ليلة دامية عاشها شارع محمد الخامس والشوارع المتفرعة عنه يوم الجمعة الماضي. قوات الأمن تفننت بشكل «هستيري» في تعنيف متظاهرين ضد العفو الذي ناله مغتصب الأطفال. قصة الوقفة التي انتهت بدماء غزيرة على الإسفلت وعلى الطرقات وفي السيارات والتي عاشتها «الأحداث المغربية» من بدايتها حتى نهايتها، ابتدأت منذ ساعات قبل انطلاق الوقفة. حشود قوات الأمن والقوات المساعدة كانت مرابضة في نفس المكان المعلن للقيام بالوقفة واتضح في نفس الموعد أن الصرامة الأمنية هي اللغة الوحيدة التي ستكون معتمدة في شارع محمد الخامس. مع الساعة العاشرة كان مسؤول أمني يصيح في بضع عشرات من الحقوقيين والصحافيين والفنانين أن الوقفة ممنوعة وغير قانونية ويجب عليهم التفرق. لم يفرق بين هذا التحذير وبين استعمال «الزراويط» غير لحظات قليلة.تدخلت قوات الأمن في البداية بدفع المحتجين ومحاولة تفريقهم لمجموعات يسهل تخليص الشارع منها. باءت هذه المحاولة بالفشل بعد أول إصابة. لتنطلق فيما بعد عمليات الكر والفر بين قوات الأمن والمحتجين، انتهت بتجمع حاشد للمواطنين الذين تزايدوا بشكل كبير وتجمعوا في الحديقة المحاذية للبرلمان. بداية العنف كان نشطاء الموقع الاجتماعي «الفايس بوك» الذين أطلقوا دعوة الوقفة أمام البرلمان، يعتقدون أن سلطات أمن الرباط قد تتجاهل الوقفة أولا لعينة المشاركين فيها وثانيا لأنها لم تكن سوى ردة فعل عادية اتجاه غضب المواطنين على خطأ ارتكب في تقدير من يستحق العفو. لم تتهاون السلطات الأمنية، ولم تأخذ في حسبانها أن الأغلبية الساحقة من المحتجين لم يكونوا إلا صحافيين أو فنانين معروفين أو حقوقيين، مع ذلك لم تشفع هذه «البروفايلات» لأصحابها في عدم الإفلات من ركل ورفس وتنكيل طال العظام والأطراف والرأس. عبثا حاول المحتجون إقناع من كان ينكل بهم بسلمية وقفتهم، حتى وهم يلاحقونهم من شارع إلى شارع ومن زقاق إلى زقاق. هستيريا العنف والضرب والجرح كانت بادية على محيا رجال الأمن الذين يظهر أنهم قضوا ساعات طويلة في انتظار المحتجين وما إن ظهروا حتى أرادوا إنهاء المهمة بأسرع وقت لتتحول وقفة سلمية إلى كابوس حقيقي عاشت مدينة الرباط على وقعه وعلى ذكره طيلة ثلاثة أيام الماضية. القسوة وسادية العنف لم تكن لتمارس على فئة دون فئة في المحتجين في الغالب، كان بعض المشاركين في الوقفة من الشخصيات العمومية المعروفة من ممثلين وصحافيين وحقوقيين، لم يمنع هذا من توجيه اللكم والركل والرفس لهم، في حالات «أضعف الإيمان» كانوا يواجهون بكلمات نابية وكثيرا ما قوبل الصحافيون بمثيل هذه العبارات في حال إشهارهم لبطائقهم المهنية أو في حالات اعتمادهم على آلات تصويرهم الخاصة لتوثيق أطوار الوقفة. الضحايا: لم يكونوا سوى فنانين وصحافيين وحقوقيين لم تكن فدوى مروب المسؤولة عن التواصل بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان وهي تصيح من الألم بعد عمد رجل أمن لضربها بكل ما أوتي من قوة عبر تقنية «السماتش» التي تعتمد على الارتفاع عن مستوى الأرض والنزول قبل النزول بالعصا، لم تكن هذه الناشطة الحقوقية والصحفية المتميزة وهي تعبر زنقة القاهرة مترنحة من الألم ودماؤها تنزف في الشارع من رأسها المفتوح وأذنها المصابة، هي الوحيدة التي لاقت مصيرا مماثلا. الجريدة عاينت كيف أن عددا من رجال الأمن كانوا يرفسون ضحاياهم بعد أن يكونوا قد أشبعوهم ضربا وخارت قواهم. لم تزد قوة التدخل سوى من إصرار المحتجين على إنهاء وقفتهم. سرعان ما تخلى المواطنون العاديون عن كراسي المقاهي المجاورة للالتحاق بالوقفة، وهو ما أجج الوضع كثيرا وصعب المهمة على رجال الأمن الذين زادت عدوانيتهم ورغبتهم في حسم الموقف بأسرع وقت، وهو ما لم يتأت لهم إلا مع منتصف ليلة الجمعة التي سالت فيها دماء أكثر من 60 مشاركا في الوقفة. كادت الأمور تنفلت من السيطرة بعدما التحق عدد من الشباب والمراهقين بالوقفة. هؤلاء لم تكن تخيفهم هراوات رجال الأمن ودخلوا معهم في مشادات كلامية وتحديات كانت تنتهي في الغالب بهراوات تنزل من كل حدب وصوب على رؤوسهم. انتهت الوقفة وغاص الكل في همومه. البعض يحصي عدد الضربات التي تلقاها والبعض الآخر يبحث عن قطع الثلج فيما كان الأسوأ حظا هم من استقبلتهم مستعجلات مستشفى ابن سينا.