تشير الدراسات إلى أن أكثر من 70 بالمائة من تواصلنا يمر عبر اللالغة، عبر عالم معقد ومتشابك من العلامات والرموز والسمات والحركات. ولا أدل على ذلك أكثر من البداية الصامتة للفن في العالم عبر السينما الصامتة ومسرح الميم.. وأيضا لدينا في الابتسامة كفعل إنساني عالمي يعبر عن التقاسيم والقبول والارتياح وكلغة إنسانية يتقاسمها كل شعوب العالم، فكيفما كانت جنسية التي تبتسم في وجهك فإن ذلك يولد لديك التجاوب والارتياح والتواصل الإيجابي. ولغة الجمال هي الأخرى لغة عالمية، فقد تستمتع بجمال امرأة في أقصى بلاد الهند وأنت واحد من مدينة"زحيليقة"! بالمغرب. والموسيقى أيضا كذلك، فكما أن مواطنا اسكتلنديا يمكنه الاستمتاع بموسيقى كناوة المغربية، يمكن لعربي أن يطرب لإيقاعات الموسيقى المكسيكية... هناك دائما لغة تسري، فمثلا يتم تواصل من نوع خاص في حالة شخصين عدوين متقابلان في شارع أو مقهى أو حانة، إنه صراع الأعداء الصامت، حرب نفسية رغم عدم الكلام. ويتم حوار صامت وجميل بين شاب وشابة يعجبان وينجذبان لبعضهما البعض. كما أن هناك نظرة الحنان التي تتدفق من عيون الأم نحو وليدها. ولغة الاشمئزاز من تصرف شنيع لشخص ما ترتسم على الوجه. ملامح التأثر مع مجريات فيلم درامي. إن الكثير الكثير من أمثلة التواصل تمر عبر الجسد وعبر الملامح والقسمات دون النبس بأي حرف أو كلمة... حتى أن هذا التواصل الصامت والرائع يوظفه المخرجون السينمائيون كثيرا حيث يتركون للملامح والإيماءات المساحة المهمة لتعبر عن مكنونات النفس وتقلباتها أفضل من الكلمات أحيانا... ونقول أيضا، وجه معبر، وجه فوطوجينيك، وجه قاس، وجه كارزماتي، وجه مألوف... دليلا عن أن الوجه له تعبيره الذي يؤثر فينا أو نأخذ منه انطباعا ما أو مؤشرات ما دون الكلام. نفس الأمر تنقله العيون التي تعتبر نافذة على الروح، فنقرأ منهما العياء و الشبقية، والحقد، والغضب، والمرض، والحب... إن المتواصل الجيد عموما هو الذي يمارس في حديثه؛ المسرح، الميم، ويوظف العيون، الحركة، استعمال الأقنعة، السيطرة على المستمع، ويكون له رد الفعل الجيد، وقوة الشخصية. إذ على المرء أن يكون "مايسترو" ويعيش في "هارموني" تجمع بين نبرة الصوت وجودة الحركة والتمتع بالأناقة في التعبير بالجسد وقسمات الوجه. مع توظيف أقل ما يمكن من طاقة لكن مع التأثير في نفس الوقت بقوة في الآخر والظهور لديه بأفضل وجه. لأن الأفضل تواصلا مع محيطه الخارجي هو الأكثر فرضا للإيقاع والجاذبية الشخصية في المكان العمومي، عليك إذن أن تمسرح أفكارك وآراءك إذا أردت أن يتبناها الناس وينجذبوا إليها، حتى انه ينصح بإدخال الأطفال منذ نعومة أظافرهم لممارسة المسرح لما يكسبه من مهارات تواصلية عبر الجسد تساعد على إيصال مكنونات النفس الباطنية... وكما أن هناك أشياء مرغوبة في التواصل هناك أشياء تعيب وتضعف التواصل على المتواصل الجيد عدم الوقوع فيها ومنها؛ الحركات المجانية، التي تنم عن عدم التركيز ورباطة الجأش والانسجام، والحركات الفاضحة التي تنم عن غش أو زيف أو اقتراف كذبة أو تدبدب في الآراء؛ فعلى سبيل المثال يرتبط الكذب عند الناس بالحك في مناطق معينة كالرأس أو وراء الأذن أو الأنف... ومن الحركات الجنسية لدى الجنسين؛ نجد الذكور يعمدون إلى حمل سراويلهم من جهة الحزام على الخصر كإثبات لوجودهم أمام الإناث، أما الإناث فهم يداعبن شعرهن في حركات أنثوية بأيديهن أمام الرجال كحركة للفت الانتباه... كما وأنه في الأدبيات السلطانية نجد أن على السلطان مثلا أن يتجنب كل العلامات التي يمكن أن توحي، بخضوعه للجسد مثل "تشبيكالأصابع إدخالها في الأنف ووضع اليد على اللحية والضحك والالتفات ومد الرجل والقيام والقعود والتحول عن الحالة التي جلس عليها واللعب بالخاتم وتخليل الأسنان والإشارة باليد وكثرة البصاق والتمطيط والتثاؤب والانبساط الدال على الفرح والانقباض الدال على الحزن". و لدينا في الحكم الإيطالي الدولي "كولينا"، المثال الجيد عن توظيف التواصل اللالغوي، فنلاحظ كيف يوظف نظراته بشكل احترافي في العملية التواصلية مع اللاعبين داخل الملعب للسيطرة عليهم لتوجيههم لانضباطهم لقراراته ولتهديهم بالورقات الصفراء والحمراء... إن أهمية قراءة حركات الجسد تتيح لنا معرفة دواخل الأنا أكثر، حتى دون أن نتكلم، وتفتح لنا الباب على مصراعيه لفهم الشخصيات أكثر. فقراءة الحركات المرافقة لبعض الأفعال الإنسانية؛ كالحديث على الهاتف، وعملية التفكير، وطريقة الجلوس، وطريقة النظرات.. يفيدنا في معرفة طبيعة المتحاور الذي أمامنا ومدى إمكانياته الثقافية والإنسانية ونقط ضعفه الممكنه. ويتم التركيز على مثل هذه الأمور خصوصا في المقابلات الشفوية في الامتحانات أو من أجل الحصول على الوظائف... إن الحركات اللالغوية تحمل معلومات هامة عن الآخر، ومن الضروري تعلم كيفية فك الرموز اللالغوية وكيفية الإنصات للآخر أو بالأحرى قراءته صوتا وصورة! إن الانسجام في الحركات واختيار الكلمات يعبر عن انسجام وقدرة على الأخذ بزمام الأمور لذا الذات المنتجة للخطاب. إذ الحركات الإنسانية هي نفسها الإنسان، إلى جانب أن الحركة النابعة من الذات تصل بسهولة للآخر. والإنسان يتلقى رسائل باستمرار، رسائل تبهر، تقنع، تستقطب، ترهب، تشوق، تهيج، تشوش... وما علينا إلا قراءتها القراءة الصحيحة لفهم أكثر وضوحا ودقة وعمقا. وكل عام وتواصلنا في تحسن مستمر، صوتا وصورة!