دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا            تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    هجوم ماغديبورغ.. الشرطة الألمانية تُعلن توجيه تهم ثقيلة للمشتبه به    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف
نشر في أريفينو يوم 27 - 06 - 2010

إشكالية المعروض والمطبوع في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف
الدكتور جميل حمداوي
توطئة:
عرفت منطقة الريف مجموعة من النصوص المسرحية الناطقة بالعربية والأمازيغية على حد سواء. ولكن هذه النصوص بقيت لفترة طويلة عبارة عن عروض شفوية غير مدونة وغير منشورة ورقيا أو رقميا ، ولم تجمع إلى حد الآن، ولم تطبع ليطلع عليها الآخرون. وإذا كان السوسيون قد أصدروا أول نص مسرحي سنة 1983م ، وكان تحت عنوان:” أوسان صميدنين/ الأيام الباردة” لمومن علي الصافي، فإن أول نص مسرحي أمازيغي ينتجه مبدع ريفي  كان سنة 2002م مع بشير القمري تحت عنوان:” إكليدن/ الملوك” ، وذلك على الرغم من أن هذا النص المسرحي كتب باللغة العربية. في حين نقرر بأن أول نص   أمازيغي أطروحة وكتابة وخطا هو نص :” واف   Waf/ الفزاعة ” لمحمد بوزكو سنة 2009م.
ويتبين لنا من كل هذا أن هناك عشرة نصوص مسرحية من إنتاج أبناء منطقة الريف، وهي مكتوبة باللغتين العربية والأمازيغية . إلا أن بشير القمري يعد من أكثر كتاب منطقة الريف إنتاجا وتراكما في مجال الكتابة المسرحية، وذلك بأربعة نصوص درامية متعاقبة.
بيد أننا سنركز في هذه الدراسة على النصوص المسرحية ذات البعد الأمازيغي سواء أكانت مكتوبة باللغة العربية أم  بالخط اللاتيني أم بخط تيفيناغ.
q المسرح العربي المكتوب بمنطقة الريف:
يمكن الحديث ضمن هذه النقطة عن مرحلتين أساسيتين ضمن المسرح العربي بمنطقة الريف: مرحلة المسرح العربي المطبوع وغير المطبوع.
أ- المسرح العربي المعروض بمنطقة الريف:
من المعروف أن ثمة فئة من كتاب المسرحية العربية بمنطقة الريف الذين كتبوا المسرحية بكل أجناسها و أنواعها وأنماطها، ومن هؤلاء: عبد الله عاصم، والحسين القمري، وسعيد الجراري. بيد أن هؤلاء لم يدونوا نصوصهم المسرحية، ويوثقونها ، ويطبعونها في كتب ومؤلفات مسرحية مستقلة أو مشتركة، بل بقيت إنتاجاتهم الدرامية شفوية الطابع والملمح. فمسرحية” عودة محمد الخامس من المنفى” مثلا لم تدون إلى حد الآن. ومن المعروف أن هذه المسرحية كانت بمثابة أول عرض درامي تم تقديمه باللغة العربية بمنطقة الريف. والمسرحية كما هو معلوم من تأليف  الدكتور عبد الله عاصم ، وقد تم تشخيصها على خشبة السينما الإسباني بمدينة الدريوش  في  شهر يونيو من سنة 1956م ، وذلك من قبل مجموعة من شباب هذه المدينة الذين يتكونون من أكثر من اثني عشر فردا ، ومن هؤلاء: الدكتور عبد الله عاصم، والأستاذ سعيد الجراري، والأستاذ عبد السلام بوعنان، ومحمد بوعنان، والأستاذ الصغيّر الوكيلي ، وميمون الحقوني ، ومحمد الحقوني ، وعثمان عاصم، وأحمد البوفراحي، ومحمد المزوجي، ومحمد التمسماني، ومحمد التجاني.
ب- المسرح العربي المطبوع في منطقة الريف:
يعتبر الدكتور عبد الله عاصم من الكتاب الأوائل الذين بادروا إلى نشر نصوصهم المسرحية، حيث كتب مسرحية تاريخية واجتماعية في عشرة مشاهد بعنوان:” أبطال العدالة” في أكتوبر 1956م، وقدمتها الإذاعة المغربية على أمواج أثيرها في صيف 1963م. وكتب عبد الله عاصم أيضا مسرحية هزلية تحت عنوان” المشعوذ”، وغيرها من المسرحيات التي لم نتوصل بعد بها للتأكد منها…
وبعد ثلاثة عقود، ستظهر مجموعة من الإصدارات المسرحية ، مثل مسرحيتي بشير القمري:” رجعة ليلى العامرية” ، و” التنين” سنة 1991م ، ومسرحية عبد السلام بوحجر:” ملحمة القمر الأزرق(الصخرة السوداء)، وذلك عام 1993م ، ومسرحية :” السعادة” لمحمد شكري سنة 1994م.
أما في سنوات الألفية الثالثة، فقد صدرت مسرحيات عربية مطبوعة ، مثل: مسرحية :” ياقاضي القضاة” لبشير القمري سنة 2002م، ومسرحية:” الموت بالتقسيط” لخالد قدومي سنة 2009م ، و” نصوص مسرحية للصغار والكبار” لجميل حمداوي في نفس السنة .
ويعد بشير القمري من أكثر كتاب منطقة الريف إنتاجا في المجال المسرحي، حيث حقق تراكما كبيرا في هذا الميدان بمسرحيات عربية وأمازيغية، في حين يعتبر عبد الله عاصم أول من كتب مسرحية في منتصف الخمسين من القرن العشرين. ونرجو أن يبادر كل من سعيد الجراري وحسين القمري إلى طبع نصوصهما المسرحية ورقيا أو رقميا، وما أكثر هذه النصوص المسرحية التي تم إنتاجها منذ سنوات الستين من القرن الماضي إلى يومنا هذا!
q المسرح الأمازيغي المكتوب بمنطقة الريف:
يعرف المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف إشكالية ماهو معروض وماهو مطبوع ، فالمسرح الأمازيغي الريفي بقي لفترة طويلة غير منشور في الصحف والكتب، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية، وأسباب معنوية ومادية. بيد أنه مع سنوات الألفية الثالثة ، وفي فترة متأخرة بالمقارنة مع المسرح الأمازيغي السوسي، سيدخل مجال الطبع والنشر بشكل مقل ومحتشم إلى حد الآن.
أ- المسرح الأمازيغي المعروض بمنطقة الريف:
يعلم الكل أن المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف بدأ بشكل ارتجالي منذ السبعينيات من القرن الماضي، لينتقل إلى نصوص مسرحية فردية معروضة لم تدون ، ولم توثق توثيقا ورقيا أو رقميا. وبالتالي، لم تجمع في كتب مستقلة أو مؤلفات مشتركة إلى حد الآن. وبعد أن كان التأليف جماعيا مع مسرحية:” ءيرحاكد ءاميثناغ/ وصل ابننا” سنة 1978م، شارك فيها مجموعة من الممثلين كفخر الدين العمراني، ومصطفى بنعلال ، وفاروق أزنابط، ومحمد لحميدي، والعربي عبد العظيم،  ورشيد العبدي. وينطبق هذا الحكم أيضا على مسرحية:” ءيهواد أوكامباوي ءاثاندينت غارباسابورتي/ ذهاب البدوي إلى المدينة لتسلم جواز سفره” ، والتي تم تأليفها بشكل جماعي سنة 1979م. وقد شارك في إعدادها وتأليفها كل من محمد بوزرو، وعبد الإله اليزيدي، ومحمد العبدلاوي.
ومن أهم الكتاب المسرحيين الأمازيغيين الذين ساهموا في كتابة مجموعة من المسرحيات المعروضة بمنطقة الريف، بيد أن هذه المسرحيات كما قلنا سابقا لم تطبع أو تنشر في مطبوعات أو كتب مستقلة أو جماعية ، نذكر من هؤلاء المؤلفين المسرحيين: فؤاد أزروال، وأحمد الزياني، ومحمد الطلحاوي، ومحمد العوفي، وعبد الخالق كرابيلة، ورشيد الشيخ، وعمر بومزوغ، والطاهر الصالحي، وفاروق أزنابط، ومصطفى القضاوي، وبنعيسى المستيري، وأحمد زاهد، ومحمد بوزكو، وسعيد المرسي…
ب- المسرح الأمازيغي المطبوع بمنطقة الريف:
إذا كان أول نص أمازيغي  مطبوع بالمغرب هو نص مسرحي بلغة سوس تحت عنوان:” أوسان صميدنين/ الأيام الباردة” لعلي مومن الصافي سنة 1983م، فإن أول نص مسرحي مطبوع بمنطقة الريف لم يظهر إلا بعد عقدين من الزمن، وهو نص لبشير القمري تحت عنوان :” إيكليدن/ الملوك”، وذلك في  سنة 2002م. وبعده، سيظهر نص مسرحي آخر مطبوع لسعيد أبرنوس:” إيدير أمكسا/ Idir Amakssa / إدير الراعي” سنة 2007م، والمكتوب بالخط اللاتيني، والمثبت داخل كتاب:” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل” لمحمد  حمداوي.  وبعد ذلك، سينشر جميل حمداوي مسرحية أمازيغية مكتوبة باللغة العربية على غرار مسرحية :” إكليدن/ الملوك”  لبشير القمري، وتحمل هذه المسرحية  عنوانا تاريخيا رمزيا دالا:” نحن أحفاد ماسينيسا” ، ويعقبه محمد بوزكو بمسرحية:” واف/ الفزاعة” سنة 2009م، ويعد أول نص مسرحي أمازيغي مكتوب بالخطين اللاتيني وخط تيفيناغ، ويتبعه كذلك أحمد زاهد بطبع مسرحيته:” إمزران / الأماني” في نفس السنة بالخط اللاتيني. وسينشر بشير القمري سنة 2010م مسرحيته المكتوبة باللغة العربية:” أحيدوس”.
ويتضح لنا مما سبق أن ثمة ستة نصوص مسرحية أمازيغية مكتوبة ومنشورة في شكل أعمال درامية مفردة، أو في شكل أعمال مسرحية مشتركة كما هو حال نص :” إيدير أمكسا/ Idir Amakssa / إدير الراعي ” لسعيد أبرنوس.
ونلاحظ أيضا أن هناك تنوعا في الخطوط ، فهناك من استعمل الخط العربي، مثل: البشير القمري، وجميل حمداوي، وهناك من استعمل الخط اللاتيني مثل: سعيد أبرنوس وأحمد زاهد ، وهناك من زاوج بين الخط اللاتيني و خط تيفيناغ كمحمد بوزكو في مسرحيته:” واف Waf”.
وإليكم الآن مجمل محتويات هذه المسرحيات الأمازيغية وخصائصها الفنية والجمالية والفكرية:
1- مسرحية:” إيكليدن/ الملوك” لبشير القمري:
تعد مسرحية:” إكليدن/ الملوك”  لبشير القمري أول نص مسرحي درامي تم طبعه في كتاب مستقل سنة 2002م، وقد اعتمد الكاتب في كتابته على مجموعة من المراجع التاريخية القيمة المرتبطة بالفترة الرومانية القرطاجنية، ككتاب ” حرب يوغرطة”  للمؤرخ الروماني سالوست، وكتاب ” تاريخ شمال أفريقيا ” لأندري جوليان، وكتاب” التاريخ القديم لأفريقيا الشمالية ” لألبير عياش، وكتاب” تاريخ أفريقيا” للمؤرخين الروسيين: سافلييف وفاسيلييف، وكتاب” يوغرطة أو الرفض” لجميلة لحلو، وكتاب”تاريخ أفريقيا العام” من تأليف جماعي، وكتاب” يوغرطة من ملوك شمال أفريقيا وأبطالها” لمحمد فنطر…
ولم يقف بشير القمري في مسرحيته إلى حدود التأريخ والتوثيق الحرفي، بل مارس التخييل الأدبي والتاريخي عن طريق خلق مجموعة من الاحتمالات والافتراضات الممكنة. ويعني هذا أن ذات المبدع كانت حاضرة، والدليل على ذلك أن  الكاتب كان يدخل أمازيغية الريف في إدارة الحوارات،  والتنسيق بين الشخصيات من حين إلى آخر.
وعليه، فمسرحية ” إكليدن” عبارة عن ملحمة تاريخية ، أمازيغية الطرح، مكتوبة باللغة العربية، تصور الصراع الأمازيغي الروماني. وتنقل لنا صراع الملوك الأمازيغ فيما بينهم حول سلطة الحكم. وهكذا، تنقل لنا المسرحية أجواء الصراع بين صيفاقس وماسينيسا، فالأول يدافع عن قرطاجنة ، والثاني يدافع عن سلطة روما في شمال أفريقيا. و كان الرومان يستفيدون من الصراع المرير بين الإخوة الأمازيغ ، فيثيرون الفرقة الشائنة بين ملوكهم أيما إثارة، بغية إضعافهم ، وتمزيقهم شذر مذر، والاستعداد للسيطرة الكاملة على بلاد تامزغا. وهذا ما تحقق فعلا في الميدان، فقد دخل الرومان شمال أفريقيا ، فأذلوا أهلها تركيعا وتجويعا واستغلالا وإهانة وازدراء . بيد أن مجموعة من الثوار الأمازيغ لم يبقوا مكتوفي الأيدي، بل صعدوا الحرب ضد الرومان، ومن هؤلاء: يوغرطة الذي دخل في صراع مع ابن عمه مسيبسا حول أحقيته في تسيير دواليب حكم نوميديا . ومن هنا، دخل يوغرطة في حروب مريرة ضد الرومان. لكن الأمازيغ خانوه وباعوه للعدو ، ولاسيما صهره باخوس أو بوكوس مقابل توسيع سلطته ، والحصول على هبات مادية، والاطمئنان إلى رضى شيوخ روما.
وهكذا، يتبين لنا أن هذه المسرحية التاريخية الملحمية مبنية على ثنائية المقاومة والخيانة، وثنائية الانتصار والهزيمة، وترصد لنا التطاحن الكبير بين ملوك الأمازيغ حول السلطة والمرأة والمال. وتشير المسرحية كذلك  إلى أن الخيانة كانت من الشيم السلبية التي يتصف بها الإنسان الأمازيغي القديم، وهي العلة الأولى  التي جعلتهم إلى حد الآن لم يصبحوا بعد أمازيغيين وأحرارا حقيقيين.
وعليه، فمسرحية” إكليدن” لبشير القمري تشغل مجموعة من السجلات اللغوية كالعربية الفصحى، والدارجة المغربية، واللغة الأمازيغية الريفية لأهل الناظور، وذلك لخلق بوليفونية درامية متناغمة ومتصارعة. كما يستعين الكاتب  بالراوي  le chœur على غرار المسرح اليوناني الذي كان يقدم الفرجة الدرامية في كل أبعادها التشخيصية وتفاصيلها المشهدية.
بيد أن ما يلاحظ على هذه المسرحية أنها سقطت كثيرا في البعد التاريخي والتوثيقي على حساب البعد الفني والجمالي والتخييلي. كما أن الحوارات المشهدية طويلة جدا، من الصعب استثمارها على المستوى الركحي والميزانسيني .
وأتفق مع الكاتب على مستوى التجنيس بأن هذه المسرحية ملحمة تراجيدية ، لأن هذه المسرحية فعلا ملحمة تاريخية على مستوى التأطير الفني ، وذلك عبر إيراد مجموعة من المعارك الملحمية والمقاومات الباسلة، لكنها تنتهي جميعها بموت الملوك، وتوالي الفجائع والمآسي والهزائم والانكسارات التراجيدية الحزينة.
2- مسرحية : ” إيدير أمكسا/ Idir Amakssa ” لسعيد أبرنوس:
تنتمي هذه المسرحية التي كتبها سعيد أبرنوس إلى أدب الأطفال، وقد كتبت هذه المسرحية الناطقة باللغة الريفية بالخط اللاتيني في خمسة عشرة صفحة من الحجم الكبير(A4)، وقد نشرت سنة 2007م ضمن الكتاب الذي أعده محمد حمداوي تحت عنوان:” ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل”.
ومن المعلوم أن هذه المسرحية قد قدمتها فرقة  ثفسوين للمسرح الأمازيغي بالحسيمة في المهرجان الربيعي الثاني عشر لمسرح الأطفال بالناظورسنة 2006م، والذي تنظمه حركة الطفولة الشعبية بالناظور سنويا إبان فصل الربيع. ولقد أخرج هذه المسرحية الأمازيغية الطفلية  أحمد سمار.
هذا، وتنقلنا المسرحية إلى أجواء بادية الريف، حيث يوجد إدير الراعي المثقف بين قطيعه، متشبثا بأرضه وماشيته، يعيش حياة متواضعة قائمة على حب الطبيعة والحياة والعمل. وقد حصل إيدير على جائزة نوبل في الآداب على روايته:” الطريق إلى الشمس”، فأصبح معروفا مشهورا، وذائع الصيت في كل بقاع العالم. وعلى الرغم من هذه المكانة العالية،  لم يغتر ولم يتعال أنفة وتكبرا، بل كان قريبا من الناس والمجتمع والأطفال . ومرة، سيلتقي إدير بطفلين صغيرين: علي وأخته نادية، وكان يبحثان جادين عن الكنز قرب مكان يسمى تاسكلوت، وفي أيديهما خريطة تحمل في طياتها إشارات وعلامات توصلهم حيال صندوق الكنز . وكانا يعتقدان فعلا أنه مليء بالشيء الكثير من الذهب والفضة. وقد ساعدهما إيدير على  فتح الصندوق، ولما  نقب الطفلان في أعماقه، لم يجدا في داخله سوى كتب ثراثية قيمة حول المعرفة والفن والتاريخ والآداب والأشعار. فلم يلفيا في الحقيقة إلا كتبا هامة تتحدث عن أعلام الثقافة الأمازيغية، مثل: ماسينيسا، ويوغرطة، ويوسف بن تاشفين، والمهدي بن تومرت، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي…
وآنذاك، تعرف الطفلان حقيقة الكنز الموروث، وتأكدا فعلا أن الكنز الحقيقي للإنسان الأمازيغي هو العلم والتثقيف والاكتشاف، والاطلاع على حضارة أجداده التليدة،  ومعرفة تاريخهم النير، وسبر معارفهم الحقيقية، وتمثلها عبرة وعملا وسلوكا.
ومن هنا، فهذه المسرحية الطفلية الأمازيغية تربوية المبتغى، وتعليمية المنحى، وذات طابع المغامرة والاكتشاف، تحمل في جوهرها أبعادا رمزية هادفة، وتزخر برسائل ضمنية على المستوى الذهني والوجداني والحركي.
3- مسرحية:” نحن أحفاد ماسينيسا” لجميل حمداوي:
أصدر جميل حمداوي مسرحيته” نحن أحفاد ماسينيسا” سنة 2009م، وهي مسرحية تاريخية ملحمية ناطقة باللغة العربية، وتتضمن ثلاثة فصول تتحدث عن تاريخ أبطال المقاومة الأمازيغية قديما وحديثا ضمن لوحات مشهدية بطولية متنوعة. ففي الفصل الأول، يتحدث الكاتب عن ثلاث شخصيات أمازيغية تقاوم الرومان : ماسينيسا، ويوغرطة، وتاكفاريناس. ويتناول الكاتب في الفصل الثاني شخصيتين أمازيغييتن مقاومتين للوجود العربي، وهما: الكاهنة (ديهيا)، وكسيلة( أكسيل). أما الفصل الثالث ، فقد خصصه الكاتب لمقاومة محمد الشريف أمزيان ومحمد عبد الكريم الخطابي في صراعهما ضد التواجد الاستعماري الإسباني.
وما يلاحظ على هذه المسرحية أنها ذات طابع ملحمي تاريخي، ولكنها لا تحمل رؤية تراجيدية كمسرحية” أكليدن/ الملوك” لبشير القمري. كما أن المسرحية لم تقف عند خط التأريخ والتوثيق، بل مارس الكاتب التخييل الإبداعي، وذلك عن طريق البحث في الاحتمالات والافتراضات الممكنة.
ويلاحظ على الكاتب أيضا أنه كتب فرجة مسرحية يغلب عليها ديكور القصور والمشاهد الداخلية المغلقة. ويعني هذا أن لوحات المسرحية خاضعة للتصوير الداخلي أكثر مما هي خاضعة للتصوير الخارجي على مستوى الإخراج والسينوغرافيا والميزانسين. ويطغى على المسرحية كذلك الطرح الإسلامي في معالجة قضيتي” كسيلة ” و” ديهيا”.
4- مسرحية:” واف/ Waf” لمحمد بوزكو:
تعد مسرحية:” واف/ الفزاعة” لمحمد بوزكو أول نص مسرحي أمازيغي مطبوع لغة وروحا وخطا، وقد كتب بالخط اللاتيني وخط تيفيناغ. وقد صدرت هذه المسرحية الناطقة بأمازيغية الريف سنة 2009م عن مطابع الأنوار المغربية بوجدة. وتتكون هذه المسرحية القصيرة من ثلاثة فصول. وهي مسرحية رمزية ووجودية تناقش بعض الثنائيات الشائكة كالحياة والموت، والحب والكراهية، والوجود واللاوجود، واليأس والأمل، والنور والظلمة، والفرح والحزن… كما تتحدث عن الحقيقة الضائعة في هذا العالم الزائف والواهم.
وهكذا، يشخص الفصل الأول من المسرحية رجلا جالسا فوق حجرة الكيلومترات على قارعة الطريق ساخرا من الناس الذين يتسابقون مزدحمين في هذه الحياة العابثة. وقد كان هذا الرجل اليائس ينتظر سيارة لتودي بحياته العابثة المختنقة. وقد سئم  العيش في هذه الحياة المتناقضة الزاخرة بالمشاكل المستعصية إلى درجة الملل والكراهية والتشاؤم . وبالتالي، لم يقو على الاستمرار في هذه الحياة  الوجودية القاتلة ، وتمنى من كل قلبه لو لم ينجبه والداه، بدلا من هذا العذاب السيزيفي القاسي الذي يعيشه في هذه الحياة السوداء المنحطة المقرفة، والتي غابت فيها كل القيم الأصيلة الفاضلة، وغاب فيها الحب الرومانسي الحقيقي بعد أن افتقد عشيقته مازيليا التي تزوجت رجلا آخر لا تحبه.
بيد أن رجلا ثانيا سيفاجئه، وهو الرجل الفزاعة الذي يراقب الآخرين، ويعد أنفاسهم، ويثير الخوف والفزع فيهم، فيدخل في حوار فلسفي جدلي مع الرجل الأول ، مستفسرا عن هويته وحياته وحقيقته الشخصية، محاولا معرفة الأسباب التي تدفعه للموت والانتحار ، والتخلص من حياته العابثة. ولكن الرجل الفزاعة يمنعه من الموت ، لأن ليس كل من يرغب في الموت، له الحق في أن يموت، فالموت له آجال ومواعيد محددة . ومن هنا، يقدم الكاتب محمد بوزكو فلسفة وجودية لمعالجة إشكالية الحياة والموت، ولاسيما في المجتمعات التي تعاني من الإقصاء والصمت والقمع والقهر والتهميش والازدراء ، والتي يعاني فيها المرء من التعليب الرأسمالي ترقيما وتشييئا، ويحس فيها الكائن البشري بالوحدة والاغتراب الذاتي والمكاني تقزيما واستغلالا ومهانة واستيلابا.
ويبدو من خلال قرائتنا للمسرحية أن الرجل الأول سيموت في آخر الفصل الأول، وذلك  بعد أن دهسته سيارة مسرعة لتضع حدا لحياته المتشائمة.
ويسترجع  الرجل الأول في الفصل الثاني حياته العاطفية المثالية ، فيستحضر تجربته الرومانسية مع حبيبته مازيليا، والتي خرجت من منزلها للتو قصد البحث عن ابنها المرضي، لتلتقي أثناء ذلك مع عشيقها الأول. بيد أن هذه التجربة الغرامية تنتهي بالفشل الذريع، بعد أن زوجها أبوها لشخص آخر في سوق الحظ والمساومة، لا تكن له أي عطف أو حب.
هذا، وتستمر الذكريات بين الاثنين باسترجاع الأيام الحلوة السعيدة، إلى أن يفاجئهما الرجل الفزاعة، فيعكر صفو هذه السعادة الرومانسية الرائعة، فيهربان منه إلى مكان هادئ ، وذلك بعيدا عن الناس للمناجاة الوجدانية الرقيقة، واستكمال تجربة الحب العفيف. لكن الرياح الهائجة والعاصفة الرعدية ستلقي بالرجل المعشوق ميتا في وسط الطريق، بعد أن داسته السيارة المسرعة.
أما في الفصل الثالث من المسرحية، فنجد أنفسنا مع كاتب يفلسف ثنائية النور والظلمة، وثنائية الحياة والموت، وثنائية اليأس والأمل. فينقلنا الكاتب إلى فضاء المقبرة مع الرجل الفزاعة الذي كان يحرس الموتى، ويحدثهم عن تناقضات الحياة. إلا أن الرجل الأول سيباغته ، بعد أن خرج من قبره ، ليتقمص قناعا ساخرا كاريكاتوريا ، يخيف به حارس  القبور، و الذي سيهرب مسرعا ليختفي وراء فزاعته الوهاجة. وآنئذ، سيسمع الحوار الذي كان يدور بين هذا الرجل الميت المقنع والشاب ” أحوذري ” حول حقيقة الحياة ، وعمل الإنسان. فيتبين لنا أن واف، الرجل الثاني،  كان يستغل الناس، ويعتدي عليهم، ويخيفهم أيما إخافة بفزاعته المتوهجة، حيث استولى على نصيب الفقيه، واغتصب أراضي الآخرين، وكان يتتبع حركاتهم، ويعد أنفاسهم نفسا تلو الآخر، ويثير خوفهم وفزعهم ترغيبا وترهيبا، ويقتل في نفوسهم حب الأمل و الحياة .
ويعترف الرجل الأول للشاب ” أحوذري” بأنه بدوره كان يسمى باسم ” المرضي” إبان حياته الصاخبة، و أنه خسر عشيقته مازيليا بسبب المال والناس، فتزوجت من رجل لا تريده، ولا تميل إليه. في حين تعاتب مازيليا عشيقها الذي تركها وحيدة، ليهرب إلى الموت للتخلص من مشاكل الحياة. ومن ثم، يعدد الشاب بكل حماس مجموعة من الأماني المستقبلية، لكن الرجل الميت كان يسخر من هذه المتمنيات الافتراضية البعيدة، والتي يصعب تحقيقها في أرض الواقع، وأن الحياة  الإنسانية ماهي إلا مجرد وهم خادع وسراب زائف.
لكن الشاب لم يستسلم للآراء المتشائمة التي كان يتفوه بها الرجل الأول،  بل أعلن تفاؤله الكبير في التعامل مع الحياة، وإقباله عليها بجدية وحماس من أجل تغييرها نحو الممكن والأفضل. ولكن في آخر المسرحية، سيعلن كل من الرجل الأول  ومازيليا وابنها المرضي  قرارهم الجماعي الذي يتمثل في استبدال  حياة الظلمة الدامسة بنور النهار المشعة، وتعويض الكراهية بالحب، وغسل قلوب المرارة بأمل الحياة، والثورة على واقع الظلم، مع إسقاط كل رموزه الشائنة. وبعد ذلك، يسقط الثلاثة الرجل الثاني(واف)، فيردوه قتيلا. ثم ، يضعون الفزاعة فوق رأسه. وبعد ذلك، يعود الرجل الأول إلى القبر، لتقتعد مازيليا مكانا إلى جانبه، إلى أن يأتي إليها ابنها أحوذري، فيأخذها من يديها. ثم، يبتعدا عن القبر شيئا فشيئا. فتشتعل وراءهما الإضاءة الحمراء.
وهكذا، فمسرحية ” واف” لمحمد بوزكو مسرحية وجودية قائمة على العبث والسأم والانتظار ، تصور شخصية إشكالية عبثية تعاني من القلق واليأس والخوف والظلمة.  وفي المقابل، يستحضر الكاتب شخصية أخرى معاكسة تؤمن بالأمل والفعل والعمل ، ستقوم عبر مشاهد الفصل الأخير بتغيير الأوضاع المتردية ، وذلك عن طريق قتل الخوف والقمع والقهر والظلم في صورة الفزاعة المخيفة.
ومن هنا، فمحمد بوزكو في مسرحيته هاته قد وظف مجموعة من الرموز والأشكال الدرامية الاحتفالية، مثل: عروس القصب، والقناع، والبهلوان. كما شغل مجموعة من الأمثال والحكم والحكايات والخرافات والأشعار والأغاني الأمازيغية الريفية، فاستعان كذلك بالخطاب الفانطاستيكي القائم على التغريب والتعجيب، لينقل لنا عبر تخييل رمزي تجربة الألم والأمل، والتي طالما ما تناولها الأدب الأمازيغي بمنطقة الريف ، ولكن لكل مبدع في ذلك التناول مقاربات مختلفة ومتنوعة.
وعلى العموم، فمحمد بوزكو قد أخرج المسرح الأمازيغي من طابعه الواقعي الاجتماعي الكلاسيكي إلى طابع حداثي قائم على التجريد والترميز وفلسفة العبث والوجود، متأثرا في ذلك بالمسرح الوجودي والمسرح السريالي ومسرح اللامعقول.
5- مسرحية:” إمزران” لأحمد زاهد:
نشر أحمد زاهد مسرحيته” إمزران/ الأماني” في طبعتها الأولى سنة 2009م بالرباط، وقد قدمتها فرقة  ثيفاوين للمسرح الأمازيغي بالحسيمة، وقد أخرجها سعيد ظريف. ومن المعلوم أن هذه المسرحية قد نالت عدة جوائز قيمة في المهرجان الأمازيغي الأول للشباب المنعقد بالمركب الثقافي بالناظور ، والذي نظمته جمعية أزغنغان في يناير من سنة 2009م. ومن بين هذه الجوائز المسرحية: جائزة التشخيص لمحمد بن سعيد، وجائزة الإخراج لسعيد ضريف،وجائزة المهرجان.
وعلى أي، فالمسرحية تتحدث عن مجموعة من الرغبات والأماني والإرادات المتصارعة شعوريا ولاشعوريا فيما بينها تصادما وتناقضا. وهكذا، يتجمع أربعة أشخاص في مكان مقفر  لم يبق منه سوى جدار واحد يكاد يتهاوى ، يخفي وراءه حقائق رمزية كثيرة إيحاء وتناصا وتلميحا وتعريضا وتلويحا. و تعبر هذه الشخوص عن رغبات فلسفية واجتماعية ووجودية متناقضة، بل تحاول كل رغبة أن تقصي الرغبة الأخرى، وأن تفرض وجودها بمفردها على حساب الرغبات والإرادات الأخرى.
فالشخصية الأولى تسمى ” إيثري” التي تعبر عن رغبة الضوء، وتريد أن تعيش دائما في حياة النور، وأن تستمتع بأشعة الحقيقة النورانية والجمال النوراني، وتتمنى أن يزيدها الضوء نورا على نور، وذلك ليكشف ” إثري” الحقيقة البينة بدون رتوش زائفة . بينما يعبر ” أكو”  عن إرادة الظلمة، ويريد أن يتحول إلى ظلام دامس ليخفي تشوهاته ، ويستر عيوب الآخرين الذين فرطوا في مقومات حضارتهم الأصيلة، فأغفلوا ثقافتهم الأمازيغية. ثم ، تناسوا هويتهم وكينونتهم التليدة. ويحاول ” أكو” أن يغرق ” إثري” في الظلام لكي لا يظهر ضوؤه النير، فيكشف حقائق الوجود العابسة والكينونة الضائعة.
أما ” ابن تومرت” الشخصية الثالثة في المسرحية ، فيستغرق في الضحك العارم، وهستيريا الهذيان والجنون، منتقدا بشكل صارخ وحاد الذين أقبروا هويتهم الأمازيغية، وعاشوا حياة جديدة بمقاس حياة الشعوب الأخرى، فأصبحوا أناسا مزيفين ومشوهين ، يتنكرون لتاريخهم وحضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم الموروثة. في حين نجد “أمشوم” يلتجئ إلى البكاء ليفزع الآخرين، ويعاكس ” ابن تومرت” ورغبته في الضحك. وبالتالي، ف”أمشوم ” يبكي ضياع الهوية والكينونة، ويصرخ في وجه الذين أصبحوا مجرد أقنعة زائفة وواهمة ، وتحولوا إلى كراكيز مخدوعة ومستلبة.
وهكذا، نلفي فوق الركح المسرحي أربع إرادات متناقضة ومتصارعة شعوريا ولاشعوريا( النور، والظلمة، والضحك، والبكاء). كل رغبة متصادمة مع الأخرى، تريد أن تستفرد بأمانيها وطموحاتها ومتمنياتها الدفينة والظاهرة على حساب الرغبات الأخرى. لكن هذه الرغبات المتصارعة ستتوحد لانتخاب شخصية خامسة، وهي شخصية “أمزيبي” اللعينة. وهكذا، يدخل “أمزايبي” في اللعبة الانتخابية الخسيسة، فيعد الأربعة بتحقيق رغباتهم وتمنياتهم الشخصية، ولكن بشرط أن ينتخبوه على ذلك بغية خدمتهم ، وإشباع رغباتهم الجلية والمضمرة. ولكن بمجرد  الظفر ببطاقة الفوز، تغير ” أمزايبي”، فأصبح شخصا شرها يشبع رغباته الشخصية التي تتمثل في الحصول على السلطة والمال، وإذلال الآخرين والتحكم في رقابهم إذلالا وإهانة وازدراء. ومن هنا، ينتظر الأشخاص الأربعة من سينقذهم من تلك الورطة الموجعة، فلم يجدوا سوى رجل في منظر متصوف راهب يظهر الخشوع والجلال والعرفان. بيد أنهم سيكتشفون بعد أن أزالوا عنه القناع أنه هو نفس الشخص المحتال  “أمزايبي”. لكن سينصحهم ملاك الحرية في الأخير بالاعتماد على الذات، وعدم التواكل على الآخرين، والابتعاد عن الفرقة والتمزق والتطاحن حول أتفه الأسباب، وتعويض ذلك بالعمل الجاد المفيد والمثمر، واستثمار الذات أحسن استثمار في بناء الكينونة، والحفاظ على الهوية، ونشدان الحرية والجمال والفضيلة والسعادة الدنيوية والأخروية.
وعليه، فالمسرحية في الحقيقة تتحدث عن تناقضات المجتمع المغربي على جميع النواحي والأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتركز بالخصوص على الجانب السياسي، وتصور شخصية “أمزايبي” تصويرا مقرفا، وذلك عن طريق تشغيل خطاب السخرية والفكاهة والنقد والكوميديا الصارخة. ويعني هذا أن أحمد زاهد يستعمل الكوميك الصادم لانتقاد الأوضاع السياسية المهترئة بالمغرب.
وهكذا، يسلط أحمد زاهد أضواءه النيرة والساطعة على رصد “أمزايبي”، الذي يتقدم للانتخابات السياسية الزائفة، ويحاول تقديم برنامجه السياسي الواهم، عبر تقديم مجموعة من الوعود الحالمة والأماني الخادعة لدغدغة عواطف الجماهير، ومحاولة استغلال ثقتهم بجميع الوسائل سواء أكانت شرعية أم غير شرعية. كما أنه يدين الرغبات الشخصية الدنيئة والمتصارعة من أجل تحقيق المصالح الدنيا ، وذلك على حساب المصالح الشريفة والفضائل الجليلة والمقاصد الكبرى.
6- مسرحية:” أحيدوس” لبشير القمري:
يصيغ بشير القمري فرجته المسرحية” أحيدوس” في ثلاثة فصول متآلفة على غرار تركيبة الموشح أو رقصة أحيدوس: الاستهلال والاستغراق والخرجة. كما يقيم هذه الفرجة المسرحية على البوليفونية اللغوية: الفصحى، والدارجة، والفرنسية، والإسبانية، والريفية. وترد هذه المسرحية في قالب فردي مونولوجي أو مناجاة شعورية ولاشعورية قائمة على الهذيان والتردد والجنون على غرار مسرح اللامعقول أو المسرح السريالي أو المسرح العابث.
هذا، وتقدم المسرحية إيقاعا باروديا بوليفونيا قائما على السخرية والفكاهة والتهجين والأسلبة ، وذلك من خلال انتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والثورة على الواقع الكائن السائد بوعييه: الزائف والقائم، مع استشراف واقع أفضل وممكن .
وهكذا، يسخر الكاتب من التناقضات السياسية التي يزخر بها مجتمعه المنحط على جميع المستويات والأصعدة، وينتقد الأحزاب السياسية البرجماتية التي لا هم لها سوى خدمة مصالحها الشخصية، وتحقيق أهدافها الأيديولوجية الواهمة. كما يشير الكاتب إلى الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي، ويلمح إلى عمليات التعذيب والتفتيش، والإشارة إلى الاعتقال السياسي غير المشروع، ومصادرة حقوق الإنسان الخاصة والعامة. كما يزدري الكاتب الفرجات البرلمانية الزائفة ، ويتهكم من الرقصات السياسية الأحيدوسية، وينعى الإنسان  والمثقف والمجتمع على حد سواء. ويعرض الكاتب أيضا بسياسة الإقصاء والتهميش والاستغلال، وينتقد الهرمية الاجتماعية المصطنعة التي يتقابل فيها الأسياد والعبيد، والأغنياء والفقراء. ومن ثم، يصبغ الكاتب على مجتمعه صفات مشينة، مثل: الكذب، والنفاق، والغش، والرشوة، والتزوير، والزيف، والفساد، والتدليس… إلى جانب حالات تراجيدية مفلسة كالبطالة، والفقر، والمرض، والجهل، والأمية، والتجويع، والقهر، والقمع…
وعليه، فالمسرحية سياسية الطرح،  يستخدم الكاتب فيها الدارجة المغربية الممزوجة بالسجلات اللغوية الأخرى المساعدة ، وذلك لتأليف سيمفونية تراجيدية تنعى المجتمع المغربي في شتى مجالات الحياة، وتعزف إيقاعا جنائزيا حزينا يضرب نقراته الموجعة ، قصد نسج صراع درامي إنساني متوتر ومتموج بالفجائع والمآسي والانكسارات الدامية.
تركيب:
ونخلص من كل هذا إلى أن المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف مازال مسرحا غير منشور ولا مطبوع في كتب مفردة مستقلة أو كتب جماعية مشتركة ، بل ارتبط  هذا المسرح أيما ارتباط بالخشبة الميزانسينية والعرض الركحي، ولم ينتقل بعد إلى رفوف المكتبات الورقية والرقمية أو الأقراص الممغنطة. ولم يدخل بعد حيز النشر والطبع. فلا نملك من المطبوع والمنشور سوى ستة نصوص مسرحية ليس إلا، وهذا عدد قليل وغير كاف للحديث عن نصوص مسرحية أمازيغية مطبوعة ومدونة، يمكن الاعتماد عليها أو نجعلها متونا للدراسة والتحليل والتفكيك سواء في الحقل النقدي أو الحقل الثقافي أو الحقل التربوي والديداكتيكي. ولكن، يمكن الحديث في المستقبل القريب عن مسرحيات الأقراص، والمسرحيات الرقمية، ومسرحيات الكتب.
بيد أن هناك مشاكل عويصة تتعلق بالمسرح الأمازيغي المكتوب بمنطقة الريف تتعلق بالكتابة واستعمال الخط. فهناك من يستعمل الخط العربي ، وهناك من يفضل الخط اللاتيني، وهناك من يعجبه خط تيفيناغ. وهنا أدعو كافة المبدعين الريفيين وكتاب المسرح الأمازيغي أن يستعملوا الخطوط الثلاثة جميعها ، وذلك لتسهيل عملية القراءة على المتقبل الراغب في الاطلاع على المسرح الأمازيغي الناطق بالريفية، وأيضا لإرضاء أذواق الجماهير من مختلف الفئات سواء أكانت متعلمة أم غير متعلمة. فلقد لاحظت بأن الخط اللاتيني بقواعده الإملائية يثير صعوبة كبرى على مستوى متابعته سطرا فسطرا، وقراءة المسرحية على ضوئه بخصائصه اللسانية المعقدة. أما خط تيفيناغ، فمازال الناس لم يتمثلوا هذا الخط جيدا. لذا، أفضل أن نستعمل كل الخطوط الثلاثة المعروفة لكتابة مسرحنا الأمازيغي بمنطقة الريف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.