تحت شعار « من أجل حكامة جيدة في تدبير أرض الجموع وتعديل القانون المنظم لها»، قصدت جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي (المغربي) مقر «الفضاء الجمعوي» بالرباط، للتنسيق معها، واتخاذ فضائها لتقديم خلاصات منتديات المواطن حول أرض الجموع مساء يوم الخميس 29 من شهر مايو من عام 2014. فعقب استقبال المشاركين بالميدان الداخلي المفتوح بمقر الفضاء الجمعوي الكائن بحي أكدال بالرباط، جلس الكل في مائدة مستطيلة للاستماع لكلمة جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، وكلمة الفضاء الجمعوي، قبل فتح المجال للأستاذ فوزي بوخريص قصد «تقديم الدراسة من أجل حكامة جيدة في تدبير أرض الجموع، وتعديل القانون المنظم لها»، وتمحيصها. وكان مفيدا، كمدخل لعمل التجميع والتلخيص التذكير بالمنتديات التي نظمتها جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، بكل من مدينة ميدلت، ومدينة الرشيدية، ومدينة ورزازات، فضلا عن الندوة الجهوية التي أريد لمدينة تنغير أن تحتضنها، وهي لقاءات حضرها، كما ورد في كلمة الأستاذ عبد النبي تعلوشت، الماهنون جميعهم وضمنهم ذوو الحقوق. ولقد جرى الوقوف عند توصيات وجيهة خالها السيد رئيس جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، يمكن أن تساهم في تغيير ما سماه (القانون العجوز) المؤرخ بيوم 27 من شهر أبريل من عام 1919. وثمن الفاضل سعيد الطبل عن الفضاء الجمعوي آداء جمعية الألفية الثالثة، مفصحا أن هناك عملا يستدعي تجميعه « في ظرف مهم، سمته أن وزارة الداخلية المغربية ما انفكت تعمل على إصدار قانون قد يشكل خطرا، في الغالب الأعم، على ذوي الحقوق». ولأن الفضاء الجمعوي وشركاؤه في التصور والآداء، ما برحوا يعدون خطة العمل، فإن لقاء يوم الخميس 29 من شهر مايو من عام 2014 يحسبه الفاضل سعيد الطبل قد يساعد على تأسيس مرافعة ما ذات جدوى، قد تتخذ شكل مذكرة في أحسن الأحوال. وأما جمع ما له صلة بملف الأرض الجماعية فلا بد منه. أشار الأستاذ فوزي بوخريص إلى أن التقرير تركيبي حول موضوع يأتي اللقاء من أجل تدارسه في سياق خاص، يطبعه قيام حوار وطني وحوار رسمي حول أرض الجموع سيؤول إلى مخرجات قد تكون قانونا جديدا سيصدر في الأجل المنظور. وأضاف، إن الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي (المغربي) انقطعت لتنشيط حوار مدني يفيد المجتمع، مادام ثمرة واستباق لما يطبخ في الحال في الأوساط الرسمية. ودرى أن التاريخ مفيد لفهم ما يجري في الحال في شأن أرض الجموع. فأرض الجموع هي الشكل العريق جدا من استغلال الأرض بالمغرب... وهي تراب لا وجود له إلا في العلاقة مع جماعة بشرية (قبيلة أو جزء منها). ولقد جر، في وقت متأخر، محو القبيلة وبات للتراب ثقل أكبر. وحسب الأستاذ فوزي بوخريص أنه حصل الانتقال من تراب القبيلة territoires de tribu بما هي مقولة انثروبولوجية إلى أرض الجموع كمقولة قانونية، والحال أن الأمر ليس كذلك دوما- في المغرب قبل كولونيالي، حيث كانت الجماعة البشرية هي التي تحدد التراب، تنظمه وتمارس عليه سلطاتها، وقدراتها على الضبط والتحكم والتقنين: عبر توزيع المجال إلى وظائف أساسية (سكن، رعي ، فلاحة، غابة، ماء) وتقنين الولوج إلى الموارد (مرعى، أرض زراعية، ماء) وتدبير العلاقات مع الخارج، العلاقات بين القبائل الأخرى والعلاقات مع الفاعلين غير القبليين، مثل السلطة المركزية أو المخزن، والزوايا..الخ، تدبير يرجع في الغالب إلى العرف بما هو وقتذاك أهم إستراتيجية للحفاظ على وحدة الأرض فهو أساس التحام الجماعة.. و«مع ظهير 27 أبريل 1919، جرى نقل مكان إصدار القاعدة من المحيط الشفوي (القبائل) إلى المركز المكتوب (السلطات الاستعمارية)، فجردت القبائل من الأداة الأساسية لاستقلاليتها، ومن قدرتها على تدبير ذاتها بذاتها». وفور صدوره «دشن هذا القانون الفصل بين القبيلة وترابها، مما سيقضي تدريجيا على دور القبيلة، وسيحرمها من سلطاتها على مجالها (وصاية)، فأصبحت (أرض الجموع) ملكية محددة جدا(المعاملات العقارية تحتاج إلى ترخيص الوصي)». واستدرك الأستاذ فوزي بوخريص أنه « ينبغي إضفاء نوع من النسبية على رابطة الدم التي بين أعضاء القبيلة»، وفق ما برز في تحليلات جاك بيرك وباسكون وغيرهم من علماء الاجتماع، والتي «كشفت أسطورة "القبلية" التي تنحدر من نفس الجد» . ويحسب (بول باسكون) ان القبيلة تبدو «مثل كونفدرالية أو فدرالية سلاليات تعرضت لتحولات مستمرة عن طريق لعبة الديمغرافيا..فالأجانب والمهاجرين والخدم و(العبيد) ، الذين تقبلهم الجماعة، يزيدون من حجمها ويساهمون بذلك في حجب صفاء الأصول». وخلص الأستاذ فوزي بوخريص إلى أن «هذا التصور الواقعي لمفهوم القبيلة، يستلزم فتح نقاش مجتمعي واسع حول ملف أرض الجموع.على عكس الاعتقاد الشائع والرسمي، ليس ملفا حكرا على الجماعات المالكة لأراضي الجموع...فهو ملف جميع المغاربة: كل المغاربة ينحدرون من قبائل وجماعات لها حق غير قابل للتقادم في أراضي الجموع»... عقب التحليل التاريخي لأرض الجموع انتقل الأستاذ فوزي بوخريص إلى ملامسة وضعها في الواقع وقال إنه «وفق مونوغرافيات وزارة الداخلة ودراسات علمية حول أراضي الجموع : تبلغ المساحة الإجمالية للرصيد العقاري الجماعي 15 مليون هكتار تكون الأرض الرعوية نسبة تفوق 85 في المائة منها، ويتوزع الباقي بين الأراضي الفلاحية والأخرى الغابوية (حوالي مائة ألف هكتار) و300 ألف هكتار توجد ضمن المدار الحضري..هذه الأرض تعادل ثلث المجال الترابي الذي له قيمة رعوية وفلاحية، وهي تهم 60 إقليما، موزعة على 4563 جماعة، والعدد الإجمالي للنواب (ممثلو الجماعة) كان سنة 1995 هو 7646 أي 1.5 نائب للجماعة ونائب لكل 337 من ذوي الحقوق، لكن اليوم هناك 7800 نائب سلالي، من بينهم بضعة نائبات سلاليات فقط. وتهم أرض الجموع حوالي 10 مليون من ذوي الحقوق، أي بمعدل 2533 هكتار للجماعة، و4.5 هكتار لكل ذي حق. تهم سكان يبلغ عددهم على الأقل 8 ملايين نسمة، أي: حوالي نصف السكان القرويين ..شخص من بين اثنين من العالم القروي، له علاقة قوية إلى حد ما مع أرض الجموع. وتمثل أرض الجموع 39 في المائة من سوق العقار بالمغرب مقابل المجال الغابوي الذي يمثل 29 في المائة ومجال الملك melk الذي يمثل 26 في المائة وباقي المجالات العقارية الأخرى التي تمثل6 في المائة». وأورد الأستاذ فوزي بوخريص «التصفية القانونية لأرض الجموع: تحديد إداري (6.4 مليون هكتار)٬-;- تحفيظ عقاري (2 مليون هكتار)٬-;- في طور التصفية العقارية (6.6 مليون هكتار). من المرتقب أن يتم خلال السنتين المقبلتين تحفيظ ما يناهز 2.3 مليون هكتار». واسترسل في الحديث مضيفا أنه «بخصوص استفادة النساء السلاليات من التعويضات المادية، وحق الانتفاع في الأرض الجماعية، .بلغ عدد المستفيدات ما يقارب 21 ألف امرأة سلالية وزعت عليهن مبالغ تناهز 153 مليون دره، ووزعت عليهن 860 بقعة أرضية بالجماعة السلالية لمهدية بإقليم القنيطرة في أول سابقة لتوزيع البقع الأرضية يشمل النساء». وحصل «استفادة ما يناهز 90000 امرأة سلالية من حقوقهن، أي ما يمثل 45 بالمائة من مجموع ذوي الحقوق، استفدن من مبلغ مالي يفوق 407 مليون درهم من أصل 8ر1 مليار درهم كمبلغ إجمالي وزع على ذوي الحقوق». وإنه «خلال الأربع سنوات الأخيرة رصد 341 مليون لإنجاز 565 مشروعا بتراب 46 عمالة وإقليم٬-;- وذلك لفائدة 390 جماعة سلالية بساكنة تقدر بأزيد من 600 ألف نسمة». ويستخلص من هذه الأرقام والمؤشرات، ما يلي: « - أن هذه الأرض الجماعية ما تزال تجسد واقعا قويا في البلاد. - الأرض تشكل إلى حدود يومه رهانا أساسيا بالنسبة للتنمية الفلاحية والقروية والمجتمعية عموما، وخاصة بالنسبة لجماهير الفلاحين والفلاحات والقرويين والقرويات عموما، وبشكل خاص، الفقراء من الجنسين ومحدودي الدخل والشباب العاطل، الذين تمثل بالنسبة لهم هذه الأرض وسيلة أساسية لضمان الاستمرارية والبقاء، وخاصة في المناطق المهمشة من المغرب العميق، حيث تكون الأرض هي المورد المادي الوحيد أحيانا.. ومن هنا ضرورة تحمل الوزارة الوصية لمسؤوليتها في حماية الرصيد العقاري لأرض الجموع وتحصينه من كل أشكال الترامي: عبر التصفية القانونية (التحديد الإداري والتحفيظ العقاري). وكذا تحمل مسؤوليتها في تثمين هذا الرصيد العقاري، عبر مشاريع تنموية تضامنية ومستدامة، تعود بالنفع أولا على ذوي الحقوق وكل السكان المعنيين بأرض الجموع وعلى كل مكونات المجتمع المحلي. ومن هنا، ثانية، يمكن التساؤول عن أي حكامة جيدة في تدبير أرض الجموع، وأي تعديل للقانون المنظم لهذه الأرض. والحال أنه ينبغي أن تستهدف النهوض بوضعية ذوي الحقوق عموما، وخاصة النساء منهم والشباب، عبر إدماجهم في التنمية المستدامة». بعد تناول أرض الجموع كمعطى راهن ومعطى تاريخي انتقل الأستاذ فوزي بوخريص إلى تناولها كإشكالية بالتحليل، تحت عنوانين «من أجل حكامة جيدة في تدبير أراضي الجموع»، و«الإطار القانوني والمؤسساتي، رهان » وإبرازهما في فقرات ذات دلالة ومغزى: فمن جانب العنوان الأول «كان قانون أرض الجموع مرتبطا، على الأقل، منذ الاستقلال، ودون أن يكون ذلك بشكل صريح، بالنقاش حول المجتمع والدولة المستقلة. وكان لجزء من الحركة الوطنية، المحافظ جدا- في ظل المناخ العام الذي كان يتجه نحو تعزيز الوحدة الوطنية وتوحيد العدالة وإلغاء العرف والمحاكم العرفية- حساسية تجاه المخاطر التي يمكن أن تمثلها النزعة الجهوية والقبلية على الوطن». لذلك كانت لأري الجموع (سمعة سيئة) في نظرهم، فهي «عائق أمام الاندماج الوطني والتحديث السياسي» لأنها تعارض نظرية الاستيعاب، مادامت «تعبيرا عن الخصوصيات المحلية، بينما الاندماج السياسي يقتضى تجاوز الخصوصيات و(البلقنات) القبلية، وتجاوز العرف المحلي إلى القانون الوطني، وتجاوز الشفاهي نحو المكتوب». وفوق ذلك فهي «عائق أمام التنمية الاقتصادية والإصلاح الهيدرو- فلاحي والاندماج في السوق. بيان ذلك أن «أرض الجموع نادرا ما تكون محفظة. وعندما تكون كذلك، فباسم الجماعة ككل. لا يمكن للأعضاء المستغلين أن يرهنوا ملكياتهم من أجل الحصول على قرض». وأما الاستغلاليات فنادرا ما تكون مستقرة، وأرض الجموع غير قابلة للتفويت، عموما ، أو على الأقل يصعب أن توضع في السوق. وقبل ذلك ظل «حجم المساحات المستغلة من أرض الجموع محدودة أكثر فأكثر، بفعل الضغط الديمغرافي المتزايد الممارس على تلك الأرض». ومن جهة ثانية، ومع الأسف، «توقف هذا النقاش المجتمعي حول أرض الجموع، وحتى إذا استمر، في بعض الأحيان ، فليس بشكل صريح. ولم يستأنف النقاش نسبيا إلا في عقد التسعينيات. نظمت الوزارة الوصية مناظرة وطنية حول أراضي الجموع سنة 1995، شارك فيها نواب الجماعات السلالية، وفعاليات سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية وإدارية.. واستهدفت التفكير في راهن الأرض الجماعية ومستقبلها. ولم يتواصل النقاش فعلا إلا في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، من جانب واحد فقط: جانب ذوي الحقوق عموما، وبشكل خاص من جانب النساء السلاليات المقصيات من حقوقهم والشباب السلالي المكتوي بنيران البطالة وأزمة السكن .. وغالبا بمؤازرة تنظيمات المجتمع المدني...في مواجهة الدولة أو المخزن، في شخص الوزارة الوصية». وأمام هذه الإشكالية اقترح السيد فوزي بوخريص بعض الحلول: أ- تقوية الحكامة الداخلية للتنظيمات السلالية «صحيح أن هناك إرادة ووعي متزايد لدى الجهة الوصية بأهمية المقاربة التشاورية والتشاركية في اتخاذ القرار على صعيد الجماعات السلالي.يظهر ذلك من خلال عدة مؤشرات منها : - أن الوزارة الوصية أصدرت دورية وزارية٬-;- تحث نواب هذه الجماعات على استشارة ذوي الحقوق قبل إعطاء الموافقة على أية معاملة تهم الأرض الجماعية كالكراء والتفويت. - أبدت الوزارة الوصية نوعا من الحزم في التصدي لبعض تجاوزات بعض النواب السلاليين، حيث قامت بعزل النواب الذين ثبتت في حقهم خروقات وتجاوزات في ممارسة مهامهم». ولو أن قرار عزل النائب عموما ومحاسبته، ينبغي أن يعود بالدرجة الأولى للجماعة، التي اختارته ( عينته أو انتخبته) وفق ما ينص عليه دليل النائب الصادر عن وزارة الداخلية .. كما ينبغي، من جانب آخر، أن تكون مقررات جمعية النواب الخاصة بتقسيم الانتفاع قابلة للطعن من طرف أي شخص له الصفة أو المصلحة في الطعن أمام المحاكم، خلافا لما ينص عليه الفصل الرابع من ظهير 26 أبريل 1919... كما عملت سلطات الوصاية في إطار معالجتها للنزاعات بين الجماعات السلالية (التي تعد من أهم الإشكاليات التي تعوق التصفية القانونية لأرض الجماعية) على التحسيس والبحث عن تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف المتنازعة عبر مجموعة من الإجراءات (إيفاد لجن إدارية تقنية للمعاينة الميدانية ٬-;- عقد اجتماعات موسعة مع جميع الأطراف المعنية٬-;- وجمع الوثائق والحجج التي في حوزة المتنازعين..). وثبت الشروع في تسوية ملف النساء السلاليات (الاستفادة من العائدات ومن الأرض، وتحمل مسؤولية النيابة..)...الخ. كل ذلك يبين أهمية تعزيز المناخ الديمقراطي داخل (التنظيمات السلالية) نفسها وتوسيع نطاق الممارسة التشاركية، بما يسمح بتكريس مبادئ الحكامة الجيدة وقواعدها ويقوي روح المسؤولية، ويعمم إلزامية تقديم الحساب.. ويبرر ضرورة مراجعة وثيقة دليل النائب (صادرة في 8 مارس 2008)، التي تحدد المسطرة المتبعة لاختيار نائب الجماعة السلالية ومدة ولايته واختصاصاته ومجالات تدخله والحالات التي تستوجب عزله، وذلك من أجل المزيد من الدمقرطة والإنصاف، وهذا يقتضي من قبل المجتمع المدني مؤازرة النساء السلاليات في المرافعة من أجل الرفع من تمثيلية النساء لجماعاتهن، لتحقيق الثلث في أفق المناصفة .. وكذا ضرورة تقوية التنظيمات السلالية وكل الفاعلين المستقلين المعنيين بملف الأرض السلالية، والعمل على جعلهم فاعلين مؤثرين في منظومة الحكامة المحلية (إلى جانب السلطة المحلية والجماعة المحلية والمجتمع المدني المحلي ...الخ)، بما يتيح خلق سيرورة للتنسيق بين الفاعلين والتنظيمات الاجتماعية والمؤسسات المحلية من أجل بلوغ أهداف تمت مناقشتها وتحديدها بشكل جماعي. ب - تقوية الحكامة البينية، في إطار منظومة الحكامة المحلية والوطنية مع الأسف تحصر وزارة الداخلية الجهات المعنية بملف أرض الجموع إقليميا ومحليا في رؤساء أقسام الشؤون القروية ورجال السلطة ونواب الجماعات السلالية (مع إمكانية انضمام مصالح الوصاية عند الاقتضاء..)..وهي بذلك تحافظ على منطق الجماعة (التقليدية) وممارسة الوصاية عليها من طرف جهاز الدولة الحديثة(الداخلية)... لهذا، فالمطلوب مشاركة باقي الفاعلين التنمويين المحليين المعنيين بملف أرض الجموع : تنظيمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص في تدبير ملف أراضي الجموع.. من هنا ضرورة فتح نقاش وحوار مجتمعي حقيقي حول ملف أرض الجموع. فهذا الملف، ليس ملفا حكرا على الجماعات المالكة لأرض الجموع، وإنما هو ملف جميع القوى الحية للمجتمع المغربي، ليس فقط لأن كل المغاربة ينحدرون واقعيا وسوسيولوجيا من قبائل وجماعات لها حق غير قابل للتقادم في أرض الجموع، ولكن أيضا كل القوى الحية للمجتمع لها انتظاراتها المشروعة تجاه أرض الجموع ، سواء كانت جماعات مالكة أو ذوي الحقوق : بحكم أن أرض الجموع تشكل في الغالب خزانا عقاريا يتيح للسلاليين تحسين شروط عيشهم والاستمرار بالتالي في قراهم وأرضهم. وتجريدهم من أرضهم سيكون له كلفة مهمة بالنسبة للمجتمع : هجرة قروية، بطالة حضرية، توترات اجتماعية. أو سواء كان لتلك الأرض الجموع صلة بمنعشين عقاريين ومستثمرين في مختلف المجالات،الفلاحة والسياحة والتجارة وإنتاج الطاقات المتجددة...لإنجاز مشاريع استثمارية كفيلة بخلق الثروة وتوفير فرص الشغل، مع مراعاة متغير البيئة. … ومن جانب آخر، عملت مديرية الشؤون القروية خلال السنة الماضية(2013) على إعداد ميثاق للاتمركز خاص بتدبير شؤون الجماعات السلالية والأرض الجماعية، يروم بطريقة تدريجية نقل مجموعة من اختصاصات الوصاية على الجماعات السلالية وممتلكاتها من المستوى المركزي إلى المستوى الإقليمي في تناغم مع روح الجهوية الموسعة وتكريسا لسياسة القرب، في أفق إقرار حكامة جيدة. لكن المشكل المطروح هنا، هو أن اللاتمركز عندما ينحصر في مجرد نقل تقني للاختصاصات إلى السلطة المحلية، مع ما يعنيه ذلك من تغييب للفاعلين المحليين ، فهو يفرغ من جوهره، بإعادة إنتاج منطق الوصاية والمركزة محليا، الشيء الذي يعني أن الهدف ليس هو تقريب الإدارة من المواطن وتحسين جودة الخدمات، وتنمية روح المبادرة وتعزيز المسؤولية على الصعيد الإقليمي، وتقوية بيئة العمل وتحسينها، وتحسين مساطر التدبير الخاصة بالجماعات السلالية والأرض الجماعية، إلى غير ذلك من الأهداف المعلنة، وإنما هو إبعاد المشاكل والنزاعات والصراعات عن المركز في اتجاه الأطراف/الهوامش. ج- الإصلاح المتدرج : من تجربة نموذجية إلى تعميم «يظهر من خلال الدوريات الصادرة في السنوات الأخيرة والهادفة إلى إصلاح تدبير أراضي الجموع ، أن الوزارة الوصية تعاملت بمنطق التدرج في الإصلاح، حيث اتخذت من جماعة المهدية بالقنيطرة التي كانت سباقة إلى طرح ملف النساء السلاليات، تجربة نموذجية في المغرب، قبل الانتقال إلى التعميم على باقي مناطق المغرب : ففي هذه الجماعة استفادت النساء من التعويضات المادية والعينية ومن الحصص الأرضية، وفيها جرى تخويل المرأة السلالية –بشكل رسمي - الحق في الولوج إلى منصب نائبة للجماعة. ويمكن أن نضيف أنه في الجهة أيضا (الغرب الشراردة بني أحسن) جرى تعيين أول سيدة في منصب والي ...الخ. كما يظهر من خلال الدوريات الصادرة في السنوات الأخيرة والهادفة إلى إصلاح تدبير أراضي الجموع ، أن الوزارة الوصية تعاملت بمنطق التدرج في الإصلاح، حيث اتخذت من جماعة المهدية بالقنيطرة التي كانت سباقة إلى طرح ملف النساء السلاليات، تجربة نموذجية في المغرب، قبل الانتقال إلى التعميم على باقي مناطق المغرب : ففي هذه الجماعة استفادت النساء من التعويضات المادية والعينية ومن الحصص الأرضية، وفيها جرى تخويل المرأة السلالية –بشكل رسمي - الحق في الولوج إلى منصب نائبة للجماعة. ويمكن أن نضيف أنه في الجهة أيضا (الغرب الشراردة بني أحسن) جرى تعيين أول سيدة في منصب والي ...الخ. ومن جانب العنوان الثاني «الإطار القانوني والمؤسساتي، رهان التغيير» جزم السيد فوزي بوخريص بأن «لا شك أن من مسؤولية الدولة إعداد البيئة القانونية والمؤسساتية المساعدة على بناء منظومة الحكامة عموما، وحكامة تدبير أرض الجموع بشكل خاص. وفي هذا الصدد الملاحظ أن المغرب المستقل لم يقطع بتاتا مع فترة الحماية، فقد تم الحفاظ على الترسانة القانونية للحماية في مجال أراضي الجموع . وقد سبق لبول باسكون أن قال في الثمانينيات بأنه لم يعد للدولة ما تقدمه لأرض الجموع. كما لو أن هناك عقم فكري لدى الوزارة الوصية : فعلى الأقل كان لسلطات الحماية التي وضعت قانون 1919 أغراض استعمارية.أما الدولة بعد الاستقلال، فهي تحتفظ بذات القانون ذي النفس الاستعماري، لكن دون أي رهان واضح، سوى الرهان الأمني : ضبط وحل النزاعات ، التي يمكن أن تحدث نتيجة الاستحواذ على أراضي الجموع، فهذه الوصاية ليست عملية من أجل وضع إستراتيجية تنموية واضحة. ويعد قانون أرض الجموع ( 1919) مثالا حيا على القانون، الذي خضع للتعديل والتتميم المستمرين(1926، ،1937 ، 1938 و 1963 الخ، مع ما ترتب عن ذلك من إلغاء عملي للفصول7 و8 و9 و10 و 11 مكرر .الخ) وليس الاستنساخ التام. فهو رغم طابعه المحافظ الذي جعله يستمر لما يقارب القرن من الزمن، إلا أنه شهد نوعا من الانجراف البطيء للعديد من بنوده (érosion du droit) خاصة بعد استقلال البلاد، نتيجة لتحولات المجتمع.. ويعكس تغير قانون أرض الجموع ، الثغرات التي تنطوي عليها حماية هذا الرصيد العقاري وتثمينه، منذ الاستقلال، ويتجسد هذا التغير الضمني من خلال القرارات والدوريات والمناشير الوزارية العديدة الصادرة بهذا الخصوص، والتي نشير إلى آخرها فقط : دورية وزراية رقم 51 / 14 ماي 2007 المتعلقة بمسطرة وضع لوائح ذوي الحقوق- دورية وزارة رقم 60 / 25 أكتوبر 2010 المتعلقة باستفادة النساء السلاليات من التعويضات المادية والعينية التي تحصل عليها الجماعات السلالية - دورية وزارة 30 مارس 2012 خاصة بتمتيع النساء من حقوق الانتفاع العائدة لأفراد الجماعات السلالية في حالة توزيع الحصص الأرضية وفي حالة توزيع عائدات الملك الجماعي. ويستنتج من خلال ما سبق أن تغيير الإطار القانوني لتدبير أرض الجموع لم يعد قناعة ذوي الحقوق فقط ولا قناعة المجتمع المدني فقط ، وإنما قناعة لدى الوزارة الوصية ، يعبر عنها من خلال مختلف توصيات الدراسات واللقاءات التي نظمتها حول الموضوع، وتكشف عنها بشكل جلي الدوريات والمناشير والمقررات الصادرة عنها، التي تؤكد أن قانون أراضي الجموع اليوم لم يعد يتلاءم والتطورات التي تعرفها البلاد في مختلف المجالات،بل ويتعارض مع البيئة التشريعية والمؤسساتية المستجدة، خاصة بعد دستور 2011، فهو يتعارض مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في هذا الشأن، خاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء. ويتعارض مع الدستور الجديد خاصة فقراته التالية : التصدير (حظر ومكافحة كل أشكال التمييز ).الفصل 6 (سمو القانون، تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم). الفصل 19 (المساواة ببين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية ...الخ). ويتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي. وفق مضمون فتوى المجلس العلمي الأعلى». وكل ما سبق ذكره «يبرز الأهمية الحيوية لتجاوز منطق العرف والعادة والتقليد في تدبير أراضي الجموع إلى منطق القانون والمؤسسات والحق والحكامة والإنصاف». وفضلا عن المقترحات والملاحظات المشار إليها أعلاه، «يتبين من خلال المناقشات التي شهدتها المنتديات المحلية التي نظمتها جمعية الألفية الثالثة حول موضوع (الحكامة الجيدة في تدبير أرض الجموع وتعديل القانون المنظم لها)، في مختلف ربوع الجنوب الشرقي، أن الوضعية الراهنة لأرض الجموع لم تعد تتلاءم والتطورات التي تعرفها البلاد في مختلف المجالات. وأن مقتضيات المنطق والواقع تفترض تجاوز منطق العرف والعادة والتقليد في تدبير هذه الأرض إلى منطق القانون والمؤسسات والحق والحكامة والإنصاف، كما تستوجب تصور إستراتيجية بديلة كفيلة بإدماج مجال أرض الجموع بكل مكوناته البشرية والعقارية والمالية في التنمية البشرية المستدامة». ويمكن إجمال أهم توصيات هذه المنتديات المحلية كما يلي : أ- على مستوى الإطار القانوني والمؤسساتي: - تجاوز ظهير 1919 والدوريات والمناشير والمقررات المرتبطة به، والتي تحيل على منطق العرف والوصاية والتعيين. - الاحتكام إلى منطق القانون، عبر إصدار مدونة قانونية عصرية خاصة بأراضي الجموع، تراعي مقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب ، وتتلاءم مع الإصلاحات السياسية (الدستور، وقوانينه التنظيمية، و الجهوية الموسعة المرتقبة..). - تجاوز التدبير المؤسساتي الحالي القائم على منطق الوصاية والمركزة الشديدة والتدبير البيروقراطي. - خلق وكالة خاصة تشمل جميع القطاعات الحكومية لتسهيل تدبير الأرض الجماعية ولتحقيق مزيد من الفعالية والنجاعة. على أن يجري تسيير هذه الوكالة وفق مقتضيات الحكامة الجيدة : مجلس إداري، يعكس تمثيلية متوازنة للفاعلين المعنيين بملف أرض، ويراعي مبادئ مقاربة التشاركية، ومقاربة النوع، والمقاربة الحقوقية. - مراعاة الخصوصيات المحلية على مستوى تدبير أرض .. ب- على مستوى الرصيد العقاري : - خلق نظم معلوماتية خاصة بأرض الجموع لتسهيل الولوج إلى المعلومات، وإنتاج أدوات تواصلية لتيسير تداول المعلومات بين مختلف الفاعلين المعنيين. - إصدار دليل مبسط حول مساطر وقوانين الأرض السلالية... - تحيين بنك المعطيات المتعلقة بأرض الجموع وضبطها وفتحها أمام العموم، في إطار الحق في الولوج إلى المعلومات. - حماية أرض الجموع : إيقاف كل أشكال الترامي على أرض الجموع، والتفويتات العشوائية، والغير قانونية المضرة بمصلحة ذوي الحقوق ، والحد من استنزاف أرض الجموع، ومحاسبة المستفيدين بدون وجه حق ومتابعتهم قضائيا. - تثمين أرض الجموع: عبر الإسراع في التصفية القانونية لكل أراضي الجموع( بالتحديد الإداري والتحفيظ العقاري) على نفقة الدولة لفائدة الجماعات السلالية . - اعتماد منطق الشفافية على مستوى تحصيل العائدات المالية الناتجة عن عمليات كراء وتفويت الأراضي الجماعية، وعلى مستوى توظفيها ، وكذا إعمال منطق التشارك في إنجاز المشاريع التنموية لصالح الجماعات السلالية و في دعم المشاريع المدرة للدخل لفائدة ذوي الحقوق. ج- على مستوى مؤسسة النائب وذوي الحقوق : - إعادة النظر في المقتضيات المنظمة لهيئة النواب، لأنها لا تدافع دائما عن حقوق الجماعة. - اعتماد نظام انتخابي ديمقراطي وواضح لانتخاب نواب أرض الجموع . - ضرورة إشراك النائب لذوي الحقوق قبل اتخاذ القرارات. - ربط المسؤولية بالمحاسبة : ضرورة محاسبة نواب أرض الجموع قبل انتهاء ولايتهم.. - تحديد لوائح ذوي الحقوق وفق معايير ومقاييس دقيقة وشفافة ومنصفة، تراعي مقاربة النوع الاجتماعي والمقاربة الحقوقية والتشاركية. - إعطاء الأولوية في الاستثمارات لذوي الحقوق، دون تمييز بين الجنسين: عبر إنشاء تعاونيات إنتاجية وشراكات، وفتح المجال أمام المقاولين الشباب وخاصة أبناء الجماعات الأصلية، وتمكين ذوي الحقوق من الحصول على قروض استثمارية، وخلق شركات أسهم بين أفراد الجماعات المالكة.. - التوعية والتحسيس والتكوين وتقوية قدرات الفاعلين في مجال القانون والترافع وإدارة وتدبير المشاريع التنموية...الخ - منح الحق للنساء في تولي منصب نائبة أرض الجموع على قدم المساواة مع الرجل. د- على مستوى المشاركة والشراكة : بين المجتمع المدني المحلي وباقي الشركاء المعنيين بالملف: - إشراك كل الفعاليات المعنية بأرض الجماعية في أي إصلاح لوضعية هذه الأراضي - اعتبار المجتمع المدني شريكا في تدبير أراضي الجموع، وقوة اقتراحية.. - الترافع من أجل إدماج المقاربات التنموية (التشاركية والنوع الاجتماعي والحقوقية..) في التعاطي مع الملف. - خلق شبكات مدنية محلية تعنى بملف أرض الجموع. - تقوية قدرات ذوي الحقوق من الجنسين وتأهيلهم للاضطلاع بمسؤولياتهم على مستوى تدبير ملف أرض الجموع، في المشاركة والتتبع والتقييم والترافع...الخ. - تقديم مذكرة مطلبية تتضمن مقترح قانون جديد، واستغلال الفرص التي يتيحها الدستور: العرائض الشعبية، تقديم مقترح قانون. - تبادل التجارب والمعطيات بين الجمعيات المشتغلة على ملف أرض الجموع مساندة جميع الأشكال النضالية لذوي الحقوق، والتصدي لكل أشكال الانتهاك : صمت السلطة عن الخُروقات المتعدد، وتهديد المناضلين، وفرض نواب ضدا على إرادة ذوي الحقوق... وبعد الانتهاء من تقديم الدراسة سار المتدخلون تعقيبا وتعليقا على ما سلفت إليه الإشارة على نهج رسمه في البدء الفاضل سيعيد الطبل، إذ اقترحوا تشكيل قوة اقتراحية والتفكير في كيف الاشتغال، داخل الفضاء المحتضن اللقاء مادام هو فضاء جمعويا شكلا ومضمونا، من ذلك إنشاء شبكة وطنية للاشتغال على هذا الملف طمعا في بلوغ القصد تحقيق أهداف مسطرة والصدود عن سبيل الفساد الذي طفق يغشى ملف الأرض الجماعية، ودمج مقاربة النوع فيه، والدفاع عن الديموقراطية التشاركية. ولما كان إنشاء الشبكة وجيها، وجُه معها وضع ميثاقها. وراغ متدخل إلى موضوع الأرض الجماعية مركزا على وجوب الفصل فيه بين الجانب الأنثروبولوجي والجانب القانوني. ويحسب أن قانون 1919 يعبر عن الدولة الاستعمارية أو بالأحرى يروم خدمة الرأسمالية الزراعية، ووقف بالإشارة عند النموذج البروسي، والنموذج الفرنسي، والنموذج الديموقراطي، قبل أن يعود إلى الشكل ليقترح إنشاء سيكريتارية لتنظيم ملتقيات في هذا الشأن طمعا في الإجابة عن سؤال: أي نموذج من التنظيمات السلالية يفيد؟