمَّام” يقول زين العابدين بنطاهر، مدير مركز الدراسات والأبحاث الأندلسية بمدينة شفشاون.
لا تستوي زيارة المدينة دون إلقاء نظرة على “القصبة”، وهي تجسيد حيُّ للمعمار الأندلسي تحيطها 10 أبراج منها بُرج كبير، وتتزين بحدائق كبيرة داخلها، كانت البناية بالأساس حِصناً عسكرياً وموقع حراسة ومنتزهاً لأمير المدينة ومؤسسها.
يقول بنطاهر ل “عربي بوست ” عن عمران شفشاون وتاريخها الأندلسي، “العبقرية الأندلسية خاصة على مستوى البناء والعمارة، تتمثل في كيفية استغلال سفح جبل ضيق وبناء منازل وأحياء، كما أن البنايات ورغم قربها من بعض لا تحجب الهواء ولا ضوء وأشعة الشمس عن بعضها”.
“راس الماء”.. الأسطورة
تقول الأسطورة المتوارثة عن عين “راس الماء” ذات الماء العذب والنقي، إن الأمهات كن يبعثن بأطفالهن صوب النَّبع، ذلك أن جِنية تمنحهم مجوهرات ثمينة، وذلك مرة واحدة في السنة، والأم التي يصيبها الطمع طالبة من طفلها العودة من جديد وجلب المجوهرات تقوم الجنية باختطافه وإخفائه إلى الأبد.
هذه الأسطورة حول النبع المعطاء، لا تمنع مرتادي المدينة من ضرورة الاستمتاع بالمياه الرقراقة والخرير الذي يَعزف سمفونيته دون توقف، فأينما تواجد الماء يتواجد البشر، لتُكمِل الجداول تدفقها وتتوزع العيون المُنبَجسة من عمق الجبل لتسقي البساتين والحدائق والحقول المحيطة بالمدينة الزرقاء.
يقول الباحث التهامي العلمي ضمن كتاب “شفشاون.. ذاكرة المكان”: “اشتهرت شفشاون بمائها البارد العذب، يخرج من منابعه بارداً برودة الثلج، فتنتعش ببرودته الأجسام والنفوس، ينحدر من منبع رأس الماء في قنوات مائية تمر على أغلب أحياء المدينة العتيقة”، وكان صبيب مياهها لا ينقطع في منازلها ليلاً ونهاراً، فيحدث صوتاً يؤنس الساهر والعليل”.
حتى التدفق القوي لا يمنع البعض من أخذ أماكنهم لشرب أقداح من الشاي المغربي الساخن وتناول قطع من الحلويات التقليدية فيما تنغمس أقدامهم في الماء البارد، لتتناهى إلى أسماعهم نغمات الأغنية المغربية الشهيرة “يا شفشاون يا نوارة.. يا الحَبيبة يا المنارة”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.