من منا قد ينكر أو تنكر أنها تحلم أو كانت تحلم في زمن الصبا بعلاقة حب كبير ترسم فيها للحبيب صورة تشبه ملامح بطل رواية قرأتها ، أو فيلم رأته.. أو حتى شبيها بموظف البريد الذي كانت تشتري منه الطوابع البريدية حين كانت تدرس في الإعدادي.. حلمنا وحلقنا بنظراتنا في الأفق البعيد ، مغرمات سعيدات بإحساس بريء ملأ صدورنا التي كانت هي الأخرى تمتلئ في غفلة منا لتعلن لنا أننا كبرنا وبأننا وجدنا لنعيش أنوثتنا كاملة .. لكن السؤال هو هل هذه الأحلام تتحقق ؟ هل الحب معترف به في ثقافتنا الشعبية أم هو ذلك الإحساس الذي تخشاه أمهاتنا خوفا من أن يسوقنا إلى الخطيئة إلى فقدان البكارة والحمل غير الشرعي.و الكثير من الكوارث التي عاشتها بنات انتهت حياتهن بالانتحار أو بالإقصاء من العائلة لأنهن صدقن الحب ومنحن للآخر الروح والجسد.. في هذا الموضوع سنفسح المجال لمجموعة من الشهادات لشباب وشابات وأيضا أمهات اختلفت آراؤهم حول الحب والزواج وأيضا عن العلاقات التي تسبق الزواج وعلاقة كل هذا بالتربية، إضافة إلى رأي المتخصص... **************** نعيمة الحرار عماد شاب درس الاقتصاد وبعد التخرج درس في معهد خاص ليحصل على دبلوم يزيد من مؤهلاته في مجال تخصصه، اشتغل في إحدى الشركات الأجنبية لأكثر من سنة لكن الراتب الشهري لم يكن كافيا بالنسبة له، ففكر في السفر إلى الخارج، ظنت أسرته في البداية انه يمزح لكن الأمر لم يكن كذلك،غادر المغرب في رحلة سياحية ليقرر عدم العودة والاستقرار في بلد المهجر، بعد سنة عاد ليزور عائلته وخلال ذلك كلف والدته بالبحث له عن زوجة ،تفاجأت الأم بطلبه وظنت انه يهزأ وتفاجات أخواته البنات أكثر فقد كن يظن انه سيرتبط بفتاة يعرفها أو يرتبط معها بعلاقة حب أو حتى أجنبية أو أي واحدة تتفق مع طموحاته وليس الزواج من اجل الزواج فقط..، لم تضيع الأم الوقت فذهبت عند أسرة لتخطب إحدى بناتها وحين سؤالها عن الدافع الذي جعلها تختار فلانة دون غيرها لابنها قالت «ناس دراوش او فحالهم...» استغبت البنات الفكرة، لكنه كان مصمما وكان العواطف لا علاقة لها بالزواج، وان أي واحدة اختارتها الام ستكون جيدة ..حتى لو كان أساس الاختيار هو الفقر ومعايير لا تتماشى البتة مع تفكير هذا الجيل .. نموذج عماد ووالدته يجعلنا نشعر أن العلاقات في المغرب لم تختلف في العمق عما كانت عليه في السابق، وان العقليات هي الأخرى لم تختلف رغم اختلاف الأجيال بعلة أن العلاقات التي تبدأ في الشارع تنتهي أحيانا حتى قبل أن تبدأ، بعكس الزواج التقليدي الذي ينبني على البحث عن الأصل والعائلة والسمعة وما الى ذلك من معايي، بات الكثير من الشباب يعتبرونها متجاوزة خاصة من يعتبر راتب الزوجة ضروريا لإدارة عجلة الزواج في زمننا الصعب .. «الصدمة كانت قوية «هكذا بادرت منى بالحديث عن علاقة ربطتها بزميل كانت تدرس معه في الكلية وتابعت.. خفق قلبي له من أول نظرة، كان مميزا ولم أكن أظن انه سيلاحظني حتى ..كنت أجده أمامي كل يوم..ظننت أن الأمر ليس سوى صدفة إلى أن فاتحني بالحديث عن رغبته في ربط علاقة معي،.. أحسست تقول منى أني أتخيل ما يجري وانه ليس حقيقة بل هي فقط أوهامي، لكني تأكدت في اليوم الموالي بأنه حدثني انا .. لتكون بداية علاقة حب أثارت كل من حولنا ، علاقة أعادت إلى ثقتي بنفسي وجعلتني اشعر أيضا بالتميز.. انتهت السنة الدراسية وأصر على أن نلتقي في العطلة الصيفية حتى لو تطلب الأمر عدم سفره مع عائلته ،بدعوى انه لا يستطيع أن يتحمل عدم رؤيتي لأسبوع واحد..كان كل هذا يزيد من حرارة حبنا، وكنت طيلة هذه المدة احلم باليوم الذي سيأتي فيه إلى بيتنا لخطبتي حاملا بين يديه الورد وكل الكلمات الجميلة التي يقولها لي .. لم يحدث هذا حتى بعد التخرج فقد كان يتحدث في كل شيء إلا عن الزواج والبيت والأسرة، وكان هذا يشعرني بالضيق وعدم الإحساس بالأمان ..ولم أكن استطيع التمادي في التفكير بأنه ممكن أن يكون لغيري .. قررت أنا أن أفاتحه في الموضوع خصوصا بعد أن تمت خطبة صديقتي المقربة وطلبت مني أن أساعدها في التهيئ للزواج وكانت في كل مرة تسألني لماذا لم تتزوجي بعد حبيبك ..لم أكن أجيبها بل كنت ادخل في صمت يشبه صمت الأموات .. أخذت مثل هذه الأسئلة تحرجني..إلى أن صارحني يوما وبالهاتف أن الزواج حلم بعيد المنال لأنه سيتزوج ابنة عمه، رغم أن قلبه اختارني أنا، وانه لا يستطيع أن يقول لا لوالده المتسلط..وأيضا والدته ..وحين سألته..وما مصيري أنا.. .وماذا سأقول لصديقاتي ولامي التي حدثتها عن حبنا.. .أجاب انتهت الدراسة وكل رحل إلى حال سبيله انسي الكلية بمن فيها ..والزواج قسمة ونصيب وان أردت يمكننا الاستمرار في علاقتنا فالزواج لن يغير شيئا..لكني لا استطيع أن ارفض ما تريده العائلة من اجل الحب .. شعرت أني استيقظت على كابوس فلم يكتف بقطع علاقته بي للزواج من أخرى، بل تجرأ وأهانني بطلبه الاستمرار معه حتى بعد زواجه ، كانت الخيانة والإحباط وكل الأحاسيس السلبية ولم أجد إلا حضن والدتي لاختبئ فيه، عللت أمي ما جرى بان الحب شيء والزواج شيء آخر وبان عقلية الناس لم تتغير رغم ما نراه في الشارع من انسياق وراء الموضة ، فالشاب لا يتزوج في الغالب من انساقت وراء مشاعرها حتى لو لم تسلمه نفسها.. وان أي علاقة يجب أن تحسم في بدايتها وان يكون للأهل رأي فيها ..كانت كلمات أمي كالبلسم على جراحي المفتوحة واعتبرت ما أمر به تجربة لن تتكرر أبدا وان من يستحق الحب هو من جاء عبر الباب، أما الحب والانخراط في علاقات طويلة المدى فهي علاقات فاشلة وتحمل بوادر فشلها من البداية ..خاصة حين تصبح الفتاة هي من تطلب من صديقها الزواج وتتوسله أن يحدد موعدا لزيارة أهلها لتضيع كل حقوقها حتى المعنوية.. وعن هذا الموضوع يقول خالد العبيوي أستاذ علم الاجتماع : بكلية الآداب بالرباط لا أحد ينكر أن المجتمع المغربي عرف تحولات مست مختلف الميادين، انعكست على مجالات القيم والمواقف والسلوكيات والعواطف والبنيات والعلاقات الاجتماعية... وقد بلغت هذه التحولات ذروتها في السنوات الأخيرة مع انفتاح الشعب المغربي على الثقافات الأجنبية عبر القنوات الفضائية والإنترنيت... هذه الآليات اعتبرتها كثير من الدراسات السوسيولوجية عوامل محركة لمشروع تحديث المجتمع المغربي. لكن هذا المشروع لا زال يصطدم اليوم مع الأنماط التقليدية للتنشئة الاجتماعية. يتحكم في هذه الأنماط فاعلون اجتماعيون ينتمون إلى الجيل السابق على مستوى التربيات الأسرية والمدرسية وفي الشارع العام... يعيدون إنتاج مواقف وسلوكات وأشكال من المشاعر تنتمي إلى الماضي، في إطار سيرورة تشكيل الهوية والانتماء إلى المجتمع التقليدي، مما يقتضي من الأجيال الجديدة التقبل والخضوع لمنظومات القيم والتصرفات الموروثة، بل والمساهمة في تعزيزها. إن مقاربة أشكال التفاعل والتنافر بين التقليد والتحديث في المجتمع المغربي، يضع الباحث المتخصص والمواطن العادي أمام نماذج كثيرة، تجعلنا نحكم على المغرب بالمجتمع المركب بتعبيرات السوسيولوجي الراحل بول باسكون. فعلى مستوى الاقتصاد نجد المغرب خليطا من الرأسمالية والاشتراكية والمعاملات الإسلامية... وعلى مستوى التشريع، هناك القانون الوضعي والعرف والشريعة... وقس على ذلك في أمور متعددة، من بينها ما هو حميمي مرتبط بالعلاقات الإنسانية، على مستوى اختيار الشريك في الزواج الذي هو موضوع هذه المقالة. إن اختيار الشريك في الزواج قضية مرتبطة بدورها بسيروة التغير الاجتماعي.. فهل يمكن الحديث عن قطيعة مع الممارسات والتصورات التقليدية في الاختيار في ظل التحولات الراهنة، أم أن ما هو تقليدي يتضمن إمكانية التكيف مع قيم المجتمع العصرية، إن لم نقل الهيمنة عليها؟. إن الموضوع، بالفعل، يتطلب دراسة سوسيولوجية دقيقة وموسعة، لكن ما هو معطى على مستوى الظاهر يعفينا من القيام بذلك، ويتيح المجال لممارسة نوع من السوسيولوجيا العفوية بتعبير الباحث السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو. سوسيولوجيا عفوية ليس بمعناها القدحي، بل المدحي في سياق تشخيص المعرفة الأولى بالاجتماعي. إن المعطيات المباشرة تؤكد على أن التمثلات والممارسات التقليدية لازالت مهيمنة على مستوى اختيار الشاب لشريكته في الزواج، وذلك لمجموعة من الاعتبارات، منها أن المجتمع المغربي لازالت تحكمه التصورات والمعايير القبلية بالدرجة الأولى. فباستثناء فئات قليلة تسكن المدن الكبرى هي التي تبتعد نسبيا عن جاذبية منظومة القيم القروية، فإن الغالبية العظمى من الساكنة المغربية تعيش حالات من ما يسمى بقرونة المدينة (العيش في المدينة بعقلية وتصرفات قروية)، أو العيش مباشرة في البادية. ولعل أبرز المؤشرات الدالة على هيمنة المعايير والأساليب التقليدية في اختيار الشاب لشريكته، يمكن اختصارها في مؤشرين أساسيين يدخلان ضمن المواصفات التقليدية المطلوبة في الفتاة كما يرتضيها الشاب الراغب في الزواج، وهما: « الفتاة «بنت الناس» و» الفتاة «بنت دارهم». إن الشاب الذي تربطه علاقات حميمية مع فتاة قبل الزواج، قد يعتبر ذلك مجرد صلات استلزمتها فترات الطيش والنزوات. وما يقتضيه ذلك من لقاءات مباشرة عاطفية أوجنسية، أو غير مباشرة عبر الدردشات والرسائل الإلكترونية أو الهواتف النقالة... لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقة التي تنعت ب «الرزينة»، فإن الشاب المغربي يجد نفسه يتخلى عن علاقته أو علاقاته السابقة، حيث ضرورة الانتقال في الاختيار من النموذج الواقعي (الرفيقة/ الصاحبة) إلى النموذج المثالي المفقود (بنت الناس/ بنت دارهم). ما المقصود ببنت الناس / بنت دارهم؟ ما هي خصائص وسمات هذه البنت؟. * تعني «بنت الناس» في الدلالة المتداولة (الحس المشترك)، تلك الفتاة التي تنسب إلى «الناس»، و»الناس» في التحديد الشعبي عائلة محترمة تربي بناتها على قيم وسلوكات الاحترام والحشمة والوقار وطاعة الزوج وعائلته الممتدة، والحفاظ على أسراره وممتلكاته، والاستعداد للتضحية ونكران الذات... في هذا السياق يعمل الشاب على التزود بمعلومات بحثا عن الفتاة صاحبة هذه المواصفات، مما يضطره الأمر في كثير من الأحيان الاستعانة في البحث، بعائلته أو أصدقائه أو الجيران أو أشخاص آخرين تربطه بهم علاقات مختلفة. هذه المهمة المعقدة كانت تقوم بها «الخاطبة» في السابق. وفي هذا الصدد تتوفر لدى الشاب الراغب في الزواج ولأسرته معلومات كافية حول المستوى المعيشي والاجتماعي لعائلة الفتاة التي وقع عليها الاختيار، ولموقع وسمعة كل فرد من أفرادها. وخاصة أب الفتاة وأمها. من خلال ذلك يتم الحكم على الفتاة انطلاقا من مكانة أبويها. حجة هذا القول هو المثل الشعبي الذي يقول: قلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها. . ومن النصائح المقدمة للشاب الباحث عن الزوجة، في ارتباط مع المثل الشعبي، هو أنه إذا كانت أم الفتاة المطلوبة للزواج تطيع زوجها، فاعلم أن الفتاة تربت على نفس المعاملة، وبالتالي ستكون طيعة وخاضعة. * ومن مواصفات الزوجة أيضا أن تكون الفتاة «بنت دارهم». فإذا كانت عبارة «بنت الناس» تحيل إلى «الناس» (أفراد الأسرة)، فإن تعبير «بنت دارهم» يشير إلى «الدار» (منزل عائلة الفتاة)، أي الفضاء الذي يحتوي هذه الأخيرة وأسرتها. تبعا لذلك، فهذه البنت لا تخرج من بيتها إلا لضرورة قصوى. في السابق كانت الفتاة تلازم منزل عائلتها، أما اليوم فالمطلوب منها عدم الخروج إلا لقضاء أغراض ملحة، كالدراسة أو العمل أو التسوق أو بصحبة عائلتها... وليس التنزه أو الترفيه. فخروج الفتاة من بيتها يعرضها إلى مظاهر الاختلاط بالرجال، وهذا ما يرفضه الشاب، ولا يقبله إلا لضرورة وبشروط الحشمة والحياء. لهذه الاعتبارات تتعرض الفتاة ?التي عاشت فترات حميمية مع شاب خارج مؤسسة الزواج- للإهمال من قبل شريكها. رغم طول أو قصر تلك الفترات، ورغم طبيعة العلاقة التي كانت تجمع بينهما من حب وأفراح وأحزان وتضحيات... لتترك مكانها لفتاة أخرى بمواصفات مثالية كاريزمية، مواصفات تغذيها قيم اجتماعية، قيم تشكل هوية الأشخاص وتكسبهم مواقف وتصرفات تستلزم الانسجام مع مبادئ القيم السائدة، تضمن الانتماء والمشاركة. تجعل حتى الشبان الذكور الذين يعتقدون أنهم لا يدينون بالولاء للقيم الاجتماعية التقليدية، لا يجرؤون على المجاهرة بأن تعرفوا على زوجاتهم في أماكن اللهو والترفيه، أو في مواقع الدردشات الإلكترونية.. خوفا من العار، متنكرين لهذه الآليات التي قدمت لهم خدمات جليلة. باستثناء فئات قليلة من الشباب «الأبطال» الذي يحاولون الارتداد ضد القيم التقليدية السائدة والمهيمنة، وضد المعايير المتحكمة في اختيار الزيجات.