كما في شوارع روما، أطفال غجر ومغاربة ورومانيون ومن جنسيات أخرى.كذلك نفس الأمر في مدن وشوارع إسبانيا،أطفال لهم إشارتهم الخاصة وعلامتهم المميزة:أطفال بدون رفقة،مهاجرون قاصرون بدون صحبة .ظاهرة جديدة على المجتمع الإسباني بدأت وثيرتها في تصاعد واهتمام دون أن تتوقف...ما رافق بناء مراكز الإيواء مؤخرا في شمال المغرب من جدل إعلامي كبير داخل إسبانيا واتهامات من لدن جمعيات حقوقية بظروف القاصرين والطرد القسري تضع أكثر من علامة استفهام حول ظاهرة القاصرين تاريخيا بكل أبعادها السياسية والإجتماعية والثقافية والجدوى من بناء مراكز الإيواء خارج اسبانيا للحد من استفحال الظاهرة. "بدائي ومتوحش هذا الطفل الصغير،المنحرف الذي يقلقنا..."هكذا تصفه الباحثة الأنثربولوجية أنخليس راميس فرنانديز.ترى من يكون؟ ومن أي بلد هو قادم؟ إنها الطفولة المغربية بصيغة الجمع والطفل المغربي بلا رفقة وبلا صحبة في مغامرة كبيرة اسمها الهجرة السرية وتحدي المخاطر سواء كانت بحرا أو حافلة أو شرطة أو شبكات تهريب واستغلال أودعاية مغرضة قدفت بهم من الضفة الجنوبية للمتوسط نحو عوالم مجهولة... ظاهرة جديدة ومهاجر نوعي: يتعلق الأمر بظاهرة جديدة هي هجرة القاصرين والمراهقين الأقل من 18 سنة إبتداء من أواخر التسعينيات من القرن الماضي نحو أوروبا بلا رفقة.قبل استفحال الظاهرة كان التشريع الإسباني يحمي هؤلاء القاصرين وعدم طردهم من الأراضي الإسبانية، مع العلم أن المغرب بلد قديم في هجرة أبنائه نحو القارة الأوربية، فقد كانت أوج هجرة المغاربة بشكل خاص نحو فرنسا مع سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي من أجل مد يد الهجرة الرخيصة إلى فرنسا خاصة من منطقة سوس والريف.ابتدأت سلسلة الهجرة نحو الشمال بالرجال وبعد ذلك انتقلت إلى عملية التجمع العائلي، وانطلاقا من 80 و90 من القرن الماضي بدأت وجهات وإشارات جديدة.بدأت كل من اسبانيا وإيطاليا تستقبل أفواجا من المهاجرين وهجرات جماعية، مطلقات، متزوجات مع أبنائهم هائمات لوحدهن وهذا ما تسميه الكاتبة الإسبانية مرسيديس خمينيس ب "الهجرة الذاتية"،ينضاف إليهم الأطفال القاصرون. يأتي هؤلاء الأطفال المهاجرون من مناطق مختلفة من المغرب: ذوو أصول حضرية وقروية من مدن الشمال كما من مدن الجنوب. يفضل الأطفال القرويون الهجرة على متن القوارب بينما يفضل أطفال المدن الكبيرة الاختباء تحت محركات الحافلات... ومن بين أهم المدن كخطوة أولية ،مدينة طنجة قبلة الحاركين. حتى أواخرسنة2002 يعبر أغلب المهاجرين القاصرين من مدينة طنجة عبر حافلات النقل الدولي(باستثناء المتوجهين من مدينة طرفاية والذين يعبرون إلى جزر الكناري على مثن القوارب السرية). وانطلاقا من يناير 2003 بدأت وثيرة هجرة القاصرين في ارتفاع وفي تدفق إلى الشواطئ الأندلسية: في عملية جديدة ومختلفة قوربة) Paterinacion(من قارب). كان اليوم الحدث24 شتنبر 2003 وصل قارب إلى مدينة طريفة الإسبانية على مثنه 21 قاصرا،أصغرهم يبلغ من العمر13سنة.أول مرة يصل فيها أطفال ومراهقون على مثن قارب.تلاه في الشهر الموالي أكتوبر2003 وصول قاربين على التوالي على مثنهما 16 قاصرا والثاني 29 قاصرا بما مجموعه 49قاصرا. على الفور وكرد فعل أصدرت السلطات الإسبانية منشور(320031)بتاريخ 23 أكتوبر2003 يخول من خلاله إمكانية ترحيل القاصرين بلا رفقة إلى بلدهم الأصلي خلال 24 ساعة الذين يبلغون من العمر 16 سنة. في سنة 2004 توالت الأرقام في ارتفاع مهول إذ أوقف الحرس المدني الإسباني119 قاصرا وارتفع الرقم سنة 2005 إلى 318 قاصرا والذين يؤدون بين 1000 و1500 أورو ثمن نقلهم لمثلث الخطر طريفة ألمرية سيفيا. حضور هؤلاء القاصرين في كل مرة على مثن هذه القوارب سمح بطرح الأسئلة التالية: من يساعد القاصر في مشروعه للهجرة؟ هل يشكل القاصرون استراتيجية عائلية؟ حسب الفهم التقليدي لبعض العائلات فإن الهجرة بلا رفقة تعتبر هجرة اجتماعية ،يحتل فيها القاصرمكانة متميزة داخل هرم العائلة .فلأول مرة يشكل القاصرون استراتيجية عائلية بدعم من الوالدين وذلك في أفق حصول القاصر على الإقامة الشرعية وتليه مجموعة من الخطوات الإجرائية:إرسال وإعانة العائلة بمدخول شهري مالي وضمان مستقبله كما الكثيرون. سوق القاصرين بمليلية: هذا الكائن الصغير والحالم كما تصفه الأدبيات العالمية تحول فجأة إلى قاصر ومسؤول عن رحلة يطول فيها العذاب من أول خطوة يطرقها من باب والديه إلى أن تصل أقدامه الفردوس يخرق الموظفون الإسبان الحقوق الإنسانية لهؤلاء الأطفال المهاجرين بقوة من أجل إعادتهم إلى المغرب ويعاقبهم الموظفون المغاربة على رحليهم إنها صرخة كلاريسا بنكومو (مندوبة قسم حقوق الطفل في منظمة هيومان رايتش).ففي أكبر الملاجئ الإسبانية مثل مركز سان أنطونيو ومركز فويرتي دي لا بوريسما بمليلية لاتتوفر شروط السلامة : فلا تخضع التجهيزات للشروط الدولية للرعاية،وضعية التكدس متفاقمة وليس هناك فضاء للقيام بأنشطة إبداعية للأطفال.فجميع الأطفال الذين تم استجوابهم من طرف منظمة هيومان رايتش قالوا بتعنيفهم وضربهم وتهديدهم من طرف المشغلين بهذه المراكز.ويشتكي الأطفال الصغار لدى المسؤولين من تصرفات بعض الأطفال الأكبر سنا وقوة:الضرب والسرقة أمام أعينهم بدون اعطاء ألإهتمام إلى هذا. يشعرالأطفال بالأمان في الشارع من مراكز الإيواء هاته التي يقيمها الإسبان لرعايتهم.تؤكد المندوبة كلاريسا بنكومو. فحتى سنة 1998 على مقربة من الشوارع الرئيسية يتدفق نحو 100 طفل في مدينة مليلية المحتلة بدون رعاية من أحد.أغلبهم أطفال منحدرون من مناطق متاخمة،أطفال يعبرون الحدود وحسب أقوالهم على الرغم من سوء المعاملة التي يلاقونها هناك شيء لأكله من القمامة..أطفال أغلبهم بين11 وو14 سنة يعيشون حلم الحرية ، حكاية تنطلق كل يوم ولا تنتهي تقريبا نهاية سعيدة. خطاب عنصري: إنهم ليسوا أبناءنا،إنهم مهاجرون مغاربة جملة غارقة في مداها العنصري وتجلياتها الممتلئة بالكراهية والنظرة التحقيرية للأخر حتى ولو كان هذا المهاجر طفلا قاصرا.إنهم أضحوا مشكلة جسيمة، على الأقل اعتبارهم بشكل انساني والتضامن المتوجب من طرف الحكومة الإسبانية والهيئات المدنية الإسبانية.ظل هذا البعد بعد التجريم والنظرة الدونية مرافقا على طول عهد حكومة الحزب الشعبي(الأنزارية) عن طريق موظفين وضعوا بعدم معاملة الطفل كشخص ناضج وإنساني.ومن جانب هام لا توجد أرقام أو احصائيات مضبوطة في كل من اسبانيا وعموم القارة الأوربية عن الأطفال القاصرين،فقد قام مركز اليونسيف في ألمانيا بإحصاء سنة 1999 فوجد بين 5000 و10000 مهاجر قاصر بلا رفقة،بعضهم يعيشون وضعية مزرية مما يعطي بفكرة استفحال المشكلة.ففي إيطاليا ،قدر "كريطاس"بين 5000 و6000 قاصر.وفي اسبانيا ليست هناك نسب محددة إلا بدراسة أنجزت من طرف مجموعة من المتطوعين من جمعية إيماناemana والتي احتسبت في مدينة مدريد لوحدها أنه يوجد على الأقل 1000 قاصر يعيشون في شوارع المدينة المترامية الأطفال.فحسب حكومة مليلية فإن وصول القاصرين لم يتوقف وفي ازدياد مطرد بنسبة70 في المائة. صورة القاصرين: حسب دراسة الباحثة ماريا بريمديس فإن أغلبية حالات القاصرين تكون معروفة لعائلاتهم بأن أطفالهم في سفر...العديد من هؤلاء الأطفال تلقوا تعنيفا أو تعسفات من لدن عائلاتهم،وعاشوا مدة في مدن مغربية خاصة (الدارالبيضاء،الناظور،العيون...),يتراوح عمر هؤلاء القاصرين بدون رفقة 15 سنةوهم يعانون وضعية تشرد صعبة حيث يجدون تعاطفا في مجموعة القاصرين يؤلفون بينهم وحدة على المستوى الثقافي والتربوي جد متدنية لاتنسجم مع اعمارهم", هذه هي الصورة العامة لأغلبية هؤلاء القاصرين التي حسب الدراسة التي أنجزتها الباحثة ماريا بريمديس والتي تختصر المسألة في سببين: المآوى والتربية لكن تعدد الباحثة مشاكل أخرى تستدعي حركة سريعة للحد من الجوع والأمراض ، فقدان الحنان، الإنحراف، المخدرات ، العهارة ، العنف...وتوفير شروط السلامة عبرتضامن شمولي وفعال. مع احترام النقاش الأخلاقي الذي يشكل لب هذه الظاهرة . كما تكشف الباحثة عن صورة مجتمع قائم مع المهاجرين" بدون شك هذه الأحاسيس المتولدة في المجتمع لدى القاصر في وضعية غير قانونية ليست مماثلة لراشد في وضعية غير قانونية," . لتوضيح هذا النقاش الأخلاقي تضع مثال حملة (أطفال بلا سقف) التي انطلقت في الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2000 . القاصرون بلا رفقة في مدينة مدريد: من بين البحوث لمنجزة في هذا الصدد قامت جمعية إيمانا بدراسة حالة ألف طفل قاصر يعيشون في شوارع مدينة مدريد,انطلقت الدراسة مع أطفال بلا رفقة بين سنتي 1996 و1998 في وصولهم المرعب, وعلى طول سنة1999 وصل إلى إحدى مراكز مدينة مدريد 1100 طفل قاصر من بينهم687 مغربي. هذه الأرقام لاتعبرعن جميع الأطفال القاصرين،فقط تهم فئة من عينات موضوع هذه الدراسة. إلا أن هذه الأخيرة لاتعتمد على الإحصائيات الرسمية ويمكن رصد ثلاثة مؤشرات واضحة: أولا:نقص في الترسانة القانونية المنظمة لشروط القاصر. ثانيا: وجود شبكات تستغل هؤلاء القاصرين بشكل لاأخلاقي ولاإنساني. ثالثا:جهل وخوف أغلب القاصرين من نذرة الموارد الموجودة.هذه الموارد هي بشكل أساس منازل للإيواء أو أوراش عمل لإدماج لاحق. وحسب نفس الدراسة فإن الذين يتكلفون بالتربية اليومية غير مبالين كما أن هناك عجز لتسديد المصاريف لتغطية احتياجات الإدارة وأخيرا إدماج القاصر على المستوى السوسيو عملي وهو الهدف المبحوث عنه. مشهد ضعف القاصرين وصورهم المنتشرة في وسائل الإعلام بمدينة مليلية وفي غابات ألمرية ظلت وسيلة ضغظ سياسي من طرف فاعلين بمردودية كبيرة على المستوى السياسي والإقتصادي، من أجل طلب المزيد من الإتحاد الأوربي والحكومة المركزية كشراكات عمل اجتماعي. اليوم، بعض هؤلاء الأطفال القاصرين الذين عاشوا لحظة توهج حلم حقيقي في العبور إلى ضفة الشمال بعيدا كل البعد عن ضفة الجنوب بكل ما فيها من مآسي الفقر والعوز والإحتياج يستنشقون الإمتعاض فقد تحول الحلم إلى كابوس مزعج وثقيل بترحليهم قسرا دون أن يدركوا أسباب هذا التحول وحجم المسؤولية والصورة النمطية التي رسموها عن أنفسهم وعن بلد قديم اسمه المغرب عجز عن رعاية أطفاله الصغار.