عبد الله نهاري كنت ولا زلت لا أريد الخوض في هذا الحديث :" تكشيك الحقل الديني"، فلما وردت في بعض الجرائد، وشاع بين الناس والمشجعون منهم خاصة للدروس والخطب التي يلقيها العبد الضعيف أنني أقلد الشيخ كشك رحمه الله تعالى ، استخرت الله أن أرد بما يسر الله تعالى. 1- هناك من الأخوة من يشبهني أو على الأقل -هكذا يرى- أنني ورثت عن الفقيد عبد الحميد كشك رحمه الله طريقة الالقاء والجرأة في الطرح، وبذلك يدرجون ذلك في خانة الإيجابيات ، ويعتبرون ذلك أحياء لدور المسجد الذي عزل عن قضايا الأمة ، وإستخدم في ادامة تحذير الناس. 2- اخرون لا يخفون في تعليقاتهم أنني أتصنع ذلك التقليد، وأرائي الناس و ادعي ما ليس في ، وبذلك فهم يدرجون الأمر في خانة الالحاق والتبعية وفقدان الشخصية بحثا عن شهرة كاذبة خاطئة. 3- ما ورد في جريدة "وجهة نظر" وغيرها حين أخرجت الأمر من سياقه الفردي الطبيعي ليشكل في نظرها ظاهرة سلبية اطلقوا عليها الظاهرة النهارية التي تعمل لتكشيك الحقل الديني برمته، خارجة بذلك عن نهج علماء المغرب في العصر الحديث المتسم بالوسطية والإجابية والعمل مع مكونات المجتمع ضمن مشروع اصلاحي بطبيعته المغربية المتفردة - لذلك تشتم من المقال رائحة استعداء من يهمهم الأمر ضدي لوضع حد لهذه الظاهرة قبل أن تستفحل وتؤدي إلى الغاء الاستثناء المغربي في معالجة قضايا الأصلاح كما جسدها علماء المغرب الراسخون أمثال : المختار السوسي وعلال الفاسي ومولاي العربي العلوي وغيرهم ...... . وفي عجالة أقول وبالله التوفيق : عبد الحميد كشك صوت دخل إلى كل بيت في ارجاء المعمورة بأركانه الأربعة، هو صوت بلغه الله تعالى إلى حيث شاء ينذر ويبشر ويعلم ويربي ويذكر . فترك اثارا يلمسها كل مسلم على تدين المسلمين ، ولا زال لصوته ذلك نفس الأثر إلى اليوم لمن يسمع خطبه و دروسه ومواعظه. من تلك المنجزات نذكر منها : 1- أحيا دور المنبر، فعد فارسا من فرسانه بلا منازع. 2- كان صداعا للحق غير هياب ولا جبان، وكلفه ذلك من المعاناة ما يصيب السائرين على درب ألحق. 3- كان داعية يحمل هم أمته ، فلم يحصر نفسه في قطريته ، بل تناول قضايا الأمة في شرقها وغربها . 4- إمتاز بغزارة العلم ، وسرعة البديهة ، وقوة الحافظة ، ومتانة اللغة ، وسحر البيان ، وسهولة العبارة ، وصدق التبليغ ، وحرارة الأداء ، رغم انتقاده من قبل كثير من السلفيين بأنه يورد أحاديث موضوعة ، والكمال لله تعالى ، ويكفي المرء شرفا أن تعد معايبه. 5- كان مرابطا في مصر ، زاهدا في المناصب ، راغبا في الأخرة ، وقد عرضت عليه الكثير من الإغراءات لينتقل إلى دول البترودولار وغيرها فكان يجيب :" ولمن أترك مصر؟". 6- كان يسأل ربه الا يقبضه حتى يتم تفسير القرأن ، فكان له ذلك ، حيث صدر له تفسير تحت عنوان " في رحاب التفسير " في أجزائه العشرة. 7- والسابعة التي يغبط عليها هو حسن الختام ، حيث إستجاب الله لدعائه الذي طالما دعا به على المنبر أن يقبضه ساجدا بين يديه فكان له ما أراد وفي يوم الجمعة وبعد أن إغتسل و تطيب وتهيء للخروج للمسجد، وبعد أن صلى ركعتين .......... . على كل حال ، فلو شئت لقلت أن عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى عالم رباني محمدي قرأني سني ، مرابط ، داعية ومجاهد نحسبه كذلك ، والله حسيبه ... ومع حسناته هذه لا يضره ما يعتري كل مسلم من أخطاء ، فالبحر لا تنجسه الاكدار ، وكأني به تلقى من ربه عوضا عن فقدان بصره منذ نعومة أظفاره ببصيرة نفاذة صدق حدسها في أمور كثيرة تناولها ، وليس هذا هو موضوع سردنا ... هذا غيض من فيض سيرته ، فأين عبد الله نهاري من هذا الجبهذ ؟ فلا مجال للمقارنة في أي شيء وفاعل ذلك كمن يريد أن يشبه النملة بالفيل أو أن يناطح الكبش جلمود الصخر العاتي .. وإن كان التشبيه قاصرا على رفع الصوت فقط فإنني أعلن 1- لقد تربيت في بيئة رفيعة ، عرفتني الجبال الشاهقة متيما بالحرية ، شامخ الأنف شموخ قمم الجبال ، لا أطأطئ رأسي الا للذي خلقني ترعرعت في أسرة من أب حامل لكتاب الله تعالى لا يفتر عن تلاوته باليل و النهار ، وأم إنفلذ قلبها من خشية الله تعالى ، كانت رحمة الله عليها مع أميتها تأخذ بيدي وأنا صغير وتأخذني إلى أعلى هضبة تطل على المقبرة فتبكي حتى تبل الثرى فأبادرها بالسؤال عن سر كل هذا البكاء فتجيب -وأنا الطفل الصغير إبن السابعة من عمري- أبكي ليوم أحل فيه ضيفة على تلك المدينة . إنظر رحمك الله بيئة جبلية نفخت في كياني عزة وحريت جعلتني منذ نعومة أظفاري انتقد الكبار حسب فهمي حينها ولم أكن ممن يسهل فطامه أو الضحك عليه بكلمات كما يفعل بالأطفال - والد حامل لكتاب الله ذاكر تال حال ومرتحل ، كلما وقعت عيناي عليه الى رايت شفتيه تتحركان بالقرأن ، وجهه كأن الشمس تجري في وجنتيه ، تعلمت منه كيف أقبل على الله. - والدة تعيش بيننا وسيم الوجل والخوف من ربها تجلل وجهها حتي قبضت ، تعلمت منها حقارت هذه الدنيا .. أما صوت المرتفع فكان قبل أن أسمع من عالم رباني أسمه عبد الحميد كشك رحمه الله ، لقد سمعت في صباي لمسلسل إذاعي بعنوان "سيف ذي يزن" اليمني ، فيه البطل المغوار الذي نذر حياته لجهاد الشرك و الظلم فقاتل لأجل ذلك ، وكان يجابه العدو أو الأعداء بتكبيرة تجلجل السماء تهتز لها عروش الجبابرة .. فوافقت طبيعتي البدوية حيث كنت أقوم مبكرا جدا جدا قبل الخروج للمدرسة في القرية فأقوم بتسخين الماء وتهييئ وضوء والدي ، فأوقظهما قبل أذان الفجر ، فأعمد إلى حمارين ( قرقوش وفرقوش ) فأحمل عليهم القلل واتوجه في الظلمة التي تسبق انبلاج الفجر فأتقمص وأنا صغير ( في ستينيات القرن الماضي ) شخصية ذي يزن ، فأحمل عودا إتخذه سيفا ، والحمار فرسا ، فأصرخ في وجه أعداء وهمين يهددون الأسلام ، فأقاتلهم طوال الطريق المؤدي من المنزل إلى منبع الماء - مستشعرا دائما بالنهاية الحتمية للباطل ، و ظهور مستمر للحق متمثلا في قوله تعالى :" بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصنعون"- . 2- ثم كيف يرضى المسلم أن يلغي شخصيته ويلحق نفسه قهرا بغيره يتشبه بالغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة ، فلا هو أتقن التقليد ولا هو أبقى على مشيته ، فظهر في صورة مثيرة للسخريةو الشفقة ، المسلم يأبى أن يكون قردا يحاكي حركات معلمه ، ولا ببغاء يردد ما يسمعه من غير فهم ولا وعي .. كيف أرضى لنفسي ذلك ، وقد شنع الحبيب صلى الله عليه وسلم على من يفعل ذلك حين قال :"لا يكن أحدكم إمعة ، أذا أحسن الناس يحسن ، وإذا اساؤا أساء" ، فهو مع الناس تبع لهم لا شخصية له ، بل المسلم ألحق هو الحر الأبي ، المستقل المتفرد المتميز بما ميزه الله تعالى من ملكات ، إذا أحسن الناس أحسن وجود ، و اذا انحرفوا وزلوا ذل شامخا ثابتا تزلزل الجبال بمحاذاته ولا يتزلزل. فطبيعتي إذن تأبى التصنع ، وخلقي يكره التزوير وديني يأبى الأنمياع والالحاق ، ولأن صادف الشبه مني لرجل صالح في واحدة من خصاله فقط حتى ولو كانت رفع الصوت فهذا يحدث منه الكثير في عالم الكائنات الفسيح ..... ولن يكون دليلا على التقليد الا عند ضعاف النفوس . وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام يشبه عروة بن مسعود الثقفي ( في صورته) بالمسيح عيسى عليه السلام ، ويشبه نفسه بأبيه ابراهيم عليه السلام ، ويشبه صحابيا بهيئته برجل كافر ، فيستدرك حتى لا يحزن الرجل قائلا : الى أنك مسلم وهو كافر . أي لا يضرك شبهك به .... أن حب الصالحين ، وإقتفاء اثرهم ، هي بغية المسلم الصادق ليحشر يوم القيامة معهم وإلى جوارهم ، ولن يمر ذلك حتما من إلغاء خصائص الأنسان الفطرية التي ميزه الله بها عن غيره ، بل بالتأسي بهم في حسن فعالهم وإن شئت في منافستهم في التقرب إلى الله بجلائل القربات ، فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن يحشر يوم القيامة بعظيم الزاد ويرحل هو إلى ربه خاوي الوفاض . أن هذا لهو عنوان الخذلان والبوار . أجارنا الله تعالى من مسلك الخاسرين ، وسلك بنا سبيل الفائزين ، وصلى الله على سيد الأولين والأخرين والحمد لله رب العالمين .