كل المؤشرات تقود إلى أن مطلب تجديد النخب أصبح مطلبا ملحا على المستويين الشعبي (مسيرات 20 فبراير) والرسمي (خطاب الملك). ويجد هذا المطلب مشروعيته في أن الانتخابات المقبلة ستجرى في ظل دستور جديد صادق عليه المغاربة بأغلبية ساحقة، مما يجعل معركة تفعيله تتطلب فتح الباب أمام نخب جديدة قادرة على إحداث التغيير من خلال مؤسسات قوية وفعالة وذات مصداقية. لا شيء يشغل المواطنين هذه الأيام إلا الحرب الدائرة بين الأحزاب السياسية لكسب معركة انتخابات 25 نونبر البرلمانية. إذ يشحذ كل حزب، يمينا ويسارا، سلاحه ويبرز عضلاته ويبرم تحالفاته استعدادا للفوز بأكبر عدد من المقاعد، وبالتالي الظفر بمنصب أول رئيس حكومة في تاريخ المغرب. غير أن المثير للجدل في «لحظة التسخينات» التي تسبق يوم الاقتراع هو أن الاستعدادات تترك لدى المراقبين انطباعا بأنها تتم خارج المطالب الشعبية والديمقراطية التي عبرت عنها الحركة الاجتماعية والمطلبية، وعلى رأسها حركة 20 فبراير. لذلك، فالسؤال المطروح هو: هل تملك الأحزاب السياسية الأدوات اللازمة لتنجز ما تعد به هذه الأيام، وعلى أوسع نطاق، من قضاء على البطالة وتحسين ظروف العيش و معالجة غلاء المعيشة ومحاربة الفساد والمفسدين وتجديد النخب وجلب الاستثمارات وتوفير الأرضية والنظريات المشجعة على ذلك، إلى جانب تحقيق العدالة الاجتماعية والأمن والاستقرار لجميع المواطنين؟ هل لديها برامج واقعية بإمكانها أن تضع حدا للوعود المبتورة والأحلام الواهية التي كان ضحيتها الناخبون طوال المراحل السابقة؟ هل رتبت الأولويات بما يتماشى مع الأوضاع الراهنة؟ المؤشرات فإذا كان الجدل حول الانتخابات وأسسها وقواعدها الديمقراطية يعد ذات أهمية وحساسية خاصة (وقد أبدت الأحزاب شراسة في الدفاع عن مواقفها بخصوص نمط القوانين الانتخابية ونمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي)، فإن هذه الأهمية لا يجب أن تنسينا الأهم وهو المشروع المجتمعي الذي تحمله هذه الأحزاب السياسية، وأيضا النخبة التي ستضطلع بمهمة تنزيله على أرض الواقع. هل تملك هذه الأحزاب وعاءً لتصريف برامجها الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية المرتبطة برؤيتها وبمرجعيتها؟ هل تتوفر على نخبة جديدة مواطنة ما زالت تحتفظ بعذريتها السياسية، كما أن سجلها أبيض وتتمتع بالكفاءة، عكس النخبة السالفة التي جرت المغرب إلى الحضيض على مختلف الواجهات والمستويات (ويمكن الرجوع في هذا الإطار إلى التقارير الدولية)؟ فإذا كانت بعض الأحزاب السياسية ذات العمق الشعبي، وهي لا تتعدى رؤوس أصابع اليد الواحدة، لا تزال تحاول وضع تصور تنموي متكامل وخاص للمجمتع وللدولة، فإن غالبية الأحزاب (التي أعلنت عن مشاركتها في الانتخابات)، وهي أحزاب لا تفتح مقراتها إلا في هذا النوع من المناسبات، تحاول مقارعة التيه المطلق الذي تعيشه «تنظيماتها» في الواقع بدون قواعد واضحة، وذلك باتكالها على تبني الأوراش الملكية، في نوع من النفاق السياسي الذي لا يمكن للمتبع أن يتفاداه. وإذا كان صحيحا أن الأحزاب المغربية، في ظل هيمنة التدخلات الملكية وقوتها السياسية والمالية، لا تدافع عن طبقة اقتصادية أو اجتماعية بعينها، ولا تحرص على مصالح فاعلين اقتصاديين أو مهنيين بشكل محدد (حتى أن المراقب لا يمكنه من خلال البرامج المطروحة أن يتعرف، لا على اليمين ولا على اليسار)، فإن السؤال المركزي الذي سيفرض نفسه هو: هل بالإمكان إنجاح الموعد الانتخابي بترشيح ديناصورات الانتخابات؟ هل بالإمكان كسب الحرب باقتراح المفسدين والمرتشين وأباطرة المخدرات؟ كل المؤشرات تقود إلى أن مطلب تجديد النخب أصبح مطلبا ملحا على المستويين الشعبي (مسيرات 20 فبراير) والرسمي (خطاب الملك). ويجد هذا المطلب مشروعيته في أن الانتخابات المقبلة ستجرى في ظل دستور جديد صادق عليه المغاربة بأغلبية ساحقة، مما يجعل معركة تفعيله تتطلب فتح الباب أمام نخب جديدة قادرة على إحداث التغيير من خلال مؤسسات قوية وفعالة وذات مصداقية. فهل هذا المطلب قابل للتحقق في الظرف السياسي الحالي، وبالنظر إلى لوائح المرشحين التي تسنى ل «الوطن الآن» الاطلاع على بعضها؟ هل بإمكان النخب الحزبية المقترحة لدخول البرلمان كسب أرضية في الشارع المغربي، وهل بإمكان الأحزاب توضيح ضوابط اختيار مرشحيها للبرلمان، وإقناع الناخبين بأحقيتهم في الترشح والظفر بالمقعد النيابي؟ قطع الغيار إن الأمر لا يتعلق، بخصوص التنخيب، بقطاع غيار يتم استبدالها من حين لآخر، وكلما تطلب الموقف ذلك، بل يتعلق بكفاءات تتوفر على عمق سياسي وحزبي وإيديولوجي، وعلى مؤهلات وقدرات تجعلها قادرة على الاضطلاع بمهامها في المؤسسة التشريعية، وذلك عبر الترقي في مدارج المسؤولية وإثبات الكفاءة والدراية. لكن السؤال هنا هو: إذا كان البرنامج الانتخابي يتأسس على الإيديولوجيات وعلى المذاهب السياسية، فإن أزمة الهوية لدى الأحزاب أدت، بشكل سافر، إلى تشابه برامجها وافتقارها إلى آليات واضحة لتنزيلها، حيث أضحت جميعها منخرطة في برنامج واحد يمليه التدبير الاستراتيجي للمشاريع الملكية الكبرى، وهنا لا بد من التساؤل: هل سيكون رئيس الحكومة الجديد شريكا في التدبير إلى جانب الملك (رئيس الدولة)، كما ينص على ذلك دستور فاتح يوليوز 2011، أم سيبقى مجرد موظف مكلف بالتنسيق بين الوزراء لتنفيذ برنامج يصنعه المستشارون الملكيون؟