كل ما أستطيع القيام به، لا يمثل إلا القليل مما يمكن القيام به هنا، أحيانا تخونني يداي، فأحس أني لا أستطيع أن أنقل إلى اللوحة إلا ظل الأشياء التي أريد رسمها ". كلمات للفنان الفرنسي الكبير دولا كروا، الذي حل بالمغرب سنة 1832، مأخوذا بسحر هذا البلد، لم يتوقف عن رسم كل ما يراه في دفاتره الصغيرة، كمن أصيب بلوثة جنون، يصرخ حين رأى المغرب:" إنه جميل! كما لو أننا في عصر هوميروس! الإغريق والرومان هنا أمام بابي.. ". جيزيلا فون فالدو، وبعد مرور أكثر من قرن من الزمن، تقف هي الأخرى أمام معالم مراكش، بعيون تملأها الدهشة، وتقرر البقاء لسنوات بين ظهرانيها، لتنقل إلى الجمهور الغربي، فنا، يلتقي فيه الشرق بالغرب، ويرسم المغرب والمدينة بكل تناقضاتها. جيزيلا فون فالدو في مراكش وصلت جيزيلا فون فالدو لأول مرة إلى مراكش لإدارة درس لصناعة الورق. ولم تكتشف بنفسها أهمية هذه المادة إلا أواسط الثمانينات، لتحل محل السيراميك التي كانت مادتها المفضلة. مدينة مراكش سحرت جيزيلا، حتى أنها لم تتوقف عن زيارتها بشكل منتظم، بل وسكنت في المدينة القديمة لمراكش لوقت طويل. هذا التواجد بين أحضان مدينة غريبة، مطبوعة بالثقافة الإسلامية سوف ينعكس على أعمالها الفنية: الألوان، الروائح، الأسواق، صوت الأذان، والمساجد التي لا يخلو منها شارع... جيزيلا تشتغل بوعي في رسومها وأعمالها الفنية على الاختلافات القائمة بين حياتها في ألمانيا والمغرب، وتعمل على تسليط النظر على تلك الحياة وتناقضاتها من زوايا مختلفة: الحياة التقليدية من جهة ولكن أيضا نظرة الزائر الرومانسية، تقفان جنبا إلى جنب في أعمالها. صور، تدور كلها حول مواضيع وأدوات الحياة اليومية، يقف أمامها المشاهد الغربي مندهشا، لكن في نفس الآن مدركا لأهميتها ووظيفتها في الحياة اليومية، مثل أدوات التجميل التقليدية، حبات الزهر، حبوب، جذور والتي تستعمل الآن في العديد من أنواع الشراب ذو النكهة السحرية. لكن بعد هذه المرحلة، ستنكب الرسامة على الجانب الطوبوغرافي للبلد، فمجموعتها "جدران" تعكس صخورا وأسوارا وأحجارا غريبة" وكما تقول:"في قرى البلاد ما تزال عملية البناء تتم بالطريقة التي كانت تتم بها قبل قرون، بيوت من التراب والقش. لكن هنا أيضا تتغير الأشياء، إذ تختفي المواد الطبيعية ليحل محلها البلاستيك، كل أنواع البلاستيك لكل أنواع المهمات حتى وإن تعلق الأمر بتغليف الجدران. الصورة القديمة يصيبها جراء ذلك الانشقاق، قطع بلاستيكية زرقاء في جدران من التبن والطين!". بين عالمين: هامبورغ ومراكش أما مجموعتها "بين عالمين" فجاءت قراءة لتجربتها الحياتية بين عالمين، تأملاتها حول عالم محكوم بالثقافة الإسلامية في علاقتها بثقافتها الغربية، صور مختلفة للعالمين، يتم تركيبها وكولاجاتعلى أعمدة سميكة ومتحركة من الخشب، ينتقل الزائر عبرها بين عوالم وعناصر مختلفة وتسلط الضوء على أبعاد جديدة فيما يتعلق بالعلاقة بين الثقافات. إن أعمال جيزيلا فون فالدو، تظهر بشكل نموذجي طريقة أخرى في الاقتراب من الثقافات الأخرى، طريقة صامتة، تسكنها الدهشة والرغبة في المعرفة، الرغبة في أن يسكن الآخر الأنا، وأن يعيد تشكيل رؤيته إلى العالم والأشياء. بقي أن نشير بأن معرض "بين عالمين" يستضيفه المركز الثقافي المغربي في برلين، تحت إشراف السفارة المغربية، من التاسع من نوفمبر وحتى العاشر من ديسمبر الحالي. موقع " دويتشه فيله "