أعادت الخرجات الإعلامية لرجال السياسة حاليا والموقف من التحالف بين العدالة والتنمية والاتحاد والاشتراكي والأصالة والمعاصرة،حسب توجهات كل حزب، سؤال المرجعيات إلى الواجهة، المرجعية الليبرالية والاشتراكية والإسلامية،وكل مدرسة من المدارس المذكورة انشطرت إلى تيارات متعددة،وتحولت إلى يسار ويمين ووسط داخل كل مدرسة،ويوجد ضمن الليبراليين معتدلون ومتطرفون، وفي الاشتراكية توجد المركزيات التي انتهت مع انتهاء المعسكر الشرقي والاشتراكية الديمقراطية والاشتراكية التي لا تتناقض مع الإسلام كما عبر عن ذلك علي يعتة، القائد الشيوعي المغربي، لكن المرجعية الإسلامية لم تخضع لهذه التصنيفات، هل إسلامية ليبرالية أم اشتراكية، عقلانية أم خرافية، إنسانية أم سلفية؟ والحزب الإسلامي المشارك في العملية السياسية أين يمكن تصنيفه؟ يقول حزب العدالة والتنمية عن نفسه إنه حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية. كونه حزب سياسي خاضع لقواعد اللعبة السياسية فلا جدال في ذلك، ويمكن أن يكون في مرحلة ما قائدا للحكومة،حسب التطورات التي يمكن أن يعرفها المشهد السياسي المغربي وحسب الطموحات الشخصية لقادته، لكن تبقى المرجعية الإسلامية محط جدل. شكلت فصيلة الحركة الإسلامية، الذي قادها بنكيران ورفاقه، القاعدة الخلفية لحزب العدالة والتنمية، وهو حزب مولود قبل ولادة قيادته حيث تأسس سنة 1967 إثر انشقاق داخل صفوف الحركة الشعبية تحت مسمى الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. ولم يكن سهلا على أبناء الحركة الإسلامية الانتقال من العمل الدعوي التنظيمي التربوي إلى العمل السياسي، كانت العملية في حاجة إلى فقهاء "مقاصديين" وأصوليين. فانطلقت الدراسات المبشرة بعهد جديد في التعامل مع النص المقدس. لكن هذه الدراسات اقتصرت على إقناع أبناء الحركة بضرورة العمل العلني والقانوني،وبقي الإحراج قائما فيما يخص المشاركة السياسية. شكل كتاب سعد الدين العثماني، أحد قادة الجماعة الإسلامية ونسختها المطورة الإصلاح والتجديد تم التوحيد والإصلاح، منعطفا حاسما في التدخل الفقهي والأصولي في التنظير للمشاركة السياسية،واختار العثماني لكتابه عنوان "فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية". هل كان عبثا اختيار مؤسس السلفية وأبيها الروحي لتجميع نصوص دالة على حلية المشاركة السياسية؟ ولماذا ابن تيمية بالضبط وليس غيره من الفقهاء؟ طبعا الناس لا تلعب خارج المنطق؛ بل متشبثة بأصوله. يقول الباحث في الحركات الإسلامية حسام تمام"يذكر للعثماني أنه كان من أبرز مهندسي الانتقال الآمن بالحركة الإسلامية من العمل الدعوي الفكري إلى العمل السياسي المباشر، فقد كان ممن قادوا الاتفاق مع الدكتور عبد الكريم الخطيب لاحتضان حزبه (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) لأبناء الحركة الإسلامية، وحين عقد المؤتمر الاستثنائي للحزب سنة 1996 اختير العثماني عضوا بالأمانة العامة، ثم عين مديرا للحزب سنة 1998، وانتخب في المؤتمر الرابع سنة 1999 نائبا للأمين العام قبل أن يتم انتخابه بعد أربع سنوات من ذلك أمينا عاما للحزب بأغلبية مطلقة في المؤتمر الخامس الذي عقد في إبريل 2004. وكان العثماني صاحب جهد بارز في إقناع الإسلاميين بجواز التحول للعمل السياسي فضلا عن جدواه، ولم تزل الحركة تذكر له -عام 1997 عندما كانت تتأهب لخوض أول انتخابات رسمية- كتابه "فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية" الذي كان له ولمقالاته "الفقه السياسي والفقه الدعوي" تأثير بالغ الأهمية في تأصيل هذا التوجه ودعمه ضد أجنحة أخرى بالحركة كانت رافضة للعمل السياسي الحزبي". لم يكن الاحتماء بابن تيمية عبثا، ولكن لأن القاعدة الواسعة لأبناء الجماعة كانوا إما سلفيين أو متأثرين بكتابات "الحاكمية الإلهية" لأبي الأعلى المودودي وسيد قطب صاحب "في ظلال القرآن" المرتكز على مفاهيم العزلة الشعورية والجيل القرآني الفريد التي يستحيل وجودها في مجتمع خارج مجتمع "حركة طالبان". وما ينبغي الانتباه إليه هو أن كتاب العثماني كان ذا طبيعة وظيفية القصد منه رفع الحرج عن سلفيي حركته للدخول إلى العمل السياسي، لكن نسي العثماني أن العمل الوظيفي يتحول إلى مرجعية مع مرور الزمن. ومثلما كانت سيرة ابن تيمية الحراني مضطربة كان كل من نهل من معارفه يعيش اضطرابا وتنطعا وهو ما حدث مع مجدد الحركة السلفية التكفيرية،محمد ابن عبد الوهاب وكل حركات القتل الإسلامي، ومن مكر التاريخ أن مؤلف كتاب "منهاج السنة"، الذي يعد بحق وحقيقة أكبر موسوعة تكفيرية، يطلق عليه شيخ الإسلام. في حالتنا فإما أن العدالة والتنمية قامت بمراجعات أخرى لم نطلع عليها وإما أنها انشغلت بالرئاسات والتسيير اليومي والمناصب ونسيت أنها انطلقت بمرجعية سلفية ضيقة بشكل وظيفي ونسيت تجديدها حتى أضحت هي مقياس العمل. وقبل أن نختم لا بد من التذكير ب"شيخ الإسلام" ابن تيمية صاحب الموسوعات الكثيرة الحاملة لكل الأفكار الشاذة والتي هاجم فيها الفلسفة والمنطق وعلم الكلام متركزا على قراءة ساذجة للنص الديني، ولا يمكن استنباته بتاتا في المغرب الصوفي. ادريس عدار النهار المغربيةالنهار المغربية