حوار : يونس بنمورو إدريس الغزواني. الباحثة السوسيولوجية عائشة التاج : أنتصر للقيم الإنسانية ، و أحلم ببشرية تستحق “إنسانيتها “.. كيف تقدمين نفسك للقارئ ؟ من هي عائشة التاج ؟ قد يصعب على الإنسان تحديد هويته ، و قبعاته ، علما أننا نحمل جميعنا الكثير منها إنطلاقا من أدوارنا الاجتماعية المتعددة . لكي لا أختزل في دور وظيفي ، أفضل أن أقدم نفسي كإنسانة ، أومن بالإنسان بمعناه الواسع ، و بالتالي فأنا أنتصر للقيم الإنسانية المتعارف عليها عالميا ، و أحلم ببشرية تستحق “إنسانيتها ” على أرض كوكب الأرض هذا ، الذي هو في طريقه لأن يصبح قرية صغيرة بفعل الثورة المعلوماتية . وظيفتي : اشتغلت بالتدريس الجامعي . تخصصي الأكاديمي العمل الاجتماعي و علم الاجتماع . دخلت عالم النضال من بابه الحقوقي و الاجتماعي و الثقافي ، من أجل مغرب للجميع . أومن بالحق في العدالة و المساواة و الكرامة ، و أومن بالسلم و الحب و الخير و الجمال ، كمثل عليا ، و بوصلة في الحياة . ما الذي يمثله علم الإجتماع لكم سيدتي الأستاذة ؟ و فيما ينفعنا كتخصص معرفي يستهدف الإنسان و المجتمع ؟ علم الاجتماع هو أحد العلوم التي تسعى لمقاربة الظواهر الاجتماعية ، وفق مناهج علمية ؛ سواء في شكلها الماكرو سسيولوجي ، أو ميكروسسيولوجي ؛ و طبعا لكي يحظى بنكهته العلمية لا بد أن تتوفر فيه شروط الموضوعية ، و التجرد و الشمولية و النسبية ، و تتحدد وظيفته حسب غايات إستعماله ، و حسب حساسية مستعمله أيضا . فالحياد جد نسبي ، و حتى العلوم الحقة ما فتئت تثبت نسبيتها يوما عن يوم ، و بالتالي لا بد لممارس مهنة الباحث السسيولوجي أو الاجتماعي ، أن ينطبع أداؤه نوعا ما بقناعاته ، ” فبورديو ” عالم الاجتماع الفرنسي الشهير مثلا ، وظف مهاراته في التحليل السوسيولوجي في تفكيك علاقات الهيمنة ، سواء منها الطبقية أو علاقات النوع ، و ذلك من باب الإسهام في تفكيك التمايزات الاجتماعية ، من أجل تحقيق المساواة و القيم العليا التي يتبناها هو و شركاؤه أو تلامذته . و من ثم ساهم في حركات التغيير سواء نظريا ، أو حتى بمواقفه المباشرة ، فلا حياد إزاء البؤس الإنساني . بالنسبة لي ، لكي يكون العلم ” علما نافعا حقا ” لابد أن يوظف لصالح ” أوسع الجماهير ” و لا بد أن يخدم القيم الإنسانية المتعارف عليها ، مثل العدالة و المساواة و الحرية و الكرامة ، و علم الاجتماع هو في جوهره علم حداثي ، لذلك إرتبط بحمولات تحديثية . إذا كانت الحاجة إذن ملحة لتفسيرات هذا العلم و تحاليله ، فما الذي يقوله وعاءكم السوسيولوجي لشيء إسمه الزواج ؟ و كيف تفسرون سوسيولوجيا هذه الظاهرة و التي ترسخت في اللاشعور كضرورة ملحة ،حتى و إن لم تكن كامل الظروف مواتية لها ؟ الزواج إرتباط إنساني بين رجل و إمرأة تحتل فيه العاطفة دورا محوريا ، و تنظمه قوانين البلد و تشريعاته سواء منها المدنية أو الدينية ، و ذلك بهدف ضمان معاشرة تضمن حقوق الطرفين أثناء النزاعات المفترضة ، و كذا حقوق الأطفال ، ثمرة هذا الزواج . سسيولوجيا ، لقد كان الزواج وما زال الأسلوب المعتمد ، ظاهريا على الأقل ، لتنظيم العلاقات الحميمية بين الجنسين ، سواء عبر التشريعات التي تنظمه ” كقانون الأحوال الشخصية ” أو من خلال ترسانة الأعراف و التقاليد ، التي تصاحبه عبر أهم محطاته ، من خلال مجموعة من الطقوس والإجراءات المعلنة ، و حتى غير المعلنة و التي تفعل في إتجاه فرض سطوتها بشكل ما على هذه البنية التنظيمية للمجتمع في شكله الطبيعي . و من الطبيعي أن تتأثر هذه البنية بكل ما يخترق المنظومة السسيوثقافية من متغيرات تفرضها حركية المجتمع وتفاعله مع محيطه الخارجي ، سواء منه المباشر أو حتى غير المباشر . و بالتالي فإن طبيعة مكونات هذه المنظومة تؤثر في مسارات هذا ” الزواج ” فإذا كانت تتسم بالانسجام فإن القيم التي ينتظم بموجبها هذا الزواج تكون متناسقة ، و إذا كانت متضاربة أو متناقضة في بعض عناصرها ، فأنها تفعل في إتجاه خلق تنافرات تؤجج النزاعات و التفكك ، سواء في شكله القانوني عبر الطلاق أو في شكله العاطفي من خلال التباعد ما بين الزوجين ، حتى و إن عاشا تحت سقف واحد . و يبدو لي ، بأننا نعيش مغربيا ، وفق النموذج الثاني ” على العموم ” حيث أن قانون الأسرة لا زالت تتجاذبه منظومتين تعكسان تجاذبات مجتمعية جوهرية ، إننا نعيش مرحلة إنتقالية تحضر و تتصارع فيها مجموعة من القيم ، تنحوا كل منها إلى فرض سطوتها على المجتمع ، و قد تأخذ طابعا كاريكاتوريا بعض الأحيان . ما الذي يعنيه الزواج كعلاقة و نظام ؟ و على ماذا ينبني هذا المشروع ؟ و ما الذي يحرك الإنسان إلى الإرتباط في هكذا شكل ؟ لا شك أن الزواج يجيب عن عدة حاجيات : من بينها تجديد النسل ومد المجتمع بأعضاء جدد يضمنون إستمراريته في المستقبل القريب . ثم ضمان ” الاستقرار ” الجنسي و العاطفي و ” السكينة ” المتوخاة ، وفق قانون الأسرة و وظائف أخرى ، و فوق هذا و ذاك ، فهو أيضا مشروع سسيوإقتصادي ، وفق المنظومة الحداثية التي هي في طور التبلور ، فالزوجان الشريكان في العاطفة و الحب ، يشتركان أيضا في أداء مصاريف الشقة و التأثيت ، و تربية الأطفال و تعليمهم ، وتدبيرا لعلاقات داخل الأسرة و خارجها ، و بالتالي فعليهم تدبير مختلف المهام الأسرية وفق نفس المنطق ، و هذا ما لا يتم لا واقعيا و لا قانونيا . فقانون الأسرة التي تستلهم أغلب بنودها من تشريع ديني يعتبر الزوج منفقا ، و الزوجة موضوع متعة لرجل عليه واجب الإنفاق لها و للأبناء ، سواء أثناء الزواج أو عند الطلاق . القانون لا يفرض على المرأة الإنفاق ، حتى وإن كانت ميسورة ، و بالتالي فلا زال القانون بعيدا عن إكراهات الواقع رغم التغير الذي حصل ، و لا زالت الأعراف السائدة لم تستدمج بما فيه الكفاية هذه التغيرات . و هذا التنافر لا بد أن يلقي بظلاله على مؤسسة الزواج ، خصوصا عندما تنطفئ ، أو تخف جذوة الحب أمام إكراهات الحياة و تعقيداتها . من وجهة نظركم دكتورة هل الزواج حاجة و مطلب إجتماعي أكثر منه غريزي ؟ أم العكس ، في كون الغريزة الجنسية هي المحرك الأساسي للزواج ؟ إذا كان الأمر بمنطق الدافع البيولوجي و الغريزة ألا يصح تصريف الطاقة في مواقع أخرى كالزواج السري المتفق عليه من قبل الطرفين المرتبطين ؟ لقد أجبت في السؤال السابق عن هذا السؤال ، لكن لا بأس من أن أضيف بأنه مطلب نفسي و جنسي و إجتماعي ، حتى و إن كانت هناك إمكانيات أخرى تصرف فيها الرغبات النفسية و الجنسية . لا شك أن نسبة العلاقات الجنسية و العاطفية التي تتم خارج الزواج أكثر بكثير من العلاقات المقننة قانونيا و اجتماعيا ، و هذا في حد ذاته يطرح الموضوع للتفكير الجدي ، عن مآل الزواج كمؤسسة اجتماعية ؟ قد تكون الإكراهات المادية كعجز الشباب عن تأسيس أسرة ، نظرا لاتساع رقعة البطالة ، و غلاء السكن و المعيشة و قلة الأجور ، سببا مباشرا ؛ لكن هناك أيضا أسباب أخرى لا بد من الكشف عنها من خلال بحوث ميدانية . ذلك أن نسبة هامة من القادرين على الزواج عازفون عنه ، أو يرجئونه إلى أجل غير مسمى و يلجئون للعلاقات غير المقننة ، و العجيب هو أنه حتى من بين دعاة أسلمة المجتمع الذين ينادون بتطبيق الشريعة ، منهم من يلجأ لهذا النوع من العلاقات بدون تسويغات دينية ، مثلهم مثل باقي الشباب ، و ذلك من الجنسين ، بالإضافة إلى تلك الجماعات التي تلجأ للزواج العرفي غير الموثق ، و تعتبره شرعيا وتنجب أطفالها “غير المسجلين ” بدون أي حرج كان ، و هذا يطرح تحديات هامة في مستقبل هؤلاء الأطفال . ما هي تمثلات المقبلين على الزواج لمؤسسة الزواج ؟ و هل اللقاءات الأولى التي تسبق الزواج ، هل هي ضرورة فعلا لاستكمال المسيرة الأسرية الناجحة ؟ شخصيا أعتبر اللقاءات قبل الزواج ضرورية ، و أضيف لها ضرورة القيام بدورات تكوينية للزوجين الشابين ، فنحن غالبا ما نهتم بطقوس الزواج الفلكلورية من عرس وألبسة ووو … أكثر من مضامينه . فالزواج مسألة جد معقدة ، و لا بد من الاستعداد لها بكل واقعية ، و وفق منهج بيداغوجي . هل الزواج مؤسسة أمنة فعلا توفر كامل شروط الراحة النفسية و الإطمئنان المادي ؟ و هل تخلق فعلا السعادة المبتغاة و المنشودة للإنسان في حياته ؟ هل هي رديفة فعلا للحب و توأمه ؟ أم أنها قاتلة للحب و مضاعفة للكره و البغضاء ؟ الزواج مثل وعاء يسكب فيه الزوجان تفاعلاتهما ، و هذا الوعاء يتشكل بطبيعة هذه التفاعلات ، و هذه الأخيرة تتأثر بالشروط الذاتية و الموضوعية المحيطة بالزواج ، تيمة الحب ضرورية ولكنها ليست كافية ، فطرق التفاهم التي يتبناها الزوجان هي التي تساعد على تدبير الزواج سواء إيجابا أو سلبا ، و أعتقد بأن الفانتازمات التي تمررها الكثير من المسلسلات عبر الفضائيات تساهم في تشويه الوعي العاطفي عوض إعداد الشباب بطرق واقعية . ما الذي يتطلبه الزواج لوصوله إلى بر الأمان ؟ و ما سبل إنجاحه في معترك الحياة ؟ و ما الذي يجب أن يتوفر في إرتباط أرثوذوكسي يوصف بالميثاق الغليظ ؟ بمعنى أصح ، ما هي مفاتيح الزواج الناجح المفضي إلى بناء أسري متين يضمن توازن المجتمع و إستقراره ؟ مفتاح الزواج السعيد في نظري هو العمل على بناء صرح قوي اسمه الثقة ، فلا شيء ينجح بغير ذلك ، و كما قال الأولون ” كلشي بالنية ” الزواج بالنية و الحرث بالنية ؛ طبعا في سياق تشوهت فيه القيم أصبحت عملية بناء الثقة أكثر صعوبة ، ثم لا بد من البحث عن التوافقات الأساسية ما بين الزوجين تفاديا لإختلالات قد تحدث في مراحل أخرى ، و أيضا الواقعية والمرونة ، كلما كانت الإنتظارات واقعية توفرت إمكانية تحقيقها . لماذا نقول هذا زواج ناجح و هذا زواج فاشل ؟ ما هي المعطيات الأساسية التي تجعل هذا الزواج ناجحا و ذاك فاشلا ؟ و على من تقع المسؤولية في نجاح تجربة الزواج أو فشلها ؟ و ما هي المشاكل المترتبة عن الزواج نفسه ؟ معايير الزواج الناجح تختلف ، فمنهم من يزنها بعمر الزواج و إستمراريته ، و منهم من يزنها بإنجازاته ، و شخصيا أعتبر الزواج الناجح هو الذي يضمن حدا معينا من الراحة النفسية و الاجتماعية ، أما عمر الزواج فقد يكون ناتجا عن إكراهات وحسابات لا علاقة لها بالمعطيات النفسية و العاطفية ، فكثير من الزيجات مفككة من الداخل ، و تستعرض المظاهر الخارجية فقط . ما هو الثابت و المتحول في علاقة الزواج ؟ و كيف تقرؤون سيدتي الدكتورة تفسيرات الوعي الجمعي للفرد العازب ؟ و ما النظرة التي يقدمها نفس المجتمع للعانس ؟ لربما كانت مؤسسة الزواج بشروطها الحالية ” متجاوزة ” و لا تجيب عن حاجيات شباب يعيش تغيرات فكرية و قيمية ، و له تطلعات أكبر من أن تحتضنها مؤسسة تبدو معاقة أو تمشي على رجلين غير متوازنين ، و هذا ما يفسر حجم العلاقات ” خارجها ” حتى من بين المتزوجين وفق ” عقد نكاح شرعي ” و ظاهرة العزوبية هي في تنامي مستمر ، سواء كانت ناتجة عن إكراهات واقع اقتصادي جد متأزم ، أو عن تصورات للارتباط قد لا تتوافق مع ما هو معروض ، و هي متفشية لدى الجنسين ، و يبدو لي بأن المجتمع في طريقه للتطبيع معها نظرا لانتشارها ، رغما عن الحمولة القدحية التي يختزنها للمارقين عن قوانينه ، و التي بدأت تخف شيئا ما لصالح ادوار اجتماعية أخرى . هل وصل الزواج لمستوى القرار الفردي الحر عوض الجماعي ؟ و لماذا يخاف الرجل من الزواج و الإرتباط الممؤسس ؟ بمعنى أخر ، لماذا يعيش الرجل هاجس التردد قبل أن يتخذ قرار الزواج ؟ لعل سيرورة اتخاذ قرار الزواج تختلف حسب وضع الشخص و طبيعة نفسيته سواء كان ذكرا أو أنثى ، لكن يبدو لي بأن الأسر بدأت تكتفي بإعطاء النصيحة و المشورة مقابل الاختيار و ما شابه ذلك ، حول التردد : في واقع أضحى شبه سوق ، قد يحول الكائن البشري لسلعة ، و الزواج لمشروع اقتصادي قبل أن يكون نفسيا و اجتماعيا و تتحكم فيه قيم مشوهة ناتجة عن واقع مشوه يخترقه الكذب و النفاق و النصب و الاحتيال ، مما يجعل عملية بناء الثقة جد صعبة . ماذا تمثل لك كلمات ، الوفاء ، الخيانة ، و التضحية ؟ الوفاء ، الخيانة ، و التضحية : مصطلحات بنكهة أخلاقية فضفاضة ، أفضل تعويضها بمصطلح الالتزام الناتج عن تعاقد واضح أو غير معلن ملزم للطرفين معا ، و الإخلال ببعض بنوده قد يضر بجوهره ، مما قد يؤدي لنوع من الفسخ قد لا يكون معلنا بشكل واضح ، لكنه التبرير الذي قد يتخذه الطرف الذي يلجأ ” للخيانة ” و لا شك بأن كثافة ظاهرة الخيانة الزوجية تدعو للتأمل و التفكير في أسبابها و في وظائف الزواج التحصينية . التضحية : هي أيضا كلمة مشحونة بحكم قيمي و تتضمن اختلالا ما ؛ عندما أضحي فأنا أتنازل عن أحد حقوقي كي أتمكن من انجاز حقوق الآخرين ، قد تكون العملية ضرورية في مرحلة ما و هنا لا مشكلة ، لكن أن تكون مستمرة فهذا إخلال بحقوق الذات ، و أظن أن الإيثار يجب أن يكون متبادلا ، و إلا تحول إلى استغلال أو استعباد ، غالبا ما تضحي الزوجة من أجل راحة أبنائها و زوجها ، و مجتمعنا يتغنى بهذه القيمة ، إمعانا في تكريس تراتبيات داخل الأسرة أو غيرها ، ولقد حان الوقت أن تغير التضحية مكانها كي تسترجع النساء حقوقهن المصادرة عبر التاريخ. ..