لقد أراد السائل أن يجعل نفسه قدوة للمسلمين فى جمود العقل وشلل ملكة التفكير، وأن عليهم أن يحذوا حذوه ليستفتوا فى البسائط والهيئات التوافه، لتعويد العقل المسلم على عدم العمل أو اتخاذ أى قرار دون الرجوع للزعامات الدينية التى ستفكر له لأنها هى التى تعلم وحدها العلم الربانى وما عرفه الأسلاف الصالحون منذ أكثر من ألف عام مضت، ألا ترون المفتى ذاته يضرب نفسه بنفسه مثلاً فى الاتباع، فلا يجيب السائل بجديد إنما بما سبق وأجمع عليه علماء الأمة؟ إن لجوء المستفتى بسؤاله إلى كبير دار الإفتاء فى تفاهة كتلك هى مهزلة ، والإجابة علية هى أم المهازل، تفاهة لو سألت فيها طفلا لأجاب بدلا من المفتى، هو كمن يرسل لأحمد زويل يسأله عن حاصل جمع 5 + 5 ، سيكون سائلا أهطلا، ويستهزئ بقيمة زويل ويراه أهلا للصغائر ليجره من يده لمنحدر التفاهة والسخافة ، وكله فى سبيل استصدار فرمان بحكم مقرر سلفا ، مع إهدار كل قيم العدالة دفعة واحدة ، مما يساعد فى مزيد من سقوط هيبة دار تحكم بالهوى والكيف والمزاج. يبدو منطلق السائل هو الغيرة على الدين ورغبة فى معرفة ما يجهله بشأن مُعتدى على هذا الدين، فذهب لزميل له أكفأ منه يسأله: هذا رغم المفترض فى الغيور على الدين أن يتعالى على التوافة والصغار ، وأن يكون هذا التعالى صفة دار الأفتاء بالأولى بحسبان هذا الترفع يجعلها تجسد أبسط قيمة فى أي دين (الارتفاع فوق الثارات الشخصية والتوافه الهينات). فإذا كانت المسألة المعقدة التى عرضها السؤال تفترض عدم وجود الإجابة عليها فى فقهنا ، فهذا اتهام رخيص لفقهنا بتقصيره فى تعريف المسلمين بحكم من سب الله والرسول والدين، رغم أن السؤال يبدو للجميع كمن يسأل المفتى عن الجهة التى تشرق منها الشمس. وفى واقعة السؤال هناك حادثة قد وقعت، وجائزة قد منحت، وشخص قد نالها، وهو ما جاءت الفتوى به كامل العناصر عدا اسم هذا الشخص الذى هو الموضوع الرئيس، شيىء أشبه بلعب الأطفال ويذكرنا بمن سأل فقيها أين تكون قبلتنا عندما تصعد إلى القمر؟ ناسيا أن المتخلفين لا يصعدون إنما يهبطون، إن التسلى بالفروض المستحيلة فى ألعاب فقيهة جائز لتمضية وقت الفراغ فى سمر شرعى فيتخيل أحد المشايخ قضية افتراضية صعبة، ثم يأتى الشيخ الثانى فيتخيل حلا لهذه القضية، لكنها أبداً لا تجوز إذا أصاب هذا اللهو أبرياء من الناس أو أصاب البلاد بالضرر. وهو ما أزعم أنه المقصد الأساسى للسائل والمجيب معا، يقصدان إصابة أبرياء بالضرر ولو مع تهديد السلم الوطنى بالفتن، وهو ما ستقدم الأدلة عليه فى شكل تساؤلات. ****** هل المسألة موضوع الفتوى هى المسألة الوحيدة فى ديننا التى غمض على السائل فهمها حتى يقيم بسببها الدنيا، ولا يقعدها على مدى ثلاثة أشهر متتالية ، ملزماً نفسه ومفتيه بتوضيح هذا الشأن العظيم لأمة المسلمين بزفة غطت الأرضين السبع؟ وهل اطمأن السائل والمسؤول إلى أن كل أركان الإسلام معروفة ومستوفاة ومطبقة حتى يذهبا إلى هذه الصغيرة يقيما منها هولاً عظيما، بمشاركة غير حميده من مشايخ الفضائيات وخطباء المساجد بطول مصر وعرضها، ناهيك عن المشاركات الخارجية من الأخوية العربية الداعمة من الخليج للمحيط، ومن الأخوية الإسلامية الداعمة من أمريكا إلى الصين فى هذه الزفة الكارثة. إن من يقيمون كل هذا الصخب بهذا الشأن الهيَن لا شك أنهم قد استوفوا كل شروط الدين الأهم والأجدى، وأنه قد تم تطبيق كل أركان الإسلام ولم يبق سوى استعادة مال الجائزة لخزانة أموال المسلمين من (سيد القمنى) ؟ وقد أكد السائل والمسؤول أن المال المأخوذ للجائزة هو مال المسلمين، وهو ما يعنى أنهم يعتبرون الأموال العامة فى مصر هى أموال المسلمين وحدهم ، وهو ما يعنى أن تكون وزارة المالية هى بيت مال المسلمين المنهوب لصالح الجائزة ، وما دام المفتى وهو رأس كبير فى جهاز الحكم، ورأس أكبر فى المؤسسة الدينية، ويعتبر أن مال الدولة هو مال بيت المسلمين، فهل تراه قد أدى الزكاة لهذا البيت كركن إسلامى لا يصح إسلام المسلم دونه، ودونه الردة والقتل والقتال وأسر الرجال وسبى الذرية واستنكاح النساء وسمل العيون والذبح صبرا والتنكيس فى الآبار؟ فإن كان قد دفع زكاتة فعليه أن يبرز لنا إيصال الإيداع الذى يفيد باستلام بيت مال المسلمين لزكاته الشخصية، ليثبت لنا أن غيرته على الإسلام حقيقية وليست غيرة تجارية ونفعية وسلطوية، ولنطمئن إلى صحيح إسلامه وسلامة يقينه، وحتى يكون له المبرر فى طلب رد قيمة الجائزة لبيت مال المسلمين، هذا مع التساؤل: كيف يتحدث مولانا عن بيت مال المسلمين ولايرى فداحة الجرم الشرعى المُفظع ممثلا فى ذمى خازنا لبيت مال المسلمين، صاماً أذنية عن الخليفة عمر عندما عين أحد الولاة ذميا ليجرى لة الحسابات لأنة شخص أمين، صرخ عمر: ثكلتك أمك، والله لاأدنيهم إذ أبعدهم الله ولا أرفعهم إذ أذلهم اللة، فكيف بمولانا يسكت عن هذة الفظائع مع تعطيل الركن الركين فى أركان الإسلام . ثم يزأر هصوراً من أجل جائزة لمفكر؟ هكذا ترون الشأن كلة لوناً من المسخرة المُقرفة والمُقززة ، فكيف بإمامنا الأعظم الذى يفتى للأمة وقد أسقط أهم وأكبر أركان إيمانه ؟ هل يحق له أن يفتش فى إيمان الآخرين، بل ويجروء على نفيهم من حظيرة الإيمان !!؟ هل لدى القارىء تعريف آخر غير المسخرة بكل تفاصيل معانيها؟ أما الأخطر فهو أن صاحب الفضيلة قد سكت حتى الآن ولم يطلب يوما منذ تم تنصيبة تقنينا واضحا لأداء الزكاة ، هذا الركن الإسلامى العظيم ، وذلك بالفرض والإكراه اقتداء بسيدهم أبى بكر (أنا لاسيد لى سوى الله وحده) ، فإن كان السائل والمسؤول يعلمان أن دولتنا دولة مدنية فلهما إسقاط هذة المطالب ونحن معهما ويجوز حينئذ ان يتولى أى مواطن أرفع المناصب ما دام أهلا لها ، أما عندما يعتبران مال هذه الدولة للمسلمين فقط فلا تصبح الدولة هنا دولة مدنية ، وتصبح وزارة المالية هى بيت مال المسلمين ، ففى هذه الحال لابد من تفعيل القواعد البكرية بشن القتال على ما نعى الزكاة والذبح والحرق، على الأقل لإعادة الحقوق المسلوبة من المسلمين للمسلمين، بعد أن توقف نكاح السبابا والإماء واستعباد الذرية، واختفى من بلادنا سوق العبيد بقوانين أُممية عالمية صادرة عن هيئة كُفرية، وهو الحلال الذى حُرموا منه بقوانين ليست من ديننا ولا من شرعنا، وبذلك نراهما قد أسقطا ركنا إسلاميا دونه الكفر ، وحرموا المسلمين حقوقا أفاءها الله عليهم حلالا أحل من لبن الأم، وتركوا بيت مال المسلمين بيد خازن ذمى، أم أن مال الدولة المدنية يصبح بيت مال المسلمين فقط عندما يأخذ منه (سيد القمنى) جائزة على أبحاث علمية تصيب وتخطىء وليست محل كفر أو إيمان؟ أبحاث معيارها الصح والخطأ وليس الحلال والحرام، ولا دخل لأبحاثه بالدين فى حد ذاته. ما أفهمه كباحث يعيش فى دولة حديثة مدنية أن الجائزة هى من مال وطنى قومى، يتم الصرف منه لمصالح المواطنين مسلمين أو مسيحيين أو بهائيين من أي لون أو ملة، وأنه ليس مالا خاصا بالمسلمين وحدهم .