هل سنعيش مزيدا من الضحك كالبكاء ،كلما تواصلت الثورات العربية وتواصل رد الفعل العنيف عليها من قبل الأنظمة الاستبدادية ؟ هل سنفاجأ بمهازل جديدة من طراز مهازل عصور الانحطاط كلما أصرت الشعوب العربية على استرداد حريتها المصادرة وكرامتها المسلوبة والعدالة التي افتقدتها قرونا طويلة ؟ المهزلة هذه المرة بطلها الشيخ المبتسم باستمرار،ولست أدري ما سر هذه الابتسامة الغبية،والمسمى أحمد بدر الدين حسون.ولمن لا يعرف مهمته الرسمية،فهو مفتي سوريا .. يا سلام على الفتاوى والمفتي ودار الإفتاء والمستفتين كلهم،بدءا بسيادة الرئيس وليس انتهاء بالشبيحة وجوقة الفنانين والمثقفين وسائر الفقهاء المنخرطين في هذه الجوقة البعثية العبثية بامتياز. سيادة المفتي يظن أنه صاحب الكلمة في العالم كله،فهو مازال يفكر بطريقة الفقهاء أيام الدولة السلطانية التي كانت يدها مبسوطة ،تفعل بالرعية ما تشاء وقت ما تشاء،لا يقف في وجهها أحد،ولا يردعها قانون أو شرع أو خلق.ولأنه يفكر من داخل منظومة أكل عليها الدهر وشرب،وتجاوزها منطق العصر والزمان،فهو يهدد ذات اليمين وذات الشمال،ويوزع تهديداته وابتساماته على الكاميرات المنصوبة له،لإقناعه أنه مهم ويقول أفكارا لم يسبقه لها إنس من قبل ولا جان. فما هي الأفكار الجديدة التي تفتقت عنها عبقرية فقيهنا الألمعي ؟ (وكان مفتي آل الأسد، الشيخ أحمد بدر الدين حسون، يهدد عواصم الغرب بوجود من وصفهم ب(الاستشهاديين) على أراضي الدول الغربية. وقال حسون، في تصريحات نقلها التلفزيون السوري وأدلى بها حسون أمام وفد لبناني: (في اللحظة التي تقصف فيها أول قذيفة على سورية ولبنان فسينطلق كل واحد من أبنائهما وبناتهما ليكونوا استشهاد يين على أرض أوروبا وفلسطين). وأضاف حسون: (أقول لكل أوروبا وأميركا، الاستشهاد يون عندكم الآن، إن قصفتم لبنان أو سورية ).أنظر : الرجل إذا يهدد أوربا و أميركا و ( إسرائيل) بعمليات "استشهادية"، تنفذها قنابل بشرية موقوتة ،تنتظر فقط الإشارة من فقيه زمانه، ووحيد دهره ،المتفرد بين أقرانه،فضيلة الشيخ الهمام،والعالم الذي قل أن يجود به الزمان،سماحة السيد أحمد بدر الدين حسون الذي فاض علمه نورا على بلاد الشام،وبلغ صداه الأصقاع الأربعة،ويتسابق الطلبة من كل حدب وصوب، للنيل من فيض علمه،والاستنارة بثاقب رأيه، والاغتراف من بركاته... بركاتك يا مولانا الشيخ ! لو كان الرجل يتحدث بصفته الشخصية،فربما تجرعنا العلقم وصدقناه إلى حين،لكن أصغر طفل في سوريا،له قدرة على تمييز الكلام،يعرف أن الرجل مجرد بوق كبير يتحدث بلسان نظام البعث الحاكم في سوريا منذ أربعة عقود خلت.فهي إذا ليست غيرة من الرجل على دين الله،ولا على أرض الإسلام،ولا على عباد الله ...لأن الإنسان الذي كرمه الله،وجاءت كل الشرائع كي تصون كرامته وتحفظ دمه وحرمته،هذا الإنسان يقتل ويعذب ويشوه جسده ميتا وحيا على أرض سوريا،أمام نظر وتحت سمع مفتي سوريا،وهو العالم بشرع الله... ومع ذلك لا يحرك ساكنا ،ولا يناصر ضعيفا، ولا يبكي شيخا ولا عجوزا ولا طفلا ..فلماذا إذا تثور ثائرته،وتحمر عيناه،ويصرخ بأعلى صوته مهددا الأوربيين والإسرائيليين والأمريكان ؟ هذا منطوق كلامه هو،لكن ما هو المفهوم الذي ينبغي قراءته بين الكلمات، وبذلك فقط نقفُ على حجم المأساة التي سببها عقول متحجرة وعمائمٌ متعصبة وسبحاتٌ لا تعرف حرمة الله ولا حرمة خلق الله ؟ نفهم ،وهو واضح وجلي،أن الشيخ لا يبكي ،ولا يفكر حتى مجرد تفكير ،أن يتحدث باسم الضحايا الذين يسقطون داخل سوريا برصاص جيش البعث والأمن والشبيحة.فهؤلاء دمهم مباح مادام النظام قد قال بأنهم خارجون عن القانون وإرهابيون ومجرمون.. ولا يهم أن يكون بين الضحايا أطفال وشيوخ ونساء... ولا يهم أن تقترف قوات الجيش والأمن والشبيحة جرائم ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية... كل هذا حلال ومباح ولا يحاسب مقترفوه. بعبارة أخرى إذا كان القاتل هو النظام الحاكم،فالقتل حلال.لكن إذا كان القاتل طرفا خارجيا،فهنا يصبح القتل حراما،ومحركا للمشاعر الوطنية والقومية والدينية.وآنذاك يبادر فضيلة الشيخ إلى إيقاظ خلاياه النائمة،كي ترد الصاع صاعين على المعتدين الغاشمين،من اليهود والنصارى الصليبيين . ليس الأمر تجنيا على فضيلته،ولا قراءة لنواياه.نعوذ بالله من التجني ومن التلصص على ضمائر الناس وما تخفي الصدور.ولكن هي استنتاجات وملاحظات، لا تحتاج إلى كثير عناء لكي يصل إليها كل متتبع لما يجري ويدور فوق أرض سوريا.ففي الوقت الذي كان فضيلة الشيخ يرعد ويزبد ويهدد ويتوعد،كان الدم السوري،المسفوح بأيدي رجالات النظام يسقي ثرى سوريا،فلماذا لم يحرك هذا الدم- الذي نحسبه بريئا -مشاعر الشيخ الموقر؟ لماذا لم يقل،ولو رفعا للعتب،يا سيادة الرئيس كفانا دماء ؟ لماذا لم يتوعد القتلة والمجرمين بالجزاء الذي أعده الله لمن يقتل نفسا بشرية بغير نفس أو فساد في الأرض؟ لماذا لم يشفق على الضحايا الذين يتساقطون برصاص الغدر على ثرى وطنهم ؟ هذه البطولات وهذه العنتريات الفارغة من كل مضمون ومعنى لم يعد يصدقها أحد... حتى أزلام النظام البعثي في سوريا يعرفون أن كلامهم لا يمكن أن ينطلي على أي كان.وإذا كانوا هم لا يصدقون أنفسهم،فمن يمكن أن يصدقهم ؟ حسب الإحصائيات المتوفرة،فإن عدد ضحايا القمع الوحشي في سوريا،بلغ ثلاثة آلاف قتيل.والمؤكد أن الرقم الحقيقي أكبر من هذا بكثير.ناهيك عن المسجونين والمختطفين والمعذبين والمفقودين ...أكل هؤلاء لا يستحقون كلمة رثاء يتيمة؟ أليس بين المشايخ من يبكيهم بخطبة عصماء ؟ أم كلهم أصبح "حمزة" لا بواكي له ؟ أما الذي لا شك فيه، فإن للشيخ عينين قادرتين على النظر في المحيط القريب،فإن لم تكن له عينان فإن له أذنين،وبواسطتهما يستطيع أن يسمع،إن لم يكن جهرا فعلى الأقل همسا،أن الدماء تسيل على تراب الوطن ... وهي دماء أبناء الوطن التواقين للحرية والكرامة والعدالة،شأنهم شأن الناس في العالم كله.فلماذا يغض الشيخ طرفه،ويصم أذنيه عن الذي يجري قريبا من تلابيب عباءته ثم يهدد البعيدين الذين قد يتدخلون وقد لا يتدخلون؟ أليس هذا نوعا من النفاق والمداهنة والقفز على الحبال وهو ما لا يليق بعاقل يحترم عقله فكيف بشيخ مفروض أن يخشى الله ويرحم عيال الله ؟ ولماذا ينتظر الرجل أن تبادر القوى الغربية لمهاجمة لبنان أو سوريا ليكون رد فضيلته هو ونظامه مزلزلا ؟ ألم يهاجم الكيان الصهيوني مرارا وتكرارا أهدافا في العمق السوري،وطالت هجماته العاصمة دمشق نفسها حيث مقر وزارة فضيلته،فلماذا لم يرد الجيش السوري؟ ولماذا لم تتحرك كتائب الاستشهاديين لتلقن العدو دروسا في الكرامة والحرية وفداء الوطن ؟ ولماذا تم الاكتفاء بالبيانات الشفوية التي ،من كثرة ما تعود عليها المواطن السوري والمواطن العربي ،أصبحت لا تعني له أي شيء ؟ نقول لهذا الشيخ،ولكل من يلزم الصمت ولا يدافع عن المظلومين، بغض النظر عن صفة هؤلاء المظلومين ودينهم ومذهبهم ومن تسلط عليهم ومن ظلمهم،إن الإسلام الذي هو دين الله الذي ارتضاه لعباده،لا يميز بين دم وبين دم.ولا يفاضل بين قاتل وقاتل .فكل الدماء حرام.وكل القتلة مجرمون.ويا ليت هؤلاء المشايخ يضعون حجرا تحت ألسنتهم،فربما تغفر لهم الشعوب صمتهم.لكنها لن تغفر لهم أبدا ممالأتهم للظالمين والمستبدين ... ولن تغفر لهم أكثر تهريجهم وعبثهم.