قال خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام)، والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، إن البيان الصادر أخيرا عن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف حول مستجدات المشهد الإعلامي بالبلاد، هو موقف يحسب لها، ذلك أنها تحلت بالشجاعة الكافية لتسجل أن الانحرافات، التي تمت متابعتها في الفترة الأخيرة لا تمت للممارسة المهنية بصلة، مشيرا إلى أن ما أكده بيان الفيدرالية هو ما كان يقوله دائما، وتحمل الكثير من النقد غير الموضوعي في سبيل ذلك. وذكر الناصري، في حديث أدلى به ل« الشرق الأوسط »، خلال زيارة قام بها أخيرا للندن، إن قانون الصحافة يجب أن يعالج في نطاق شمولي، أخذا بالاعتبار المحطات والتطورات التي حصلت حتى الآن، والعيوب الواضحة التي برزت في الممارسة الصحافية، وشدد على القول إن باب التعديل في قانون الصحافة ليس مغلقا، وإنه ما زال مطروحا، بيد أنه ينتظر ذلك النقاش الجدي من خلال محاورين في مستوى الجدية. وبشأن مال المجلس الوطني للصحافة، قال الناصري « حتى الساعة ما زال مرتبطا بصفة عضوية بالقانون التعديلي للصحافة، الذي تم التداول في شأنه سنة 2007 ». وتساءل : هل يمكن أن نخرج به بكيفية مستقلة عن الإطار القانوني للمدونة الشاملة للصحافة؟ وقال إنه شخصيا يحبذ هذه الفكرة، ويجد مزايا كبيرة في التنظيم الذاتي للمهنة. وبالتالي فإنه ينتظر رسائل جوابية واضحة من طرف المهنة، تبين فيها أنه في استطاعتها أن تزاول بصفة جدية، وموضوعية، ومسؤولة، ومستقلة، مهامها الأدبية والتأديبية. وحول إمكانية مراجعة العقد البرنامج، الذي على أساسه تقدم الدولة الدعم المالي للصحافة المكتوبة، قال الناصري إن ذلك أمر طبيعي لأن المراجعة جزء من العقد البرنامج، الذي يرجع تاريخه إلى أربع سنوات خلت، ويتضمن من بين بنوده أنه عند انتهاء مدة صلاحيته يجب القيام بمعاينة تقييمية لما تم إنجازه من مكتسبات، وأيضا للعقبات، إذا ما برزت هناك عقبات، من خلال دراسة موضوعية متأنية. وأوضح الناصري أن الدعم الذي يمنح للصحافة « لا يتم إطلاقا من خلال معيار من ينتقدنا ومن يتهجم علينا أو من يساندنا ». وتحدث الناصري، وهو أيضا عضو قيادي في حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا) عن قضايا الساعة السياسية والحزبية بالمغرب. وردا على سؤال حول ما إذا كان حزبه سيخرج من الحكومة إذا ما قرر الاتحاد الاشتراكي الانسحاب منها، قال الناصري « يجب أولا أن يخرج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة. إنني أعلم أن هناك تيارا يثير الكلام حوله، ويدعو علانية إلى الانسحاب من الحكومة. وأنا هنا لست بصدد تقييم مواقف هذا التيار، بل أترك ذلك للنقاش الداخلي الجاري داخل الاتحاد الاشتراكي ». وأضاف : فيما يهم حزب التقدم والاشتراكية، نحن لا يمكن أن نتعامل مع قضايا كبرى من هذا النوع بانفعالية وسطحية، ولا يمكن أن نساير توجهات تقود عمليا إلى نفق مسدود، بل وقد تكون لها انعكاسات كارثية تزيد من تأزيم وعزلة قوى اليسار أكثر مما هي عليه اليوم. وفي ما يلي نص الحوار. * هناك مستجد في الساحة الإعلامية يتمثل في بيان فيدرالية ناشري الصحف.هل استجاب هذا البيان لمطالبكم كوزارة وكدولة من حيث تركيزه على احترام أخلاقيات المهنة، وقبل ذلك الاحترام الواجب للملك؟ إن البيان الصادر عن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف في الموضوع، هو موقف يحسب لهذه المنظمة المهنية، التي تحلت بالشجاعة الكافية لتسجل أن الانحرافات التي تابعناها في الفترة الأخيرة لا تمت للممارسة المهنية بصلة. ذلك أنه مطلوب منا جميعا، سلطات عمومية ومهنيين، ليس هو التستر أو إيجاد مبررات للإعفاء من المسؤولية عندما يتعلق الأمر بتجاوزات بينة. فإذا ما كانت هناك أخطاء يجب الوقوف عندها بالشجاعة اللازمة بعيدا عن منطق التعصب للمهنة، الذي لا يقدم الأمور على كل حال. فمن يتحمل مسؤوليته في الوقت المناسب، وبالجرأة الكافية، هو المدافع الحقيقي عن الممارسة المهنية الحرة والمسؤولة. * هل يمكن اعتبار أن بيان الفيدرالية يمهد ا لطريق نحو إخراج قانون الصحافة الجديد للوجود، خاصة أن هناك من يتحدث عن تقديمه خلال الدورة البرلمانية الحالية؟ أعتقد أن مثل هذه المواقف، عندما تكون صادرة عن المهنيين في الوقت المناسب، لا يمكن إلا أن تخدم تقدم النقاش والحوار الذي طالما دعوت إليه، وإن كان النقاش الجدي أو المعمق ما زال لم يحصل، والكثير من المواقف التي نعاينها تنقصها الجرأة والعمق. مع العلم أن ما أكده بيان فيدرالية الناشرين هو ما كنت أقوله دائما، وتحملت الكثير من النقد غير الموضوعي في سبيل ذلك. أما في صلب الموضوع، فإن قانون الصحافة يجب أن يعالج في نطاق شمولي أخذا بالاعتبار المحطات والتطورات التي حصلت حتى الآن، والعيوب الواضحة التي برزت في الممارسة الصحافية، وكل ذلك يقودني إلى القول إن هذا الموضوع ما زال مطروحا، وإن باب التعديل في قانون الصحافة ليس مغلقا، بيد أنني أنتظر ذلك النقاش الجدي من خلال محاورين في مستوى الجدية، وفي مستوى المسؤوليات التي تفرضها التطورات التي عرفتها الممارسة الصحافية، والعيوب الفاضحة التي تم رصدها في الآونة الأخيرة. * وماذا عن مآل المجلس الوطني للصحافة، كأداة للتسيير الذاتي للمهنة؟ هو لحد الساعة ما زال مرتبطا بصفة عضوية بالقانون التعديلي للصحافة، الذي تم التداول في شأنه سنة 2007. ويبقى التساؤل هنا هو : هل يمكن أن نخرج به بكيفية مستقلة عن الإطار القانوني للمدونة الشاملة للصحافة؟ هذا موضوع يظل مطروحا. وأنا شخصيا أحبذ هذه الفكرة، وأجد مزايا كبيرة في التنظيم الذاتي للمهنة. وبالتالي أنتظر رسائل جوابية واضحة من أطراف المهنة تبين فيها أنه في استطاعتها أن تزاول بصفة جدية وموضوعية ومسؤولة ومستقلة مهامها الأدبية والتأديبية. * بحكم موقعك كوزير للاتصال.. توجد دائما في موقع المواجهة مع الصحافة، والملاحظ أن إعلام الحزب الذي تنتمون إليه لا يواكب مواقفكم، وإن فعل ذلك فإنه يقوم بذلك متأخرا؟ ما تعليقكم على ذلك؟ الموضوع يتجاوز صحافة حزب التقدم الاشتراكية إلى واقع الإعلام الحزبي ككل، الذي تأخر شيئا ما عن الركب، ولم يتمكن من مواكبة التطور الاجتماعي والسياسي والتاريخي، الذي عرفته بلادنا، وفقد حيزا كبيرا من المبادرة الذي كان يمتلكها في تأطير النقاش والحوار والسمو بهما إلى قضايا الوطن الكبرى كما كان عليه الأمر في السابق، حيث كانت الصحافة الحزبية فاعلا أساسيا في تطوير البناء الديمقراطي في احترام تام للحياة الخاصة وحرمة المؤسسات ومصالح الوطن. وما نلاحظه اليوم أن المبادرة، في الاتجاه السلبي، مع الأسف، أصبحت بين أيدي الصحافة، التي قيل لنا إنها مستقلة، والتي فرضت عمليا من خلال ممارساتها، مجموعة من الأنماط والأنواع الصحافية التي جعلت الصحافة الحزبية تبتعد عن ممارسة وظيفتها إزاء مواكبة الشأن السياسي بكيفية مهنية ومستقلة، حتى عن الأحزاب التي تنتمي إليها، ولكن كمواكبة بناءة وإيجابية. هذا جانب يفسر الملاحظة التي أشرت إليها. ويمكنني أن أقول إنه فيما يخص جريدتي « البيان » و« بيان اليوم »، هما جريدتان تعيشان الآن طفرة نوعية جديدة من خلال تغيير الطاقم الإداري والتحريري المشرف على تدبيرهما، وستبدو للعيان في القريب العاجل مقاربات جديدة تتجه صوب مستوى أرفع من المهنية يجعل تلك الصحافة تواكب العمل الحكومي والعمل الحزبي والتطور الاجتماعي بكيفية حرة طبعا، ولكن بجدية ومسؤولية كذلك. * المعروف أن الدولة تقدم دعما سنويا للصحافة المكتوبة قدره 5 مليارات درهم، والمفارقة أن الكثير من المنابر المستفيدة من هذا الدعم تتصدر المواجهة مع الدولة، بل إن هذه الأخيرة أصبحت كثيرة الشكوى إزاء ما تسميه « الانحراف »، و« عدم التقيد بأخلاقيات المهنة ». على ضوء ذلك ما هو مصير هذا الدعم، وهل من مراجعة تعتزمون القيام بها؟ المراجعة أمر طبيعي لأنها جزء من العقد البرنامج، الذي يرجع تاريخه إلى أربع سنوات خلت، ويتضمن من بين بنوده أنه عند انتهاء مدة صلاحيته يجب أن نقوم بمعاينة تقييمية لما تم إنجازه من مكتسبات، وأيضا للعقبات، إذا ما برزت هناك عقبات، من خلال دراسة موضوعية متأنية، ونحن بصدد القيام بتلك الدراسة بكيفية مستقلة ومعمقة من أجل الوقوف عند الثغرات، ومن أجل تجاوز السلبيات. إن موقفنا كحكومة، ليس هو الدخول في صراع مع الصحافة، فنحن نتعامل مع الصحافة، بما فيها تلك التي لا تساندنا، باعتبارها شريكا في العملية السياسية والديمقراطية، أو لنقل كذلك نتمناها أن تكون. وفي هذا السياق، نتمنى فقط أن تعاملنا كل الصحف المغربية بالمثل، أي بنفس الاحترام الذي نعاملها نحن به، علما أننا لا ننتظر منها أن تقوم بمحاباتنا ومسايرتنا بكيفية مجانية. وبالتالي فالدعم الذي يمنح للصحافة، على كل حال، لا يتم إطلاقا من خلال معيار من ينتقدنا ومن يتهجم علينا أو من يساندنا. نحن لا ننظر للأمور بهذا المنطق. نحن نعتمد معايير ديمقراطية وموضوعية، والمراجعة ضرورية لأن الممارسة أبانت أننا زغنا عن الفلسفة العميقة للعقد برنامج، الذي يروم مرافقة المقاولات الصحافية في مسلسل التأهيل، وتوسيع مجال قراءة الصحف، وجعل الصحافيات والصحافيين في صلب هذه العملية التأهيلية من خلال النهوض بأوضاعهم المادية وبقضايا التكوين وغيرها. وأعتقد أنه يجب أن يناقش هذا الموضوع من لدن المهنة نفسها. فأنا أطرح على الصحافيين أن يتحملوا مسؤولياتهم في هذا الموضوع كذلك. وبالتالي ليست هناك مواضيع محرمة، بل هناك مواضيع تحيلها عليهم الحكومة كي يعطوا فيها رأيهم من أجل الوصول إلى ذلك التوافق الذي أنادي به. * لقد تميز عهدكم في وزارة الاتصال بالصرامة إزاء من يسيء لثوابت البلاد ومؤسساتها. ألا ترى أن بعض الأطراف داخل الدولة ساهمت، بشكل أو آخر، في خلق كثير من الظواهر الصحافية المسيئة لثوابت البلاد؟ أعتقد أن هذا الموضوع حقيقي، وأن بعض المسؤولين في هذا المستوى أو ذاك، وأفترض حسن النية، ربما سقطوا في فخ الإفراط في الثقة بالنسبة لأشخاص بينت التجربة أنهم لم يكونوا جديرين بتلك الثقة التي وضعت فيهم. لعل هذه الظاهرة حصلت، بيد أنها على كل حال تبقى ظاهرة ثانوية جدا، لأنني لا أعتقد أن هذا يمكن أن يعتد به كعنصر للتخفيف من المسؤولية. وحينما أقول ليس ظرفا من ظروف التخفيف، فمعنى ذلك أن هناك ما هو أسمى وأعلى وأعظم من العلاقات الشخصية مع هذا المسؤول أو ذاك، أي قيم المواطنة والوطنية، لأنه لا يمكن إطلاقا، ومهما كان الثمن، أن أتساهل مع من يعبث بالمشاعر الوطنية وبالاحترام الواجب للوطن وللأمة وللشعب ولتراكمات هذه البلاد. إنني أتصدى بقناعة لمن يرتكب هذه الانحرافات منذ أكثر من 30 سنة، ولم أغير جلدي ومواقفي قط، لذلك أعتبر أن من ينحو هذا المنحى إنما يستخف بوطنه، وليس في هذا التوجه أي تنازل عن الاختيارات التي آمنت بها دوما، وهي اختيارات الحرية وبناء ديمقراطية ناجحة تسود في أسمى الحريات، ألا وهي حرية التعبير. * بعد انتهاء المسلسل الانتخابي، الذي ابتدأ بالانتخابات البلدية، وانتهى أخيرا بانتخابات مجلس المستشارين، هل تعتبرون نتائجه بالنسبة لحزبكم مؤشرا إيجابيا في أفق الانتخابات التشريعية لعام 2012؟ لا ريب أن المرحلة التي نمر منها سياسيا وحزبيا هي مرحلة انتقالية. ومما لا شك فيه فإن الخريطة السياسية تعرف نوعا من الخلخلة في بلادنا في سياق مجموعة من العناصر والعوامل الجديدة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك مرحلة صعبة تمر منها أحزاب اليسار وضمنها حزب التقدم والاشتراكية. وكل ذلك يفرض علينا أن نتعامل بانفتاح جديد وبمقاربات جديدة مع الشأن الحزبي عبر ثلاثة مستويات هي : الإيديولوجية، والسياسية، والتنظيمية. إن مساءلات كبيرة مطروحة ويديرها حزب التقدم والاشتراكية منذ أكثر من 15 سنة. بيد أنني أقر بكل موضوعية ونزاهة أننا لم نستطع الإتيان بكل الأجوبة الشافية للإشكالات المطروحة أمامنا. وما يستعجلنا اليوم هو إعادة ترتيب البيت من خلال إبلاغ صورة جديدة عنا، كيسار وكحزب، للمواطنين. إن هناك انتظارات قوية، وباستطاعتنا إذا ما تحكمنا في إبراز صورة ذات مصداقية عن قدراتنا ومؤهلاتنا، أن نخلق مناخا جديدا في انتخابات 2012، وهذا ما سنشرع فيه ابتداء من الشهر المقبل تحضيرا لمؤتمرنا الوطني المقرر التئامه في غضون ربيع سنة 2010. * يبدو حزبكم في حالة ارتباك، فهو إلى جانب عضويته في الكتلة الديمقراطية، التي تجمعه بحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نجده يدخل في تحالفات أخرى، آخرها التحالف الذي جمعه بجبهة القوى الديمقراطية والحزب العمالي (المعارضيْن)، ما هي قراءتكم لذلك؟ بكل صراحة، الواقع مخالف لهذه الصورة التي تعطي الانطباع بأننا في حالة ارتباك، لان الائتلاف داخل الكتلة الديمقراطية، ومع مكوناتها، أمر ثابت لا غبار عليه، نؤكده باستمرار وأؤكده من جديد. فنحن ما زلنا نعتبر أن الكتلة الديمقراطية خيار استراتيجي، وهذا ليس كلاما نمطيا، بل قناعة قوية جدا، حتى وإن كانت الكتلة الديمقراطية تمر من مرحلة مخاض، معروفة أسبابها وملابساتها. وكوننا نلتقي مع حزبين يوجدان في صفوف المعارضة، هما جبهة القوى الديمقراطية والحزب العمالي، فذلك مرده أن هناك أشياء أهم من الانتماء إلى الغالبية أو المعارضة، وتتعلق بمرجعية قيم ومبادئ. ذلك أن ما يجمعنا مع هذين الحزبين ليس هو البرنامج الحكومي، الذي قد نختلف معهما بشأنه، بل يجمعنا كوننا أحزابا قائمة الذات بهويتها المتميزة ورغبتها في المضي قدما سويا، من أجل إعادة هيكلة حقل اليسار، وهذه إشكالية مطروحة على كل مكونات اليسار، وليس فقط على حزب التقدم والاشتراكية، وبالتالي نحن مرتاحون ارتياحا تاما لما نباشره من محاولات تهدف في جوهرها إلى إعطاء نفس جديد لدينامية توحيد القوى التقدمية في هذه البلاد. * يجتمع المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قريبا وسط أنباء عن احتمال بحثه مسألة مغادرة الحزب للحكومة، فإذا تم ذلك هل سيخرج حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة؟ لنطرح هذا التساؤل يجب أولا أن يخرج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة. إنني أعلم أن هناك تيارا يثير الكلام حوله، ويدعو علانية إلى الانسحاب من الحكومة. وأنا هنا لست بصدد تقييم مواقف هذا التيار، بل أترك ذلك للنقاش الداخلي الجاري داخل الاتحاد الاشتراكي. الآن فيما يهم حزب التقدم والاشتراكية، نحن لا يمكن أن نتعامل مع قضايا كبرى من هذا النوع بانفعالية وسطحية، ولا يمكن أن نساير توجهات تقود عمليا إلى نفق مسدود، بل وقد تكون لها انعكاسات كارثية تزيد من تأزيم وعزلة قوى اليسار أكثر مما هي عليه اليوم. صحيح أن ما عاشته الساحة السياسية في الفترة الأخيرة فيه الكثير من العبث، ولبلورة الأجوبة الملائمة على هذه الوضعية قررت لجنتنا المركزية في دورتها الأخيرة المبادرة إلى دعوة حلفائنا إلى التفكير في اتخاذ مبادرات مشتركة قصد إعادة الأمور إلى نصابها. هناك وضع سياسي عام موبوء، والمسؤوليات معروفة، ويجب أن تكون لنا الشجاعة للإقرار بنقائصنا أولا، قصد تقوية ذواتنا، ولكي تكون لنا القدرة على التأثير في موازين القوى وترجيحها لصالحنا، أي لصالح التقدم والحداثة، وتكريس مسار الدمقرطة، وإفراز نخب سياسية جديدة تدبر الشأن العام، محليا ووطنيا، بنزاهة، وعلى أساس قيم ومبادئ، وبمرجعية أخلاقية، لأن السياسة أخلاق كذلك. * جرى أخيرا انتخاب رئيس مجلس المستشارين، والملاحظ أن حزبا من الغالبية الحكومية هو الحركة الشعبية، صوت علانية لصالح مرشح حزب ينتمي للمعارضة. ما تعليقك على ذلك؟ أنا أضع ذلك في خانة المواقف المستقلة التي تتخذها كل الأحزاب السياسية لأن العمليتين السياسية والحزبية بالمغرب تتسمان اليوم بكثير من التعقيد والاختلال، انطلاقا من كون التموقعات والتحالفات تتم في كثير من الحالات انطلاقا من عناصر وعوامل قد تبتعد عن المواقف العقلانية والموضوعية الصريحة والمكتملة من الناحية المنطقية. الحقل الحزبي المغربي يمر بمرحلة مخاض عسير، وهو في حاجة إلى مزيد من العقلنة حتى يتمكن من الاضطلاع بدوره كاملا في إنضاج العملية الديمقراطية