قبل أن نجيب نشير إلى أن مفهوم الحاكمية خاصة عند أبي الأعلى المودودي ( المدرسة الباكستانية والوهابية في نصها التقليدي ) ، التي تغرف منها جميع الحركات التكفيرية والجهادية والنصية السلفية ... هو جعل الحاكمية فلسفة ومفتاحا لنظريته السياسية ، لأنها في اعتقاده تشكل الأساس الذي يجب أن يرتكز عليه كل نظام سياسي يسود المجتمعات الإسلامية ، بل يجب أن يسود العالم كله ، لان الإسلام أممي التوجه ولا يرتكز على الضيق الجغرافي . كل ارض الله تسمى بلاد الإسلام ، لذا فان المودودي يعتبر الحاكمية لله هي أول بند يجب تأكيده في دستور المسلمين ، وهذا في حد ذاته لا يعني إثبات فقط مسالة دينية الغرض منها إثبات نوعية عقيدة الدولة ، لكن يعني أن كل مؤسسات الدولة يجب أن تقوم على أساس قوانين وشرائع إلهية ، بل إن كل المعاملات الفردية والجماعية يجب أن تضبطها معايير دينية ...وعليه ومن خلال هذه الرؤية للأشياء تقتصر مهمة الفرد عند المودودي في تعمير الأرض وفق هذا التعاقد . إن الحالة ليس كما في المجتمعات الديمقراطية ، حيث ينظم الإنسان حياته تبعا لتعاقد مجتمعي ، ومن ثم إقامة سلطة سياسية خاضعة لقوانين وضعية أساسها الإنسان وصناديق الاقتراع . إن السلطة السياسية الحقيقة ، كما يرى المودودي إنما هي من اختصاص الله ومنه تستمد كل القوانين . فلا حاكم إلا الله . ولا خضوع لحكومة ، ولا اعتراف بدستور ، ولا انقياد لقانون ، ولا سلطان على الفرد لمحكمة من المحاكم الدنيوية ، وليس هناك من صاحب سيادة . إن السيادة كلها مستمدة من شرع الله ، ولا مشرع من دونه . إن القانون قانونه ، ولا يليق أو يصح التشريع إلا بشأنه ، ولا يستحقه إلا هو ، وحسب هذه الفلسفة المودودية إن الله اصل كل إصلاح وأساسه . أما حاكمية الإنسان ومن منظار نفس الفلسفة ، فهي اصل الظلم والفساد والكفر . ويمثل الرسول عليه السلام وسيلة لذلك التعاقد المتحدث عنه أعلاه ، لذا كان على الفرد طاعة رسول الله وعدم الانسياق وراء العقل وما يتطلع إليه من حرية لأنه هو اصل الكفر . ودائما في نظر المودودي ، إن حرية الفكر والعقل والاجتهاد والتأويل والابتعاد عن الجمود والنصية ، عند عدم وجود نص يتناقض مع شرع الله وإحكامه تبقى محدودة بل منعدمة ، لذا وجب انتقال الحكم السياسي من براثن العقل الإنساني ، إلى الله ورسوله فقط ،أي الكتاب والسنة النبوية . وإذا كان المودودي في بعض الحالات الشاذة يذهب إلى إمكانية استعمال العقل في الحياة السياسية وليس الدينية ، فانه سرعان ما يقيده في مجال الفهم ، ويحرمه في مجال الشك والتساؤل ، سواء تم التطابق بين أحكام العقل وبين الأحكام والأوامر الإلهية السامية والسنة النبوية الشريفة أو لم يتم ذلك.. النظام حسب هذه الفلسفة يجب أن يقوم على الطاعة العمياء ، والتسليم المطلق ، وان الشك والديكارتية والتساؤل لا يؤدي بأصحابه سوى إلى الفوضى والمروق والبغي السياسي والخروج عن الدين . فلا مكان إذن للعقل عند المودودي في العملية الإصلاحية ، ولا غرابة في ذلك مادام انه ينظر إلى الإنسان صانع الإحداث والتاريخ نظرة دنيوية وناقصة . إن الإنسان ما خلق إلا للعبودية وهو فقير محتاج ضعيف من حيث الفطرة ، وان الله قد خلقهم على ضعف فطري .. إن المودودي وهو يستهل مشروع دستوره بتحديد لمن الحاكمية ، فانه يعتمد في ذلك احد أهم أركان الإسلام وهو التوحيد ليخرجه من مجال الإيمان ، ويوظفه توظيفا سياسيا لبلوغ هدف سياسي ، أي تبرير والتزام بما قامت عليه الدولة الإسلامية المملوكية ، وخاصة وان المودودي بطرحه الحاكمية لله ، فانه يكون قد مهد الطريق لتزعم حركة الانشقاق عن الهند ، ومن ثم رسم خطوة الألف ميل لإقامة الدولة الإسلامية . لذا فهو يرى أن صرح الدولة الإسلامية لا يمكن البتة أن ينهض دون الإقرار بمبدأ التوحيد الذي يسيطر على جميع نواحي الحياة الإنسانية الفردية والجماعية .. إن القول بالحاكمية ،كان الهدف منه إقامة دولة ثيوقراطية دينية استبدادية ، لا يكون فيها أساس الحكم السياسي الإنسان كطبقة أو حزب أو حاكم اوليغارشي أو ما شابه ذلك ، لكن أساس الحكم السياسي يجب أن يكون الله وحده . إن هذا المنال هو الذي توخته منظمة القاعدة ، وتعمل للوصول إليه جميع الحركات الإسلامية من سنية نصية ، إلى جهادية وتكفيرية . "" إن الفلسفة المودودية لا تعترف سوى بحزبين : حزب الله ، وحزب الشيطان الذي تجب محاربته بجميع الوسائل وبدون رحمة ، لذلك فان هذا التحليل يبرر من وجهة نظرهم جميع الممارسات ولو أدت إلى إزهاق أرواح بريئة لا علاقة لها بالصراع الدائر في الساحة . ومن هذه الأطروحة المتطرفة يخلص المودودي الى القول " إن الإسلام يأبى أن يتحزب أهل المشورة " ، وعلى هذا الأساس سميت طالبان باسم الحركة ، وسميت القاعدة باسم المنظمة ، وبناء على هذا الأساس كذلك تم منع جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية وبما فيها حتى تلك التي توظف الإسلام في العمل السياسي . الحقيقة أن أصحاب دعوة الحاكمية الى الله التي ظهرت في زمن الإمام علي ابن أبي طالب " إلا أن الحكم لله " فقال " كلمة حق يراد بها باطل ".. ينطلقون من تصور خاطئ ، حيث يتصورون أن الدين الإسلامي أو القران والسنة لم يتركا كبيرة وصغيرة إلا ونظماها ، وأصدرا فيها أحكاما . هذا غير صحيح من الناحية العلمية والتحليلية وحتى المنطقية ، ذلك أن سر خلود الدين الإسلامي في الزمان والمكان ، انه حدد العقائد والعبادات والتوجهات الرئيسية في المعاملات .. وهذا شيء مسلم به ، وغيره تركه للعقل البشري .. وإذا كان الإسلام قد جاء بفلسفة شمولية كاملة ، ولم يفصل في كل ما يتعلق بحياتنا من نظم سياسية واجتماعية واقتصادية ، فانه ترك لعقولنا أن تتولى أمر معالجة هذه الظواهر ، ومن هنا جاء الاجتهاد كمصدر هام من مصادر التشريع الإسلامي . وعليه فان مقولة من قبيل إن الدين قد قدم لنا كل ما يلزمنا في حياتنا ، تبقى سندا مغشوشا الهدف منه إلغاء عقولنا بشكل يجعلنا سواسية مع الجماد والحيوان ، وهذا يتناقض مع قوله تعالى ، انه جعل الإنسان خليفته في الأرض وميزه عن الكائنات الأخرى بالعقل والإدراك ... لذا فان كنا نسلم بالآيات المحكمة جميعا .. إن القاتل يقتل .. وان الزاني يرجم .. الخ ، إنما الحياة اليوم ليست فقط قتلا وليست فقط زنى وليست حدودا . إن الحدود محصورة والوسائل الواردة في الدين الإسلامي محدودة ، والدين جاء لكي يواكب العصور والأزمان حتى يفني الله الأرض وما فيها . كانت الديانات تأتي عندما ينتشر الفساد ويعم الظلم ، فيأتي نبي برسالة جديدة وثورة إنسانية جديدة ، تمحو هذا الفساد والظلم ، وتبدأ الكرة من جديد ، وأيضا يتغير المجتمع ، وتختلف عاداته ،وينحرف إلى حد كبير ، وتأتي رسالة جديدة وهكذا... بينما لما جاء الإسلام ، جاء كآخر الرسالات ، وكآخر الأديان .. وقد ثبت صحة هذا لأنه لم يأت دين من بعده ، لأنه ترك مساحة كبيرة للعقل البشري كي يتدبر أموره . إن كل ما جاء في الدين الإسلامي عبارة عن توجهات وقضايا كلية . مثلا : " وإذا حكمتم بين الناس ، فاحكموا بالعدل " . إن جوهر المسالة هنا هو إن نحكم بالعدل . إنما كيف نحكم بالعدل ؟. هل الذي سيحكم سيكون محكمة إدارية ، محكمة للأحوال الشخصية ، محكمة تجارية ، ابتدائية ، استئنافية ، أو المجلس الأعلى للقضاء ؟. هل قاض واحد أو قاضيان أو ثلاثة ؟.. هل القضاة يعينون أم ينتخبون ؟... الخ . فهذه الاجراءات متروكة للعقل البشري ، لأنها مرتبطة بظروف المجتمعات وتطور الأزمنة . فلا نستطيع في عصرنا الحالي إحضار الخليفة ليحكم بين الناس ، لان هناك آلاف القضايا المختلفة والمتعددة تطرح اليوم . إذن السؤال سيصبح كيف نشكل النظام القضائي في هذا الظرف بالذات ؟ فما كان يتم منذ ألف سنة أصبح غير صالح الآن . أما الجوهر فلابد أن نحافظ عليه . إن الدين الإسلامي دين جوهر . أما الأنظمة والإجراءات فهي تشكل أسلوب المعالجة لكي نصل إلى هذا الجوهر . فليس مطلوبا من أي ملك أو أمير ورئيس أن يرتدي جلابة أو سلهاما فيه مائة رقعة ، ويمشي حافي القدمين ، وينام في خيمة سوداء أو تحت شجرة ، ويتغذى بثمرة ، ويركب حمارا أو بغلة ..الخ . لكن المطلوب هو الحفاظ على الجوهر ، لان التركبة النفسية للإنسان العربي مكونة في اغلبها من دين ، لذا يجب معالجة القضايا والإشكالات الإنسانية دون اصطدام بالدين .. ويصبح السؤال ، هل الحاكمية لله أم للإنسان ؟ أي هل الحاكمية لله في كل شيء ، أم يجب أن نحكم حكم الله فيما نص عليه القران الكريم ، ونظمته سنة نبيه الحكيم وفتاوى فقهاء وعلماء الإسلام ؟. إن منظمة القاعدة وجماعات التكفير والتحريم والهجرة في شرق الوطن العربي وفي غربه تطرح الحاكمية لله وحده ، وان السلطة السياسية كلها مستمدة من الله ، وان أي نظام سياسي ، لا يأخذ بنظام الخلافة الراشدة ،يعتبر نظاما ليس شرعيا ، استنادا على الدعوة التي يرجعون تفسيرها إلى الآيات القرآنية الكريمة : " من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " ، " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون " ، " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ".. الخ. إن هذه الآيات الكريمة وغيرها كثير ، حين نسمعها لأول مرة تبدو لنا مهمة وأساسية ، لكن عند التمحيص في الأمر جيدا سنجد أن المقصود بها غير المعنى الذي تقصده هذه الجماعات ، والا كيف أن نوازن بين مجموع الآيات القرآنية ، أو نقارن بينها ، وبين آيات أخرى تطرح مثلا " وشاورهم في الأمر " ، " وأمرهم شورى بينهم ".. الخ . وكيف نقارن بين هذا الأمر ، وبين ثابت الحديث النبوي الشريف الذي يقول " ما كان من أمر دينكم فإلي مرجعه ، وما كان من أمر دنياكم فانتم اعلم به ". إن هذا البرهان تحديد واضح وقاطع لاستخدام العقل .. إن الخلل في تفسير بعض الجماعات للآيات القرآنية ، يعود كما أسلفنا أعلاه إلى أمرين : الأمر الأول وهو عدم مراعاة السياق الذي وردت فيه الآيات القرآنية . الأمر الثاني هو عدم معرفة أسباب النزول عند الاستشهاد بالآيات ، ومن ثم فان بناء الأحكام عليها يؤدي إلى نتيجة مغايرة لقصدها الحقيقي . إن الآية الكريمة في سورة المائدة مثلا تقول " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله " ، ويعني بها الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل وفلسطين . فإذا نحن جارينا منطق دعاة الحاكمية لله ، فهذا يعني تبريرا للحركة الصهيونية وإعطائها شرعية الوجود في فلسطين ، بينما لو رجعنا إلى شروحات القران الكريم ، فإننا سنجد أن الآية الكريمة تسرد واقعة تاريخية قبل 2000 سنة عندما كانت تخاطب بني إسرائيل في ذلك الوقت . لذلك فان معرفة أسباب النزول والظروف التاريخية التي أدت لذلك مهم جدا في تفسير الآية ، أو الحديث ، وعلى هذا الحكم يجمع كل مفسري القران الكريم . من جهة أخرى ، عندما تستخدم الجماعات الإسلامية عبارة حكم الله ، فإنهم يظنون أن القران الكريم والسنة النبوية ، والفكر السياسي الإسلامي يستخدمون الحكم للدلالة على النظام السياسي في الحكم بالمفهوم المعاصر . لكن الحقيقة إن هذا المفهوم كانت له دلالة أخرى . فلو رجعنا مثلا للاستدلالات القرآنية لكلمة حكم ، سنجد أن هذه الكلمة وردت ضمن معنيين : المعنى الأول ، يعني القضاء والفصل في المنازعات ،أي الحكم والتحكيم كما ورد في الآية الكريمة " ثم إلي مرجعكم ،فاحكم بينكم بما كنتم فيه تختلفون " ، وفي العصر الحديث تعني كلمة حكم نوع النظام السياسي السائد في الدولة . المعنى الثاني ، هو الفقه والعلم ،مثلا يقول القران الكريم في وصف النبي يحيى " واتيناه الحكم صبيا ". طبعا لم يكن القصد من الآية إعطاؤه الحكم السياسي بمعنى السلطة السياسية لتدبير شؤون الدولة أو الجماعة وهو صبي ، فهذا تصور لا يقبل به عقل سليم ، لكن المقصود من الآية أننا أعطيناه الفقه والعلم والحكمة والمعرفة وهو صبيا ... كذلك يناجي النبي إبراهيم ربه فيقول " ربي هب لي حكما وألحقني بالصالحين " . طبعا المعنى هنا ليس أعطيني السلطة السياسية لأحكم البلد ، لكن المعنى هو أعطيني العلم والفقه والحكمة . وإذا نحن رجعنا إلى الأدب السياسي الإسلامي والفكر السياسي للإسلام ، سنجد أن مصطلح الحكم استخدم بصيغة الأمر ، ومن كلمة الأمر اشتقت الأمارة ، واشتقت كلمة الأمير الذي هو على راس السلطة السياسية في الدولة ، وهو ما يطلق عليه عندنا في المغرب بإمارة أمير المؤمنين ، التي على رأسها أمير للمؤمنين . إن الأمر كلمة لها اتصال بالإتمار و بالتشاور التي هي في الحقيقة فلسفة الحكم في الإسلام . ومن هنا تقول الآية الكريمة " وشاورهم في الأمر " ، " وأمرهم شورى بينهم " ، " وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ".. الخ .إننا كمسلين نسلم بكلمة الحاكمية لله ، كما جاء في كتابه وسنة رسوله لما أرسل النبي ( ص ) معاد بن جبل قاضيا على اليمن فقال له : بما ذا تحكم يا معاد ؟. قال إذا عرضت علي قضية احكم فيها بما جاء في كتاب الله . قال له وإذا لم تجد ؟. إذن هنا نستفيد أن كتاب الله لم يأت بحلول نهائية شاملة لكل صغيرة وكبيرة قال : احكم بسنة رسول الله . قال له وان لم تجد؟. هنا إذن نستفيد إن سنة رسول الله لم تأت بحلول نهائية شاملة لكل مشكلة متغيرة وغير متوقعة . قال اجتهد رأيي ولا آلو ، أي لا أتوقف . قال النبي ( ص ) الحمد لله الذي ارشد مندوب رسول الله إلى ما يحبه الله ويرضاه . إن سياقنا لهذه الأمثلة وغيرها كثير يحفل بها التراث الإسلامي ، ليس القصد منه إننا في أمس الحاجة للبحث في حقيقة الوجود ،و لا عن أسباب المطلق في الإسلام . إن الدين غني عن هذا كله ، لأنه دين قوة ومناعة وعزة وشهامة وثورة متجددة على الفساد والظلم . فأين إذن الاختلاف بين دعاة استعمال العقل وبين أولئك الذين يعارضونه باسم الإسلام رغم أن هذا يحبذ ويشجع استعمال العقل والتفكير ويدعو إلى الاجتهاد ، ويمقت التزمت والتحجر والتقوقع في أحضان النصية الجامدة لتبرير مشاريع ذاتية تتجاوز الأغراض الدينية . إن مكمن الاختلاف بين المدرستين أو الاتجاهين إن صح التعبير ، أن الاتجاه الثاني ينفي ويعدم كل شيء ، إن الاتجاه الأول يأخذ الجانب الديني في عمومه ومجمله ، وبما اجمع عليه لا نجزأه ولا نفرقه . فلا يمكن مثلا التفريق بين الصلاة وبين طريقة استخدام مال الدولة والشعب الذي يدفعه في شكل ضرائب مختلفة تؤثر على مستواه المعيشي . كذلك لا يمكن أن نفرق بين العقيدة وبين إصلاح الإنسان وسعادته وسعيه بغير استغلال وبغير نهب وظلم .. إن الدين الإسلامي يقوم على أبعاد اجتماعية هامة لم يكتشفها أصحاب الاتجاه الثاني قصدا أو إهمالا ، بوعي أو دونه .. إن المسلم الحقيقي الذي يتسم بالرؤية النيرة ، يؤمن بعدة حقائق أساسية منها أن الدين الإسلامي يقوم في بعده الشامل على حقيقة تقول بأنه لا يجوز لأحد أن يعيش مترفا في دار الإسلام ، وهناك في هذه الدار مسلم أو إنسان لم يصل إلى حد الكفاية وليس إلى حد الكفاف ،خاصة إذا كان مصدر تحصيل الثروة الفساد من خلال الرشوة واستغلال المنصب للابتزاز والنهب ومراكمة الثروة بطرق غير مشروعة . وينبغي أن نعلن أن حد الكفاية يعني مسكن مناسب ، ملبس مناسب ، مأوى مناسب ، مأكل مناسب ،وسيلة نقل مناسبة وتطبيب مناسب .. الخ ، وهي مواصفات الحياة المنعدمة للسواد الأعظم من الشعب المغربي . وحتى يتحقق ذلك كله فليس من حق احد أن يعيش في ترف وتبذير والا فان حياته تعتبر سحقا وظلما "يأكلون في بطونهم نارا " . المسلم صاحب الروية يؤمن بان الإسلام جاء كعقيدة لا تتعرض للتفاصيل الجزئية ، لكن تتعرض للتفاصيل الكلية التي نستهدي بها في حياتنا العملية . ومن ضمن القضايا الكلية التي نهتدي بها ، انه ليس من حق احد شيخ أو أمير أو ملك ورئيس جمهورية أن يعيش مترفا ، والناس لم تصل إلى الكفاف دون الكفاية ، بل وصلت إلى حد الاقتيات والأكل من القمامة ، وهو ما يعني تقتيل كرامة المواطن وإهانته ومس نخوته . إن الحقيقة الدينية الثانية التي يؤمن بها المسلم صاحب الروية والعقل السليم ، إضافة إلى الجانب الفلسفي الذي حدده الدين كحقائق مطلقة ، انه لا يحق لأحد في دار الإسلام أن يمتلك شيئا دون حاجة ضرورية . يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم " خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين " .معنى خذ العفو أي خذ ما يسد حاجة الإنسان الضرورية . وقد اختلف الفقهاء حول المدى الزماني اللازم للحاجة الضرورية . هل هو يوم أو ثلاثة أيام أو سنة كاملة ؟. إنما حتى وفق أضيق التفسيرات لا يحق لأحد أن يمسك لديه من مال خاص يزيد عن حاجته الضرورية ، بل حتى الحاجة الضرورية يستطيع الحاكم أن يا خد منها ليرد إلى إنسان لم يصل إلى حد الكفاف أو إلى حد الكفاية . في النهاية إن المسلم صاحب الروية والعقل النير يؤمن بالدين الإسلامي ككل الأديان عموما لأنه لا يفرق بين الأديان ، وما الإسلام إلا لبنة أخرى وأخيرة في الدين كله . إننا نؤمن إيمانا شديدا أن الدين الإسلامي الحنيف لا يصادم ما ينبغي أن نتخذه من أنظمة تفصيلية في حياتنا وتقرير مصيرنا ، لأننا نحن اعرف بأمور قضايانا ومشاكلنا . كان الرسول (ص ) قد أمر الناس ألا يئبروا النخل ، ففعلوها ولم يثمر النخل في السنة التالية فسألوه : لقد أمرتنا يارسولالله ألا نؤبر النخل ، وهاهو النخل لم يثمر في هذا العام ، فرد الرسول عليهم ، بان ابروه أو لاتؤبروه انتم اعلم بشؤون دنياكم . في معركة بدر عندما أشار الرسول على المسلمين بالنزول في مكان معين فسأله احدهم : " هل هذه منزلة أنزلك إياه الله أم هي الحرب والرأي والمكيدة "؟. فأجاب الرسول عليه السلام " بل هي الحرب والرأي والمكيدة ". فقال له " إذن فهذا ليس بمنزل " ( بضم الميم ) ، فاصطف المسلمون أمام عين الماء حتى يحاربوا وورائهم الماء يمنعونه على المشركين ، وكانت النتيجة انتصار المسلمين في تلك المعركة ..إن هذه الأمثلة والحجج وغيرها كثير ، تؤكد لنا حقيقة أساسية في العبادات والمعاملات ، هي أن الإسلام نؤمن به ونسلم به ونتبعه ونطيعه ، أما في القضايا الشخصية فقد جاءنا بعموميات كلية ، ولم يأت بأنظمة تفصيلية تاركا للعقل البشري القدرة على أن يجتهد ليحقق لنفسه سعادته وطمأنينته وسكينته وتنظيم شؤون حياته .. انه مطلوب شرعا وفرضا أن نضع النظام الذي يستطيع في مكان معين وفي فترة زمنية معينة ومحددة ، مواجهة مشكلات معينة أهمها الظلم بمختلف أشكاله ، الفقر ، الجهل ، التسلط والتخلف ، وان نضع من الأنظمة والنظريات ومن المناهج والأسس ما نستطيع أن نعيش به كرماء أعزاء أحرارا ، لان الله سبحانه وتعالى خلق الناس أعزاء أحرار ، وخلق ابن آدم خليفته في الأرض . فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم " ولقد كرمنا بني آدم " فأين نحن من هذا التكريم لابن آدم وهو جائع مريض حافي القدمين ، لا مأوى ولا لباس له يستر به عورته ، ومعرض للظلم والاضطهاد وسلب حقوقه ...؟. إن الله لم يخلقنا ليقدر لنا الجوع والعري والتشرد وهضم الحقوق وممارسة الظلم والجبروت بكل اشكالهما ... ولكن الإنسان هو الذي فعل هذا كله ، وعليه لابد من مواجهته بكل الوسائل الممكنة وان اقتضت الضرورة وظروف الحال بالوسائل غير الممكنة كذلك لإحقاق كلمة الله بان يكون الإنسان مكرما ومبجلا . أي مواجهة المنكر والانتفاضة على الواقفين ورائه .إن الأقلية الظالمة فاسقة " وإذا أردنا أن نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها " . الملاحظ وكما تدل على ذلك كل أساطير الأولين . إن الصراع بين الأقلية المترفة المختلسة والسارقة وبين جمهور المقهورين حتمي في نهاية المطاف .. والإسلام كدين سامي يرفض الظلم والطغيان ، ويحض بل يدعو إلى ثورة المظلومين . قال الرسول ( ص ) من رأى منكم منكر فليغيره بيده ،فان لم يستطع فبلسانه ، فمن لم يستطع فبقلبه .."والله سبحانه وتعالى يعلم علم اليقين أن الظلمة لا يرتعدون بالحسنى والموعظة الحسنة " ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا " ، وإنما الردع بالعنف الناتج عن العنف الأخر هو وحده يعطي نتائج ايجابية لصالح المستضعفين والمقهورين والمهمشين " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " ، فلا بد من الهزة الرادعة ، وهذا يوجب التضحية والمثابرة والاستماتة وعدم الاستسلام أو الرضوخ . يقول ابن خلدون " فلما كان الظلم مؤذنا بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران ، كانت حكمة الخطر فيه موجودة ،فكان تحريمه مهما وأدلته من القران والسنة كثيرة أكثر من أن يأخذها قانون الضبط والحصر " ، وأما عن فائض القيمة فقال : " ... ومن اشد الظلمات وأعظمها في إفساد العمران ، تكليف الأعمال وتسخير الرعايا بغير حق ، ذلك أن الأعمال من قبيل الممولات ، لان الرزق والكسب إنما هو قيم أعمال أهل العمران .. فإذا مساعيهم وأعمالهم كلها ممولات ومكاسب لهم ، بل لا مكاسب لهم سواها ، فان الرعية المتعلمين في العمارة إنما معاشهم ومكاسبهم من اعتمالهم ذلك ، فإذا كلفوا العمل في غير شانهم واتخذوا سخريا في معاشهم ، بطل كسبهم ، واغتصبوا قيمة عملهم وذلك وهو ممولهم ، فدخل عليهم الضرر ،وذهب لهم حظ كبير من معاشهم ، بل هو معاشهم بالجملة ، وان تكرر ذلك عليهم افسد آمالهم في العمارة وقعدوا عن السعي فيها جملة فادى ذلك إلى انتفاض العمران وتخريجه ...". كما أننا نؤمن بان الشريعة شان الهي ، فإننا نؤمن كذلك أن الفقه ، أي الفهم والتفسير هو شان بشري . إن الشريعة الإسلامية واحدة ،أما الفقه فهو متعدد .. الشريعة ثابتة والفقه متغير ، إذن فهو نسبي وناقص ،لأنه بشري ، وحيث إن الله وحده له صفة الإطلاق والكمال . إن هذا الاقتناع هو الذي يسهل علينا أن نقيم الفرق بين سلطة الشرع ( الله ) ، وبين سلطة الفقيه ( السلطة الزمنية )..إن الأولى تعد مطلقة وتتضمن عنصر الالتزام بذاتها ، أي بما هي أوامر إلهية . أما الثانية فهي نسبية ، استمرارها أو عدم استمرارها يتوقف على طبيعة العقد الاجتماعي بين الفقيه أو السلطة السياسية وبين المجتمع . . وللملاحظة فان اختلاف المواقف والتفسير والتأويل بخصوص التعامل مع النصوص تبقى مسالة مسلمة ،لأنها ترجع في سببها إلى وجود تيارات سياسية إسلامية متعددة ،متنوعة ومختلفة فيما بينها أحيانا ، ومتصارعة وعنيفة أحيانا أخرى ، خاصة وان ما يزكي هذه الأطروحة ، اعتقاد بعض الجماعات المتطرفة بحديث لم تثبت صحته يقول " ستنتهي أمتي في آخر الزمان إلى ثلاثة وسبعون فرقة اثنتان وسبعون منها في النار وواحدة فقط في الجنة " ، حيث أن كل فرقة تتصور أنها الناجية ، وان الباقي في النار . إن هذا التعدد والاختلاف شيء طبيعي، لأنهم يتفقون على العموميات ، لكن عند الدخول في التفاصيل يختلفون اختلافا شديدا ، وكما يقول المثل الألماني " في التفاصيل يدخل الشيطان ". في المغرب بلغت هذه المسالة درجتها القصوى ، حين كفرت بعض الجماعات بعض الأحزاب والتنظيمات الإسلامية مثل حزب العدالة والتنمية ، جماعة العدل والإحسان وحزب البديل الحضاري المنحل والحركة من اجل الأمة فقط لأنهم امنوا بالانتخابات وبالديمقراطية التي أساسها صناديق الاقتراع رغم اختلاف مفهوم الديمقراطية عند هذه الأحزاب والهدف الاستراتيجي المتوخى عند بعضها. وكيف هو متعارف عليه فان تلك الجماعات النصية المتطرفة تعتبر الانتخابات والديمقراطية صنعة مسيحية يهودية ، وأنها اكبر كفر وشرك بالله وبالقران الذي يحث على الشورى . . ورغم ذلك فإننا نرى أن اصل الاختلاف والخلاف بين هذه الجماعات والتنظيمات داخل الحقل الإسلامي ،لا يستند في أصله إلى الخلاف على الثوابت أو على النصوص الشرعية . إن هذه من المسلمات الأساسية التي لا تقبل الشك أو النقاش ، لكن ينصب الاختلاف و يسود الخلاف على تفسير النصوص ، بسبب الاختلاف في الفهم والاستيعاب ، أي على المتغيرات المرتبطة بتغير الظروف والأحوال السياسية . فليس هناك خلاف بين السني والشيعي ، أو بين الحنبلي والشافعي أو بين المالكي والحنفي ، أو بين مسلم من المغرب وآخر من مصر مثلا حول وحدانية الله والعدل السماوي ، أو حول العبادات والصلوات أو حول العقيدة ... لكن عندما يتم الانتقال إلى المسائل الدنيوية وخاصة عند بحث مسالة الحكم السياسي أو السلطة السياسية ، هنا يحدث الخلاف والاختلاف .. فبعضهم يذهب إلى أن الحاكم يعتبر مسئولا أمام الرعية ، والبعض الآخر يقول بمسؤوليته أمام الله فقط ، بعضهم يذهب إلى أن الشورى ملزمة وبعضهم يذهب إلى إنها غير ملزمة ، بعضهم يذهب إلى أن الخلافة ركن أساسي في النظام السياسي الإسلامي ، وبعضهم يقول إنها ليست كذلك ، بعضهم يقول بالدولة الإسلامية والحكم الإسلامي ، والبعض الآخر يكتفي بالقول بالحكومة الإسلامية أو فقط بضرورة التنصيص عليها في الدستور ، البعض يقر بمشروعية البيعة للحاكم ، والبعض الآخر يرفض البيعة المطلقة ، ويطالب بدلها مؤقتا ومرحليا بالمبايعة المشروطة ... وهكذا . وهنا يطرح السؤال من يخضع لمن ؟ . هل الجماعة أو مجلس الشورى ا و مجلس الإرشاد أو النصيحة أو أهل الحل والعقد أو ما شابه ذلك من التسميات هي التي يجب أن تخضع للأمير لأنه اكبر درجة تراتبيا ، أم أن الأمير هو الذي يجب أن يخضع لهذه الهيئات من خلال التزامه بالشروط التي ينص عليها نظام أو عقد المبايعة ، وهو ما يسمح بل يلزم الجماعة أو إحدى تلك الهيئات أن تعزل الأمير وتبعده عن الحكم وتعوضه بغيره ، أو أن تقرر تغيير شكل الدولة بدولة أخرى تكون أكثر استجابة ومجسدة لرغبة تلك الهيئات ، خاصة عندما يخرق الأمير إحدى شروط أو ركائز المبايعة ، أو إذا حصل ما من شانه أن يعطل السير العادي للمؤسسات الدستورية .. الخ . لذا فحين يوضع الإسلام موضع الحكم السياسي ، فيصبح متغيرا بتغير الزمان والمكان ، فانه يجب الإقرار بالاختلاف والخلاف والاجتهاد في الإسلام . وضمن هذا الفهم البراغماتيكي البعيد عن الدوغمائية والنصية الجامدة ، ليس غريبا أن يتولى سيدنا أبو بكر الصديق خلافة رسول الله ( ص )بطريقة معينة ، ويتولى سيدنا عمر بن الخطاب الخلافة بطريقة معينة أخرى ، ويتولى سيدنا عثمان بن عفان الخلافة بطريقة ثالثة وهكذا...وهنا نتساءل ما العبرة من كل ذلك ؟. العبرة في أن الصحابة رضوان الله عليهم يريدون أن يعلموا الأمة أن مصدر السلطة السياسية في الإسلام ، أي فلسفة الحكم السياسي أو الدولة الإسلامية متروك للعقل البشري ، أي للاجتهاد يرتبه كما شاء ووفق مصلحة المجتمع والأمة ، وليس كما تقول بعض الجماعات المتطرفة من قبيل القاعدة وحركات التكفير والهجرة ومنظمات الجهاد .. الخ ، بضرورة إرجاع ذلك كله إلى الله فقط ، أي اعتبار الحاكمية لله فقط ونزعها عن الإنسان ، رغم انه هو اصل التاريخ والأحداث، وهو ما يعني نفي ميزة العقل في استنباط ما ينبغي أن يكون عليه شكل نظامنا السياسي . إن الدين الإسلامي كعقيدة لم يتعرض لكل كبيرة أو صغيرة ولكل مجالات الحياة بكل تفاصيلها وجزئياتها ، بل إن الإسلام قدم لنا تصورا فلسفيا لما قبل الحياة وأثنائها وبعدها ، أي انه حدد لنا حدودا أساسية ومبادئ عامة يجب أن تستند إليها حياتنا ،فهو لم يقدم لنا تصورا مفصلا ودقيقا للمسائل السياسية والدولتية التي تتغير بفعل تغير الظروف والمستجدات ، وبفعل حركية العقل البشري التي يرفض الجمود والسكون ، والا لكان لكان الإسلام قد صادر عقولنا وتركنا بدونها كالجماد ولا أقول الحيوانات لأنها هي كذلك تفكر بما حباها الله من حدس وسليقة طبيعية غير متحكم فيها . إن أهم ما يميز الإسلام عن الديانات الأخرى ، هو احترامه العظيم للعقل البشري ، وهنا يجب ألا ننسى أن فلاسفتنا سبق أن قالوا انه لو خير الإنسان بين العقل وبين النقل ، عليه أن يختار عقله لان العقل هو الآلة التي توصل الإنسان إلى معرفة الحقيقة وكنه الكون ، أي يوصله إلى الدين والإيمان بالحقيقة ، ومن هنا فان الشريعة الإسلامية السمحاء تعتبر المجنون ليس له دين ، وان جميع القوانين الإلهية والكونية قد أبطلت التصرفات القانونية والمعاملات التي يجريها الإنسان ، وهو غائب أو في غير قوته العقلية . إن العقل آلة ضخمة ومعقدة ، له وظائف خاصة وليس فقط مجرد جوهرة للزينة أو قطعة فنية . لقد أرادنا الله سبحانه وتعالى أن نستخدم العقل في كل زمان ومكان . ومن ثم إذا جاء الدين لكي يصادر عمل العقل ووظيفته الطبيعية والإلهية فانه يتناقض مع إرادة الله ، وبالتالي لا يمكن اعتباره دينا . إن الذي يميز الإنسان عن الكائنات الأخرى ، هو العقل سليما قويا ، وليس مغيبا أو مخمرا أو فاقدا للوعي والى حاسة الإدراك ، ومن هنا جاء تحريم الخمر ومشتقاتها ، لأنها تغيب العقل البشري رغم فوائدها الكثيرة . إن الله لا يريد لعبده الضعيف غير الخير ، وان الإسلام لا يريد للإنسان غير الصلاح والفلاح ، ولا يريد أن تغيب عقول المؤمنين لحظة واحدة ، لذلك فان الإسلام قد حرم كل شيء من شانه أن يؤدي إلى فقدان العقل أي إلى فقدان هذه الميزة النادرة . يتبع الدوغماتيكية والبراغماتيكية في فهم الدين يكتبها لهسبريس الأستاذ سعيد الوجاني أنقر هنا لقراءة الجزء الأول