عبد الرحيم فوزي صوت ريفي أصيل، يعترف له النقاد والمهتمون بالإجادة في نظم الشعر، يحبونه لأنه " شاعر" ينظم شعراً( أقول شعراً) ..هو شاعر بداخله تربة خصبة لتضاريس الريف الجميل، تنبتُ فيها شجرةٌ يانعة،وارفة الظلال، ويُرجى جناها، والشعر الأصيل أحد فروعها.. يتميز عن غيره بالجودة، و العطاء، والحضور،وقبل كل هذا بالغيرة على هذا الفن الذي يؤمن بأن من يقترب منه عليه أن يفهم بأنه فن مقدس لا مجرد كلمات متراصة.. نقرأ شعر عبد الرحيم بشغف، وحين نستمع إليه ( وهذا أمر يُجمع عليه كلُّ من يعرفه خاصة) تُستثار في داخلنا أحاسيسُ نعجز عن ترجمة وقْعها على النفس، وتوحي لنا بأن الرجل ليس عادياً أبداً. ليس عادياً لأن به مساً من الشعر ، تحس معه بالمتعة الخالصة حين يتناول موضوعات دقيقة عن الريف، وعن شخصياته، وناسه؛ لذلك يُعد شعره "ديواناً ريفياً" بامتياز، ومرجعاً يمنح المعلومة، ومعها المتعة؛يأخذ فوزي بيدنا نحو عوالم مفقودة ، في الريف، تحرضنا لنعرفها ما دمنا من أهل الدار.. هي حالمة ، يريدها كذلك، لكن واقعية تماماً .. إنه الشاعر المحبوب الموهوب عبد الرحيم فوزي.. س - الشاعر عبد الرحيم فوزي ، أهلا بك في "العرين".. منْ أنت بعيداً عن الشعر ؟ ج - أنا عصفور يغرد أغنية الصمود لكل الأمازيغيين ، إنسانٌ عادٍ، أكابد كما غيري يفعل ، في هذه الحياة.. س- لماذا الشعر بالضبط، وليس فناً آخر؟ ج- ليس اختيارياً، إنما الصدفة كان لها سلطتها في هذا الشأن، ولطالما استمتعتُ ، في صغري، بِ "إزران" يُؤديها الرجال والنساء على السواء بشكل جميل في الأعراس الريفية، كانت تأخذني رجفة وهزات وأنا أستمع إليها؛ كما لوالدتي، يرحمها الله، دور كبير في تكويني الشعري، كانتْ تُحسن التعليق شعراً على مواقفَ حياتية كثيرة تقع في أسرتي، أو خارجها، وفي مناسبات عدة، كنتُ أصغي إليها، وفي النفس سؤال مُحير : "متى هيأت هذا، وهل كانت تعرف قبْلا ..."؛لم أكن أجيد شيئاً في صغري غير مهارة حسن الإصغاء فكانت تُستثار ،في داخلي، طاقة لأن أقول أنا أيضاً مثل ما أسمع من أمي ، أو من إزران.. والشعر هو الجنس الوحيد الذي يمنحني طاقة على التحليق عالياً.. يقول الشاعر أحمد مطر : " كلما ركبتني القصيدة يخف وزني ." وأنا وزني خفيف رغم جثتي ( يضحك).. س- لشعرك المتميز دور في شهرتك، وأظن أن قصيدة "يناير" أول غيث هذه الشهرة؟ ج- الحديث عن قصيدة "يناير" هو حديثٌ عن القضية الأمازيغية برمتها، هي مرجعيتي في الشعر، وللتذكير فقط فالقصيدة هي بعنوان " ثَحَرْيَات " / عاصفة عام1984 ، ولكنها اشتهرت بِ "يناير" لأن هذا الشهر ،في ذاكرة أهل الريف، راسخ لا يُنسى بسبب الأحداث الرهيبة التي حدثت في أيامه السوداء ال 17 و18 و19 ..وكما يقول الشاعر محمود درويش:" القضية الفلسطينية أكلت شعري."؛والهَمّ الأمازيغي فعل نفس الشيء معي، وللأمانة أقول بأني أكرس شعري لكل الموضوعات التي لها صلة بالإنسان بشكل عام، إلا أنَّ لقصيدة " ثَحَرْيَات "أو" يناير" كما يحب جمهوري أن يسميها وقعاً خاصاً ليس معي فقط إنما بالنسبة لكل الأمازيغ، هي جرح المنطقة ككل، ولهذا فالتعامل معها يأخذ منحى خاصاً جداً لدرجة أن جل مشاركاتي الشعرية ، في ملتقيات ومهرجانات أكون ضيفاً فيها، يطالبني الجمهور وبإلحاح عجيب من أن أقرأ على المسامع قصيدة "يناير"/ ثَحَرْيَات ، وحين أرددها بطريقتي أمام الجمهور أحس بأني لسان الريف : يناير، يناير ماني شَكْ غَنايرْ مانْ آسْ ذي شْغَانيذَارْ حِيما شْذايَسْ نْخايَرْ ذِينِي يَفروري وَكسومْ يجين دَمْ اسِيّر كْسينْ موحنْد زي ثواثْ لا يِجْ ما يسيوَرْ يُوحَرْ ما ذْينّجْبَذْ لا يِجْ ما ثِغاوَرْ يناير، يناير ماني شَكْ غَنايرْ ثفوشتْ ثَرْنِي ثَغْري غَا تَسيجْ أتذْوَرْ ثيرو إِزَرْمان نَسْ زكْجَنا أَتاوَرْ طْرَمَا غَنَتّى يَرنِّي ذِرَهْوَرْ ثَمَدّيثا تْحَديقْ عَمّاصْ ما تَمْرَرْ يناير، يناير مَانِي شَكْ غَنايرْ زّاثْ يذورْ ذَفار ذَفّارْ و سّي مانِي يَذوَرْ رامي يَذورْ الناظور ذِرخفيفْ إفَتر أيا زمانْ سْرايِ أرّدْ خَافي سِوَرْ غاري أطاس إسقسانْ كورشا ماني يُويَرْ مِنْتَڭى تاويمة ثِخْذاتَثْ ديجْ أوندرْ يناير، يناير ماني شَكْ غَنايرْ س- فضلا عن شعرك الأصيل تمتلك صوتاً جهورياً رناناً، وكثيراً ما ترمي بالميكروفون جانباً، وتنخرط في " القول".. صوتك ثورة، صرخة مسموعة، لماذا ترفع صوتك، حين تقرأ شعرك ، بهذا الشكل؟ ج- إن الأداء مكون من مكونات القصيدة، عنصر أساس فيها، وأنا بطبعي أحسب حساباً لهذه القضية، أمنح %30 للصور الشعرية وغيرها، و% 70 كله للأداء، وعبر قناته أتمكن من إيصال ما أحب من رسائل.. وهناك من الشعراء العرب من استوعب هذا، فتراهم لا يؤدون قصائدهم أبداً لأن الإلقاء عندهم سيء، ويتولى عنهم غيرهم قراءة أشعارهم. س- في لقاءات كثيرة جمعتني بك، تحدثنا فيها عن "تأخرك في طبع ديوانك الأول" ،ولأني لُمتك كثيراً على هذا سيما أنت، في الريف، الشاعر المعروف الأصيل، كنتَ تجيبني بحدة ، وبحسرة..أحب أن أشرك معي القارئ العزيز وأطرح عليك السؤال من جديد..لماذا لم تطبع كتابك لحد الآن؟ ج- لي وجهة نظر في هذا الموضوع تتمثل في أن الهرولة المحمومة وراء طبع الكتب دون امتلاك ناصية " الكتابة" نتائجها وخيمة ، هذا أولاً، وثانياً، وهذا هو الأهم، ليس معياراً أبداً كثرة الكتب حتى نضمن صفة "شاعر" ، فالمجاطي له ديوان واحد، وهو شاعر كبير، وغيره لهم عدة دواوين، ولا يزالون في مَهمة البحث عن" الشاعر " فيهم، ولا يعثر عليه من يقرأ لهم ممن يعشق الشعر ويفهمه، وعموماً صفة شاعر لها معاييرُ أخرى.. ومع ذلك هذا لا يعني أني ضد طبع ديواني الذي سيرى النور قريباً. س- " الريف" واسطة عقد شعرك.. حدثنا عن التيمات التي تشغلك حين يسمح شيطان شعرك؟ ج- أقِرُّ أولاً بأني أتعب شيطاني متى زارني، وفي لقاء جمعني بالشاعر الكبير محمد علي الرباوي قال لي بالحرف : "تْهَلا فيك شيطانُك".. يومها علقتُ مداعباً بأن السبب في هذا " التاهلو" هو أن لي شيطانة لا شيطان.. ليس ضرورياً أن تكون موضوعاتي مستقاة من الريف" ، إنما كل ما له صلة بالإنسان في صراعه مع الحياة.. س- بعضهم ،إذا أراد أن يتحدث عن الريف، تراه يحصر شعره في محمد عبد الكريم الخطابي، أو ما له صلة بهذا المقاوم الفذ أو غيره.. لدرجة أصبح بعض الشعراء عندنا نسخًا متعددة لموضوع واحد يتكرر كثيراً.. كيف ترد؟ ج- الشعر أسمى من أن نحصره في موضوع واحد، ومحمد عبد الكريم الخطابي رمزنا، وهذا صحيح ونفخر به، لكن التقيد به، وتكريره كتيمة شعرية عند شعراء أمازيغ كثيرين لا معنى له سوى سوء الفهم لدور الشعر في نصرة كل القضايا.. ثم إن اللعب على حبل واحد يمنحنا شعراء كثيرين لكن القصيدة واحدة في النهاية. س- يتحدث الشعراء عن "شيطان الشعر".. لا تعدمه أنت أيضاً، فمتى يزورك؟ وهل يتحدث الريفية؟ههه.. ج-لا وقت لدي محدداً حين أنظم قصائدي، وشيطانتي لا شيطاني تزورني دون استئذان، وتتحدث معي اللغة الريفية، أحياناً تستفزني وتوقظني، في أوقات متأخرة، فينام الليلُ على جفوني ويجفوني، ، وأحياناً أخرى تظل صامتة تحلق في عيني اللتين تظلان مفتوحتين على قصيدة جديدة تلوح لي في الأفق، ومتى اطمأنت بأني أمسك بتلابيبها تركتني ، وانسحبت دون ضجيج.. س- أعني ما أقول حين سألتك عن شيطانك ما إذا كان يتحدث " الريفية" لأن بعض الشعراء يترجمون أقوال "شياطينهم" التي تتحدث لغة عربية لا ريفية، فنعدم في شعرهم ذلك الحس الأمازيغي الأصيل.. ألا توافقني؟ ج- في هذا أشاطرك الرأي، هناك شعراء كثيرون يترجمون أشعاراً عربية أو فرنسية فينقلونها إلى تربة أمازيغية فيسقطون في " الزيف" ، وتصبح الحمولة الثقافية الريفية التي من المفروض أن تُستمد من الأصالة الأمازيغية، منعدمة تماماً.. س- أنجب الريفُ شعراء كثيرين من طراز رفيع أمثال سعيد الموساوي، وأحمد الزياني، وخالد هرفوف، وفاظمة الورياشي، وسعيد أقوضاض ، و(...)،ما الذي يميزك عن هؤلاء؟ ج- منْ ذكرتَ في سؤالك هم شعراء جُبلوا من طينة ريفية خاصة، ولكل واحد منهم تكوينه، ورصيده، وحمولته الثقافية، ولا أدعي أي تميز لي عنهم مقارنةً بهم، ولكنَّ لي لوناً خاصاً بي ، "فوزياً" بامتياز ، ولا أحد يشبهني فيه، بل ويمكن أن أسجل بفخر بأن الشعراء الذين ذكرتَهم في سؤالك هم عالميون ، ومشهورون، لهم وزنهم مثل سعيد الموساوي، وعمر بومزوغ فهما شاعران بكل ما تعني الكلمة من معنى. س- باعتبارك شاعراً تحضر ملتقيات كثيرة ، تنظمها جمعيات في مدينتك الناظور، ماذا تضيف للمشهد الثقافي برأيك ؟ ج- إن المهرجانات التي تقام هنا وهناك المفروض أن يُكرس البرنامج المسطر لها لخدمة التنمية على اعتبار أنها إضافة نوعية- أو هكذا يجب أن تكون- لتسليط الضوء على أهم ما يُستحدث في المجالات الثقافية، إلا أني أسجل، كمتتبع ومبدع، أن بعض هذه المهرجانات تلبس أثواب السياسة، فتخفي في تلابيبها الجوهر منها وهو خدمة الثقافة، مما يعني أن الظاهر فيها كما جبل الجليد، ليس ما هو مستور أبداً ، وطبعاً الحصاد في النهاية سلبي مما له علاقة بالمشهد الثقافي بالمنطقة..ومع ذلك لا نبخس حق من يُحَكم ضميره، ويضع نصب العين الثقافة وليس شيئاً آخر، وهؤلاء كثيرون والحمد لله..أشد على أيديهم بحرارة. س-أنت مبدع أمازيغي، ولكنك تشارك في برامجَ لجمعيات تنتصر للتعدد اللغوي، وأقصد هنا اللغة العربية.. ما موقفك من هذه المعادلة..؟ أنا شاعر أمازيغي صحيح، ولكني لا أجد حرجاً في المشاركة إلى جانب إخوتي المبدعين مهما كان لسانهم، ولساني ،إن اختلف عنهم، لا يعني ألبتة إدارة الظهر للثقافة، هذه تتحدث كل اللغات، وأنا أفهمها والحمد لله.. ودعني أخبرك أمراً طريفاً قد يسعفني في إيصال ما أود قوله..لي مشاركات كثيرة في مدينتي ، وفي المغرب كله،وحين يأتي دوري وأتلو شعري بالأمازيغية ألحظ ، وأنا فوق المنصة، سهومَ الحاضرين، وفي أعينهم أسئلة كثيرة، ومتى انتهيت تتأكد لي ملاحظتي حين يحاصرني الجمهور ، ومنهم شعراء عرب مشهورون فيقولون لي :" نحن ،صحيح، لم نفهم لغتك، ولكن رسالتك وصلت، أداؤك مُذهل.." وبعض الجهات المنظمة، والقائمون على " أعراس " الشعر عليهم أن يفهموا أن للإبداع فماً واحداً ، ويتكلم اللغات كلها، أبوابه مشرعة للجميع.. س- شباب في عمر الورد سكنهم الشعرُ، وآسرهم ، سجلوا حضورهم ونَظَموا قصائدَهم الأولى، وربما طبعوا دواوينَ أيضاً.. لمن تقرأ من هؤلاء ؟ ج- أقرأ الشعر كثيراً، ولي اطلاع مما ينظمه شبابنا، وأتابع مسيرتهم الإبداعية، سواء ما تعلق منها بالعربية ، أو الفرنسية، أو الأمازيغية، وأشهد بأن هناك تجارب تستحق أن تُصان،وأن يلتفت إليها المُهتمون ، كما ألحظ على آخرين تسرعاً لا يليق بالشعر، وعليهم أن يقرؤوا كثيراً قبل الكتابة، أو أن يقرؤوا فقط دون كتابة .. والهدف ليس في النهاية هو تلبية نداء رغبة محمومة لطبع ديوان، بقدر ما هو حرص على خلق بصمة أدبية تليق بأسمائنا حتى تترك أثرها. س- لبعض الشعراء طقوس غريبة في نظم قصائدهم.. تواتيهم "مواقفُ غريبة"..حدثنا عن طقوسك؟ كيف تواجه قصائدك؟.. كيف تنظمها؟ ج-لا طقوس لدي، ولكن هو نوع من " أمنوس" لا بد منه ، يصيبني في مقتل ، ويدعوني لأن أبحث لقصائدي عن ينبوع يتفجر منه ماءٌ زلال، فُرات لكل ظمآن. س- ألم يحصل مثلا أن مدتْ لك قصيدةٌ ما لسانَها ساخرة منك قائلة : " أنت سخيف.. لقد بخستني حقي"؟ ج- مراراً ( يضحك عالياً). س- وما رأيك في شعر الهايكو؟ ج- هي قصيدة لذيذة ملائمة لعصر السرعة.. أحلم بالهايكو الأمازيغي، وحالياً أشتغل على تجربة في الهايكو الأمازيغي ... س- ما هو رصيدك من الجوائز الأدبية؟ ج- بنك الجوائز لدي عامر، ورصيدي منه كثير والحمد لله، على المستوى المحلي فزتُ بالجائزة الأولى لمدة ست سنوات على التوالي( 1997- 1998-1999-2000-2001-2002) في مسابقة خاصة بمهرجان الشعر العربي والأمازيغي، المنظم من طرف "جمعية التنمية الثقافية"، و كذك نلتُ جائزة القاضي قدور التي تشرف عليها جمعية " إلماس".. وهذا كله يُغنيني لكنه يثقل كاهلي بمسؤولية كبيرة.. علي أن أكون شاعراً أمازيغياً شكوراً، وقبل الشكر لا بد من العمل والمثابرة حتى أضمن للريف المكانة اللائقة التي يستحق في جنان شعر الدنيا.. حينها فقط أفخر بكل الجوائز التي نلتها. س- ما هو العنوان الذي تختاره لديوانك القادم ؟ ج- "عاصفة"/ ثَحَرْيَات.. س- ماذا تقول في : "مجموعة إثران"- الدكتور عبد الله شريق- الإبداع - الحرية- عبد الرحيم فوزي. ج- "إثران": سفير الأغنية الأمازيغية عبر العالم.. الدكتور عبد الله شريق : من أوائل الأساتذة الذين تنبهوا لموهبتي، وشجعوني على نَظم الشعر، شكري الحار له. الإبداع : ضوء خافت في ظلام دامس. الحرية : نطمح إليها. عبد الرحيم فوزي : علامة استفهام مُمتدة من عمق الأرض إلى عُلو السماء. س- كلمة أخيرة شاعري الغالي سي فوزي ج- شكري الحار لمُحاوري المشاكس ميمون حرش،وتحية "للعرين"، وأزف باقة ورد لكل زُوّاره، وقرائه.. ميمون حرش