غزة/ خانيونس لأول مرة لا أعرف بأي كلمة سأبدأ الكتابة,لأنني عشتُ في حالة من الصدمة عندما رأيت ُمنزل عبد الرحمن أبو معمر من مدينة خانيونس, بِت ُ في حيرة عن ماذا سأتحدث في البداية. حضرت ُ نفسي, وذهبت لزيارتهم, كنت أتوقع بأنني سأرى جدران لن تصمد كثيراً ً, أبواب متهالكة, نوافذ مكسرة, لأنني تعودت على تلك المناظر عند إعدادي لتقارير أخرى. لكن هذه المرة أخطأتُ بالتفكير, لم أشاهد شيئا ً, ما رأيته فقط حجر على حجر ليجمع تلك العائلة في بيت يؤويهم, أفضل من شارع يؤذيهم, ويحمدون الله. أشعر بضيق ولا أعلم لِمَ, رغم أنني أيقن تماما ً أن السبب في ذلك تلك الأسرة التي حملتني همها وألمها, ويجب عليّ أن أتحمله بأي طريقة ٍ كانت. هل سأسرد تفاصيل أول اتصال أجريته مع الزوجة الأولى لعبد الرحمن, أم الاتصال الثاني مع الزوجة الثانية, أم عن الاستقبال الحثيث الذي استقبلت ُ فيه من قبل أولاده الإحدى عشر, وبعض الجيران والأقارب عندما علموا بمجيئي لبيتهم الذي لا يصلح لأن يكون بيت ليحوي أطفال. أم عندما طلبت ُ من زوجتيه أن أرى عبد الرحمن لأتحدث معه, ويا ليت لم أطلب رؤيته, واستكفيت بالحديث معهن ومع أولادهن. في بادئ الأمر خِفتُ أن أبدأ الحديث معه, لأنني علمت ُ من أهل بيته, وتأكدت ُ من صحة هذا الكلام من خلال التقارير والفحوصات الطبية أنه يعاني من صرع شديد, وحالة نفسية خرج بها عندما كان أسيرا ً في السجون الإسرائيلية, فهو هيكل يمشي على الأرض, لا يحمل عقلا ً ليفكر, ولا لسانا ً ليتكلم به جيدا ً, ولا قوة ليعمل, والجميع يبتعدون عنه خوفا ً من بعض تصرفاته الخارجة عن إرادته. عند إعدادي لتقرير عن حالة إنسانية تحتاج لمساعدة, أشعر بأنهم أصبحوا جزءا من تفكيري وحياتي, أعيش معهم بعض اللحظات, أشعر بما يشعرون به, وأتألم معهم, كنت أنظر لوضعهم وأولادهم وأقول لا يوجد فقر أشد من هذا الذين يعيشون فيه, ولم أكن أتصور أن في كل زيارة لأسرة أخرى, أكتشف أنها أشد فقرا ً وألما ً وجوعا ً, حتى أن التفكير في كيفية إحضار الطعام لأطفالهم يستحوذ اهتماما ً كبيرا ً من قبل الأهل بدأت ُ أقلب ببعض الصور التي التقطها في منزله, فاستوقفتني صورة لابنه " عبد الباسط" جميل هذا الطفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات, حاول أن يأخذ خيارة من السلة الموجودة في الغرفة التي بالطبع لا يوجد بها عفش, عندما لاحظ نظراتي تتجه إليه أخذ بواحدة ٌ أخرى وهرب بشدة. حاولت الحديث معه فرفض, تحدثت مع أخيه الأكبر منه "مجد" سألته هل أنت صائم, أجاب بنعم, لكن أشعر بأنه سيغمى عليّا من شدة الجوع, لِمَ, قال لأن ليلة البارحة لم نتسحر وصمت قليلا, لا يوجد لدينا مونة رمضان والسحور, ولم ألقى شيئا في البيت حتى آكله أنا وإخوتي الصغار. تعمدت ُ أن أذهب قبل الإفطار بساعتين, في هذا الوقت تكون روائح الطعام تخرج من النوافذ,وأمهاتنا لا يغادرن المطبخ إلا بإعداد أشهى وأطيب المأكولات في شهر رمضان المبارك, لكن عندما وصلت إلى بيتهم لم أشتم رائحة الأكل التي من المفروض أن تفوح في أنفي من كل حدبٍ وصوب, لم أرى مطبخ, ولا طعام يحضر, سألتهم كيف تقضون رمضان؟ الزوجة الأولى كانت ستبدأ بالإجابة, فقاطعتها الثانية قائلة " الحمد لله" مستورة . فأصريت ُ عليهن أن أعرف الإجابة منهن, فقالت إحداهن, كما قال لك ِ مجد, لم نتسحر كالمعتاد, أما الفطور, فأجابت بهذه العبارة" يوم بطاطا وبندورة, يوم نأكل أي شيء, ويوم من باب الله, الصايم ما بييجي على باله يأكل كثير, والحمد لله على كل شيء". نجوع ونحن نعلم متى نأكل, فتذكروا من يجوع وهو لا يعلم متى سيأكل. أما إذا أردت أن أكتب عن تفاصيل البيت, فهو كالأتي: جدران ستقع, أبواب وقعت منذ زمن, أسطح مكسرة في الشتاء يسبحون الأطفال في مياه الأمطار التي تصب فوق رؤوسهم, وفي الصيف حر شديد, أرضية مدمرة, بيت لا تدخل فيه الشمس لتضيء عتمته, لا يوجد خزانة للملابس, ولا فرن, غاز عند الزوجة الأولى فقط, ثلاجة عند الزوجة الثانية فقط, ستة فرشات, مقسمة بينهن ثلاثة لكل واحدة, بيت خال ٍ من العفش تماما يفتقر لمقومات العيش فيه. هذا وناهيك عن أن الأطفال الذين لم يذهبوا إلى الروضة, لأن عددهم كبير, ولم يستطيعوا دفع الأقساط, أما الطفل عبد ربه, لم يحظى بالتعلم واللعب بالروضة, والمدرسة رفضته, لأنه ضعيف بالدراسة ولم يلتحق بمرحلة تعليم الأطفال كما قالوا. مستقبل أولاد يقتل أمامهم, وعيونهم تنزف دما, وقلوبهم تحترق على حياتهم ومستقبلهم الذي يدفن. أما ما إذا كانوا يتقاضون مساعدات من الشؤون الاجتماعية, حاولوا كثيرا تقديم طلب استغاثة لديهم, وكل المحاولات باءت بالفشل, هم يتقاضون مبلغ 550 شيقل فقط كل ثلاثة أشهر من وكالة وتشغيل اللاجئين الأونروا. ماذا يفعل هذا المبلغ بعائلة تتكون من خمسة عشر فردا. أمنية الزوجة الأولى رغم أنها تعاني من أمراض بالرحم, إلا أنها تتمنى أن ترزق بوظيفة آذنة, حتى تعرف أن في بداية كل شهر ستتقاضى مبلغ من المال لسد احتياجات أطفالها, ولا تمد يديها للقريب والغريب, وتستطيع أن تسعدهم بملابس جديدة للعيد والمدارس, فهم يتمنون شراء تلك الثياب. قطاع غزة يوجد به عائلات كثيرة جدا ومهمشة , لا أحد ينظر إليهم, فهم يتوقون لرؤية خيط أمل أو أيادي بيضاء تمد لهم لتنتشلهم من فقرهم. وإذا كان لا أحد يتطلع إليهم, فنحن كإعلاميين وصحفيين يجب علينا أن نسلط الضوء عليهم, ونساعدهم لنمسح بسمة الألم, ونضع مكانها بسمة أمل. فهل من أحد مستعد؟! لمن يهمه الأمر يرجى الاتصال على رقم/0592116167