المغرب يدغدغ عواطف شعبه على مواقف لا يستطيع الدفاع عنها . مهما كانت مواقف نشطاء حقوق الإنسان في أوروبا من نزاع الصحراء، فالنظام المغربي يتحمل مسؤولية كبرى في إدارة هذا الصراع سياسيا و إعلاميا و دبلوماسيا و حتى عسكريا، مادام انه يريد أن يتحكم في هذا الملف و حده، و يرفض منذ الأزل إشراك الرأي العام المغربي و قواه الحية. الأخطاء الدبلوماسية المغربية تتكرر بشكل فج، ابتداء من صراع جزيرة ليلى مع اسبانيا عندما أمر بعض الدركيين باقتحام الجزيرة دون دراسة العواقب، حتى أن تم اعتقالهم من طرف الجيش الاسباني و تسليمهم إلى المغرب عبر بوابة سبتة بشكل مهين، مرورا من الأزمة الدبلوماسية مع السنغال بمجرد أن حضر رئيس حزب معارض سينغاليي في مهرجان تضامني مع البوليزاريو في الجزائر، كان الحكومة السنغالية تتحمل مسؤولية مواقف معارضيها، و قطع العلاقة مع فينيزويلا في أوج الحرب الصهيونية على غزة ، وبعدها طرد السفير الإيراني من المغرب بحجج (التشيع،و التضامن مع الإمارات الشقيقة)، في الوقت الذي نجد فيه حتى هذه الأخيرة، لم تتخذ نفس الموقف المتصلب من إيران، وصولا إلى بهدلة طرد اميناتو حيدر من العيون إلى جزر الكناري، بتاريخ 14 نونبر الماضي. إن قرار طرد اميناتو من العيون إلى بلد جار و ذا سيادة، يحترم فيه حقوق الإنسان، عمل صبياني، يتطلب إقالة أو استقالة كل ما ساهم في اتخاذ هذا القرار. هذا الموقف أحرج جميع المغاربة في الداخل و الخارج، مما جعل البعض منهم يدافع عن الخطأ كأنهم هم المسئولون عنه. و في هذا الصدد، شاهدنا سفر اغلب الأحزاب لكي لا نقول جميعها إلى اسبانيا، لشرح الموقف المغربي من هذا القرار، كان هذه الأحزاب "المسكينة" لا مواقف لها، و لا تفكر، بحيث لم يتجرا احد منهم ليقول بان الدولة المغربية اخطات باتخاذ هذا القرار و أنها ستتحمل لوحدها عواقب هذا القرار الدبلوماسي القاتل. و تزامنت جوقة الأحزاب مع تحرك بعض من المغاربة المرتبطين بالقنصليات المغربية في اسبانيا و بلجيكا، لتنظيم تجمعات تشوه المغاربة أكثر مما تدافع عنهم. ففي بلجيكا تجمع يوم الجمعة دجنبر 2009، ما يقارب 100 شخص في ساحة شومان لمساندة "قرار المغرب"، وهم محبطون بعد سماعهم تراجع المخزن عن موقفه "المتصلب" و السماح لاميناتو حيدر دخول الصحراء. في الوقت الذي تعرف بلجيكا حضورا قويا للمغاربة يقدر بنصف مليون نسمة، لم يلبي النداء إلا حفنة قليلة من البشر، بالرغم من استعمال هؤلاء كل وسائل الدعاية الرسمية، على رأسها قناة دوزيم في نشرتها لليلة الخميس 17 دجنبر. و مع مرور شهر من هذا الخطأ الأمني و الدبلوماسي، ها هي حيدر تعود إلى الصحراء بطلة، بعدما لم تكن معروفة حتى عند المهتمين بخبايا الصحراء (انظر الفيديو أدناه)، بل عادت أكثر شهرة من الأحزاب السياسية و حتى رئيس الحكومة المغربية الحالية عباس الفاسي لدى الرأي العام الأوروبي. الزميل حسين مجدوبي، مراسل جريدة القدس العربي باسبانيا، كتب مقالا حول الموضوع عنونه ب" حيدر تعود إلى العيون، بعد وساطة أمريكية و فرنسية و اسبانية...ومن دون الاعتذار إلى الملك" (انظر جريدة القدس ليوم السبت 19 دجنبر 2009). إن بلادة بعض المسئولين في الحكومة، جعلهم لا يعرفون كيف يدافعون عن القرارات المتخذة، بحيث لا احد يعرف كيف تتخذ القرارات في المغرب. و لتبرئة أنفسهم" أو "مساندة المواقف المتخذ بشكل أعمى و المتخذة و دون استشارتهم"، يختبئون وراء الملك، و ينسون بان بتصريحاتهم قد تورط الملك و تسيء إليه . إن ربط الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد خالد الناصري و مسئولين آخرين عودة حيدر إلى الصحراء بالاعتذار إلى الملك (انظر جريدة القدس)، هي اهانة للحكومة المغربية و للملك أيضا، لان هاهي حيدر تعود معززة مكرمة، دون الاعتذار للملك، بل هي التي طالبته بالاعتذار لها، عقب تصريح لها للقناة الأولى الاسبانية. حلت إذن اميناتو بمدينة العيون ليلة الخميس/الجمعة بواسطة طائرة خاصة بدون جواز السفر، و بدون القبول بأي شرط ن الشروط المغربية، و وجدت في استقبالها عائلتها و أنصار البوليزاريو في الداخل و وسائل الإعلام السمعية منها و البصرية و خاصة الاسبانية منها. الشرطة المغربية بقيت مكتوفة الأيدي خضوعا لتعليمات الرباط، و لم تقم إلا بتنظيم حركة موكب دخول اميناتو حيدر، التي واصلت تحديها، عندما رفضت الركوب في سيارة الإسعاف خصصتها لها السلطات المغربية بالعيون كما رفضت المكوث في المستشفي الذي تديره السلطات الصحية المغربية. كما واصلت تصريحاتها النارية من منزلها بالعيون و هي تقول: "عودتي انتصار للقانون الدولي، و لحقوق الإنسان و العدالة الدولية و للقضية الصحراوية". و أضافت بأنها " سأستمر في الدفاع عن استقلال الصحراء الغربية". بما يعني أن أخطاء النظام حولت اميناتو حيدر إلى بطلة و إلى شخصية سياسية دولية بارزة، إذ ضلت الدولة المغربة عاجزة عن إدارة هذه الأزمة التي خلقتها بأم أيديها. فلم تستطيع الإقدام لا على اعتقالها ولا استنطاقها ولا على محاكمتها. في الوقت الذي يقبع آخرون في السجون بمجرد أن كتبوا مقالا أو ابدوا رأيهم في قضايا تهم وطنهم و جهتهم، كما حدث للمعتقل السياسي شكيب الخياري مثلا. مواطن مغربي بريء في بلجيكا وهو يتظاهر محبطا للدفاع قرارات الخاطئة لنظام الحكم في الرباط قال: "لماذا لم يعتقلوها في البداية أو يحرموها من السفر إلى الخارج بدل من هذه الشوهة كلها". جريدة القدس العربية أوردت في عددها ليوم السبت 19 دجنبر " وتسود مشاعر الحسرة و اليأس في نفوس الجالية المغربية في اسبانيا،/ بسبب هذه القضية بسبب هذه النهاية التي لم تكن منتظرة. في هذا الصدد قال مغربي تابع عن كثب تطورات هذه القضية:( منذ البدا كان على المغرب أن يفكر جيدا في هذا الملف، و يستبعد ترحيل حيدر حتى يتجنب هذه المهزلة)، معتبرا أن عودتها صفعة جديدة لدبلوماسية الرباط". قصر الاليزي بفرنسا، و هلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، و مورامتينوس وزير الخارجية الاسباني، عبروا عن سعادتهم لهذه العودة.، لكن يبقى السؤال ماذا ربح المغرب من كل هذه الضجة، هل حكام الرباط بلداء إلى هذه الدرجة، الم يكن يتوقعون بأن الاقدام على هذه الخطوة سيكون المغرب معرض لضغط الرأي العام الغربي، باعتباره ملفا حقوقيا صرفا قبل أن يكون سياسيا، ما دامت حيدة لم تقم بحمل السلاح أو ممارسة العنف حسب مقاييس امنيستي انترناسيونال و معظم المنظمات الحقوقية الأوروبية . الم يصرح وزير الخارجية الاسباني المحنك، مورانتينوس، بان " حكومة بلادة قامت بما في وسعها لتامين هذه العودة في أسرع وقت ممكن، غير أن الأمر لم يخضع لأية مساومة من المغرب". و هو يضيف بان " مدريد لم تقدم أي تنازلات للرباط في هذه القضية، موضحا أن بلاده تمسكت منذ البداية بموقف المطالب بعودة حيدر، كما تشبث بضرورة إجراء استفتاء تقرير المصير كحل لنزاع الصحراء الغربية"... من حقنا أن نتساءل إذن كمغاربة، عن ماذا ربح المغرب من هذه القضية؟ الم يساهم بعض الأحزاب المغربية التي زارت اسبانيا (الأصالة و المعاصرة، حزب الاستقلال، الحركة الشعبية و العدالة و التنمية...الخ)، في تعميق الهوة بين الحكومة الاشتراكية الاسبانية الحالية و المغرب، عندما التجئوا إلى الحزب الشعبي اليميني المعادي للمغرب و المغاربة طوال التاريخ، لشرح مواقفهم (عفوا موقف النظام)، مما دفع الحكومة الاسبانية تلجا إلى فرنسا و الولاياتالمتحدة للضغط على المغرب؟ و بهذه المبادرات جعل الحزب الشعبي يدخل على الخط لإرباك العلاقة الاسبانية المغربية المتميزة، في سباق انتخابي محموم مع خصمه اللذوذ الحزب الاشتراكي؟ بالله عليكم، ولم يحن الوقت للجهر علانية، بمتى يمكن في المغرب محاسبة المسئولين الذين ينزعوا منا كرامتنا و يهينوننا أمام باقي الأمم و الشعوب بأخطائهم المتكررة عبر التاريخ، ابتداء بتصفية ثورة عبد الكريم الخطابي، و جيش التحرير مرورا بالقبول باستقلال ناقص و شكلي، الذي نعاني من انعكاساته إلى يومنا هذا، و و صولا إلى قصة حيدر اميناتو. ألا يحق لنا أن نتمنى نهاية هذا المسلسل الدرامي عبر القيام بإصلاحات سياسية و دستورية مبنية على مبدأ فصل السلطات و جهوية سياسية موسعة حقيقية في كافة التراب الوطني و يقر بمبدأ عدم الإفلات من العقاب و يقر بمحاسبة الحكومة و المسئولين عندما يخطئوا في حق الشعب و الوطن؟ لو كان هذا الحدث وقع في بلد أوروبي لاستقال وزيرا الداخلية و الخارجية فورا. ففي بلجيكا مثلا استقال وزير الداخلية في أواخر التسعينات مجرد أن توفيت مهاجرة نيجيرية مقيمة بدون أوراق و المسماة "سميرة ادامو"، لان شرطيين أساءا التصرف معها عندما قاما تكميم فمها لإرغامها ركوب الطائرة لإرجاعها إلى بلدها. ...انظروا الفرق.......و لكم واسع النظر.....