بعد التراجع 25 عاما إلى الوراء في مستوى تحصيل تلامذتنا في العلوم، هل تحدث الصدمة التربوية؟    رسمياً.. الأمن الوطني يقدم جميع خدماته الإدارية للمواطنين عبر موقع إلكتروني    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    ريال مدريد يتوج بكأس القارات للأندية لكرة القدم    فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور            الولايات المتحدة.. الاحتياطي الفدرالي يخفض سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة خلال 2024    الرئيس الموريتاني يحل بالمغرب في زيارة خاصة    ما هي التحديات الكبرى التي تواجه القيادة السورية الجديدة؟    الملك يعزي الرئيس ماكرون في ضحايا إعصار تشيدو بأرخبيل مايوت    برعاية مغربية .. الفرقاء الليبيون يتوصلون إلى اتفاق جديد في بوزنيقة    حجز آلاف الأدوية المهربة في مراكش    النقض يرفض طلب "كازينو السعدي"    وزير الخارجية الشيلي: العلاقة الشيلية المغربية توفر إمكانيات كبيرة للتعاون    الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يخضع للرقابة بسوار إلكتروني لمدة سنة بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ    فرنسا تقيم الخسائر بعد إعصار مايوت    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    الرجاء يستجدي جامعة كرة القدم لمساعدته في رفع المنع من التعاقدات    مؤجلات الجولة 31 من الدوري الاحترافي .. الوداد ضيف ثقيل على الجيش الملكي بالقنيطرة والكوديم يتحدى نهضة بركان    تألق رياضي وتفوق أكاديمي للاعبة الوداد الرياضي سلمى بوكرش بحصولها على شهادة الدكتوراه    النقيب عبد الرحيم الجامعي يراسل عبد الإله بنكيران حول بلاغ حزبه المتعلق بعقوبة الإعدام    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    حزب العدالة والتنمية يواجه رئيس الحكومة بتهم تنازع المصالح بعد فوز شركته بصفقة تحلية المياه    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    فاس.. انطلاق أشغال الدورة العادية السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة    الناظور.. ارتفاع معدل الزواج وتراجع الخصوبة    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    المغرب يتجه نحو الريادة في الطاقة المتجددة... استثمارات ضخمة    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرحية الأمازيغية ” ءارماس” على ضوء المقاربة السيميوطيقية
نشر في أريفينو يوم 16 - 03 - 2010

الدكتور جميل حمداوي / عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح
توطئة:
عرضت بالمركب الثقافي بالناظور يوم السبت 13مارس 2010م مسرحية أمازيغية ناطقة باللهجة الريفية. والنص كما هو معلوم من تأليف الكاتب المسرحي المتميز أحمد زاهد، وإخراج الأستاذ فخر الدين العمراني، والذي يتوفر – كما هو معلوم- على تجربة ثلاثين سنة من البحث والاشتغال والعطاء في مجال الفعل المسرحي والميدان الدرامي تمثيلا وتأطيرا وتدريبا وإخراجا باللغتين: العربية والأمازيغية. كما أن السينوغرافيا من وضع الأستاذ محمد العمالي، والأزياء من صنع الفنان عبد السلام بوكلاطة. وتعود الإضاءة إلى مصطفى الخياطي. بينما تكلف محمد أمين الإدريسي بتوضيب الموسيقى. أما التمثيل والتشخيص، فقد كان من نصيب : لويزة بوسطاش ، و رشيدة بوبوش ، و دنيا الحميدي ، وفاتن الحسيني ، وسعيدة العروسي ، ومحمد كمال المخلوفي ، وعبد الواحد الزوكي ، و رفيق برجال ، وعلاء البشيري ، ومحمد التعدو، و جبران ملوكي، ومحمد العشاش.
ويلاحظ أن هذه المسرحية قد اتبعت في منحاها الإخراجي الطريقة البريختية على صعيد التوثيق والتسجيل ، وتكسير الجدار الرابع ، وتسييس الموضوع المعطى. كما ارتكنت المسرحية أيضا إلى نظرية المسرح الشامل في بناء الميزانسين على مستوى التشكيل والتأثيث والتمثيل والتحبيك الدرامي. إذا، ماهي مميزات هذه المسرحية الأمازيغية على مستوى الرؤية الفنية والجمالية؟ وماهي مكوناتها الدراماتورجية وسماتها الشكلية على ضوء المقاربة السيميوطيقية؟
1- مرحلة تفكيك العرض المسرحي:
 العوامل الدرامية:
استعان المخرج فخر الدين العمراني في تشكيل عرضه المسرحي ” أرماس” ميزانسينيا بمجموعة من العوامل والممثلين المقتدرين الأكفاء كمحمد التعدو ، وعبد الواحد الزوكي، ومحمد العشاش، ومحمد كمال المخلوفي، ولويزا بوستاش. أما باقي الممثلين ، في الحقيقة ، فقد كانوا مبتدئين تنقصهم الكفاية التشخيصية والقدرات التمثيلية. إذ، يظهرون على خشبة الركح أنهم لم يتلقوا تدريبا كافيا . وبالتالي، لم يمتلكوا تقنيات حرفية ملائمة تؤهلهم لممارسة الفعل المسرحي. لذا، كان تشخيصهم فوق خشبة الركح متعثرا ومرتبكا وباردا ورتيبا وسطحيا. بل منهم من لا يعرف اللغة الأمازيغية أصلا، فقد كانت حواراته مختلة وغير فصيحة كما لدى الممثل جبران ملوكي. ومن هنا، فالمسرحية يتحكم فيها منطق معين من الحالات والتحولات ، حيث يرتكز العرض دلاليا على امتلاك فضاء رماس بطريقة فردية كما هو شأن الفنان ” أمذياز” ، والذي أراد أن يحول رماس إلى فضاء للفن والإبداع لتوحيد كلمة الأمازيغيين، وجمع شملهم . أو يمتلكونه بطريقة جماعية ، فيتحكم الكل في فضاء رماس ، ليصبح بمثابة فناء ” رمراح” للجميع من أطفال ورجال وشيوخ ونساء يلعبون فيه، أو يروون فيه القصص والحكايات والأحاجي، أو يجعلونه مكانا للترفيه والتسلية أو ساحة للعب الأطفال .
بيد أن هذا الفضاء الأمازيغي الأصيل ، سيسيطر عليه الأعداء الأجانب عنوة واغتصابا، فيطردون أصحابه بالقوة والعنف والجبروت، وسيجعلونه ملكا لهم. ولكن في الأخير لا يستطيعون أن يمكثوا فيه مدة طويلة، فسرعان ما سينسحبون تحت ضربات المقاومة والجهاد في سبيل الدين والوطن والهوية. وبعد أن يطرد الفنان الأمازيغي من فضاء رماس تحت تهديد الجماعة ، والذي كان يحرس فضاء رماس ليلا ونهارا ؛ بسبب انشغاله بفنه طول الوقت، ستقع كثير من السرقات في هذا الفضاء الحميمي، فيقترح الجميع إرجاع الفنان الملتزم الواعي بأمور الساكنة ، والذي يحمل غيرة كبيرة على الهوية والكينونة والإنسية الأمازيغية داعيا إلى نبذ التفرقة ، وناصحا إخوانه بالتشبث بالوحدة والعمل والأمل.
ويمكن تشخيص هذه المسرحية حدثيا في الحالات والتحولات السيميائية التالية، مع العلم أن علامة الاتصال هي 8، وعلامة الانفصال هي: 7، وعلامة التحول هي: ←:
1- الفنان 8 فضاء رماس← الفنان 7 فضاء رماس؛
2- الجميع 8 فضاء رماس← الجميع7 فضاء رماس؛
3- العربي والأجنبي 8 فضاء رماس← العربي والأجنبي 7 فضاء رماس؛
4- الجميع 8 فضاء رماس← الفنان والجميع 8 فضاء رماس.
يتبين لنا من خلال هذه الحالات والتحولات الدرامية أن فضاء ” رماس” عاد للجميع ، بعد أن انتزع من الغزاة والأجانب، وبعد أن طرد منه الفنان المثقف الواعي، ليعود إليه راكبا ظهر الحصان ، منتصرا بمبادئه المثلى ، محاطا بالعظمة والإجلال من قبل الجميع ، ليكون صوتهم الذي يمثلهم، وينوب عنهم، ويتحمل مسؤولياتهم الجسيمة ، مدونا إياها في صفحات التاريخ.
أما على مستوى البنية العاملية، فنستحضر على مستوى التواصل العامل المرسل الذي هو التشبث بالهوية الأمازيغية ، والتي يمثلها رمزيا فضاء رماس. أما المرسل إليه فيتمثل في الأمازيغيين الريفيين. أما على مستوى الرغبة ، فالذات البطلة تتمظهر في الفنان المايسترو، والموضوع المرغوب فيه هو تأليف أغنية المستقبل للأمازيغيين، قوامها التغني بالوحدة والدفاع عن الكينونة الوجودية للأمازيغيين.
وإذا انتقلنا إلى مستوى الصراع، فممساعد الفنان هو فنه ووعيه وبعض أصدقائه المحبين، أما المعاكس فهم الأطفال والشيوخ والعجوز ” حانا حادة”.
أما المربع السيميائي الذي يتحكم في المسرحية ، فيتمثل في ثنائية الوجود والضياع. ويمكن توضيح العلاقات المنطقية على الشكل التالي:
1- علاقات التضاد: الوجود والضياع؛
2- علاقات شبه التضاد: اللاوجود واللاضياع؛
3- علاقات التناقض: الوجود واللاوجود، والضياع واللاضياع؛
4- علاقات التضمن: الوجود واللاضياع، والضياع واللاوجود.
الضياع الوجود
اللاوجود اللاضياع
ويعني هذا أن المسرحية دعوة إلى الحفاظ على الهوية والكينونة والأصالة والإنسانية ، وعدم التفريط في مقومات هذه الكينونة الوجودية، والتي بضياعها يضيع الإنسان الأمازيغي، ويندثر بشكل نهائي وجوديا وحضاريا وتاريخيا واجتماعيا وثقافيا.
 الخشبة الركحية:
قسم المخرج فخر الدين العمراني الخشبة الركحية إلى ثلاث مناطق أساسية،وهي : المنطقة العلوية، فقد جعلها للديكور ( المنزل، والحديقة، وشجرة الصبار) ، والمنطقة الوسطى فقد جعلها حلبة للصراع الدرامي ، مع تأثيث المنطقة اليمنى منها بالشجرة و”الكركور ” (جدار) من الحجار، وتأثيث اليسرى منها بكوم من التبن. أما المنطقة السفلية فقد جعلها للتخاطب مع الجمهور ، كما كساها أيضا بمجموعة من النباتات المؤشرة على فضاء رماس في فصل الربيع. ويعني هذا أن خشبة المسرح مليئة بقطع الديكور ، ومحشوة بشكل غير منظم؛ مما جعل الممثلين يجدون مجموعة من العراقيل والمشاكل على مستوى التموقع والتنقل والتحرك بكل حرية وطواعية. وكان من الأحسن أن يحذف المخرج بعض الديكورات الزائدة وغير الوظيفية كشجرة الصبار و” الكركور”، وأن يوسع دائرة اللعب والتمثيل. وربما تكون خشبة المركب الثقافي بمدينة الناظور غير مؤهلة بدورها لتستوعب مثل هذا النوع من المسرحيات ذات الديكور المكثف؛ لأنها قاعة واسعة من حيث الطول، ولكنها ضيقة من حيث العرض والعمق.
 التموقع فوق الخشبة المسرحية:
من المعروف أن الممثل يمكن أن يتموقع دراميا في الوسط للتأشير على صراع الحاضر، أو في منطقة الفوندو للإحالة على الماضي واسترجاع الذكريات، أو التموقع في المنطقة السفلى للتبشير بالمستقبل ، أو الحوار مع الجمهور بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهكذا، وجدنا العوامل الدرامية والقوى الفاعلة تتموقع دراميا في وسط الخشبة المسرحية لتقديم خطاباتها وبرامجها السردية والحوارية والحركية في صراع مع بعضها البعض. ولكن في بعض الأحيان كان الممثلون لا يحترمون المواقع الدرامية جيدا ، وخاصة في مقدمة المسرحية التي بدت رتيبة ومملة ؛ وذلك بسبب كثرة الوقفات الصامتة والفراغات البيضاء. وكان البعض الآخر يتموقع في المناطق الهامشية من الخشبة الركحية ، وذلك لنسج مرويات وحوارات ومنولوجات لخدمة الحدث الرئيس. ولكن أحسن تموقع للممثلين كان في المشهد الثاني من المسرحية، وأسميه مشهد الراديو، وأيضا في المشهد الأخير ألا وهو مشهد النهاية، ورجوع الفنان إلى فضاء أرماس ، وتقديم آخر وصلة غنائية ، وآخر رقصة فولكلورية في العرض المسرحي.
وكان الممثلون ينتقلون ويتحركون فوق الخشبة الركحية أفقيا للدخول في صراع مشحون ومتوتر دراميا، وعموديا للهروب والاتساع والانفتاح، وتقطاعيا للتعبير عن تداخل الرغبات والقيم، ودائريا للتلميح إلى الهذيان والانغلاق والطيش، وكل ذلك كان يتم بإيقاع سريع تارة في اللوحة الثانية، وبإيقاع بطيء تارة أخرى في اللوحة المشهدية الأولى .
ويتبين لنا من كل هذا أن الممثلين كانوا يتأرجحون بين المنطقة الدرامية الوسطى والمثلث الدرامي ، مع تشغيل الأجنحة اليمنى واليسرى لتقديم الأحداث، وتأجيج الصراع بين الممثلين. بيد أن رقعة التموقع كانت في مساحة ضيقة من ركح مستطيل مكثف بالقطع الديكورية المعرقلة للشخصيات الدرامية في غالب الأحيان.
 تركيب المسرحية:
تتركب المسرحية في جوهرها من ثلاثة فصول رئيسية ومجموعة من المشاهد والمناظر الثابتة. ويمكن توزيع الفصول إلى ثلاث متواليات مقطعية: متوالية التعرف على فضاء رماس، وتملكه من قبل الفنان. ومتوالية طرد الفنان والغزاة من الفضاء. ومتوالية إرجاع الفنان من قبل الجماعة إلى رماس مرة أخرى. ويتكون كل فصل أو متوالية من مجموعة من المشاهد الطويلة. ويتغير الفصل بتغير الإضاءة وبعض قطع الديكور. وكان التغيير يتم بطريقة مختلة وخاطئة، وبدون تقديم أو تشغيل للفواصل الموسيقية. وهنا، ينبغي للمخرج في المستقبل أن يفكر جيدا كيف يجد الحلول الفنية والجمالية للفواصل والتوقفات لتغيير الديكور، وذلك بتشغيل الموسيقى أو استعمال الإضاءة للتعتيم أو التبئير ، أو البحث عن حلول أخرى مناسبة ومواتية للعرض المسرحي المحكم.
وإذا تأملنا المسرحية جيدا، فإننا نجد ثلاث لوحات درامية متعاقبة، لوحة المقدمة ولوحة العرض ولوحة النهاية. فإذا كانت لوحة الوسط ، والتي أسميها بلوحة الراديو، لوحة فنية جيدة وتحفة مسرحية رائعة ، فإن ذلك يعود إلى الفنانين القديرين عبد الواحد الزوكي ومحمد كمال المخلوفي اللذين استطاعا أن يقنعا الجمهور بملامح وجهيهما المتحركين بشكل جيد. وهنا، أقول بأن الممثل عبد الواحد الزوكي من أروع الممثلين في منطقة الريف مسرحيا وسينمائيا، وله باع كبير في نجاح المسرحية، ولو لم يكن هذا الممثل إلى جانب كمال المخلوفي و محمد التعدو لفشلت المسرحية فشلا ذريعا . لأن باقي الممثلين غير مؤهلين للعب المسرحية، وذلك باستثناء لويزا بوستاش. والسبب في ذلك أن المخرج لم يختر الشخصيات حسب مؤهلاتهم المسرحية، بل اختارهم على ضوء معايير أخرى غير علمية ولا فنية ولا جمالية . وكان عليه أن يختار الطيب المعاش وعبد الله أنس وطارق العاطفي ، ويختار شخصيات نسائية أخرى لها تجربة احترافية كسميرة المصلوحي ووفاء مراس . ولو اختار هؤلاء لكانت المسرحية فعلا تحفة فنية رائعة في منطقة الريف. ونقول كل هذا الكلام ؛ لأن العرض بدأ بمقدمة مسرحية ضعيفة مملة ورتيبة، ولم ينجح محمد التعدو في إقناعنا بعرضه الفني والجمالي كما في الحلقة الثانية مع عبد الواحد الزوكي ، وذلك بسبب تموقعه بين ممثلين ضعاف لا علاقة لهم بالمسرح لا من قريب ولا من بعيد. لأن المخرج كما قلنا سابقا لم يحسن اختيار الممثلين على ضوء معايير فنية وتشخيصية ، بل اختار مجموعة من الممثلين لا يعرفون الأمازيغية أصلا. لذا، جاء حوارهم غامضا وغير مفهوم.
أما الخاتمة المسرحية، فنلاحظ فيها شيئا من المتعة الفنية والجمالية برقصاتها الفلكلورية والغنائية. وأتمنى أن يعيد المخرج فخر الدين العمراني تركيب المقدمة بشكل محكم ومتقن، ومعالجتها دراميا من جديد ، وذلك بالاعتماد على ممثلين أكفاء جدد ، واستبعاد الباقي، ناصحا إياهم بأن يتعلموا المسرح نظرية وممارسة.
والمقصود من كل هذا أن مشهد الراديو ومشهد الخاتمة مشهدان ناجحان ، أما مشهد المقدمة بما فيها اللوحات الرقمية والسينمائية المستجدة ، فهي ضعيفة فنيا وجماليا ، وتحتاج إلى معالجة درامية جديدة، وذلك بإبعاد المنولوجات السلبية، وتسريع إيقاع الحوار، والابتعاد عن الصمت والفراغ والبياضات المملة.
 الإضاءة المسرحية:
اشتغلت المسرحية المعروضة في البداية على إضاءة ساطعة عامة ، وذلك رغبة في نقل فضاء “رماس” بكل معالمه الهندسية والسينوغرافية ، وتحديد تقاسيمه المكانية والجغرافية، وتبيان خصائصه الفنية والحضارية والاجتماعية، ورصده بكل علاماته الرمزية المباشرة وغير المباشرة، والتقاط مؤشراته السيميولوجية ، وإضاءة علاماته الدلالية ، وذلك للتعبير عن الهوية الأمازيغية والكينونة المحلية الأصيلة، والتدلال على أن فضاء رماس يشكل الأرض والحياة والوجود والبقاء للإنسان الأمازيغي. وبالتالي، فهو فضاء للجميع، وملك للكل، ويؤشر على الوجود الحقيقي للإنسان الأمازيغي الريفي. ومن ثم، ينتقل التقني المتخصص في الكهرباء مصطفى الخياطي إلى استخدام الإضاءة المركزة الخاصة أو المبئرة الساطعة ، وذلك لتنوير أمكنة ركحية معينة من الخشبة المسرحية سواء أكانت في الوسط الدرامي أو في أطرافه الهامشية المحاذية لجهة الملعب أو جهة الحديقة، أو الواقعة في جهة الفوندو أو الجهة السفلية المحاذية للجمهور. وهناك أيضا الإضاءة التموجية التي صورت لنا مجموعة من الرقصات الجنونية للفنان المايسترو ، والذي كان يؤلف مسرحية السنة لزوار فضاء رماس. ونلاحظ أيضا رقصات نسائية أنتروبولوجية أمازيغية طوطمية وطابوية تحوم حول الميت ، وذلك لبعث الحياة فيه ، ومحاولة إيقاظه من جديد ليعود إلى روحه السحرية النابضة الأولى.
هذا، ولقد استعمل تقني الكهرباء مجموعة من الإضاءات السياقية من خلال تحريك عاكسات الإضاءة أو البروجيكتورات ، والتي كانت تعكس أضواء مختلفة بيضاء وحمراء وصفراء وبنفسجية ، وذلك حسب المواقف الدرامية التراجيدية والكوميدية . وتتسم بعض هذه البروجيكتورات بكونها عاكسات ضوئية عمودية مستقيمية أو مائلة منحرفة. وإلى جانب ذلك، فلم تكن هناك إضاءات أرضية مثبتة على الخشبة الأمامية من الركح كما رأينا في الكثير من العروض المسرحية الأمازيغية. لذا، اكتفت هذه المسرحية الأمازيغية بالإضاءة الفوقية فحسب.
وتتأرجح هذه الإضاءات المتنوعة سيميولوجيا بين الحياة والموت، والحب والكراهية، والتجاذب والتنافر، والسلم والحرب ، والتعايش والعدوان ، والإيثار وحب التملك...
ولكن المخرج لم يشغل الإضاءات النوعية الأخرى تقنيا وسيميولوجيا ، كالتأرجح بين الألوان الباردة والساخنة بشكل جيد ، وذلك لخلق المشاهد الدافئة والرومانسية أو التعميق في تصوير الأحداث الدرامية كمشهد القتل.
وبناء على ما سبق، فقد وظف المخرج الإضاءة العامة ، والإضاءة الخاصة ، والإضاءة التموجية، والإضاءة التصويرية، والإضاءة الموحية ، وذلك للتعبير عن دلالات العرض المباشرة وغير المباشرة ، ورصد أبعاده الموضوعية والمرجعية.
 الديكور و السينوغرافيا:
يمكن القول بكل صراحة وموضوعية بأن المسرحية نجحت من حيث الديكور والسينوغرافيا، فقد استطاع الأستاذ محمد العمالي أن يؤثث خشبة المسرح بمجموعة من القطع المتنوعة ، والتي تعبر عن سينوغرافية واقعية موحية ومعبرة ، وإن كان هذا الديكور في الحقيقة ذا وظيفة تأطيرية وتصويرية تفسر أحداث المسرحية، وتحيل على فضاء رماس بكل دلالاته السطحية والثاوية ، وتحمل علامات نصية ومرجعية وإيديولوجية.
بيد أن بعض القطع الديكورية بقيت غير وظيفية، ولم تشغل بشكل جيد، لتشحن بالأحداث الدرامية كشجرة الصبار مثلا، بل تحولت عناصر من هذا الديكور في كثير من الأحيان إلى معيق يحول دون تحرك الممثلين تحركا جيدا فوق خشبة الركح، مثل: أكوام التبن، والكركور، والشجرة. أي كان على المخرج والسينوغراف معا التفكير في الاقتصاد على مستوى التأثيث تخييلا وإيهاما ، وذلك عن طريق البحث عن جداريات ولوحات تشكيلية تصور لنا فضاء رماس بشكل إيحائي ورمزي أكثر من تصويره بشكل مادي مجسم ، وكل ذلك من أجل توسيع رقعة الخشبة لتوفير مساحة كافية للممثلين لكي يقدموا فرجتهم المسرحية في أحسن الظروف والأحوال.
وعلى الرغم من هذه الملاحظات الهينة، فإن السينوغرافيا كانت موفقة وناجحة بظلالها وألوانها وأضوائها . كما أن السينوغرافيا السينمائية نجحت أيضا في تقديم وثائقها التسجيلية حول مشهد الجريمة وأحداث الثورة الريفية، وذلك على الرغم من وجود اختلالات تقنية على مستوى الانعكاس الأوتوماتيكي . فقد استطاعت هذه الرؤية التوثيقية السينمائية في جذب المتفرج ، وإثارته ذهنيا ووجدانيا وحركيا. أما السينوغرافيا الكوريغرافية الجسدية مسرحيا، فتحمل في طياتها دلالات أنتروبولجية أفريقية وأمازيغية تحيلنا على الجريمة الأولى لدى فرويد، وعلى ثقافة الطوطم والطابو. بيد أن الرقصات الكوريغرافية بقيت محدودة ونمطية، ولم تتنوع إلى أشكال كوريغرافية جديدة. وهنا، أنصح صديقي فخر الدين العمراني بدراسة كتب الرقص المعاصر ، وذلك للبحث عن أشكال كوريغرافية حديثة ومعاصرة لتوظيفها في عروضه المسرحية المستقبلية، ولكن بشرط أن تتلاءم مع الثقافة الأمازيغية والرؤية الإسلامية الأخلاقية.
 الحركات المسرحية:
من المعلوم أن المسرحية الناجحة هي التي تعتمد على الحركات أو ما يسمى بالجيستوس. والحركات في المسرحية المعروضة هي أنواع مختلفة، فنجد حركات الوجه والرأس، وحركات اليدين، وحركات الجسد، وحركات الرجلين، وحركات الرقص والغناء.
ففي مقدمة المسرحية، لم نجد حركات مسرحية مناسبة ولائقة إلا مع الممثل محمد التعدو ، والذي قدم مجموعة من الحركات اليدوية وحركات الوجه والرأس ، بالإضافة إلى حركات الرقص والغناء ، ليظهر لنا بمظهر مايسترو سيمفوني مجنون وفنان عبقري يؤلف مسرحية مستقبلية رائعة للإنسان الأمازيغي ، والتي تتغنى في جوهرها بالوحدة والهوية الأمازيغية. ولكن الممثل الوحيد الذي استطاع أن يمتلك حركات وظيفية هادفة وبناءة ولها معنى، وهو الممثل القدير عبد الواحد الزوكي، والذي كان يتكلم بالحركة أكثر مما يتكلم باللغة، كما أن ملامح وجهه تتحدث وتفصح أكثر مما تضمر وتخفي.
وعليه، فالحركات التي استعملت في المسرحية حركات وظيفية مع الممثلين الأكفاء والمقتدرين كمحمد التعدو وعبد الواحد الزوكي وكمال المخلوفي، وحركات مجانية زائدة مع بعض الممثلين المبتدئين، بل يمكن الحديث عن حركات بيوميكانيكية قليلة جدا أثناء ترقيص الأصابع في مشهد الموت.
 سيمياء الإكسسوارات:
تقوم بعض الإكسسوارات في العرض المسرحي بدور هام مثل قيثارة الفنان ، والطبل، والدف ، والمزمار ” ثامجا”، والعصا، و قارورة الماء” أقبوش”، وخبز الشعير” أغروم ءيماندي”، و أداة التشطيب ” ثامذواست”، والقنديل، وأكوام التبن، والهيدورة (البساط)، والراديو... فكل هذه الإكسسوارات لها دلالات وظيفية سياقية ودرامية، فهي تحيل في طياتها على الصراع بين الذات والموضوع، والصراع بين العلم والجهل، والتعبير عن أصالة الإنسان الأمازيغي في مواجهته لرياح العولمة ، واطلاعه وانفتاحه على مستجدات الحداثة والتغريب. ولكن هذه الإكسسوارات تؤشر أيضا على ضرورة التشبث بالهوية الأمازيغية ، والحفاظ على الكينونة والوجود الإمازيغي على المستوى الحضاري والثقافي والإثني واللغوي، وذلك عبر إكسسوارات لغوية تحمل أيقونات تدل على الخط الأمازيغي” تيفيناغ”.
 سيمياء الملابس:
من الأكيد أن عبد السلام بوكلاطة قد نجح أيما نجاح في اختيار الملابس الأمازيغية أحسن اختيار لممثلي هذا العرض المسرحي، وذلك عندما انتقى مجموعة من الألبسة الأمازيغية للنساء والرجال والأطفال، كريزار (الإزار )، وأحزام (الحزام) ، ودفين، والقميص ، وقاندورا، وثاسبناشت، والعباءة، والبلغة ، وقوبو، والقفطان، وأرازاث...وتتسم هذه الألبسة بتفصيل أنيق وجميل وجيد. وترد هذه الألبسة في سياقات درامية لتعلن هوية الإنسان الأمازيغي، والتشبث بالكينونة والهوية المحلية. وفي نفس الوقت، يوظف العرض المسرحي ألبسة غربية ، وذلك للتعبير عن تغريب الإنسان الأمازيغي، وانبهاره بالغرب، وسعيه الجاد للتقليد والتجديد ، وإن كان ذلك على حساب قيم الأصالة والإنسية الأمازيغية .
وعليه، فقد شغل عبد السلام بوكلاطة قطعا متنوعة تغطي الرأس والجسد والرجلين للتأشير على مميزات الإنسان الأمازيغي، دون أن ننسى الحلي التي كانت تتفرد بها المرأة الأمازيغية تزيينا وهوية ووجودا وتحضرا.
 سيمياء الماكياج:
استعان المخرج فخر الدين العمراني بالآنسة مينة عاطف في بناء مسرحيته ، وتشكيلها جماليا عن طريق وضع الماكياج، والذي كان رائعا ومعبرا ودالا، كما يظهر ذلك في تصفيف شعر الفنان المايسترو المجنون بفنه وإبداعه وعبقريته، وتصفيف شعر الممثلات، واختيار ماكياجهن ، والذي كان يحمل في حقيقته عبق التراث والأصالة. وما استعمال الوشم داخل العرض المسرحي إلا علامات أيقونية للتزيين والتجميل والتعبير عن الهوية الأمازيغية، وتشكيل الجمال الأمازيغي في لوحات تشكيلية تعبر أيما تعبير عن جمال الوجه والقوام والقد والجسد. وكان هذا الجمال الماكياجي في جوهره متناسقا مع الثياب والحلي أيما تنسيق. ومن ثم، فقد كان الماكياج يعبر دلاليا ومقصديا عن الإنسان والمكان والزمان، ويحدد الهوية وعلامات الكينونة الأمازيغية والإنسية البربرية بالمفهوم الإيجابي لا بالمفهوم السلبي.
 توظيف التراث:
وظف المخرج فخر الدين العمراني في عرضه المسرحي ” رماس” الموروث الأمازيغي والعربي والإنساني، فوظف مجموعة من الأشكال الاحتفالية اللعبية الفطرية والمكتسبة عبر الاحتكاك بالثقافات الأخرى ، وهي لعب خاصة بالأطفال والنساء، كلعبة ” إيمدقان”، ولعبة” القفز على الحبل”، ولعبة” الجري”، ولعبة” حانا ثامزا”، ولعبة” بيكو طورو تايني”، ولعبة” أقنوفار”...
ووظف المخرج أيضا أشكالا غنائية وموسيقية كأغاني إمذيازان القديمة، والأغاني الأمازيغية المعاصرة، والأغاني الملتزمة كأغنية بانعمان وأغنية ميمون الوليد... كما شغل الفلكلور التراثي كالرقص الجماعي أحواش، والذي يتخذ طابعا جماعيا، حيث يشارك فيه الرجال والنساء معا. كما ينفتح المخرج على الرقص الأنتروبولوجي الأفريقي القائم على رقصات الطوطم والطابو أثناء الدوران حول الميت ، واستثمار فكرة التعاون الجماعي التي كانت تسمى عند الأمازيغ بتويزا.
كما كان المخرج ينفتح على أشكال تراثية عالمية ، وذلك أثناء توظيف الموسيقى السمفونية للتعبير عن هذيان الفنان ، والتأشير على جنونه ، والتأكيد على خبله الفني.
 مدرسة التشخيص:
ينطلق الممثلون في هذا العرض المسرحي على مستوى الأداء والتمثيل من مدرسة التشخيص الخارجي ، توازيا مع مقومات مدرسة كوكلان ، والتي ترتكز على التمثيل الخارجي والأداء التلقائي المباشر، والمخالفة لمقومات مدرسة ستانسلافسكي ، والتي تهتم بالمعايشة الصادقة ، والتناول الداخلي للمشاعر والمواقف الدرامية. ويعني هذا أن الممثلين كانوا يمثلون بطريقة خارجية سطحية غير مقنعة، ولكن البعض منهم نجح في أداء هذا التشخيص الخارجي ، مثل: عبد الواحد الزوكي وكمال المخلوفي ومحمد التعدو.
 تقنيات الإخراج المسرحي:
يصدر المخرج فخر الدين العمراني في هذا العرض المسرحي الدرامي عن المسرح التوثيقي التسجيلي كما عند برتولد بريخت وبيتر فايس وبيسكاتور ، وذلك من خلال توظيف الشاشة السينمائية لترجمة أحجية الجدة ” حادة” بصريا وجماليا، وهذه الطريقة جيدة في نقل المشاهد الدرامية ، وتشخيصها بصريا. ويعتبر فخر الدين العمراني ثان مخرج يوظف تقنية سينيمسرح بعد سعيد المرسي في مسرحيته ” ثاسيرت/ الطاحونة”. كما استعان أيضا بتقنية تكسير الجدار الرابع، واستعمال السرد والحكاية لتنوير الجمهور، وإن كان العرض في بعض الأحيان يسقط في التحريض، وتأجيج العواطف شعوريا ولاشعوريا، وحث الجمهور على كراهية العرب المسلمين ، وذلك باعتبارهم هم السبب في معاناتنا – نحن الأمازيغ- وانبطاحنا حضاريا وثقافيا، ولسنا – نحن- هم السبب في مآسينا وتقوقعنا ، وذلك بسبب الأمية والجهل والحسد والطمع ومحاربة المثقفين المتنورين مصداقا للمثل المعروف” مطرب الحي لا يطرب”.
هذا، وقد جمع فخر الدين العمراني في مسرحيته بين الرقص والموسيقا والسرد والشعر والأمثال والغناء والسينما والتشكيل والهندسة وغير ذلك من الفنون والعلوم المعارف، وذلك على غرار المسرح الشامل الذي يدعو إليه مسرح بيتر بروك والمسرح الاحتفالي على حد سواء.
ومن هنا، فالمخرج فخر الدين العمراني، قد استفاد من مجموعة من المخرجين والمدارس المسرحية، فجمع بينها تركيبا وإدماجا وصهرا لخلق عمل فني وسينوغرافي يرضي الجمهور والنقاد على حد سواء.
2- مرحلة الاستنتاج والتركيب:
يمكن تركيب العرض المسرحي سيميائيا ودلاليا في ثنائية الوجود والضياع، أي إن المسرحية تدعو إلى الحفاظ على الهوية والكينونة والوجود الأمازيغي ، وذلك بالحفاظ على رماس ، والذي يرمز إلى الأرض والهوية والبقاء. وإلا تعرض الإنسان إلى الضياع والتهميش والاغتراب والموت والاندثار الكلي. ومن هنا، تتخذ المسرحية طابعا رمزيا للتأشير على الهوية أوالكينونة، والتي طالما تغنى بها الكتاب الأمازيغيون في المسرح منذ التسعينيات من القرن العشرين مع فؤاد أزروال وفاروق أزنابط وسعيد المرسي وشعيب المسعودي وآخرين، ومازلنا نردد هذه التيمة أو الموضوعة إلى يومنا هذا في سنوات الألفية الثالثة. وكان من الأفضل تجاوز هذه التيمة إلى تيمات أكثر أهمية وحساسية، وتؤرق الإنسان الأمازيغي في حاضره ومستقبله كمشكل البطالة، ومشكل بناء الذات، ومشكل الوعي، ومشكل الثقافة، ومشكل التصالح مع الذات، ومشكل بناء الإنسان الأمازيغي إلى جانب مشاكل أكثر جدارة واستحقاقا. ولا يعني هذا أن مشكل الهوية مشكل غير مهم، بل تناولناه كثيرا في أشعارنا وأغانينا ومسرحنا حتى كاد أن نعتبر الأدب الأمازيغي بمنطقة الريف هو أدب الهوية والكينونة والإثنية ليس إلا.
وثمة رسائل في المسرحية ذات أبعاد إيديولوجية خطيرة ، تثير التطرف ، وتبعث مشاعر العدوان والكراهية في نفوس الجماهير الأمازيغية ، وهي تصفية الحساب مع الإنسان العربي المسلم، والذي يعتبر في المخيال الأمازيغي العدو اللدود الذي سرق منا أرضنا وهويتنا وكينوننا. وهذا الخطاب العرقي الشوفيني يضر بالمسرحية بحال من الأحوال. كما يلاحظ هجوم واضح على اللغة العربية واللغات الأجنبية، بينما تفرض علينا العولمة أن نكون منفتحين على جميع اللغات والحضارات والإثنيات، وألا نكون محليين فقط. وبالتالي، لا يمكن أن نوصل الخطاب الأمازيغي إلى العالم بلغة تترنح بالحقد والكراهية والعدوان والإقصاء.
كما أن هذا العرض المسرحي فضائي بالدرجة الأولى؛ لأن البطل الحقيقي هو فضاء رماس، والذي يحمل علامات سيميولوجية تدل على ضرورة التمسك بالهوية الأمازيغية، والحفاظ على هذه الإنسية الموروثة أبا عن جد.
خاتمة:
وخلاصة القول: إن مسرحية ” رماس” للمخرج فخر الدين العمراني عرض سينوغرافي ممتع، يدل على ثنائية الوجود واللاوجود، ويؤشر على ضرورة الحفاظ على الهوية الأمازيغية ، ومواجهة كل من يعتدي عليها بشتى الوسائل الممكنة. كما تنتقد المسرحية واقع الإنسان الأمازيغي ، والذي يتسم كما هو معروف بالتشرذم والتمزق والانفصام، وترجيح المصالح الشخصية ، وتمجيد الفكر الأناني والبراجماتي. وفي نفس الوقت، تحث المسرحية على بناء الإنسان الأمازيغي حضاريا وثقافيا بناء صحيحا وسليما، ودعوته إلى الاتحاد والتعاون والتضامن والعمل.
وعلى مستوى الشكل، تعتمد المسرحية على مقومات المسرح الوثائقي التسجيلي البريختي، وترتكن أيضا إلى مقومات المسرح الشامل، مع الاستفادة من المسرح الاحتفالي. وتحتاج هذه المسرحية الناجحة في وسطها ونهايتها ، مع فشلها في مقدمتها، إلى معالجة درامية أخرى وملحة لبدايتها ، وتصحيح مشاهدها فنيا وجماليا، وذلك بالاعتماد على ممثلين آخرين أكفاء ومقتدرين، والابتعاد عن منطق انتقاء الممثلين القائم على الصداقة والإخوانيات، دون الاحتكام إلى شروط الفن المسرحي الأصيل، والذي يستوجب الكفاءة المتميزة والقدرات المهارية الاحترافية . كما ينبغي للمخرج أن يتجنب الموسيقى الآلية الخلفية” بلاي باك” PLAY BACK ، ودفع الممثلين إلى الاعتماد على أنفسهم في الغناء والرقص والتمثيل.
وعلى الرغم من هذه الملاحظات الموضوعية والهنات البسيطة، فإن المخرج فخر الدين العمراني استطاع أن يجدد مسرحيا ، وذلك على مستوى توظيف السينما، وتقديم سينوغرافيا ناجحة، وعرض لوحات غنائية وموسيقية ممتعة، وإظهار الفنان محمد كمال المخلوفي لأول مرة كممثل متمكن وموهوب ، وله قدرات رائعة في مجال الفن والتمثيل في منطقة الريف. كما استطاع أن يقدم لوحة مشهدية متميزة مسرحيا، وهي لوحة الراديو ، والتي تعد من أروع اللوحات المسرحية التي شاهدناها في المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف.
وفي الأخير، أقول بأن فخر الدين العمراني موهبة فذة في مجال المسرح والإخراج ، حيث قدم لنا عرضا مسرحيا شاملا يجمع بين جميع المكونات الفنية ، ونتمنى له مستقبلا ناجحا في أعمال وعروض مسرحية أخرى، ولكن ننصحه بأن يحافظ على الممثلين المقتدرين، ويستبدل الضعفاء منهم، والذين يؤثرون سلبا على العمل المسرحي ككل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.