خلال العشر سنوات الأخيرة غادر قرابة مليون مغربي الوطن نحو الخارج بحثا عن مستقبل أفضل، وتصدرت اسبانيا قائمة مستقبلي المغادرين بعدما احتضنت حوالي 400 ألف مغربي جديد، وتلتها إيطاليا بحوالي 300 ألف، فكندا،وبعض الدول الأوربية مثل فرنسا، وبلجيكا، وهولندا، والولايات المتحدة، علاوة على الخليج العربي، والهجرة ومغادرة البلاد في حد ذاتها تعتبر تحديا سياسيا، فقد كشفت التجربة أن الدولة عندما تعيش عهدا سياسيا جديدا فهي تصبح قبلة لمواطني الشتات وتسجيل عودة مهاجريها كما حدث في اسبانيا، واليونان، والبرتغال، في السبعينيات والأرجنتين، والتشيلي، منذ، التسعينيات، لكن في حالة المغرب، فالمعادلة تسير عكس التيار، رغم أن هذا البلد يعيش ما يسمى بالأوراش الكبرى ويحقق نسبة أضعف في البطالة من فرنسا، واسبانيا، وفق منطق الحساب المغربي الذي يتمتع بخصوصية خاصة على شاكلة الخصوصية المغربية. ووضعت الهجرة خلال العشر سنوات الأخيرة المغرب بين الحين والأخر في قلب الأحداث الدولية وصدارة الأخبار في الصحافة العالمية، في الإتجاهين السلبي والإيجابي، فقد تم إنجاز مئات الربورتاجات في الصحافة العالمية، حول مآسى قوارب الموت في مضيق طارق التي تعتبر عنوانا من عناوين النصف الأول من العقد الأخير، والإحصائيات التي تتوفر عليها أسبوعية " الأيام " تفيد أن ما بين 800 وألف مغربي لقوا حتفهم خلال مغامرة للإنتقال إلى الفردوس الأوروبي عبر قوارب الموت خلال العشر سنوات الأخيرة، وسلطت الصحافة العالمية الأضواء على الهجرة المغربية فيأحداثة إليخيدو العنصرية في فبراير2000 عندما تعرض آلاف المغاربة لما يشبه تصفية على شاكلة ما قامت به إيزابيلاالكاثوليكية، بل إن الخبر كان وقتها قد تصدر الصفحة الأولى لجريدة من حجم " نيويورك تايمز"، بين الموساوي و رشيدة داتي. وفي الإطار نفسه، فصور وأخبار بعض المهاجرين المغاربة جالت مختلف وسائل الإعلام ،ولعل أبرزها صورة الموساوي الذي جرى اعتقاله في إطار تفجيرات 11 شتنبر ضد البنتاغون وبرجي التجارة في نيويورك، ثم صورة جمال زوغام وآخرين بسبب التورط في التفجيرات الإرهابية ل11مارس في العاصمة مدير وفجأة وجدت حكومة الرباط نفسها في موقف حرج جدا، أكثر من ثلاثين دولة عربية وإفريقية و أوروبية ترغب في التنسيق معها لمواجهة الحركات الإرهابية التي يقودها مغاربة أو ينتمي إليها مهاجرون مغاربة، و تفيد معطيات سبق لأسبوعية " الأيام " أن نشرتها أن المخابرات الغربية، وأساسا الإسبانية والفرنسية، والهولندية، والبلجيكية، أنجزت أكثر من عشرة آلاف ملف لمغاربة مهاجرين يشتبه في انتمائهم للحركات الدينية المتطرفة، وتكشف إحصائيات السجون في أربع دول وهي بلجيكاوهولندا،وفرنسا،واسبانيا،أن المغاربة يتصدرون الجنسيات المعتقلة بسبب الإرهاب. وإذا كانت الأخبار السلبية تطغى وتجد الإقبال من طرف القارئ وفق منطق الصحافة، فبين الحين والأخر كانت تحدث وقائع تجعل المهاجر المغربي يحتل صدارة الإعلام العالمي ولكن هذه المرة إيجابا ولعل أبرز محطتين أو حدثين في هذا الصدد هما تولى رشيدةداتي منصب وزير العدل في فرنسا، وهو أعلى منصب يتولاه مهاجر في مختلف دول أوربا، وتولي أحمد بوطالب رئاسة أكبر البلديات في هولندا و أروبا وهي بلدية روتردام، ويحدث هذا في وقت ينتعش فيه اليمين المتطرف وترتفع أصوات تنادي بطرد المهاجرين من القارة العجوز وأصوات تتحدث عن فشل الإدماج المجتمعي. بين تحكم الدولة وتحدي الإسلاميين. العهد الجديد يحاول أن يتحكم في جميع القطاعات ومن ضمنها الهجرة ، فهو يعتبر هذا الملف استراتيجيا بالنسبة للدولة المغربية، فبقدر ما تعتبر الهجرة مصدر استقرار الإقتصاد المغربي، وتمتص البطالة من خلال المواطنين الذين يغادرون البلاد ومعينا لبلوغ عشر ملايين سائح، بعدما أصبحت وزارة السياحة تصنف عودتهم لقضاء العطلة بمثابة سياحة، بقدر ما أصبحت مصدر إزعاج بامتياز بحكم تقوي الحركات الإسلامية في الخارج وأبرزها، العدل والإحسان التي تتحول تدريجيا إلى قوة حقيقية للضغط من أجل التغيير، وهكذا، فقد تولى الملك محمد السادس شخصيا وضع المؤسسة الأولى لجميع المهاجرين في العهد الجديد، حيث تعهد في خطاب يوم8 نونبر الماضي بتأسيس مجلس أعلى يصون للمهاجر كرامته ويشركه سياسيا في قضايا البلاد انطلاقا من الاستثمار، وانتهاء بالتمثيلية في البرلمان، أي حق التصويت، وتزامن الخطاب الملكي مع نقاش حيوي في دول الاتحاد الأوروبي بين قدماء اليسار حول ضرورة توحيد جهود الهجرة تحت اسم " المناظرة الوطنية"، وبدأت التحركات في الخارج وأساس في دول الاتحاد الأوروبي ، حيث جرى أستبعاد وزارة الهجرة التي كانت تتولاها نزهة الشقروني من المشاركة في القرار وأعطت الدولة الضوء الأخضر لمجموعة من مناضلي المجتمع المدني في المغرب والخارج للإشراف على التنظيم تحت مراقبة دقيقة للمخابرات العسكرية التي يتولى رئاستها ياسين المنصوري. وبعد ثلاث سنوات من المفاوضات، جرى تعيين إدريس اليزمي رئيسا للمجلس الأعلى، وتعيين 36 عضوا آخر، لكن المجلس الجديد أصبح مصدرا للمشاكل بسبب المناورات التي دارت في اللجن وطريقة إعداد الملفات وتهميش بعض وجوه اليسار في الخارج التي اعتقدت في نصيبها من الكعكة ورفعت شعار " الإصلاح من داخل المؤسسات"، ويحكي عبد الحميد البجوقي في كتابه الصادر مؤخرا والذي يحمل اسم " زمن الهجرة وسياسة الخداع"، كيف أن اليزمي قفز على التوصيات الملكية وعمل رفقة آخرين على تأسيس مجلس على مقاس رؤية بعض الجهات في البلاد التي ترغب في التحكم في كل الملفات بدون استثناء وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتم فيها تجاوز توصيات الملك ، فمحمد السادس طالب بانتخاب الأعضاء ومشاركة الجالية في الإنتخابات البلدية والتشريعية ، ولم يحدث أي شئ من هذا. وجراء هذه الخرقات، حصلت شبه انتفاضة وسط الهجرة خاصة في دولة الإتحاد الأوروبي، حيث تجري مشاورات الآن لتأسيس مجلس بعيد عن هيمنة الدولة المغربية ومجال قطرية تخاطب الدول المضيفة دون الاهتمام بالمغرب وجاء في الكثير من التعاليق في مواقع الهجرة المغربية ' كيف يمكن اللجوء إلى التعيين وممارسة الخداع بالنسبة لمهاجرين يعيشون في دول ديمقراطية'. وتبين لاحقا أن القصر الملكي أعرب عن قلقه الشديد من كيفية تشكيل هذا المجلس ، وكانت النتيجة تجميد تعين الأعضاء ال 13 الآخرين ليكون المجلس الوحيد غير كامل العضوية في التاريخ المؤسساتي للبلاد، ثم عدم السماح لليزمي بالسلام على الملك في المناسبات الوطنية وخاصة عيد العرش، حيث علمت أسبوعية " الأيام" أنه خلال عيد العرش من السنة الماضية لم يتم استدعاؤه للسلام على الملك، وخلال عيد العرش الماضي جرى استدعاؤه ثم تم حذفه من قائمة الشخصيات التي كانت ستسلم على الملك محمد السادس، في غضون ذلك تيقن النظام أن المجلس الحالي لا يمكنه مواجهة الإسلاميين في أوروبا، فجرى بعيدا عن الأضواء والمفاوضات تشكيل " المجلس العلمي للجالية المغربية في أوروبا "، ليتولى هذه المهمة، لكن هذه المرة نشب سوء فهم كبير مع بعض الدولة الأوروبية التي ترى أن هذه المجالس تعتبر أداة لتحكم الرباط في مهاجرين انتقلوا من طور الهجرة إلى المواطنة الكاملة ، وهكذا، فبينما يستمر النقاش حول المجلس ومساعي المغرب للتحكم في الهجرة سياسيا ودينيا وما يسببه ذلك من أزمات سياسية مع الأوربيين ، يكون طرف ثالث قد برز في صمت وهيكل جزءا كبير من الهجرة وخاصة في المجال الديني، ويتعلق الأمر بالعدل والإحسان التي استطاعت التفوق على"الإخوان المسلمين "في أوروبا وتحولت إلى لاعب لا يمكن تجاهله في رقعه الشطرنج الخاصة بالهجرة المغربية في الخارج.