يبدو جيش الاحتلال الأمريكي في الذكرى الخامسة لاحتلال العراق جيشا منهكا ومنهزما نفسيا بشكل كبير رغم محاولات الرئيس الأمريكي بوش ومساعديه تجنب الحديث عن الهزيمة وإنما الحديث عن السعي إلى تحقيق «النصر الكامل»، لكن الحالة التي وصل إليها الجيش الأمريكي، وفق الدراسات التي تصدر عنه أو عن الجهات المرتبطة به تشير إلى أن الهزيمة النفسية التي تمثل الهزيمة الحقيقية لأي جيش قد بلغت مدى غير مسبوق في تاريخ الجيش الأمريكي، فوكالة شؤون قدامى المحاربين الأمريكيين أصدرت تقريرا في 8 مارس الماضي قالت فيه: «إن نحو 70 ألف جندي أمريكي أصيبوا بمرض طنين الأذن الدائم، وأكثر من 58 ألفا آخرين بالصمم الكامل جراء فترات خدماتهم العسكرية في كل من العراق وأفغانستان». وأوضحت الوكالة أن العبوات الناسفة التي توزع على جوانب الطرق في الدولتين هي السبب الرئيسي لهذه الإصابات، بالإضافة إلى أصوات القصف المدفعي والصاروخي والاشتباكات بالرشاشات من مختلف الأعيرة. وفي دراسة أخرى أعدها الجيش الأمريكي ونشرتها وكالة الأنباء الفرنسية في 7 مارس الماضي، قالت الدراسة إن «الجنود الذين ينتشرون لفترات متعددة يعانون من ضعف روحهم المعنوية ويعانون من مزيد من مشاكل الصحة العقلية والضغط الناتج عن عملهم والاختلال العصبي، وأن نسبة هؤلاء تقدر بحوالي ثلث الجنود، أما معدلات الانتحار بين الجنود المنتشرين في العراق وأفغانستان فقد زادت في عام 2007 عن المعدلات التاريخية للانتحار في الجيش الأمريكي». وأوضح تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية، نشر في فبراير الماضي، أن عدد الجنود الذين حاولوا الانتحار في عام 2007 بلغ حوالي 2100 جندي. وفي تقرير نشرته وكالة رويترز في 15 مارس الماضي عن مسح أجراه الجيش الأمريكي، جاء فيه أن أكثر من جندي من بين كل أربعة جنود أمريكيين في فترة خدمتهم الثالثة أو الرابعة يعانون من اضطرابات في الصحة العقلية، كما أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة الطلاق بين الجنود، وأن نسبة الاضطراب في العلاقات الزوجية للجنود وصلت إلى نسبة 85% منذ اجتياح العراق. وأشار تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في 19 مارس إلى أن عدد الجنود الذين يعانون من آثار نفسية عميقة منذ بداية الحرب في العراق، وحتى الآن، بلغ أكثر من مليون جندي، وقد سعى كثير منهم إلى الانتحار علاوة على الشعور بالإحباط النفسي العميق والتهميش. وحسب دراسة أعدها مركز «نيو أمريكان سيكيورتي» على عينة من الضباط الأمريكيين، خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين، فإن 60% من ضباط الجيش يعتبرون أن الجيش الأمريكي اليوم أضعف مما كان عليه قبل خمسة أعوام. وتأتي هذه التقارير في ظل ارتفاع نسبة الهروب من الخدمة في الجيش الأمريكي بشكل غير مسبوق. ففي تقرير نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية في 18 ديسمبر من العام الماضي 2007، قالت الصحيفة إن عدد الفارين من الخدمة في الجيش هذا العام قد ارتفعت بنسبة 80% من احتلال العراق في عام 2003، وهي نسبة لم تسجل منذ عام 1980، كما أن نسبة الفارين في عام 2007 كانت أكبر من نسبة الفارين في عام 2006 بحوالي 42%، مما يعكس حالة الهزيمة والضياع النفسي الذي يعيشه الجندي الأمريكي. إن الهزيمة الحقيقية للجيوش ليست الهزيمة العسكرية، فكم من جيوش هزمت عسكريا ثم استعادت قوتها ومجدها وحولت الهزائم إلى انتصارات، لكن الهزائم النفسية للجيوش لا يمكن إلا أن تصنع هزائم عسكرية متتالية تقود في النهاية إلى نهاية دولها، ويبدو أن الولاياتالمتحدة تسير على هذا الدرب.