بروكسيل. الحبيب الحمزاوي تعتبر الهجرة غير الشرعية (أو السرية) ظاهرة عالمية موجودة في كثير من دول العالم خاصة المتقدم، لكن الهجرة إلى أوروبا أصبحت إحدى القضايا المزعجة، التي تحظى باهتمام كبير مؤخرا، فبالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، إلا أن الدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة هذه الأسباب. ويتضح ذلك من التباين الكبير في المستوى الاقتصادي بين البلدان المصدرة للمهاجرين، والتي تشهد - غالبًا - افتقارًا إلى عمليات التنمية، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين. وهكذا فان مشكلة هجرة الشباب عبر البحر المتوسط بطريقة غير شرعية قد احتلت مساحة واسعة من اهتمام وسائل الإعلام وعدد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والإقليمية في الآونة الأخيرة. خصوصاً بعد أن باتت قضية الهجرة غير الشرعية مشكلة تؤرق الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين وعلى رأسها دول أوروبا التي تعتبر المستقبل الأول للمهاجرين غير الشرعيين من دول شمال إفريقيا. غير أن هذا الاهتمام الكبير من قبل حكومات دول الاتحاد الأوروبي وكذا الحكومات المحلية لدول جنوب المتوسط ركز بشكل أساسي على ضرورة وقف فلول الهجرة غير الشرعية إلى شواطئ أوروبا بآليات أقل ما توصف بها أنها أمنية إذ تتجاهل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بالشباب إلى التضحية بأرواحهم في سبيل إيجاد فرصة عمل وتحقيق حلمهم بحياة أفضل، فركزت معظم المشروعات المشتركة بين الحكومات الأوروبية وحكومات دول شمال إفريقيا على منع هؤلاء الشباب من التسلل بالقوة و دعم الإتفاقات الأمنية المشتركة التي تتيح تسليم المهاجرين إلى حكومات بلدانهم أو عن طريق الدعم المادي واللوجيستى لحكومات شمال إفريقيا لتشديد الحراسة على الحدود وتعقب المهربين والمهاجرين أنفسهم. ومن الواضح أن دول المقصد لم تعد تتعامل مع هذه الظاهرة على أنها مجرد هجرة غير شرعية، بل على أنها طوفان بشري ولهذا تتخذ مبادرات واسعة النطاق وإجراءات تنتهك كل الأعراف الديمقراطية المعلنة لاسيما في أوروبا الغربية. ورغم أن الهجرة تمثل واحدا من أكثر المفاهيم تداولا في الفترة الأخيرة، فإنها غالبا ما يتم توظيفها بشكل ملتبس ومبهم، وذلك بسبب تباين الأطروحات المعرفية وزوايا النظر التي يتم من خلالها التعامل مع هذا المفهوم، حيث يتجلى التباين في المستوى الاقتصادي بصورة واضحة بين الدول المصدرة والدول المستقبلة. خلافا لما نجده في دول الاستقبال، فإن النمو الديمغرافي،_ رغم الوضعية المتقدمة لما يسمى بالانتقال الديمغرافي في الدول الموفدة_، لازال مرتفعا نسبيا وهذا له انعكاس على حجم السكان النشيطين وبالتالي على عرض العمل في سوق الشغل. وهكذا فإن البطالة تمس عددا كبيرا من السكان وخاصة منهم الشباب والحاصلين على مؤهلات جامعية. و تقدر نسبة البطالة في المغرب على سبيل المثال بحوالي %12 وتبلغ 21% في المجال الحضري، وفي الجزائر تصل هذه النسبة إلى 23.7% حسب المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي و15% في تونس. هذا الضغط على سوق العمل يغذي النزوح إلى الهجرة خاصة في شكلها غير القانوني. ومن أجل الحد من هذه الظاهرة، فإن ذلك يقتضي تنمية فاعلة ومستدامة قادرة على خلق حوالي مليون فرصة عمل سنويا بالنسبة لدول المغرب العربي الثلاث: المغرب (400 ألف فرصة عمل، الجزائر ( 500 ألف فرصة عمل) وتونس 100 ألف فرصة عمل. ويشكل التباين في الأجور عاملا للتحفيز على الهجرة حيث الحد الأدنى للأجور يفوق ب3 إلى 5 مرات المستوى الموجود في دول المغرب العربي، على أن هذا الحد لا يحترم أحيانا من طرف أرباب العمل. وتجدر الإشارة هنا إلى وجود طلب نوعي على العمل في دول الاستقبال، هذا الطلب يستجيب وفقا لمعايير كلفة تشغيل العامل ومرونته في قبول أعمال صعبة حسب احتياجات لسوق العمل وغالبا ما تكون هذه الأعمال مؤقتة ومنبوذة اجتماعيا. هذا الطلب يصدر أساسا عن قطاعات كالفلاحة والبناء والخدمات. كل هذه العوامل تغذي الرغبة في الهجرة، وهذا النزوح هو أقوى عند الشباب كما تدل على ذلك مختلف المسوح التي أجريت في هذا الشأن في دول المغرب العربي والتي تبرز بعضها أن الرغبة في الهجرة في المغرب موجودة عند 19% من السكان النشيطين وهي أعلى عند الطلبة حيث تبلغ 54 في المائة. الهجرة السرية بين غياب الاستراتيجيات وطرح مبادرات إذا كانت الهجرة بصفة عامة تطرح مشكلات خاصة بها تتعلق أساسا بالاندماج وتمتع المهاجرين بكافة الحقوق وفقا للقوانين المحلية والدولية، فإن الظاهرة الأكثر إثارة للقلق تتعلق بالهجرة غير الشرعية أو السرية. ومع أن هناك جهودا تبذل للحد من هذه الظاهرة فإنها تظل محدودة النتائج طالما أن هذه الدول ليست لها الإمكانيات اللازمة لمراقبة حدودها البرية وشواطئها البحرية التي يعبر منها الجزء الأكبر من المهاجرين سرا. ومع غياب إستراتيجية أوروبية أفريقية لمحاربة الهجرة غير الشرعية فإن الأمر لم يخل من بعض المبادرات المشتركة كإطلاق مبادرات مشتركة بين الدول المجاورة لمراقبة الحدود البحرية. و تنسيق التعاون الأمني على مستوى المعلومات والمعطيات لتفكيك الشبكات العاملة في هذا الإطار. والسعي في ظروف سياسية خاصة مع وصول حكومات يسارية أكثر اهتماما بالمعاناة الاجتماعية إلى تسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين السريين انطلاقا من بعض الشروط وفي ظل ما يسمى بنظام الحصص،لكن هذه الخطوات تبقى محدودة ولا يمكن أن تستوعب كافة المهاجرين المقيمين، وفي نفس الوقت لا يمكن أن توقف بشكل فعال من هذا المد. وتبدو هذه الآليات ذات الطبيعة القانونية الأمنية لحد الساعة محدودة التأثير، ومن ثم هناك قناعة واضحة لدى الطرفين -وخاصة دول جنوب البحر الأبيض المتوسط- وكذا العاملين في المجتمع المدني بأنها لا يمكن أن تكون فعالة إلا من خلال إعادة تدبير ظاهرة الهجرة برمتها، ومن ثم لا يبقى هذا الهدف ظرفيا وإنما يندرج ضمن إستراتيجية بعيدة المدى تتطلب إصلاحات عميقة على مستوى دول المنبع ومساهمة مادية على مستوى الدول المتقدمة المستقبلة لليد العاملة. وبصيغة أخرى فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تنمية مستديمة قائمة على مشاريع وإنجازات ملموسة تسمح بتثبيت المواطنين في أماكن إقامتهم الأصلية. وفي هذا السياق يمكن أن نشير إلى إعلان برشلونة الذي شكل مقاربة شمولية تحتاج إلى إرادة وانخراط للدول الأوروبية المتوسطية لإنجاحها. خلاصة القول أن ظاهرة الهجرة السرية ليست مسألة ظرفية بل باتت مكونا هيكليا ما زالت الآليات المستخدمة لحد الساعة غير قادرة على تدبيره بشكل يحد من آثاره وانعكاساته سواء على دول المنبع أو الدول المستقبلة إحصائيات حول الهجرة السرية في دول شمال إفريقيا يصعب إعطاء إحصائيات مدققة حول الهجرة غير الشرعية نظرًا للطبيعة غير الرسمية لهذه الظاهرة، وغالبًا ما تتفاوت التقديرات التي تقدمها الجهات المختلفة لأعداد المهاجرين، وتقدر منظمة العمل الدولية حجم الهجرة السرية ما بين 10 الى 15% من عدد المهاجرين في العالم والبالغ عددهم - حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة - حوالي 180 مليون شخص، وحسب منظمة الهجرة الدولية؛ فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل إلى نحو 1.5 مليون فرد. أما عن الهجرة الشرعية، فقد ذكرت جامعة الدول العربية - في تقرير لها حول الهجرة المغاربية إلى أوروبا خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2005 - أنه - في عام 2004 - شهدت الجالية التونسية بالخارج زيادة بلغت 6.2%، مقارنة بسنة 2002، ليصل عددهم إلى 701.660 ألف مهاجر.. 58% منهم في فرنسا وحدها، وأعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن التونسية، أن عدد العاطلين في الجالية التونسية بأوروبا يبلغ حوالي 123 ألف فرد، بنسبة 28% في فرنسا، 45% في بلجيكا وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن الجالية المغربية في إيطاليا تبلغ 300 ألف شخص، كما أن 35.700 ألف مهاجر مغربي حصلوا على بطاقة الإقامة في أسبانيا، على أساس التجمع العائلي منذ بداية 2005، هذا وقدرت وزارة القوى العاملة المصرية - في إبريل 2005 - عدد المصريين المهاجرين إلى إيطاليا بشكل شرعي بحوالي 90 ألف شخص، وأن عدد المهاجرين المصريين غير الشرعيين إلى أوروبا يقدر بحوالي 460 ألف شخص، لكن مراقبين يقولون: إن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير من الإحصائيات الرسمية. معاهدة برشلونة، برنامج ميدا، فرق للتدخل السريع ومشروع الهجرة المنتقاة تبذل الدول المصدرة والمستقبلة للمهاجرين جهودًا كبيرة للتنسيق والتعاون الأمني ومراقبة الحدود وتحسين الظروف السياسية والاجتماعية، لكن هذه الخطوات حسبما يرى مراقبون تبقى محدودة وغير كافية لتنظيم الهجرة، وفي هذا الإطار يعتبر إعلان برشلونة، نموذجًا جيدًا لهذه الاستراتيجية، حيث بدأ التعاون الاقتصادي الأوروبي المتوسطي بمعاهدة برشلونة في عام 1995، عندما وقعت 12 دولة متوسطية - أغلبها دول عربية من بينها الجزائر - مع دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة - في ذلك الوقت - معاهدة تهدف في النهاية لإنشاء منطقة تجارة حرة بين تلك الدول بحلول عام 2010، ورفع المستوى الاقتصادي لدول جنوب المتوسط. ونتيجة لمعاهدة برشلونة طرح الاتحاد الأوروبي برنامجه الأول للمعونة والتعاون، المعروف اختصارًا باسم «ميدا لتطوير الوضع الاقتصادي في دول جنوب المتوسط، ودفع عمليات التنمية الاقتصادية، ودعم الروابط الاقتصادية بين دول الاتحاد والدول المتوسطية. وقد أفادت إحصاءات فرنسية صدرت أخيرا بأن 19 ألفا و841 أجنبيا، كانوا يقيمون بطريقة غير قانونية، أبعدوا من فرنسا عام 2005، أي بارتفاع قدره 26.7% عن عام 2004. وذلك يتناسب مع وتيرة إبعاد 23 ألف شخص سنويا. ومع نشر هذه الإحصاءات، أعلن نيكولا ساركوزي قبل أن يكون رئيسا لفرنسا و بوصفه آنذاك وزيرا للداخلية عن مشروع قانون يشجع على الهجرة »المنتقاة«، معتبراً أن هذه الفكرة ستتصدى للهجرة غير النظامية باعتبارها عنصر عدم استقرار. هذا وعبر وزراء العدل والداخلية التابعون لدول الاتحاد الأوروبي عن تأييدهم الكبير لخطة إنشاء «فرق للتدخل السريع» لمساعدة الدول الأعضاء في التصدي لموجات التدفق المفاجئة للمهاجرين غير الشرعيين أو طالبي اللجوء السياسي. البطالة دافع للهجرة السرية في مطلع أكتوبر 2005، عقد وزراء داخلية دول «5+5» (ليبيا وتونسوالجزائر والمغرب وموريتانيا من الجانب المغاربي وفرنساوإسبانيا والبرتغال وإيطاليا ومالطا من الجانب الأوروبي)، مؤتمرًا في المغرب لمناقشة تزايد الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا، ووضع خطة مشتركة لمواجهة الظاهرة. وفي هذا الإطار أعلنت دول المغرب العربي، عن حاجتها إلى مزيد من المساعدات الاقتصادية من الاتحاد الأوروبي؛ لوقف الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا. وقال وزير الداخلية المغربي آنذاك «المصطفى الساهل»: إن الدول الإفريقية الواقعة جنوبي الصحراء - هي الأخرى - تحتاج أيضًا لمساعدات تنموية لتوفير فرص العمل، حتى يفضل مواطنوها البقاء في بلادهم عن محاولات الهجرة إلى أوروبا. وتقول الإحصائيات: إنه يوجد في الدول العربية أعلى معدلات البطالة في العالم، كما إن 60% تقريبًا من سكانها هم دون سن الخامسة والعشرين. وحسب تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية، صدر عام 2004، قدّرت نسبة البطالة في الدول العربية بما بين 15 و20%، وتتزايد سنويًّا بمعدل 3%، وتنبأ التقرير بأن يصل عدد العاطلين في البلاد العربية عام 2010 إلى 25 مليون عاطل. تقرير منظمة العمل العربية ووصفت منظمة العمل العربية، في تقرير نشر في شهر مارس 2005، الوضع الحالي للبطالة في الدول العربية ب»الأسوأ بين جميع مناطق العالم دون منازع»؛ ففي ليبيا تفيد التقديرات الرسمية بأن 17.5% من الليبيين عاطلون عن العمل، كما تأتي البطالة في صدارة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الجزائر، والتي تتفاقم عامًا بعد عام، وبلغ معدل البطالة في الجزائر نسبة 29.9%، ويقول مراقبون: إن أزمة البطالة مرشحة للتصاعد بحدة في الجزائر في السنوات القادمة، بسبب المشكلات الناجمة عن تراجع النمو الاقتصادي بحيث لم يتجاوز حدود 03% خارج المحروقات في هذه الأثناء، قلة الاستثمار الداخلي والخارجي،و تراجع مناصب الشغل منذ سنة 1986، حيث تم إنشاء 40 ألف منصب خلال 1994، 1998 مقابل 140 ألف خلال 1980-1984 و تزايد اليد العاملة سنويا بمعدل 250 إلى 300، و فقدان أكثر من 360 ألف منصب خلال الإصلاحات في سنة 1994 و 1998, ( فترة التعديل الهيكلي)، وهكذا تقلصت الوظائف الدائمة التي كانت تمثل 49 بالمائة عام 2000 مقابل 38 بالمائة فقط سنة 2005، حيث انخفض عدد العمال الدائمين بنسبة 11 بالمائة، زيادة على ظاهرة الرسوب المدرسية التي تقدر ب 600 ألف تلميذ سنويا . وتقدر نسبة البطالة في المغرب بنحو 14.2% وتقدر بنسبة 13.9% في تونس.