الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر في الرباط ويتقبل التهاني    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    مصدرو المواشي الإسبان يشتكون من انخفاض الصادرات إلى المغرب    "الادخار الوطني" يستقر عند 28.8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    منظمة الصحة العالمية: زلزال بورما حالة طوارئ من أعلى مستوى    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    محكمة باريس تدين مارين لوبان في قضية اختلاس أموال عامة وتجردها من الترشح للرئاسيات    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    القضاء الفرنسي يدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن باختلاس أموال عامة    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    عفو ملكي عن الشخصية اللغز عبد القادر بلعيرج المحكوم بالمؤبد    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    مزاعم جزائرية تستوجب رد مغربي صريح    طقس اليوم الإثنين بالمغرب    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    الحرس المدني الإسباني يفكك شبكة لتهريب الحشيش من المغرب عبر نهر الوادي الكبير ويعتقل 23 شخصًا    ترامب سيزور السعودية منتصف مايو المقبل    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    وزارة التعمير تفتح باب الترشيح لمنصب مدير الوكالة الحضرية للناظور    ليلة العيد.. 6 حالات اختناق بسبب سخان الماء في طنجة    طنجة.. شاب ينجو من الموت بعد سقوطه من الطابق الثالث ليلة العيد    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    فريق إحجاين بطلاً للدوري الرمضاني لكرة القدم المنظم من طرف جمعية أفراس بجماعة تفرسيت    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    نقابة تدين تعرض أستاذة للاعتداء    المرجو استعمال السمّاعات    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    "كان" الفتيان.. المنتخب المغربي يمطر شباك أوغندا بخماسية في أولى مبارياته    حظر مؤقت لصيد الحبار جنوب سيدي الغازي خلال فترة الراحة البيولوجية الربيعية    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    بنعبد الله: الأرقام الحكومية تؤكد أن 277 مستوردا للأبقار والأغنام استفادوا من 13,3 مليار درهم (تدوينة)    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    نقاش "النقد والعين" في طريقة إخراج زكاة الفطر يتجدد بالمغرب    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    على قلق كأن الريح تحتي!    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرحية الأمازيغية "ثامورغي/ الجراد"
نشر في طنجة الأدبية يوم 19 - 10 - 2007

من أهم المسرحيات الأمازيغية التي عرضت في المهرجان الاحترافي الثاني للمسرح الأمازيغي للدار البيضاء ما بين08 و15 ماي 2007م مسرحية " ثامورغي/ الجراد" لفرقة الريف للمسرح الأمازيغي بمدينة الحسيمة. وقد قدمت المسرحية يوم 09 ماي 2007م على الساعة التاسعة ليلا بالمركب الثقافي مولاي رشيد. وهذه المسرحية من تأليف الكاتب المقتدر أحمد زاهد وإخراج الفنان المتميز شعيب المسعودي مؤسس المسرح التجريبي في منطقة الريف بدون منازع. وسنحاول في هذه الدراسة أن نبرز بعض القضايا الدلالية والفنية في هذه المسرحية الرمزية الذهنية.
تندرج مسرحية " ثامورغي/ الجراد" ضمن المسرح التجريبي من حيث الإخراج والبناء السينوغرافي، وإن كان النص من حيث المضمون مسرحية تاريخية واجتماعية وثقافية تحكي قصة مجذوب حكيم وفيلسوف في منطقة الريف وخاصة في إمزورن. فعبد النبي الذي يعد رجلا أبله وأحمق كان يستبق الأحداث ويستشرف ما ستأتي به الأيام العصيبة، لذلك كانت لغته هي الحكمة و إسداء النصح للقرويين وتنوير الساكنة التي كانت تعاني من كثرة المآسي والويلات والحروب، ناهيك عن قسوة الفقر وسياسة التهميش واللامبالاة والإقصاء. وكان يحذر التجار الغادين إلى أسواقهم من هجوم الجراد الذي سيأتي على الأخضر واليابس، وينبههم إلى ما سينتظرهم من أخطار محدقة بهم إذا لم يتّحدوا ويتركوا صراعاتهم الفردية الواهية وحروبهم الدونكيشوطية التافهة وتناحرهم من أجل تحقيق مآربهم الشخصية ومصالحهم الذاتية.
وفي الأخير، سيتأكد القوم من صحة تنبؤات عبد النبي عندما سيهاجمهم الجراد، وسيتبين لهم صدق خطابه وصحة عقله، وفي المقابل ستظهر لهم سذاجة عقولهم وسطحية وعيهم الزائف في الرضى بما هو كائن وسائد.
وتتخذ المسرحية طابعا رمزيا وذهنيا في حمولاتها الفكرية وأبعادها الدلالية و المرجعية ؛ لأنها تدافع عن هوية الأمازيغيين وتدعوهم إلى التشبث بمقومات وجودهم وحضارتهم وثقافتهم، وأن الغزاة قادمون لا محالة لطمس هويتهم ومسخ كينونتهم والدوس على الجذور التي تبقت من سلالتهم المنبوذة في بلاد تامازغا. لذلك، تحمل المسرحية في طياتها أطروحة المقاومة والاستعداد لمواجهة الطاعون القادم أو الجراد الغازي الذي سيأكل كل شيء ، ولن يترك أي جذر سلالي أو كينونة وجودية لأي إنسان أمازيغي شريف.
هذا، وتزخر المسرحية بقضايا دلالية فرعية أخرى كاستقراء الذاكرة التاريخية والاجتماعية للإنسان الأمازيغي والتنديد بالتسلط والاستبداد والتلميح إلى انعدام حقوق الإنسان. كما تدين المسرحية عالم الغرابة والفوضى عبر الجدارية التجريدية الغريبة في فوندو الخشبة حيث يرسم لنا المخرج لوحة تراجيدية بئيسة مليئة بالأشياء المبعثرة والنفايات المتسخة التي يريد المخرج بواسطتها أن يعبر عن عالمنا الأمازيغي المشتت وخاصة الريفي منه بأنه عالم فقير تشكّله هندسة النفايات وطيبوغرافية الأزبال ، وتكتسيه الفوضى العارمة ، ويعمه البؤس الحزين، و يكنفه الفقر المدقع، وأن الإنسان الأمازيغي- بالتالي- مهمش لاقيمة له، أو أنه مسيج بفضاء سوداوي يبدو كمزبلة للتاريخ ينهشه الإقصاء والتهميش ويتسلط عليه الغزاة من كل حدب وصوب طمعا في خيراته وممتلكاته .
وتتجادل في المسرحية مجموعة من الثنائيات كالظلمة والنور، والاستعباد والحرية، والجهل والعلم، والسذاجة والحكمة، والموت والحياة، والفوضى والنظام، والتمزق والوحدة، والخوف والشجاعة.
وعلى العموم، يرمز عبد النبي إلى الهوية الأمازيغية والكينونة الحقيقية التي تنبني على الوحدة والعمل والعلم واحترام الخصوصية والدفاع عن الحرية والتشبث بالأرض و التمسك بأنطولوجية الوجود و عبق اللغة والكتابة ومواجهة كل المعتدين والغزاة عن طريق الاتحاد والعمل الجماعي والمقاومة الشرسة والتطلع إلى المستقبل الواعد بكل أمل وتفاؤل.
هذا، ولقد اشتغل المخرج شعيب المسعودي على المسرح التجريبي التجريدي الذي يذكرنا بمسرح اللامعقول مع توظيف تقنية المسرح داخل المسرح أثناء تجسيد مسرحية عطيل لشكسبير فضلا عن استعمال المسرح الأسطوري عبر استدعاء أسطورة " لونجة". كما وظف المخرج الكوليغرافيا والعلامات البصرية والتشكيل الجسدي والبيوميكانيك في تأطير الممثلين وتوزيعهم فوق خشبة المسرح. ولا ننسى أن المخرج قد تحكم جيدا في رقعة الركح من خلال توزيعها إلى مناطق هامشية ومناطق درامية مركزية ومناطق درامية خلفية.
وقد اشتغل المخرج على شخصية عبد النبي داخل فضاء دائري يتحكم فيه التواصل اللفظي اللغوي والبصري من خلال علاقات جدلية كوليغرافية مع الممثلين الآخرين جذبا وتنافرا. وكان هؤلاء الممثلون ينتقلون فوق الخشبة المسرحية بشكل جيد لتقديم الفرجة الدرامية في لوحات سينوغرافية مشفرة بالعلامات اللغوية والبصرية والتشكيلية المجردة الزاخرة بالمقاصد المباشرة وغير المباشرة.
واستخدم شعيب المسعودي أيضا سينوغرافيا الكراسي والمقاعد المتفاوتة الحجم للتدليل على التفاوت الاجتماعي والتأشير على جدلية السيد والعبد والإحالة على مسرحية الكراسي للمسرحي التجريدي يونيسكوIOnesco، وقد وظف هذه الطريقة تلميذه المخرج سعيد المرسي في مسرحيته التجريبية " ثيسيث/المرآة".
ومن ناحية أخرى، فقد التجأ المخرج إلى توظيف الأزياء المفارقة التي تتنافى مع الهوية المحلية والأصالة الأمازيغية ، وهذه إشارة جمالية رمزية غنية بالدلالات المضمرة ، وإحالة على التفسخ والاغتراب الذاتي والمكاني وسقوط الهوية الأمازيغية في شرنقة الاستلاب و شرك الأوربة والتفسخ الحضاري.
وكم كان العرض جميلا عندما وظف شعيب المسعودي رقصة إمذيازن والأغاني الريفية الشعبية الرائعة التي كانت تحمل في طياتها لغة الشوق والحنين إلى الماضي والذاكرة والأرض و الهوية ! كما أن آلة الهرمونيكا Harmonique بإيقاعاتها الدافئة كان لها مفعول سحري في شد أنظار الممثلين/ الأمازيغيين وتوحيدهم جميعا حول الأم المقدسة /الأرض التي كانت تحذرهم من الانقسام والتشرذم و السقوط في وحل الهزيمة بسبب الصراعات اللعينة والحروب المتطاحنة والنعرات الضيقة والتنافر الشخصي والأحقاد المتجذرة بسبب الإحساس الذاتي بالدونية و عقدة النقص والاحتقار.
وقد التجأ المخرج شعيب المسعودي إلى تقنيات فنية عديدة كتكسير الجدار الرابع واستعمال الخطاب الرمزي وتشغيل الحضرة الصوفية و الإكثار من الأمثال والتأشير على النظام الجماعي المعروف ب " ثويزا"، وتوظيف الأغنية الريفية الشعبية، والاستعانة بالإضاءة الشاملة للركح التي تدل على الإشعاع الكلي للخشبة تنويرا وتبديدا للظلمة والجهل. كما اشتغل على الألوان المفارقة والمتضادة التي تتمظهر في البياض والسواد والتي تؤشر على ثنائية الكراهية والحب أو ثنائية التسلط والحرية.
وعلى أي حال، فلقد حصدت مسرحية " ثامورغي / الجراد" المكتوبة بأمازيغية الريف في مهرجان تافوكت بالدار البيضاء في نسخته الثانية ثلاث جوائز قيمة، وهي جائزة الإخراج التي كانت من نصيب المخرج الشاب شعيب المسعودي عن عمله السينوغرافي الرائع، وجائزة أحسن نص وقد حصل عليها الكاتب الأمازيغي المتميز والجاد أحمد زاهد الذي بدأ مساره الفني بالتشخيص والكتابة الدرامية منذ التسعينيات، وكانت نصوصه المسرحية ذات وقع جمالي كبير في داخل المغرب وخارجه وخاصة مسرحيته الرائعة "أرياز ن - وارغ/ رجل من ذهب" التي عرضت بمسرح محمد الخامس بالرباط وقدمتها التلفزة المغربية ( القناة الأولى) سنة 2006م، ومسرحيته الجديدة "أرماس" التي سيتكلف الأستاذ فخر الدين العمراني بإخراجها .
ونالت مسرحية " ثامورغي/ الجراد" كذلك جائزة أحسن ممثل ذكور والتي منحت للممثل الحسيمي الشاب المقتدر طارق الصالحي، وإن كان أحمد أجويني يستحق منا كل تقدير و تنويه، لأنه جدير كذلك بجائزة التمثيل لشجاعته الفنية وجرأته الكبيرة في التمثيل وتشخيص الأدوار الرومانسية ، وتمكنه من آليات التمثيل والأداء الصادق والتحكم في القوى الكوليغرافيا الجسدية التي يمتلكها.
ومن جهة أخرى، فقد رصدنا بعض الملاحظات التي تتعلق بهذا العرض المسرحي والتي نجملها في عدم تشغيل المخرج للممثلات تشغيلا جيدا، والاكتفاء بترويض الممثلين وتدريبهم حرفيا على أحدث تقنيات التشخيص المعاصر على حساب الإخراج الذي كان يحتاج إلى إبداع شخصي بدلا من اللجوء إلى تقنيات التدريب الجاهز، كما ظلت الجدارية البيضاء المعلقة في المنطقة الخلفية صماء غير وظيفية .
وعلى الرغم من هذه الملاحظات النقدية الهينة، فإن عرض" ثامورغي / الجراد" عمل متميز دراميا ومتكامل فنيا وركحيا من حيث النص والتمثيل والإحالة الرمزية والرؤية الإخراجية وثراء العلامات السيميائية اللغوية والبصرية والتشكيلية. ومن ثم، يؤسس شعيب المسعودي مرة أخرى في منطقة الريف دعائم المسرح التجريبي الجمالي الغني بالشاعرية والصور البلاغية البصرية الرائعة بمسرحيته الجديدة "ثامورغي/ الجراد "، والتي تشهد كذلك لأحمد زاهد بمقدرته الكبيرة في تأليف النصوص المسرحية الأمازيغية الجيدة ، وبجديته في اختيار المخرجين المتميزين في تحويل نصوصه الدرامية إلى عروض ركحية وأعمال سينوغرافية جديرة بالمتابعة والرصد والمشاهدة كفخر الدين العمراني وشعيب المسعودي وفاروق أزنابط...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.