أثارت تصريحات الناشط والباحث والأمازيغي أحمد عصيد حول تعليم مادة التربية الإسلامية في المدارس المغربية الكثير من الجدل في الأوساط المغربية، بحكم أنها مست أحد التابوهات التي تدخل في باب المقدس في هذا البلد. وتوقف عصيد في إطار لقاء حقوقي حول ما اعتبره معوقات تحول دون انصهار المجتمع المغربي في الثقافة الكونية لحقوق الإنسان، وعزز قوله بقراءاته لآيات قرآنية تتضمنها الكتب المدرسية، والتي تشرح، برأيه، نشر الديانة الإسلامية بالقوة والعنف. وسارعت أسماء محسوبة على الإسلام المتشدد في المغرب إلى إدانة تصريحاته بقوة مخيفة معتبرة أنه وصف الرسول ب"الإرهابي"، وحذر في خضمها البعض من أن تجر البلد إلى فتنة دينية داخلية، فيما أكد أحمد عصيد أن قصده حُرّف، حيث قال لصحيفة المساء المغربية "«ليس من اهتماماتي مناقشة الأديان والعقائد وشخصيات الأنبياء، فباعتباري مثقفا مستقلا يؤدّي وظيفته النقدية، وباعتباري ناشطا حقوقيا يدافع عن كرامة المواطن المغربي، فقد كنتُ بصدد الحديث عن المنظومة التربوية المغربية، التي أعتبرها متناقضة في مضامينها ومنافية لأهداف البيداغوجيا العصرية". وتابع عصيد قائلا، "أعطيت أمثلة منها ما يتعلق بالعنف موضوع رسالة النبي محمد إلى ملوك عصره يدعوهم فيها إلى الإسلام تحت التهديد، وقلت إنّ هذه الرسالة تتنافى مع فكرة أنّ الإسلام دين العقل والحوار بالحسنى، والتي توجد أيضا في المقرّر الدراسي، حيث دعوتُ إلى نوع من الانسجام في محتويات الكتب المدرسية من أجل تكوين شخصية مواطنة متوازنة". وفهم من ردود الفعل التي صدرت من قبل رموز السلفية في المغرب ضد هذه التصريحات بأنها كانت بمثابة اتهامات تكفيرية للباحث الأمازيغي بشكل مبطن، وكان في مقدمة هؤلاء الشيخ محمد الفيزازي، الذي فضّل الرد عليها على حائطه على فيس بوك، إذ رأى بعض الملاحظين أن رده حمل تحريضا غير مباشر على القتل. "وجوب سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على القوانين المحلية" عياد أهرام الكاتب العام لجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب قال عياد أهرام الكاتب العام لجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب، في تصريح لفرانس24، معلقا على الجدل الذي أثير حول تصريحات أحمد عصيد، إن "عصيد باحث ومثقف مغربي له مواقف، ونحن كجمعية حقوقية وقعنا عرائض تضامنية معه في إطار حرية التعبير، والمغرب وقع على مواثيق دولية تكفل له هذا الحق". وشدد أهرام على مطلب تجديد الحقل الديني الذي ترفعه جميع المنظمات الحقوقية المغربية"، موضحا أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان "يجب أن تسمو على القوانين المحلية بهدف ضمان جميع الحقوق للمواطن المغربي بما فيها حق التدين"، والذي يعني إمكانية اعتناق أي ديانة دون الخوف من الملاحقة القانونية أو التشهير من قبل المخالفين له. وأكد المسؤول الحقوقي على ضرورة تقديم "قراءة أخرى للدين تتناغم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان"، مشددا على وجوب إشراك الجميع في أي عملية تهم الشأن الديني المغربي، ولا يقتصر الأمر على رجال الدين فقط"، ودعا الدولة لأن تتحمل مسؤوليتها في مثل هذه الحالات بأن "تحمي جميع حقوق الفرد في تبني الديانة الذي يريد واحترام الطقوس التي ترافقها". حذر السلفيين الشيخ الفيزازي تجنب في إحدى محاضراته في مدينة القنيطرة الانزلاق بشكل واضح في عملية تكفير الباحث الأمازيغي، وهو الخطاب الديني الذي تسبب في فترة سابقة في أعمال دموية في المغرب، وألقي إثر ذلك بأبرز شيوخ السلفية في المغرب في السجن، كما توّلد على خلفيته تعاطي جديد رسمي مع الحقل الديني المغربي من خلال ما عرف ب"ترشيد الحقل الديني". وبدا الفيزازي حذرا عند تناوله لموضوع أحمد عصيد سالكا السبل المؤسساتية للمطالبة بمحاسبته، حيث عبر عن "استغرابه" لعدم مقاضاة الباحث الأمازيغي. وقال الفيزازي في مداخلته "أنْ يقوم شخص متبجحا بالطعن في الرّسول في بلد إسلامي، وينعته بالإرهابيّ، دون أن تتحرك أي جهة لمتابعته، فهذه مصيبة". وفي السياق ذاته يستطرد الفيزازي، "إنّ هذا الشخص يسيء إلى النّبي محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، ويتحدث عن رسول الأمة وكأنه يتحدث عن ميسّي أو رولاندو، ويطعن في الدين الإسلامي ويعتبره دينا متجاوَزا". وتابع الفيزازي في الاتجاه نفسه، وبخطاب غير مألوف لدى السلفيين، "نحن لن نقبل إلا بالاحتكام إلى القضاء"، داعيا إلى حوار مع العلمانيين بوسائل وصفها ب "الترغيب والتشويق والتقرب إليهم، بعيدا عن التشدد والقوة"، كما اعتبرا أن "العلمانية انتهت إلى مزبلة التاريخ". وقال الفيزازي إن "هذه الفئة لم يعد لها من خيار، بعدما ثبت فشلُ فكرها، سوى اعتبار أهل الإسلام بأنهم وحوش وقتلة ومصاصو دماء". جهات مقربة من القصر تعيق الإصلاح في المغرب قال عمر المرابط عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي الحاكم في المغرب، في حديث لفرانس24 معلقا على موقف الحكومة المغربية من هذا الجدل إن "الحكومة لا يمكن أن تبدي رأيا في نزاع فكري"، مستدركا أن رئيسها "عبد الإله بن كيران أثار في تدخله أمام شبيبة الحزب أنه لا يجب المساس بالرسول صلى الله عليه وسلم"، في إشارة منه إلى هذا الجدل، كما عبر عن موقفه الشخصي بهذا الشأن على أنه "مع حرية التعبير إلا أن هناك ثوابت يجب احترامها". عمر المرابط القيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي وقال القيادي في الحزب الإسلامي الحاكم إن "الطريقة التي تكلم بها عصيد عن الرسول خاطئة، وكان الأجدر به أن يعترف بذلك"، ولا يرى أي داعي لمحاكمته كما دعا إلى ذلك السلفيين، لأنها برأيه "لا تجدي شيئا"، معتبرا أن هذا الأمر "سيجعل من عصيد ومن أمثاله ضحايا"، كما شدد على ضرورة "مقارعة الحجة بالحجة مع مثل هؤلاء"، بحسب تعبيره. وحول موقفه إزاء ردود فعل السلفيين، يجيب المرابط، "أدين كل من يدعو إلى قتل شخص آخر. وكلام عصيد لا يظهر كفره. عصيد يريد أن يستفز المتطرفين في المغرب"، مشيرا في الوقت نفسه إلى وجود من أسماهم ب"المتطرفين العلمانيين كذلك في المغرب"، كما تساءل حول "دور المجلس الأعلى للعلماء المفروض فيه الإجابة عن مثل هذه الأسئلة"، معتبرا أن "السلفيين قاموا بمراجعة فكرية صادقة ولا يمكن لهم أن يدعوا إلى قتل عصيد". وإن كان هناك تنازع للسلطة الدينية بين القصر وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، يقول المرابط، "شخصيا أقول إذا طالبنا بحرية الاعتقاد، لا يجب للفتاوى أن تحتكر من قبل هيئة واحدة"، أي المجلس الأعلى للعلماء التابع للقصر، "لأنه لا يواكب المستجدات، فمثلا الفتوى التي أصدرها بخصوص المرتد والتي أجازت قتله، كان لعالم من العدالة والتنمية فيها رأي آخر مفاده أن يجب إخضاع الأمر لمبدأ الاجتهاد". وأوضح القيادي في العدالة والتنمية أنه لا يجب أن يفهم أن "هناك صراع بين حزبه والقصر"، إلا أنه أضاف أن "جهات مقربة من محيط القصر تحاول أن تعرقل عمل الحكومة كما هو الأمر في المجال الديني أو الدبلوماسي"، مشددا أن "حزب العدالة والتنمية حزب سياسي ويحترم الدستور وجاء إلى الحكم برغبة شعبية لأجل الإصلاح". المصدر: فرانس 24