في 1967 ، كان العرب على موعد مع هزيمة أخرى مريرة بعد هزيمة عام 1948 ، أطلق عليها لشدة قسوتها مصطلح "النكسة " ، ويجب الإشارة هنا إلى أن إسرائيل كانت تخطط لعدوان 1967 منذ انتهاء العدوان الثلاثى على مصر في عام 1956 ، إلا أن مصر والدول العربية كانت مغيبة عن الوعى لأنها إما منهمكة فى صراعات داخلية أو في صراعات عربية عربية. وبعد الهزيمة بأربعة ايام ظهر الزعيم العربي جمال عبد الناصر على التليفزيون فى 9 يونيو 1967 يعلن مسئوليته عما حدث وتنحيه عن الرئاسة ، إلا أن الجماهير المصرية والعربية خرجت في مظاهرات حاشدة في 10 يونيو تطالبه بالبقاء والاستعداد للحرب وتنشد:"من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر". وكان الجيش الإسرائيلي شن في 5 يونيو 1967 عدوانا على القوات المصرية في سيناء وبدأت حرب 1967 بين إسرائيل من جهة وكل من مصر الأردن وسوريا تدعمهم قوات عراقية كانت مرابطة في الأردن من جهة أخرى. وخلال تلك الحرب التى استمرت ستة أيام قامت القوات الجوية الإسرائيلية بضرب المطارات والقواعد الجوية العربية وتحطيم طائراتها ، كما قامت القوات الجوية الأمريكية والبريطانية المتمركزة في هذا الوقت بقاعدتى هويلز والعدم في ليبيا بتقديم المساعدة لإسرائيل عبر توجيه ضربات لسلاح الجو المصرى ما أدى إلى تدمير أكثر من 70 بالمائة من قدرات سلاح الجو الذي كان يعول عليه كثيرا لتقديم الدعم والغطاء الجوى للقوات المصرية أثناء العمليات العسكرية أو حتى أثناء الإنسحاب. وجاء قرار الانسحاب العشوائي الذي أصدره القائد العام للقوات المسلحة المصرية في هذا الوقت المشير عبد الحكيم عامر ليكون بمثابة الضربة القاضية بالنظر إلى أنه أحدث ارتباكا كبيرا لدى القوات المصرية وساعد إسرائيل في اصطياد الجنود المصريين أثناء الانسحاب غير المنظم إما بالقتل أو بالأسر . وبعد أن دمرت الضربة الجوية الإسرائيلية أغلبية المطارات المصرية ، سارعت إسرائيل إلى توسيع نطاق الحرب وشنت هجوماً بالدروع على الضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن والجولان السورية وقطاع غزة الذي كان تابعاً لمصر وعلى شبه جزيرة سيناء واستعملت في هذا الهجوم الخاطف الأسلحة المحرمة دولياً كالنابالم وقذائف البازوكا. وعندما قررت القوات السورية والأردنية إعادة تنظيم صفوفها للرد على الضربة الإسرائيلية الأولى حيث شارك الرئيس العراقي في هذا الوقت عبد الرحمن عارف بقوات عسكرية لدعم الجبهتين، سارع مجلس الأمن الدولى بايعاز من الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار وهددت تلك الدول الكبرى بالتدخل في حال رد الدول العربية على العدوان وعدم الاستجابة لقرار وقف إطلاق النار ، ماأفشل خطط الهجوم المقابل العربية وجعل إسرائيل بواقع المنتصر. خسائر فادحة
وشكلت نتائج تلك الحرب مرارة ما بعدها مرارة للعرب خاصة وأنها جاءت في وقت كانت تقود فيه مصر دعوات الوحدة العربية ، فالنسبة لخسائر الجند والعتاد ، أشارت بعض الإحصائيات إلى أن مصر خسرت 80 بالمائة من معداتها العسكرية وحوالي 11 الف جندي (أي ما يعادل حوالي 7 بالمائة من كل تعداد الجيش المصري) وخسرت كذلك 1500 ضابط، وتم أسر 5000 جندي و500 ضابط مصري، وجرح 20 ألف جندي مصري، وخسر الأردن حوالي 700 جندي وجرح 2000 من جنوده، وخسرت سوريا 2500 جندي، وجرح 5000 من جنودها، وفقدت نصف معداتها من دبابات وآليات ومدفعية وغيرها في هضبة الجولان، حيث غنمتها القوات الإسرائيلية، كما تم تدمير كل مواقعها في الهضبة المشار إليها، بينما كانت خسائر العراق الذي شارك بشكل رمزي (مثل لبنان حينها) عشرة قتلى و30 جريحا. وبلغ مجموع خسائر الدول العربية (الأردن مصر وسوريا) 400 طائرة وأكثر من مليار دولار من الأسلحة التي دمرت مع الساعات الأولى للمعارك (في بعض المصادر ملياري دولار) بينما خسرت إسرائيل 338 جنديا على الجبهة المصرية، 300 على الجبهة الأردنية، و141 على الجبهة السورية . ورغم قسوة ما سبق إلا أن الخسارة الأفدح كانت على الأرض، حيث ضاعفت إسرائيل من مساحتها ثلاثة أضعاف ماكانت عليه يوم الرابع من يونيو 1967، واحتلت الضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غزة التابع حينها لمصر، وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية ، إضافة الى عدد من المناطق المتفرقة مثل منطقة مزارع شبعا فى لبنان . واقع مرير في مصر وبالنظر إلى أن تلك الخسائر الفادحة ، جاءت بعد فترة من صعود المد القومى والتحرر الوطنى ، فقد وصف المراقبون هزيمة 1967 بأنها "انكسار الروح" للعالم العربى بصفة عامة وللمصريين بصفة خاصة . ففجأة استيقظ المصريون على واقع مرير ، وما ضاعف من هول الصدمة هو التعتيم الذى فرضه النظام منذ بدء العدوان الاسرائيلى ، فالمتابع لوسائل الإعلام الرسمية كان يشعر أن مصر سحقت إسرائيل من الوجود ، بينما المتابع لوسائل الإعلام الأجنبية كان يعرف جيدا أن مصر ذاقت مرارة الهزيمة . فالراديو الحكومى يذيع أنباء مفادها " قواتنا تصد هجمات للعدو على سيناء وتبدأ هجمات مضادة .. قواتنا تسقط للعدو أربعين طائرة .. على الفور الناس تكبر وتهتف في الشوارع إحنا بننتصر مصر بتكسب الحرب ". وفى 8 يونيو ، بدأ الراديو يذيع أنباء غريبة مفادها "إحنا تراجعنا لخط الهجوم الثاني .. معارك شرسة في العريش "، الأمر الذى أثار ذهول المصريين لأن تلك الأنباء جاءت بعد لحظات من إعلان وسائل الإعلام الرسمية أن القوات المسلحة المصرية أصبحت على بعد خطوات من تل أبيب . وتأكد المصريون من الهزيمة عندما أصدر المشير عبد الحكيم عامر في 8 يونيو قرارا بسحب الجيش المصري كله على مسئوليته الشخصية ، قائلا :" كل عسكري مالهوش غير نفسه وبندقيته " ، وهو القرار الذي اعتبره البعض بمثابة نكسة ثانية بعد أن تسبب بوقوع آلاف الجنود المصريين في الأسر كما قتل الآلاف منهم بسبب العطش والحر أو بسبب رصاص الغدر الإسرائيلى بل وأقدمت إسرائيل أيضا فى هذا الوقت على قتل مئات الأسرى بعد تعذيبهم ، بل وهناك تقارير أشارت أيضا إلى أن حوالى ثلاثين ألف جندى مصرى قتلوا في صحراء سيناء وليس 11 ألفا كما توضح كثير من الإحصائيات. تنحي عبد الناصر
وبالنظر إلى هول ما سبق ، ظهر الرئيس جمال عبد الناصر في التليفزيون فى 9 يونيو 1967 يعلن مسئوليته عما حدث وتنحيه عن الرئاسة ، إلا أن الجماهير خرجت في مظاهرات حاشدة في 10 يونيو تطالبه بالبقاء والاستعداد للحرب ، وكان من أبرز الهتافات في تلك المظاهرات " نريد ناصر لننتصر " ، وبالفعل رضخ عبد الناصر لرغبة الجماهير واستمر في منصبه . وعلى الفور ، شرع في إجراء تغييرات في القيادات العسكرية ، حيث أقال المشير عبد الحكيم عامر من قيادة الجيش وعينه نائبا له ، كما قام بتعيين الفريق أول محمد فوزى قائد عاما للقوات المسلحة بدلا من عامر والفريق عبد المنعم رياض رئيسا للأركان فى 11 يونيو 1967 .
وفى 21 يونيو 1967 ، لجأ عبد الناصر للاتحاد السوفيتى لإعادة تسليحه ، ووقعت بالفعل صفقات السلاح بين البلدين ووصل خبراء سوفييت لتدريب الجيش المصرى على السلاح الروسى.
وفي مارس 1969 انطلقت حرب الاستنزاف ، وفى 22 يناير 1970 سافر عبد الناصر إلى موسكو لطلب معدات دفاع جوى للسيطرة على الطائرات الإسرائيلية وتم بناء حائط الصواريخ . تحرير سيناء
حرب أكتوبر أعادت الكرامة للعرب إلا أنه فى 28 سبتمبر 1970 ، فوجىء المصريون بوفاة الزعيم جمال عبد الناصر ، وانتشرت المخاوف حينها من عدم وجود بديل له ، إلا أنه سرعان ما تلاشت هذه المخاوف بعد أن تولى الرئيس أنور السادات الحكم وأكد أنه متمسك بمبدأ عبد الناصر ( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ).
لقد بدأ السادات حكمه بثورة التصحيح أو الحرب الداخلية لتصفية الفساد أو ما عرف بمراكز القوى فى يوم 15 مايو 1970 ، كما بدأ محاولات استرجاع سيناء وكانت هناك أعوام اعتبرها حاسمة لمعركة التحرير وطرد الاحتلال الإسرائيلي.
عام الحسم الأول كان في 1971 ، إلا أن الاتحاد السوفيتى لم يف بوعوده بإرسال أسلحة روسية لمصر ، وهذا الموقف السوفيتي تكرر مجددا مما أدى إلى فشل عام الحسم الثانى في 1972 ، ولذا أنهى السادات خدمة الخبراء السوفييت فى مصر يوم 8 يوليو1972 . كما شرع في تغيير القايدات العسكرية استعدادا للحرب ، حيث أقال وزير الحربية فريق أول محمد صادق وعين بدلا منه فريق أول أحمد إسماعيل فى أكتوبر 1972 ، وبدأت الحرب بالفعل لاستعادة سيناء في 6 أكتوبر 1973 ، وكان النصر المؤزر الذى أعاد الكرامة للمصريين والعرب بعد سنوات النكسة . ورغم استعادة مصر لسيناء بعد نصر أكتوبر ، إلا أن بقية الأراضى العربية التى احتلت في حرب الأيام الست مازالت تعانى من قسوة الاحتلال في ظل رفض إسرائيل تنفيذ القرار 242 الذي يطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967 وبعودة اللاجئين إلى ديارهم.