نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعده "ديفيد كيركباتريك" وعزام أحمد، تقول فيه إن تسريبات لرسائل إلكترونية كشفت عن التعاون الأمني الإماراتي الإسرائيلي. وكشف التقرير ذاته، أن حكام الإمارات يستخدمون منذ عام نظاما إلكترونيا للتجسس،يقوم بطريقة سرية بتحويل الهواتف الذكية التي يستخدمها المعارضون السياسيون في داخل الإمارات وخارجها لأجهزة رقابة. ويشير الكاتبان إلى أنه عندما تلقى المسؤولون الإماراتيون عرضا لتطوير تكنولوجيا التجسس، فإنهم طلبوا دليلا على أنه فاعل، لافتين إلى أن هذا الكشف جاء ضمن ملفات كشفت في دعوى قضائية للشركة الإسرائيلية المصنعة للبرنامج وهي "أن أس أو غروب". وتبين الصحيفة أن الطريقة التي أراد الإماراتيون التأكد من نجاعة التكنولوجيا فيها جاءت على شكل سؤال: هل تستطيع هذه التكنولوجيا تسجيل المكالمات التي يجريها أمير قطر؟ وماذا عن هواتف الأمير السعودي المؤثر الذي يدير الحرس الوطني؟ وماذا عن تسجيل مكالمات رئيس تحرير صحيفة عربية في لندن؟، وردت الشركة على تساؤلات الإماراتيين بالقول: "من فضلك تجد مرفقا مع الرسالة مكالمتين مسجلتين"، والمكالمتان المسجلتان هما لرئيس التحرير عبد العزيز الخميس، الذي أكد أنه أجرى المكالمتين دون معرفة أنه كان تحت الرقابة. ويلفت التقرير إلى أن الشركة "أن أس أو غروب" هي موضوع قضيتين قدمتا للمحكمة، بشأن مشاركة الشركة، وبطريقة فاعلة، في عمليات تجسس غير قانونية، وهما جزء من جهود سباق التسلح الدولي في عالم تطبيقات التجسس أو التجسس الإلكتروني، مشيرا إلى أن شركات التكنولوجيا الخاصة تقوم بتطوير برامج تجسس متطورة، وتبيعها بعشرات الملايين من الدولارات إلى الحكومات التي تقوم باستخدامها، دون أي رقابة، بشكل يجعلها عرضة لسوء الاستخدام، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، حيث لا يوجد أشهر من شركة "أن أس أو غروب" التي طورت نظاما تجسسيا يغزو الهواتف الذكية. ويفيد الكاتبان بأن الشركة تواجه احتجاجين قضائيين، قدما ضدها في إسرائيل وقبرص، مشيرين إلى أن مواطنا قطريا تقدم في واحدة منهما، فيما تقدم بالثانية صحفيون وناشطون مكسيكيون، الذين كانوا هدفا لبرنامج التجسس الذي طورته الشركة. وتذكر الصحيفة أن الشركة الإسرائيلية باعت هذه التكنولوجيا للحكومة المكسيكية، شرط استخدامها ضد المجرمين والإرهابيين، لكن عددا من المحامين البارزين في مجال حقوق الإنسان والصحفيين ودعاة مكافحة الفساد كانوا الهدف الرئيسي، وتقدموا الآن بسلسلة من الدعاوى القضائية، لافتة إلى أن حكومة بنما اشترت البرنامج، واستخدمه الرئيس في حينه للتجسس على المنافسين السياسيين والنقاد، بحسب ما كشفت وثائق قضية هناك. وبحسب التقرير، فإن رد الشركة الدائم عندما تواجه باتهامات هو أنها تبيع التكنولوجيا للحكومات، وتشترط عليها استخدامها في قضايا التجسس، لكنها بعد ذلك تقوم باستخدامها بطرقها الخاصة. ويستدرك الكاتبان بأن الدعاوى القضائية الجديدة والوثائق المسربة ورسائل البريد الإلكتروني تتحدى بشكل مباشر تأكيدات الشركة المتكررة، وأنها ليست مسؤولة عن الاستخدام غير القانوني للتكنولوجيا على يد الحكومات. وتقول الصحيفة إنه في القضية المتعلقة بالإمارات، فإن الدعاوى القضائية تناقش أن شركة مرتبطة ب"أن أس أو غروب"، حاولت التجسس على مسؤولين في حكومات أجنبية، وسجلت بنجاح مكالمات صحفي، وذلك بناء على طلب عملائها الإماراتيين قبل 4 أعوام. ويكشف التقرير عن أن هذه التكنولوجيا تعمل من خلال إرسال رسائل للهاتف الذكي، الذي يملكه الشخص المستهدف، وتكون هذه طعما ليقوم المستخدم بفتحها، ولو فعل ذلك فإن الهاتف يقوم بطريقة سرية بتحميل برنامج التجسس المعروف باسم "بيغاسوس"، بحيث تستطيع الحكومات مراقبة الرسائل الإلكترونية والاتصالات، وحتى اللقاءات وجها لوجه التي يجريها صاحب الهاتف. ويفيد الكاتبان بأن الوثائق تشير إلى أن الشركة المرتبطة بمجموعة "أن أس أو" اقترحت لغة محددة للرسائل النصية التي تخرب الجهاز وتجعله عرضة للرقابة، وتمت صياغتها لتناسب الدولة الخليجية بدعوات صديقة، مثل "رمضان على الأبواب"، و"احفظ عجل سيارتك من الانفجار بسبب الحرارة"، لافتين إلى أن الوثائق الفنية تكشف عن أن الشركة ساعدت عملاءها على نقل البيانات المسروقة من الهواتف الذكية عبر شبكة حاسوب متقنة. وتنقل الصحيفة عن المحامي علاء محاجنة، الذي تقدم بالدعوى القضائية ضد الشركة في إسرائيل بالتعاون مع المحاضر في القانون في جامعة سيتي في لندن مازن المصري، قوله: "ندفع من أجل أن يلاحق القانون التكنولوجيا"، مشيرة إلى أن "أن أس أو غروب" رفضت التعليق حتى تراجع الدعاوى القضائية، فيما لم تعلق السفارة الإماراتية في واشنطن. ونشرت "نيويورك تايمز" في العام الماضي تقريرا عن تعرض محامين بارزين وناشطين وعاملين في حملات ضد الفساد، من خلال برنامج التجسس الذي اخترعته الشركة الإسرائيلية، وأعلنت الحكومة المكسيكية عن تحقيق فيدرالي، لكنه لم يقدم شيئا، ما دفع الناشطين والمحامين للتعاون والكشف عن عمليات القرصنة التي مارستها الحكومة وتقديم دعاوى ضدها. وينوه التقرير إلى أن الدعاوى القضائية تكشف عن المؤامرات السياسية بين إسرائيل وملكيات الخليج، التي بدأت في الاعتماد على القرصنة الإلكترونية لمواجهة بعضها، مشيرا إلى أن الإمارات لا تعترف بإسرائيل، لكن البلدين أقاما على ما يبدو تحالفا سريا. ويقول الكاتبان إنه بسبب اعتبار إسرائيل برنامج التجسس الذي طورته الشركة سلاحا، فإنه لا يمكن في هذه الحالة بيعه للإمارات دون موافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، مشيرين إلى أن الرسائل الإلكترونية التي سربت وأرفقت مع الدعاوى القضائية، تظهر أن الإمارات وقعت عقدا للحصول على رخصة برنامج الشركة في غشت 2013، وبعد عام طلبت شركة بريطانية مرتبطة ب"أن أس أو غروب" من الإمارات دفعة سادسة، وهي 3 ملايين دولار بناء على العقد الأصلي، ما يشير إلى أن ثمن الرخصة الإجمالي يصل إلى 18 مليون دولار، وتم بيع نسخة محسنة منه بعد عام، وهذه المرة قامت شركة في قبرص مرتبطة بالمجموعة، بشرائه بقيمة 11 مليون دولار، تدفع على أربع دفعات. وتذكر الصحيفة أنه بسبب التوتر بين الإمارات وجارتها قطر بشأن مصر، حيث دعمت الأولى الجيش، أما الثانية فدعمت حكومة الإخوان، فلهذا لجأ كل طرف لسلاح القرصنة الإلكترونية، واتهم كل واحد منهما الآخر بشن حرب إلكترونية ضد الطرف الآخر، وتم تسريب رسائل بريد إلكتروني لمعارضي قطر في واشنطن، خاصة رسائل سفير الإمارات يوسف العتيبة، وجامع التبرعات للحزب الجمهوري والمؤيد للإمارات إليوت برويدي، الذي قدم دعاوى قضائية، اتهم فيها قطر بالتآمر وتسريب رسائله الإلكترونية. ويلفت التقرير إلى أنه تمت القرصنة على وكالة الأنباء القطرية، ونشر خطاب محرج للأمير، ومعلومات أخرى حول تفاصيل المفاوضات لإطلاق سراح صيادي طيور قطريين اختطفوا في جنوبالعراق، مشيرا إلى أن قطر اتهمت الإماراتيين بالوقوف وراء التسريبات، وتم الكشف عن الرسائل الإلكترونية المسربة في دعاوى قضائية، قال محامون إنهم حصلوا عليها من صحفي قطري، رفض الكشف عن الطريقة التي حصل عليها، وتكشف الرسائل عن محاولات الإماراتيين مراقبة هاتف أمير قطر منذ عام 2014. ويقول الكاتبان إن الإماراتيين استهدفوا السعودية أيضا، فقد سأل الإماراتيون شركة "أن أس أو غروب" إن كانت النسخة المحسنة تستطيع اختراق هاتف رئيس الحرس الوطني في حينه الأمير متعب بن عبدالله، الذي كان مرشحا لوراثة العرش، وكان الإماراتيون يدعمون الأمير محمد بن سلمان، الذي قام العام الماضي بعزل ابن عبدالله عن قيادة الحرس الوطني، واعتقاله لفترة قصيرة في اتهامات فساد، وعبر الأمير متعب في مقابلة هاتفية عن دهشته من محاولة الإماراتيين التجسس على مكالماته، قائلا: "ليسوا بحاجة للقرصنة على هاتفي.. أستطيع إخبارهم بما أفعل". وتورد الصحيفة أنه بحسب الرسائل الإلكترونية، فإن الإماراتيين طلبوا التجسس على مكالمات رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، ويتهم الحريري بأنه لم يقم بما فيه الكفاية للحد من تأثير حزب الله وإيران في لبنان، مشيرة إلى أن حليف الإماراتيين ابن سلمان احتجز في العام الماضي الحريري في الرياض، وأجبره على الاستقالة، أما الخميس، الذي استقال عام 2014 من تحرير صحيفة "العرب"، فقد اعتبر مراقبة هاتفه "غريبا جدا"، لكنها ليست متوقعة؛ لأنه نشر مقالات "حساسة" عن السياسة في الخليج. ويفيد التقرير بأن الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور كشف في عام 2016 عن استخدام الإمارات تكنولوجيا التجسس للشركة الإسرائيلية "أن أس او غروب"، حيث لاحظ رسائل غريبة للقرصنة على هاتفه "آي فون"، واعتقلته الإمارات في العام التالي بتهم لا علاقة لها بالقرصنة، ولا يزال في المعتقل. وينقل الكاتبان عن شركة "أبل" المصنعة للهاتف، قولها بعد القرصنة إنها أصدرت برامج محسنة، تكشف عن تعرض الهاتف لبرامج القرصنة التي تنتجها الشركة، وأضافت أنها ستحقق في الموضوع، و"أنها لا تعلم ولا تستطيع التحقق من حالات معينة"، لكن الوثائق المرفقة في الدعاوى القضائية تظهر أن الإمارات واصلت استخدام "بيغاسوس" بعد إعلان "أبل" إصلاح الوضع وتأكيد الشركة أنها ستحقق. وتذكر الصحيفة أن السعودية والإمارات أعلنتا في 5 يونيو 2017 عن محاصرة قطر، في محاولة لعزلها، وبعد عشرة أيام ذكر بريد إلكتروني داخلي إماراتي، ورد ذكره في الدعاوى القضائية، 159 عضوا في العائلة الحاكمة في قطر، مسؤولين وغيرهم، من تم استهداف هواتفهم ببرنامج التجسس الذي طورته الشركة الإسرائيلية، ووعد بتقديم تقرير عما تم العثور عليه من أهم 13 هدفا. ويورد التقرير نقلا عن مسؤول إماراتي تم الكشف عن هويته في الدعاوى القضائية بأنه مساعد للأمير خالد بن محمد، مدير المخابرات الإماراتية وابن الحاكم الفعلي للإمارات، قوله: "بناء على تعليمات سموكم فقد تمت مراجعة كل ما جمع من الأهداف في قطر". وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن منظمة "أمنستي" قالت بعد شهر إن واحدا من أعضائها العاملين في السعودية استهدف بالبرنامج ذاته، وكالعادة قالت "أن أس أو غروب" إنها لا تتحمل المسؤولية.