منذ أن اندمجت في المجموعة السويسرية الدولية "هولسيم" للإسمنت ومواد البناء عام 1993، قطعت شركة "هولسيم المغرب" أشواطا هامة تميزت بخطوات ريادية على المستوى الوطني. ولعل الحرص على إقامة ارتباط وثيق بين عمليات الإنتاج واحترام البيئة وترسيخ مفهوم التنمية المستديمة من أهم الإنجازات التي تُُحتسب لها. انطلق مشوار "هولسيم – المغرب" عام 1978 بمعمل إنتاج صغير مغربي جزائري في مدينة وجدة شمال شرقي المملكة. كانت الشركة تحمل آنذاك إسم "سيور"، التي أصبحت مغربية إثر إغلاق الحدود بين البلدين. وبعد أن أطلقت الحكومة المغربية سياسة الخوصصة في أوائل التسعينات، تم دمج "هولسيم المغرب" عام 1993 في مجموعة "هولسيم" السويسرية الدولية للإسمنت ومواد البناء لتكون من بين أولى الشركات التي تم تخصيصها في القطاع العام المغربي. ويوضح السيد رشيد الصفار، مدير التنمية المستديمة في "هولسيم المغرب" أن بدء نشاطات المجموعة السويسرية الدولية في المملكة "كان يدخل في إطار سياسة الاستثمار في البلدان الصاعدة التي انتهجتها دائما هولسيم ضمن استراتيجيتها التنموية". وفي حديث مع "سويس انفو" بالمقر الإداري والإجتماعي ل"هولسيم المغرب" بالعاصمة الرباط، أضاف السيد الصفار أن العوامل التي دفعت المجموعة السويسرية إلى الإستثمار في المغرب تمثلت بالدرجة الأولى في توفره على المؤهلات الأساسية لتطوير اقتصاد صاعد ولعرض شروط وضمانات استثمار إيجابية للمستثمر الأجنبي، فضلا عن الاستقرار السياسي. كما أعرب السيد الصفار عن اعتقاده أن تجربة "هولسيم" في المغرب كانت "إيجابية" قائلا: "إن فرع المغرب كان يُذكر دائما كتلميذ نجيب لهولسيم على مستوى التأهيل سواء تعلق الأمر بالأدوات الصناعية أو إجراءات الحفاظ على البيئة في مختلف مواقع الشركة أو مختلف البرامج والأدوات التي يتم تطويرها من قبل الشركة الأم، وكل هذا يتم في ظروف جيدة بالمغرب". وشدد السيد الصفار على أن عملية اندماج "هولسيم المغرب" في المجموعة الدولية لم تواجه أية صعوبات لأن الشركة كانت قائمة أصلا على أسس جيدة قبل التخصيص. وفي نفس السياق، شددت السيدة سعاد التراب، مديرة قسم الاتصالات في الشركة، على أن اندماج "هولسيم المغرب" تم بنجاح أيضا على مستوى التكوين، إذ أن المجموعة الدولية وظفت عددا كبيرا من المغاربة الذين هاجروا للعمل في فروع المجموعة بالخارج واحتلوا مناصب هامة جدا، وهو ما تعتبره السيدة التراب "دليلا على اعتراف المجموعة بالمهنية والكفاءة المغربيتين". التنمية المستديمة.. تصورُ وتطبيق تخصيص "هولسيم المغرب" لقسم يكرس نشاطاته للتنمية المستديمة يظهر الأهمية التي توليها الشركة لهذا المفهوم الذي لا يزال "شابا" حتى على المستوى العالمي. وتُنوه السيدة التراب إلى أن "هولسيم المغرب" كانت "أول شركة مغربية، ليس فقط في مجال إنتاج الإسمنت بل على مستوى النسيج الصناعي المغربي، التي نشرت هذا العام تقريرا حول البيئة وتقريرا حول السياسة الاجتماعية للشركة، وذلك حرصا على الشفافية التامة ومن أجل تقاسم التجارب والإنجازات التي تم تحقيقها في المجالين". ويرى مدير التنمية المستديمة في "هولسيم المغرب" أن الاقتصاد الصاعد في المغرب يحتاج بقوة إلى التطوير بهدف تقليص الفروق الاجتماعية. ويعتقد السيد رشيد الصفار أن هذا التطور يجب أن يرتبط في المجال الصناعي بمفهوم التنمية المستديمة، مشددا على ضرورة الحيلولة دون تأثير النشاطات الصناعية على البيئة، والسعي إلى توزيع عادل للثروة بين مجموع السكان. ولا تنحصر طموحات "هولسيم المغرب" في التقيد بمفردها بهذه المفاهيم بل ترغب في تقاسم خبرتها مع النسيج الصناعي الوطني وإعطاء المثل. ويجسد السيد الصفار هذا الطموح بالقول: "نريد أن نكون أيضا نموذجا للقطاعات الصناعية الأخرى في المغرب (...) إن دورنا كشركة كبيرة ومتعددة الجنسيات في المغرب يكمن أيضا في جر الشركات التي تعمل معنا من اجل الاندماج في مسار التوعية سواء تعلق الأمر بالبيئة أو المسؤولية الإجتماعية (...) وأعتقد ان الحكومة المغربية تعترف لنا بهذا الدور الريادي في مجال البيئة والتنمية المستديمة". التزام تطوعي في غياب القوانين ومن بين ما يميز مجهودات "هولسيم المغرب" في إطار ترسيخ مفهوم التنمية المستديمة والترويج له على المستوى الوطني، مبادرتها طوعا بالالتزام بالقوانين والمعايير الأوروبية والدولية لحماية البيئة، وذلك في غياب قوانين مغربية صارمة في مجال تلوث المناخ أو انبعاث الغازات على سبيل المثال. وقد ذكّر السيد الصفار في هذا السياق أن "هولسيم المغرب" اعتمدت جملة من الإجراءات ووقعت عددا من الاتفاقيات في غياب القوانين، وتعهدت بتحسين مستوى التجهيزات والالتزام بالقواعد الدولية والمضي قدما في تعزيز مشاريع التنمية المستديمة. وقد بادرت الشركة في عام 1997 بالكشف عن إعلانها الخاص المتعلق بالبيئة، كما أبرمت في نفس السنة اتفاقا مع وزارة البيئة المغربية، هو الأول من نوعه في القطاع الصناعي المغربي. وتلتزم "هولسيم المغرب" في هذا الاتفاق بتأهيل كافة وحدات إنتاجها، والالتزام باستخدام تجهيزات تصفية جيدة للحد من انبعاث الغبار. كما أوضح السيد الصفار أن كافة وحدات إنتاج "هولسيم المغرب" مجهزة بمصافي حديثة جدا تجعل نسبة انبعاث الغبار من مواقع "هولسيم" تتطابق مع القوانين الأوروبية في هذا المجال. ووضعت "هولسيم المغرب" في هذا الإطار أجهزة تقوم بتحليل دائم لانبعاث الغبار، وأنظمة لإدارة البيئة موثقة بعلامة جودة "المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس" "إيزو 14001". وتعد "هولسيم المغرب" من بين الشركات القلائل التي تعد على أصابع اليد، الحاصلة على هذه العلامة. مراعاة "الجيران" لكن التنمية المستديمة لا تعني فقط التقيد بعدم التعدي على البيئة، بل أيضا مراعاة صحة وأوضاع السكان المقيمين بجوار وحدات الإنتاج الصناعية. وقد أوضح السيد الصفار بهذا الصدد أن "هولسيم المغرب" تتعاون - في إطار تصور "المسؤولية الإجتماعية" للشركة - مع جمعيات محلية مجاورة لمواقعها من أجل الإسهام في تحسين ظروف عيش السكان، سواء تعلق الأمر بالتعليم والتربية ومكافحة الأمية، أو بالبنى التحتية. السيد الصفار لا يغفل أن القطاع الخاص يعني أولا تحقيق الأرباح، لكن المكسب، في ثقافة "هولسيم" له ضوابط، حيث يقول مدير التنمية المستديمة في "هولسيم المغرب": "نحن أولا شركة. نحاول خلق الثراء، إنه واجبنا تجاه أصحاب الأسهم في هولسيم، لكن هذا لا يجب أن يتم دون احترام البيئة ودون مسؤولية اجتماعية حقيقية". من ناحيته، يشدد رئيس مجلس إدارة "هولسيم المغرب" الفرنسي دومينيك دروي على أن التنمية المستديمة في قطاع الإسمنت تعتمد على ثلاثة محاور أساسية: الإنتاج النظيف، المسؤولية الإجتماعية، والتخلص من النفايات. مأمورية لا تخلو من المصاعب ويبدو من تصريحات السيد دروي أن التوعية بمزايا المحور الثالث، أي تدمير النفايات، هو الذي يواجه أكبر الصعوبات، إن لم يكن الفشل، في المغرب. فرغم أن أفران الإسمنت في هولسيم أثبتت قدرتها على معالجة وتدمير النفايات في ظروف أمنية تامة تتطابق مع المعايير الأوروبية، ورغم أنها عرضت هذه الخدمة على عدد من الفاعلين في القطاع الصناعي بهدف تقديم "خدمة كبيرة للمجتمع"، على حد تعبير السيد درُوي، فإن الالتزام بالتخلص من النفايات دون تعريض الناس والبيئة للخطر لم تقطع الأشواط المرجوة. ويذكر رئيس مجلس إدارة "هولسيم المغرب" أن الشركة وقعت اتفاقا مع إحدى أهم الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مجال النفط في المغرب لاستعادة الزيوت المستعملة، لكن السيد دروي يعرب عن الأسف عن عدم الالتزام في هذا المجال إذ يقول: "عندما تصل شاحنتنا لاستعادة هذه الزيوت، يقول المسؤول عن المحطة إنه أفرغ الشحنة بالأمس وباعها. وعندما يتجول المرء مساء في الرباط أو فاس على سبيل المثال، يرى دخانا كبيرا بشعا ينبعث منه ثاني أوكسيد الكاربون والديوكسين ومنتجات خطرة جدا على البيئة والصحة". وبمزيج من الأسف والصراحة، أضاف السيد دروي في حديثه مع سويس انفو أن هنالك بالفعل تدهورا للبيئة العامة مشيرا إلى حالة مركز تجميع النفايات في الرباط حيث يقضي أطفال يومهم في اللعب وسط قنوات تسرب مياه ملوثة إلى النهر الذي يسبح فيه الأطفال أيضا. ويصرح بهذا الشأن: "يجب أن نتحلى بالشجاعة والأمانة للقول بأنه، مقارنة مع دول صاعدة أخرى، هنالك صعوبة هنا في المغرب لاتخاذ وفرض قرارات جيدة" (في مجال التخلص من النفايات) (...) نحن نصاب بخيبة أمل عندما ندرك ما يمكننا أن نقدمه لهذا البلد على مستوى اعتماد قوانين لمشكلة النفايات، واليوم كلما طرقنا باب الوزارات، نحصل على أجوبة لطيفة جدا ومهذبة، لكن ليس هنالك شيء ملموس". ورغم غياب إطار قانوني حقيقي لإدارة النفايات في المغرب، أبى مدير التنمية المستديمة في "هولسيم المغرب" السيد رشيد الصفار إلا أن يختتم الحديث بنظرة متشائمة للمستقبل، إذ حرص على التذكير بأن هنالك إشارات إيجابية مثل اعتماد ثلاثة قوانين خاصة بالبيئة. ويعتبر السيد الصفار هذه الخطوات تمهيدا لتقنين جديد لبيئة عصرية في المغرب. وبتفاؤل متزن، أضاف مدير التنمية المستديمة في "هولسيم المغرب": "نأمل أن يرى الإطار القانوني الخاص بإدارة النفايات النور سريعا لكي يسمح لنا بالقيام بدورنا على أكمل وجه، عقلانيا واقتصاديا وبيئيا". إصلاح بخات"سويس انفو"2005