أثارت فتوى صادرة عن المجلس العلمي الأعلى، وهو هيئة دينية رسمية يرأسه الملك محمد السادس، تجيز قتل المرتد عن الإسلام، جدلًا حقوقيًا في المغرب. وكانت الفتوى الصادرة أخيرًا في كتاب "فتاوى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء 2004 - 2012"، جاءت استجابة لطلب من وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، بعد طلب المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان حول موقف الإسلام من "حرية العقيدة". وفي الوقت الذي أدان فيه الحقوقيون ما ورد في الفتوى، فإن أطرافًا محسوبة على التيار السلفي لم تخفِ ترحيبها بمضمونها. إنتهاك سافر اعتبر إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن هذه الفتوى تتجاوز أحكام الدستور المغربي والقوانين الوطنية. وقال السدراوي ل"إيلاف": "هذه الفتوى هي بمثابة حكم بالإعدام خارج إطار القانون وخارج إطار جميع الاتفاقيات الوطنية والقوانين الوطنية، وهي تجاوز لدولة المؤسسات، وقد يكون إصدار هذه الفتوى آتيًا على خلفية الصراعات داخل الأجهزة الدينية، بوجود تيارات صوفية وأخرى سلفية ترغب في كسب مكانة إعلامية". أضاف: "هناك جهات تحاول فتح النقاش في مسائل ثانوية لا علاقة لها بالمغربيين، لكننا نفضل نقاشًا حول الحق في الشغل والحق في السكن والأزمة الاقتصادية التي يعانيها المغرب الآن، وهذا النقاش أجدى". وعبر الناشط الحقوقي عن إدانته لكل الفتاوى التي تأمر بالقتل، وطالب الدولة بتأطير وتنظيم القطاع الديني في المغرب، بشكل يراعي القوانين الدولية والوطنية. من جهتها، قالت خديجة رياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خلال كلمة لها أثناء افتتاح مؤتمر الجمعية قبل إن الفتوى هذه تعتبر تحريضًا على العنف، ودعوة صريحة للقتل بسبب الرأي والمعتقد، والتمييز بسبب الدين، وانتهاكًا سافرًا لأبسط الحريات الفردية والحقوق الأولية للإنسان التي نص عليها الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب. لا إكراه في الدين رفض عبد العالي حامي الدين، أحد قيادي حزب العدالة والتنمية الإسلامي ورئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، فتوى المجلس العلمي الأعلى لأنها تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وقال حامي الدين: "نحن مع حرية المعتقد التي تشمل حرية الناس الراشدين في تغيير معتقداتهم الدينية، شريطة عدم توافر عنصر الإكراه، إنطلاقًا من القاعدة القرآنية أن لا إكراه في الدين". أما الناشط الحقوقي أحمد عصيد فاعتبر الفتوى منبعثة من عصور غابرة. وأوضح قائلًا: "إنها تناقض اختيارات الدولة المغربية ومسار الدمقرطة والتحديث الذي اختاره المغربيون، وتعارض الفقه والاجتهاد اللذين عبرت عنهما نخبة متنورة من الفقهاء المغاربة وغيرهم خلال القرن الماضي في موضوع حرية المعتقد، كما تتعارض مع الثقافة المغربية الأصيلة، المتمثلة في الثقافة الأمازيغية التي تخلو من حكم الإعدام". ولم يسبق تطبيق حكم بالإعدام ضد من أعلن تغيير دينه في المغرب، إلا أن القانون الجنائي المغربي يعاقب كل من حاول زعزعة عقيدة مسلم. ترحيب سلفي في المقابل، رحب الشيخ محمد الفيزازي، أحد المعتقلين السلفيين السابقين واستفاد من عفو ملكي، بفتوى المجلس العلمي الأعلى، معتبرًا إياها أعظم وأجل فتوى أصدرها المجلس العلمي المغربي بكل وضوح وشفافية. وتابع: "أتفق تمامًا مع هذه الفتوى القائمة على الدليل الشرعي الصحيح والصريح، وهي الفتوى التي كنا نقول بها دائمًا وأبدًا في محاضراتنا مع العلمانيين وغيرهم، وكنا نتهم بأننا ضد حقوق الانسان، وبأننا نحرض على القتل". للإشارة، كانت الفتوى قد صدرت في سياق تحضير التقرير الدوري السادس لإعمال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فيما كان مصدر من المجلس العلمي الأعلى قد أشار إلى أن الأمر لا يتعلق بفتوى وإنما برأي فقهي. ويقول مضمون الفتوى: "يعتبر كونه مسلمًا بالاصالة من حيث انتسابه إلى والدين مسلمين أو أب مسلم التزامًا تعاقديًا واجتماعيًا مع الأمة، فلا يسمح له شرع الاسلام بعد ذلك بالخروج عن دينه وتعاقده الاجتماعي، ولا يقبله منه بحال، ويعتبر خروجه منه ارتدادًا عن الاسلام وكفرًا به، تترتب عليه أحكام شرعية خاصة ويقتضي دعوته للرجوع إلى دينه والثبات عليه، والا حبط عمله الصالح، وخسر الدنيا والآخرة، ووجب إقامة الحد عليه". وتضيف الفتوى: "لا يجوز الخروج عن هذه الاحكام الشرعية أبدًا بشيء من التفسير والتأويل البعيد تحت أية ذريعة، ولا الخروج عنها ولو قيد أنملة بشيء من الرأي والنظر المخالف لاحكامها المقررة".