ما أجمل أن نتساءل، وما أجمل أن نحب وما أجمل أن نجد من يحبنا , إنها عبارات جميلة المعنى, رفيعة المنزلة قلما الذي يشعر بها, وبمعناها ويجدها في واقعه, ويطبقها في حياته فكم تغنى الشعراء بالحب, وكم هامت قلوبهم, ودمعت عيونهم وحزن قلبهم, إما ببين أو هجر قد قدر.. وقليلا ما هم الذين يعرفون ويقدرون معنى الحب, تلك النعمة العظيمة التي يملكها كل كائن حي, تملكها الطبيعة عندما تحضن بدرا عيها قطرات السماء، وعندما تبكي السماء لتبتسم الأرض وتحي وتلد من جوفها زهورا وورودا تزهوا معها الفراشات وترقص فوق البساتين , لتلد فجرا تموج سماؤه عطرا وبهجة وعيدا . لكن هل كل من في الأرض يستطيع أن يحب ؟ وهل كل حبيب محبوب ؟ وهل كل محبوب حبيب ؟. إن الفضيلة والأخلاق والحسن والجمال والعطف والحنان والإخلاص لا يمكن أن تكون بغياب مبدأ رفيع, هو الحب, ولا وجود للحب إذا لم يكن هناك أناس يقدرونه ويعرفونه, ولذلك إذا أخذنا سيرة “امرؤ القيس” مثلا أو “جميل بثينة” أو غيرهم ممن قدروا معنى الحب وأخذنا نغوص في بحر قصصهم في هذا الزمان قد يستغرب الكثير لحال هؤلاء الشعراء الذين قدروا الحب والمرأة وأخلصوا في حبها وتقديرها واحترامها وقدروها وأجلوها لا لشيء سوى أنهم أدركوا جمالية الحب فأخلصوا وأبدعوا فيه من خلال هذه الجوهرة الغالية المرأة وياله من حب لا تشوبه شائبة . ليس فيه طمع من دنيا ولا خداع ولا غش ولا خيانة, عرفوه فصانوه وأعزوه, واعتبروا ذله عزة لهم ذلك لأنهم عرفوا قدره فمارسوه بصدق وأمانة حتى قال الشاعر امرؤ القيس: أمر بالديار ديار ليلى وأقبل ذا الجدار وذا الجدار وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار هذا هو الحب الذي تعتريه الأحاسيس الرقيقة والشعور الجميل والأخلاق والتقدير والاحترام والحب الذي افتقدناه وأصبح كزبد البحر تحمله الرياح أنى شاءت وأصبحنا نجتربه الماضي ونفلسف بجهلنا الضعف, وأصبحنا من كثرة ما افتقدنا الشعور به نحن إلى عظماء التاريخ لنقرأ عن سيرهم ونطبقها على شكل مسرحية فوق الخشبة, نحاكي بها الأطلال ونفاخر بها الأجيال التي تفقد عذرا معناه الحقيقي, حتى أصبح بيد الكثير نزوة ورغبة في تلبية شهوات قذرة سرعان ما تذوب كما يذوب الثلج . والغريب أن ثقافة الحب تتغير باستمرار عند الضعفاء من جيل إلى جيل وتتغير بذلك المبادئ والقيم وتتبدد كثيرا عما كانت عليه.