مرة أخرى أعود للحديث عن جمعية الماس الثقافية التي كانت جد نشيطة في بداية التسعينات ، بعد استدعاءها لمحمد شكري جاء الدور على الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش ، لا زلت أذكر كيف استطاعت الجمعية بذوق رفيع أن تؤثث مجالا شاعريا ليليا في الفندق السابق ، فندق الريف في فصل صيف جميل ورائق ، حيث جعلت من مسبح الفندق بمائه الأزرق التركوازي الذي تكسرت عليه أشعة الأضواء الملونة بجمالية ساحرة ، والأشجار الخضراء المحيطة به ، جعلت منه منصة بديكور بديع وقف عليها شامخا شاعر القضية الفلسطينية يلقي أشعاره الخالدة بصوته القوي الرخيم المفعم بروح الشعر والتعبير الصوتي ليلبسه بعدا فنيا من جرس الشعر ونغمه الباهر الذي يخلب الألباب . أنشد درويش بإلقاء ساحر أروع وأجمل قصائده الخالدة ، سجل أنا عربي و أحمد الزعتر وجزءا كبيرا من رائعته مديح الظل العالي ، والكثير من القصائد التي كان الجمهور يحفظها عن ظهر قلب من خلال أغاني مارسيل خليفة . حصل كل ذلك وسط حشد غفير جدا من الجمهور الذي اكتظ بهم المكان حتى كادت كل المساحة الكبيرة لا تستوعب عشاق هذا الشاعر الذي كان يحمل على عاتقه هم القضية الفلسطينية ، مانحا إياها بعدا إنسانيا راقيا . كان التفاعل بين الشاعر محمود درويش والجمهور الأمازيغي جد قوي واستطاع أن ينتزع كل انتباه وأسماع الجماهير الغفيرة التي حضرت أولا لتستمتع بأشعاره الجميلة ، وثانيا لتعبر بطريقة فعلية عن تضامنها المطلق مع القضية الفلسطينية التي هي الهم الشاغل لكل مسلم حر وشجاع لا يمكنه الا أن يتفاعل إيجابا سواء مع أشعار محمود درويش أو أغاني مارسيل خليفة أو غيرهم كثير ممن يعبرون عن وجدان الشعوب المسلمة وقضاياها أينما تواجدت هذه الشعوب . صفق الجمهور طويلا وكثيرا للشاعر العظيم ، وتفاعل مع أشعاره تفاعلا يحمل في طياته الكثير من الدلالات العميقة . يروي محمد الأشعري الشاعر المغربي المعروف ووزير الاتصال السابق في مقال بجريدة الاتحاد الاشتراكي التي كانت أكبر جريدة في المغرب حينها كيف أن محمود درويش اتصل به مباشرة بعد تلقيه الدعوة من جمعية الماس يستفسره عن الجمعية وهل ينصحه بتلبية هذه الدعوة . طبعا الجميع يعرف أن الماس كانت آنذاك في بداياتها ، وبالتالي استضافة قامة شامخة في الشعر العربي والعالمي بقامة محمود درويش يجب أن تستجيب لبعض العناصر الأساسية الكفيلة بإنجاح حدث كبير وضخم بكل المقاييس . لم يتردد محمد الأشعري ونصح الشاعر الفلسطيني الكبير بأن يقبل الدعوة ، وهو الأمر الذي حدث فعلا. جمهور مدينة الناظور ، الجمهور الريفي الذي يمتلك وعيا بقضاياه الكبرى تجاوب تجاوبا مطلقا مع شاعر يعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني من قهر واضطهاد اليهود الصهاينة ، لم يتنصل من هذا الواجب الذي يمليه عليه دينه وانتماءه الى حضارة إسلامية عريقة ، وديانة لا تعترف بأي فرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى . ما الذي دعا ذلك الجمهور الغفير الذي حج بتلك الكثافة الى جنبات مسبح فندق الريف ليرسم لوحة تلاقي عفوي بين صانع ملحمة أغاني ثورة الانتفاضة ومحبيه الذين يشاركونه واجب التضامن مع القضية الفلسطينية ؟ ما الذي جعل الكثير منهم يرابط أمام فندق الرياض الذي كان يقيم فيه الشاعر الكبير لاقتناص أية فرصة والتقاط صورة تذكارية معه ؟ أي سر حذا بهؤلاء أن يشاطروا شعب العراق معاناته وشعب أفغانستان مأساته غير رابطة الدين الإسلامي التي تربط أكثر من مليار مسلم في هذا العالم ؟ نعود الآن الى الدغرني والدغرنيون ، والأزول والأزوليون الزائلون حتما . طبعا لم يأت الدغرني الى الناظور ليلقي في ساحة عامة خطاباته أمام جمهور متشرب بهوية متعددة مركبة في قالب حضاري متميز ، لا يشرف المدينة هذا العميل لأعداء الأمة الإسلامية ، هذا الرجل الذي ينعق وحيدا وسط زمرة ضئيلة جدا من الغربان البشعة التي تقاسمه الخيانة والعار والخزي ، هل يجرؤ هذا الرجل أن يكشف وجهه وعورته في ناظور العزة والكرامة ، الناظور المشبع بقيم الدين الإسلامي الحنيف ؟ الناظور الذي لا أزال أذكر في حرب أمريكا الأولى على العراق كيف كان الناس بشكل مطلق وبلا استثناء متضامنون مع إخوانهم العراقيون المسلمون تضامنا تراه في أعين الناس المنكسرة الحزينة وفي أمزجتهم المعكرة ، وحتى في حركاتهم القلقة في الشوارع ، كان العدوان صدمة للجميع ، وحفزت البعض للقيام بواجب تجلى في حملة تبنتها بعض الجمعيات التي راحت على الفور تجمع التبرعات للجرحى ومنكوبي الحرب . لا داعي لنذهب بعيدا ، خلال حرب الكيان الصهيوني على حزب الله الذي تكبد فيها الصهاينة هزيمة نكراء ، كان تضامن الأمازيغيون تضامنا مطلقا ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا الأمر ، وبدا ذلك أكثر وضوحا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة والمظاهرة التي نظمت في دينهاخ بهولندا وكان لي الشرف أنني حضرتها ، لا يمكنني أن أقدم أرقاما دقيقة لكنني أجزم أن أكثر من ثمانين في المائة على الأقل ممن تظاهروا كانوا من الأمازيغ . نعود لسؤال جوهري وأساسي ، كلنا واكبنا الضجة التي أحدثتها زيارة سيئ الذكر الدغرني الى الكيان الصهيوني ، وكلنا لمسنا بوضوح التنديد الشامل الذي قوبلت به هذه الزيارة من كل شرائح المجتمع المغربي وأطيافه التي تشكل نسيجه المتماسك . السؤال : أي جهات دافعت على شرعية تلك الزيارة ؟ طبعا المعني بالأمر نفسه وحده وزمرة حقيرة ممن يمكن أن نطلق عليهم أيديولوجيا الأزوليون ، وهم قلة تنعق بعيدة ووحيدة ككلاب جرباء مسعورة سياسيا ولا قاعدة لها في الشارع الأمازيغي بتاتا ، هم فئة مزروعة في مواقع متعددة تصدع رؤوس القراء بردودها ومقالاتها الغريبة التي لا تنتمي لوعي الأمازيغي الذي تشرب قيم الإسلام عبر قرون ، و ترسخت في نفسه هذه القيم حتى أصبح لا ينصت للخطاب النشاز للأزوليون الذين لا يعترفون بتحية السلام عليكم ، التحية التي يحترمها كل مسلم في هذا العالم سواء كان إيرانيا أو تركيا أو باكستانيا لكن أتباع أطروحة الدغرني الذي دخل التاريخ من أبوابه الوسخة ، الأبواب التي لا تفضي الا الى مزبلة أفكار كسيحة معوقة تنتمي لفكر كسيح ومعوق من جيف وأشلاء نتنة . يحلو لتلك الزمرة الممسوخة أن تردد عبارة أزول ، ليس لإثبات الهوية الأمازيغية وثقافتها التي هي حق وواجب يجب الدفاع عنها بكل شراسة ، ولا أيضا لترسيخ تلك الهوية التي ينبغي أن ترسخ فعلا ، بل الأزوليون يفعلون ذلك ليتنصلوا من دين يعتبرونه دخيلا عليهم ، وبالتالي يمكننا اعتبارهم ملحدين . هم أحرار في أن يعتنقوا الدين الذي يرغبون فيه ، لكن في المقابل عليهم أن يعلنوا إلحادهم على الملأ بدون التخفي وراء أسماء كيوبا وغيرها من الأقنعة التي لا تعبر الا عن جبن أصحابها والخوف الذي يستشري في كياناتهم . أخرجوا الى الساحة وناضلوا إذا كنتم فعلا مؤمنون بعدالة قضيتكم ، تحملوا مسؤوليتكم التاريخية إذن . لكنني في الواقع لا يمكنني الا أن أشفق على هذه الزمرة الحقيرة التي تتاجر بهوية أمازيغية أبناء جلدتها وتحاول بيأس يبعث على الاشمئزاز والسخرية أن تنزع عنهم الهوية الأخرى المشتركة مع أكثر من مليار مسلم في هذا العالم . زمرة غالبا تفرزها حساسية ضعف مزمن في الشخصية ، وتحاول أن تعبر عن نفسها بالخروج عن القاعدة المتماسكة من الأمازيغ ، هذه القاعدة التي لا تسمع بهم أصلا ولا تعلم بوجودهم ، وإلا لحوربوا من قبل الأمازيغ الشرفاء أنفسهم ولجرجروهم في أوحال الخزي والعار أكثر بكثير من الخزي والعار الذي يتواجدون فيه الآن . أتوقع أن كلامي هذا سيجلب تلك الفئة لتفرغ كبتها وضعفها النفسي ، وتصب علي ركاما هائلا من التهم المعبأة المعلبة في صناديق صغيرة جاهزة كالعميل للمخزن ، والعروبي العنصري ، وغيرها من العبارات التي أصبحت من شدة تكرارها الممل لا تعني لأحد شيئا . سأقول لهم كنصيحة أخيرة : أرجوكم تقوقعوا أنتم وسيدكم الدغرني وأولياءكم اليهود الصهاينة بعيدا في جحور وكهوف مظلمة كخفافيش الليل لكي تخفوا عوراتكم التي لا تكفي كل أوراق توت العالم لإخفائها . [email protected]