توطئة: يعد الأستاذ الحسين القمري1 عن جدارة واستحقاق رائد المسرح العربي والأمازيغي بمنطقة الريف إلى جانب علمين آخرين بارزين، ألا وهما: الدكتور عبد الله عاصم، والأستاذ سعيد الجراري، وإن كان الحسين القمري أكثر منهم استمرارا في الميدان المسرحي تأليفا وإخراجا وتمثيلا ودراسة وتوجيها وتقويما. هذا، وقد ساهم الأستاذ الحسين القمري فعلا في تنشيط الحركة المسرحية بالريف تكوينا وتأطيرا وكتابة وإشرافا وإخراجا، دون أن ننسى إمكاناته الإبداعية في تطوير الريبرتوار المسرحي المحلي ، وذلك بمجموعة من النصوص المسرحية والعروض الميزانسينية. كما عمل الحسين القمري على تدريب مجموعة من الممثلين الشباب ، وتكوينهم تكوينا يجمع بين النظرية والممارسة. ومن هؤلاء : فخر الدين العمراني، وفاروق أزنابط، وعبد الكريم بوتكيوت، ومصطفى بنعلال، ومحمد العمالي،... ولا ننسى أن نقول أيضا بأن الحسين القمري ألف مجموعة من الدراسات القيمة في مجال المسرح تأريخا وتصنيفا وتعريفا وتحليلا وتقويما وتوجيها كما يظهر ذلك جليا في كتابه المشترك مع محمد أقضاض وعبد الله شريق:” إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف”.2 إذاً، ماهي الخدمات التي أسداها الأستاذ الحسين القمري للمسرح العربي والأمازيغي بمنطقة الريف؟ وإلى أي مدى يعتبر رائدا حقيقيا لهذين المسرحين تنظيرا وممارسة؟ هذا ما سنعرفه في هذه الورقة المتواضعة. q بدايات المسرح بمنطقة الريف: من المعروف أن أول عرض مسرحي عربي تم تقديمه بمنطقة الريف هو :” عودة محمد الخامس من المنفى”، من تأليف الدكتور عبد الله عاصم ، وقد تم تشخيصه على خشبة السينما الإسباني بمدينة الدريوش في شهر يونيو من سنة 1956م ، وذلك من قبل مجموعة من شباب هذه المدينة الذين يتكونون من أكثر من اثني عشر فردا ، ومن هؤلاء: الدكتور عبد الله عاصم، والأستاذ سعيد الجراري، والأستاذ عبد السلام بوعنان، ومحمد بوعنان، والأستاذ الصغيّر الوكيلي ، وميمون الحقوني ، ومحمد الحقوني ، وعثمان عاصم، وأحمد البوفراحي، ومحمد المزوجي، ومحمد التمسماني، ومحمد التجاني...وقد مثل هؤلاء الشباب مسرحية وطنية عقب عودة محمد الخامس من منفاه إلى أرض الوطن، وكان محورها الإشادة بهذه العودة المباركة الميمونة، والثناء على المقاومين والفدائيين والمجاهدين الذين استبسلوا بالنفس والنفيس من أجل طرد المستعمر الغاشم، وكل ذلك بغية نيل الحرية ، والظفر بالاستقلال، وتحقيق السيادة الوطنية في ظل العهد الجديد3. وبعد هذه المبادرة المسرحية الأولى تفرق الجميع ، وكل واحد أخذ وجهته التي تناسبه وتلائمه في الحياة، فهناك من أصبح رجل تعليم أو التحق بالمحاماة، وهناك من أصبح مقاولا ، وهناك من صار رجل أعمال. بيد أن الدكتور عبد الله عاصم استمر في كتابة المسرحيات، حيث كتب مسرحية تاريخية واجتماعية في عشرة مشاهد بعنوان:” أبطال العدالة” في أكتوبر 1956م، وقدمتها الإذاعة المغربية على أمواج أثيرها في صيف 1963م4. وكتب عبد الله عاصم أيضا مسرحية هزلية تحت عنوان” المشعوذ”، وطبعت في الدارالبيضاء لأول مرة سنة 1967م5. زد على ذلك، فقد ألف الدكتور عبد الله عاصم بعض المسرحيات التراثية الأخرى التي كانت تعرض من فينة إلى أخرى في الإذاعة الوطنية في ستينيات القرن الفائت. بل نجد عبد الله عاصم أكثر من ذلك يميل إلى كتابة الشعر 6، وفن السينما وكتابة السيناريو ، وذلك بعد عودته من ألمانياالشرقية كما يتجلى ذلك واضحا في كتابته السيناريستية الرائعة: ” صراع القبائل” ، والتي ظهرت إلى حيز الوجود سنة 1966، بيد أن هذا السيناريو لم يحول إلى فيلم سينمائي طويل إلى حد الآن7. وفي سنوات الستين من القرن الماضي، سيلتقي كل من الأستاذ الحسين القمري والأستاذ سعيد الجراري بمدينة الناظور ليواصلا معا مسيرة الإبداع الدرامي، وتكوين مجموعة من الجمعيات الثقافية لتنشيط الحركة المسرحية بكل مقوماتها الفنية والجمالية والإبداعية، مع العمل على تكوين الممثلين والمخرجين والأطر المسرحية بكل جدية ومثابرة وتفان وإخلاص ، وهذه الأجيال الشابة المكونة هي التي ستحمل مستقبلا مشعل التنوير والتكوين والتأطير والتدريب في منطقة الريف على سبيل الخصوص . qالحسين القمري وبدايات العمل المسرحي: من المعلوم أن الحسين القمري كان من الجمعويين الأوائل في مدينة الناظور الذين سارعوا إلى تأسيس الجمعيات الثقافية والفرق المسرحية. ومن بين هذه الجمعيات والفرق التي ارتبط بها الحسين القمري في مجال الثقافة بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة ، لابد من ذكر: فرقة المشعل المسرحي، وجمعية أهل دربالة للموسيقى والمسرح ، وفرع اتحاد كتاب المغرب. 1- فرقة المشعل المسرحي: يعد الحسين القمري من السباقين إلى تأسيس الجمعيات الثقافية والفرق المسرحية بمدينة الناظور، حيث أسس ” فرقة المشعل المسرحي” بتاريخ03 يوليوز من سنة 1964م بمعية مجموعة من الأساتذة كالبشير القمري، ومحمد القضاوي، ومحمد بيجو، وحسن الهلالي، وأحمد المعاشي، وبنعيسى دراز، وآخرين... وكان مقرها المؤقت بالدار الشباب. ولم تكن الفرقة تظفر بأي عون مادي أو معنوي، بل كانت تتلقى كثيرا من الإهانات والكلمات النابية الساقطة، ووابلا من كلمات التجريح والهجاء والتعيير، وتعابير الاحتقار والازدراء، وأبشع الأوصاف. بيد أن الفرقة لم تفشل، ولم تن، ولم تبال بتلك النعوت والاتهامات الشنيعة، ولم يفل عضدها القوي، بل ازدادت الفرقة قوة وصمودا وصعودا وشهرة ، وذلك بفضل الإرادة و العمل والعزيمة والإصرار على الفوز والنجاح. هذا، وكانت تداريب الفرقة تتم في مرآب الشبيبة والرياضة بصفة مؤقتة، إلى أن أغلق هذا المكان في وجه الفرقة، فاضطرت للبحث عن مكان آخر، فلم تجد سوى غرفة خارج المدينة قرب ضريح سيدي علي لا إنارة فيها ولا ماء. اكترتها الفرقة لتقوم فيها بتداريبها الليلية، ثم تتركها باقي ساعات الليل وكل ساعات النهار ليقطن فيها أحد الدراويش إكراما لشيخوخته وغربته.وبعد ذلك، انتقلت الفرقة إلى إحدى غرف منزل الأستاذ سعيد الجراري الذي كان مولعا بفن المسرح. ويشرح لنا الأستاذ سعيد الجراري طريقة التداريب والإخراج والتمثيل التي تقوم بها هذه الفرقة بالكيفية التالية:” كانت التداريب في بادئ الأمر تبتدئ من رأس التمثيلية، وطورا تشرع من نهايتها، وطورا تقفز إلى وسطها بالطريقة الإيطالية أحيانا، وأخرى بتشخيص الأدوار، أو تسرع في المكان الذي يجب أن تتأتى فيه، أو بالعكس، أو يصرخ أحدهم في وجه صاحبه في حين أنه يجب أن يجهر لا أن يصرخ. ولم تكن تتبع برنامجا محدودا في التداريب، إلا بعد مضي سنة من نشأتها، حين أصبحت التداريب تسير سيرا عاديا منظما وفي أوقات معلومة يشرف عليها مدرب من أعضاء الفرقة، فيبدأ معهم من الفصل الأول ثم الثاني ثم الذي يليه، ليتوقف بين حين وآخر من أجل إصلاح بعض الأخطاء في الحركات أو الإشارات أو الخطوات أو الأصوات أو تعبيرات الملامح، أو كيفية الدخول إلى الخشبة والخروج منها. كما يسمح بإبداء الملاحظات حول تلك الأعمال كلها.”8 ويعني هذا أن التدريبات المسرحية كانت تعتمد على الارتجال والتدريب اللفظي والصوتي والحركي، والجمع بين القراءة الإيطالية والقراءة الميزانسينية، والخضوع لقوانين المسرح الأرسطي. أما عن الإنتاج المسرحي ، فيمكن الإشارة إلى مجموعة من المسرحيات العربية كمسرحية ” النور ” ، والتي عرضت بسينما الريف في سهرة ليلية بتاريخ 07 يوليوز سنة 1964م. والمسرحية من حيث مضامينها دينية المقاصد، إذ تصور حالة العرب قبل الإسلام وبعده. وقد قدمت أثناء السهرة تمثيلية هزلية بعنوان:” طبيب الأسقام”، وهي من تأليف الفرقة بطريقة جماعية. وبعد ذلك ، عرضت الفرقة مجموعة من العروض الهزلية كمسرحية:” باعطى”، ومسرحية ” لمعلم علوش” ، ومسرحية” قتلت ولدي” ، ومسرحية “الحاج الغلاق الفلاق”، ومسرحية” عمالقة يذوبون”، ومسرحية:” بطولة عرش” ، ومسرحية :” البخيل بوكرشة ” ، ومسرحية: ” المتمردون” ، والتي أخرجها رئيس الفرقة الحسين القمري ،وقد تم تشخيصها بقاعة سينما الأندلس ببركان. ومن المعلوم أن معظم هذه المسرحيات قد عرضت في سينما الريف، و قاعة الصيادين، والقاعة السينمائية الخاصة بالقوات المسلحة الملكية بأزغنغان، أوفي الهواء الطلق أمام مقهى البحيرة . وكل هذه المسرحيات كانت تقدم للناس بالمجان. وفي الأخير ، تعاطف الناس مع هذه الفرقة المسرحية؛ نظرا لما قدمته من مسرحيات رائعة للجمهور الناظوري ؛ لأنها تخاطب عقله ووجدانه وبعده الحسي والحركي، وتتناول القضايا التي تؤرقه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا وثقافيا. لذا، تجاوب الكثير من الناس مع هذه العروض المسرحية الناجحة. 2- جمعية أهل الدربالة للموسيقى والمسرح: تأسست جمعية أهل الدربالة للموسيقى والمسرح بمدينة الناظور سنة 1976 م من قبل مجموعة من الغيورين على الفعل المسرحي كالأستاذ الحسين القمري، وعبد الكريم بوتكيوت ، والصوط الطاهري، وإدريس كردوس، وعبد الكريم القضاوي، وعبد القادر وهبي، وفخر الدين العمراني، وعبد الرحمن بوهدال، ومحمد المروني... وكانت هذه الفرقة المسرحية تقدم التمثيليات والسكيتشات والعروض الدرامية والموسيقية، وكان تأليف النصوص المسرحية تأليفا جماعيا قائما على الارتجال والتشخيص الصوتي واللفظي والحركي، أما الإخراج الميزانسيني لمعظم مسرحيات الفرقة، فكان يتكلف به مايسترو الفرقة، ألا وهو: الأستاذ الحسين القمري الذي كانت له خبرة كبيرة في مجال الشأن المسرحي نظرية وممارسة. هذا، وقد شاركت الفرقة في الإقصائيات الجهوية لمسرح الهواة، بمسرحية ” محاكمة رجل مجهول” سنة 1978م وهي من تأليف عز الدين إسماعيل، وإخراج الحسين القمري. ومن أهم ممثلي هذه المسرحية، نذكر: فخر الدين العمراني، وعبد الكريم بوتكيوت،ومصطفى بوسمينة. وقد اندثرت جمعية أهل الدربالة للمسرح والموسيقى سنة 1987م كباقي الجمعيات الثقافية والفنية الموجودة في مدينة الناظور ، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية، وخاصة الأسباب المادية ، وهجرة البعض إلى الخارج. 3- فرع اتحاد كتاب المغرب: ساهم الحسين القمري من خلال موقعه المتميز في فرع اتحاد كتاب المغرب، باعتباره شاعرا ومسرحيا ومحاميا ، في خدمة المسرح العربي والأمازيغي في منطقة الريف بصفة عامة ومدينة الناظور بصفة خاصة. وذلك عبر المشاركة في مجموعة من اللقاءات العلمية والندوات الثقافية بالغرفة الفلاحية ، وغرفة الصناعة والتجارة والخدمات، والمركب الثقافي ، وقاعة الشباب والرياضة .... والدليل على ذلك مشاركته في الندوة التي نظمتها جمعية النهضة الثقافية بمدينة الناظور تحت شعار:” الأيام الأولى للمسرح الأمازيغي”، وذلك بمقاله القيم:” المسرح الأمازيغي: إشكالية التأسيس”. دون أن ننسى حضوره المتواصل والمستمر في المجال الثقافي محليا وجهويا ووطنيا وعربيا ودوليا ، وذلك بمشاركاته الثقافية المهمة والجادة والقيمة في الندوات والمهرجانات التي كانت تنظمها الجمعيات والمؤسسات الثقافية المتنوعة والمتعددة. ونحن نعلم علم اليقين أن الحسين القمري استمتع بدوره بالكثير من العروض المسرحية التي قدمت بمدينة الناظور سواء أكانت عروضا مسرحية عربية ( مسرحيات عبد الحق الزروالي مثلا...)أم عروضا مسرحية أمازيغية( مسرحيات فخر الدين العمراني مثلا...). q الحسين القمري عضوا في لجان التحكيم المسرحية: شارك الحسين القمري في كثير من لجان التحكيم المسرحية ؛ وذلك بسبب خبرته في المجال الدرامي ، وحنكته في ميدان تدريب الممثل وإخراج العروض المسرحية، ولاسيما مشاركاته العديدة في اللجان المتعلقة بالمسرح المدرسي ومسرح الأطفال بمدينة الناظور على سبيل الخصوص. وقد شارك الحسين القمري أيضا مرات عديدة في مهرجانات حركة الطفولة الشعبية بالناظور، والتي كانت تحتفل كل سنة بالمهرجان الربيعي لمسرح الطفل، إما باعتباره عضوا في لجنة التحكيم عشر مرات( المهرجان الأول، والمهرجان الثاني، والمهرجان الثالث، والمهرجان الرابع، والمهرجان الخامس،والمهرجان السادس، والمهرجان السابع، والمهرجان التاسع، والمهرجان العاشر، والمهرجان الحادي عشر )، وإما بتكريمه والاحتفاء به ثناء وتقديرا لما قام به من مجهودات جبارة للمسرح بمنطقة الريف كما هو الحال في سنة 1997م ، حيث تم تكريمه على هامش فعاليات المهرجان الوطني الثالث لمسرح الأطفال، وإما باعتباره شاعرا ينظم أناشيد المهرجان إلى جانب جميل حمداوي ومحمد حمداوي ، وخاصة: كلمات نشيد المهرجان السابع. كما شارك الحسين القمري بمحاضرات في ندوات المهرجان الربيعي لمسرح الأطفال كندوة:” الطفل والمسرح: أية علاقة؟” في المهرجان الربيعي الأول لمسرح الأطفال بالمشاركة مع الأستاذ مهداد الزبير. وكان أيضا مسيرا في المهرجان الربيعي الثاني لمسرح الأطفال في الندوة التي كانت تحت عنوان:” مسرح الأطفال: واقع وآفاق” بمشاركة الأستاذين: مصطفى رمضاني، ولحسن قناني. q الحسين القمري ومسرح الأطفال: اهتم الحسين القمري بالمسرح المدرسي اهتماما كبيرا، إذ ألف مسرحيات مدرسية قيمة كمسرحية:” نداء إلى العالم”، والتي هي من إخراج فخر الدين العمراني. وقد شاركت بها فرقة عبد الكريم الخطابي لليافعين ضمن المسرح المدرسي في المهرجان الوطني الرابع بأكادير سنة 1996م. وتتناول المسرحية قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية، فتبرز صراع الحضارات ، ثم تستقرىء تطور مراحل الإنسان من بداية الإنسانية إلى يومنا هذا، ثم تركز على كيفية نشوء الدولة وصراع الأفراد حول السلطة والحكم، ثم ترصد محاكمة الواقع البشري الذي تنقصه القرارات الصائبة انطلاقا من الفكر الطفولي الإنساني. هذا، وقد وظفت المسرحية التراث لدواع فنية وثقافية وجمالية، وذلك عبر تشغيل الأقنعة الرمزية ، واستعمال تقنية الكراكيز، والاعتماد على خيال الظل، والاستعانة بالرقصات الأنتروبولوجية الدالة على حياة الشعوب البدائية. أما الإنارة فقد كانت خفيفة أقرب إلى الضوء الطبيعي منه إلى الإضاءة الاصطناعية. ومن أهم ممثلي هذه الفرقة ، نذكر على سبيل المثال: نسيم الماحي، وسهام الفزازي، وأنيس العجوري، ومحمد ختاش ، وسهام الشلحي. وقد تميزت هذه المسرحية بحصولها على جائزة أحسن سينوغرافيا ، وقد عادت إلى الأستاذ محمد العمالي بشهادة مجموعة من رجال التحكيم المعروفين وطنيا كعبد الكريم برشيد، والمسكيني الصغير، والمخرج عمر درويش، وكويندي سالم... ونال الممثل نسيم الماحي جائزة أحسن ممثل. أضف إلى ذلك، فقد أولى الأستاذ الحسين القمري عناية كبيرة لمسرح الطفل ، إذ ألف مجموعة من النصوص المسرحية والأناشيد والقصائد الشعرية الموجهة إلى تلاميذ المدارس وأطفال المدينة، كما أخرج العديد من العروض المسرحية التي نالت جوائز مهمة. ومن بين هذه المسرحيات التي ألفها الحسين القمري مسرحية:” سفينة نوح” ، وقد شخصتها فرقة عبد الكريم الخطابي . في حين تولى إخراجها فخر الدين العمراني ، أما السينوغرافيا فكانت من إنجاز محمد العمالي. ومن أهم الممثلين في هذه المسرحية: علي تايتاي، وأنيس العجوري، وسهام الفزازي، وسهام الشلحي. وتتمثل دلالات المسرحية في كونها تدعو إلى التشبث بالقيم الإنسانية والأخلاقية لمواجهة الشر، والذي يرمز إليه بالطوفان، وتعد السفينة في المسرحية رمزا للنجاة والحياة. وتراهن المسرحية في مقصدياتها المباشرة وغير المباشرة على التعايش والأخوة والصداقة والإيمان بحوار الحضارات ، بدلا من الارتكان إلى سياسة النبذ والإقصاء والعدوان والكراهية والتغريب. ولقد استعمل المخرج فنيا وجماليا الديكور الوظيفي المتحول الذي يحمل علامات سيميائية متعددة ومتنوعة، وموسيقا تصويرية حية من أداء الموسيقي الشريف القادري، كما شوهدت صور كوريغرافية للرقص التعبيري وفن الباليه. ومن المعروف أن الفرقة قد شاركت بهذه المسرحية في المهرجان الخامس المقام بمدينة الناظور ، والمنظم من قبل وزارة التربية الوطنية في إطار مسابقات المسرح المدرسي. فنالت المسرحية الجائزة الأولى للمهرجان. q الحسين القمري والمسرح الأمازيغي: لم يكتف الحسين القمري بالمسرح العربي في منطقة الريف فحسب، بل اهتم أيضا بالمسرح الأمازيغي عن طريق التعريف به ، والتأريخ له ، والبحث عن الأشكال الفرجوية التي كانت سائدة عند الإنسان الأمازيغي عبر المراحل التاريخية المعروفة. وقد كتب في هذا الشأن مقالين قيمين، وقد نشرا في الكتاب المشترك:” إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف”. وهذان المقالان، هما: 1- أشكال التعبير الدرامي في الريف؛ 2- المسرح الأمازيغي: إشكالية التأسيس. وسوف نحاول تفصيل هذين المقالين، وبسط أفكارهما، وشرح محتوياتهما قصد فهم منظور الحسين القمري إلى المسرح الأمازيغي بصفة عامة والمسرح الأمازيغي بمنطقة الريف بصفة خاصة. * المقال الأول: أشكال التعبير الدرامي في الريف: ينطلق الحسين القمري من تحديد فضاء البحث، والذي حصره في منطقة الريف ، والتي تشمل على المستوى اللغوي إقليمالناظوروإقليمالحسيمة وأجزاء من تازة ووجدة. وبعد ذلك، حدد أربع مراحل تاريخية عرفتها منطقة الريف تاريخيا: 1- المرحلة الأولى : مرحلة الصدام الأول مع الأجنبي ممثلا بالغزو الفنيقي والقرطاجني والروماني لبلادنا؛ 2- المرحلة الثانية: مرحلة الفتح الإسلامي؛ 3- المرحلة الثالثة: لحظة الغزو الإسباني للشواطئ الريفية؛ 4- المرحلة الرابعة: لحظة انطلاق حروب التحرير الوطني في العصر الحديث مع محمد الشريف أمزيان ومحمد بن عبد الكريم الخطابي.9 ويرى الحسين القمري بأن منطقة الريف تمتاز بوعورة المسالك، وانعدام المواصلات، وندرة الموارد الطبيعية والاقتصادية، وهيمنة الثقافة الشفوية، والانتماء إلى حضارة البحر الأبيض المتوسط، والتشبع بروح الجهاد والمقاومة والتحدي والكفاح ، واللجوء إلى سياسة الحذر، ورفض كل سياسات الاندماج والانصهار في ثقافة الغازي ومجتمعه المستلب. كما كان الأمازيغي بمنطقة الريف يختار حياة قبلية قوامها: العزلة ، والتشبث بالأرض ، والارتباط بنظام القرابة. وعلى الرغم من كون الأمازيغ عرفوا الإسلام منذ القرن السابع الميلادي، إلا أنههم بقوا أوفياء للنظام القبلي، ومتشبثين باللغة الأمازيغية أثناء التخاطب والتداول، ولم يستعملوا اللغة العربية إلا في ماهو ديني متعلق بالعبادات ، وخطب صلاة الجمعة ، والمعاملات الرسمية في تحرير العقود عند البيع والشراء والزواج، وكانت العربية فعلا من حظوة النخبة المثقفة . أما التعليم في منطقة الريف، فقد كان مقتصرا على العلوم الشرعية واللغوية في عدة جوامع وروابط وزوايا كما في تمسمان ، وكبدانة، وبني سعيد، وفرخانة، وبني سيدال... وهناك من العلماء الريفيين من اتجه نحو فاس للدراسة في جامع القرويين، أو يمم شطر الجزائر وتونس والأزهر الشريف لنهل المعارف ، والتعمق في علوم الدين وعلوم الآلة. وبعد أن عرفت منطقة الريف نوعا من الانتعاش الفكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي أثناء تواجد المسلمين في الأندلس ، وذلك بسبب كونها محورا تجاريا يربط الشمال بالجنوب، إلا أن بسقوط الممالك الأندلسية ، وتغلغل المستعمر في مليلية وسبتة ، عادت منطقة الريف إلى عزلتها وانطوائها . ولولا بعض المراكز الحضارية التي تطل عليها هذه المنطقة كفاس وتطوان وطنجة ، لكان الريفيون من عداد الموتى. ولم تعرف منطقة الريف المدارس الحرة بنفس الكثافة التي عرفتها المناطق الأخرى إبان الاستعمار، ولم ينتشر التعليم بشكل كبير. بل لم يترك الإسبان بنية تحتية صالحة للإقلاع الحضاري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي . ولم يكن هناك بعد الاستقلال سوى دور الشباب والرياضة التي قامت بدور فعال في تنشيط المنطقة رياضيا وثقافيا وفنيا. وفي إطار هذه الوضعية المزرية والحالة المأساوية يتساءل الباحث: كيف يمكن الحديث عن تنمية للمسرح في الريف؟ يرى الحسين القمري في النقطة التي خصصها لعلاقة الريف بالمسرح قديما وحديثا أن الأمازيغ عرفوا المسرح قديما مع الرومان ، والذين اهتموا كثيرا ببناء الملاعب والمسارح في وليلي ولكسوس وطنجة، وثمة كتاب مسرحيون أمازيغ مثل: أبوليوس الذي كتب:”الحمار الذهبي” باللاتينية. ومع دخول الإسلام، انقطع الأمازيغ إلى العبادة والجهاد في سبيل الله، فانشغلوا بالدين الجديد، ثم تخلوا عن المسرح؛ نظرا لموقف الإسلام الواضح من التمثيل والتشكيل والتشخيص والغناء. ولم يعرف الأمازيغ المسرح بالمفهوم اليوناني على غرار العرب؛ لأن العرب لا يمكن لهم أن يتصوروا صراعا تراجيديا بين الإنسان والله والقدر كما يشير إلى ذلك الدكتور محمد عزيزة في كتابه:” الإسلام والمسرح”. ولم يعرف العرب المسرح إلا مع محاولات يعقوب صنوع وأبي خليل القباني ومارون النقاش. ولم يعرف المغرب بدوره المسرح إلا مع قدوم مجموعة من الفرق المصرية إلى المغرب كفرقة محمد عز الدين التي قدمت مسرحية صلاح الدين الأيوبي، وتأسيس مسرح سيريفانتيس بطنجة سنة 1912م. بيد أن البداية الحقيقية للمسرح المغربي كانت في سنة 1923 مع مسرحية” صلاح الدين الأيوبي” التي قدمتها جمعية قدماء تلاميذ مولاي إدريس بفاس . أما منطقة الريف فلم تعرف المسرح حسب الحسين القمري إلا في سنوات الستين بفضل مجموعة من الفرق المسرحية الوطنية التي زارت المنطقة، وإن كان الواقع الحقيقي أن الريفيين عرفوا المسرح منذ سنة 1956م ، وذلك عندما قدم كل من عبد الله عاصم وسعيد الجراري مسرحية بمدينة الدريوش حول عودة محمد الخامس إلى البلاد بعد منفاه. ومن أهم الفعاليات التي ساهمت في تنشيط المسرح بمنطقة الريف، نذكر: فرقة الحسيمة التي أسسها بعض الموظفين الغيورين على الفعل المسرحي :” واستطاعت الحصول على إحدى جوائز مسرح الهواة ، ثم فرقة المشعل المسرحي بالناظور التي قامت ببعض المحاولات ما لبثت تحت ضغط الإمكانيات أن انقطع نشاطها ، واختفى نهائيا بعد أن هاجر أهم كوادرها إلى أوربا للعمل. غير أن قطع الصلة بالمسرح على مستوى الممارسة المحلية لا يعني أن أبناء الريف لا يساهمون في المسرح المغربي، فكثير من الأسماء التي أثرت العمل المسرحي، وساهمت في تأسيسه من منطقة الريف ( عبد الصمد الكنفاوي- عبد الكريم برشيد- وآخرون).”10 هذا، ويرى الحسين القمري أن جميع الباحثين الذين اهتموا بالأشكال ماقبل مسرحية أو الفرجات الشعبية، قد ركزوا على الكثير من الظواهر الاحتفالية، مثل: سلطان الطلبة، وعبيدات الرما، وسيدي الكتفي، والحلقة، في حين أهملوا الظواهر الفرجوية المعروفة في منطقة الريف. وتنحصر هذه الفرجات الشعبية الريفية في: حفلة باشيخ التي تعرف في المناطق الأخرى بسونا أو ما يسمى أيضا ببوجلود( تقمص جلود الحيوانات )، وظاهرة الزفانة أو ما يسمى بإمذيازان( مغنون بوهيميون ينتقلون بين أرجاء منطقة الريف)، وحفلة العرس في الريف المتعلقة بمشهد مولاي السلطان وسبحان الخالق( طقوس الرازيق)، والعنصرة( فرجة احتفالية تقام بعد موسم الحصاد وجمع المحصول تستوجب احتفالا دراميا كبيرا )، وظاهرة اللامة ( حفلة تقام كل سنة حول ضريح الولي الصالح ، مثل : لامة ضريح الولي المرابطي” علي الحساني” بسلوان). ولكن على الرغم من هذه الأشكال الفرجوية الشعبية الدرامية، فإن تنمية المسرح:” لا تقتصر على جانبها الفطري ، بل إن هذه التنمية لابد لها أن ترتبط بالنهوض بالمسرح في مجموع الوطن المغربي بإشاعة الوعي بالدور الهام للثقافة بصفة عامة لدى المجتمع، وبناء معهد للفنون المسرحية في منطقة ما بالريف وتشجيع الفرق المحلية...وإشعار المجالس المنتخبة بضرورة الاهتمام وخدمة الثقافة ومن بينها المسرح، وحثها على تشييد قاعة للمسرح في كل مدينة على الأقل. ولعل هذه الخطة لن تكون في المستوى المطلوب إلا إذا ارتبطت بتربية الأجيال على الإقبال على المسرح بدءا من المدرسة إلى الجامعة. ذلك، لأن هذه الخطة هي الكيفية وحدها بغرس قيم الحضارة والشخصية المغربية في رجال المستقبل، وصيانتهم من الاستلاب وتقليد الغرب تقليدا أعمى ، خاصة وأن الريف هو واجهة المغرب على أوربا والحارس لشواطئه على مر العصور.”11 هذه هي أهم الأفكار التي تضمنها المقال الأول، والتي تعطينا نظرة عامة حول وضعية المسرح بمنطقة الريف وتاريخه الطويل. فماذا- إذاً – عن المقال الثاني؟ * المقال الثاني: المسرح الأمازيغي: إشكالية التأسيس: ينطلق الحسين القمري ، في مقاله ” المسرح الأمازيغي: إشكالية التأسيس” الذي خصصه للمسرح الأمازيغي الحديث والمعاصر ، من ثلاث نقط أساسية، وهي: نسب المسرح الأمازيغي، وتأطير المسرح الأمازيغي والعمل الجمعوي، والمجال الحيوي للمسرح الأمازيغي. يرى الحسن القمري أنه من الضروري للمسرح الأمازيغي الحديث والمعاصر ليثبت وجوده وكينونته أن ينفتح على الدائرة الكونية، وذلك عبر الاطلاع على التجارب المسرحية العالمية الإغريقية والغربية والأفريقية والشرقية وملاحم أمريكا اللاتينية ، وأن يتعرف قواعد وقوانين الدراما الأرسطية المعروفة للجميع. ولابد لهذا المسرح أن ينفتح على المسرح العربي منذ مارون النقاش عبر توفيق الحكيم ويوسف إدريس وسعد الله ونوس، والاطلاع على المسرح المغربي في مراحل ضعفه وقوته، والانفتاح على مشاكله والمثبطات التي يعيشها. فالمسرح الأمازيغي جزء من المسرح المغربي، يتأثر بسياسة السلطة سلبا وإيجابا. ويحث الكاتب على مستوى الدائرة الأمازيغية أن ينتقل المسرحيون من الشفوية إلى الكتابة والتدوين، وجمع التراث الأمازيغي، وإنشاء فرق وخلايا لجمع الموروث الشفوي والكتابي إن كان موجودا، مع ضرورة إحياء اللغة الأمازيغية ، والدفاع عنها بطريقة علمية ، وذلك بإيجاد قاموس صالح وجامع لكل المصطلحات التي تخص المسرح كتابة وإخراجا وتأثيثا ونقدا. ومن ثم، فعلى رجال المسرح الأمازيغي المؤسسين:” أن ينكبوا على تكوين الخلايا واللجن ومجموعات البحث لإيجاد الحلول، ولن يتأتى ذلك إلا إذا تضافرت جهود الكتاب والأنتروبولوجيين واللسانيين والنقاد واللغويين. إذ لا يمكن للمسرح الأمازيغي أن ينشأ حقيقة إلا في إطار مشروع ثقافي أمازيغي متكامل.”12 ولا يمكن للمسرح الأمازيغي أن يقدم خدماته التثقيفية والتنشيطية إلا في حضن العمل الجمعوي، وذلك باتباع مجموعة من الخطوات الإجرائية : تكوين فرق مسرحية منضبطة للتداريب اليومية؛ تكوين مجموعات البحث في التراث والنصوص؛ تكوين لجن القراءة والاقتباس وترجمة النصوص العالمية والمغربية والعربية إذا كانت النصوص المكتوبة أصلا بالأمازيغية مازالت دون المستوى المطلوب؛ الاهتمام بالجانب التقني في الديكور والإنارة واللباس والسينوغرافيا ، وذلك بالاستعانة بالخبراء في هذا الميدان؛ الاهتمام بالجانب النظري للمنخرطين ، فالكاتب والممثل والمخرج الذي لم يطلع على المسرح العالمي والمغربي والوطني لا يمكنه أن يعطي عطاء جيدا؛ تنظيم حلقات دراسية مستمرة وأيام تدريبية للأطر المسرحية بتنسيق مع الكفاءات والفعاليات الوطنية تستهدف تكوين الممثل( التعبير الجسدي)؛ إيجاد قنوات للمشاركة في التداريب الوطنية والانخراط في الاتحادات الجهوية للفرق المسرحية قصد الاستفادة من تجارب الفرق المسرحية المعروفة وطنيا.13 وبعد ذلك، ينتقل الكاتب إلى الفضاء الحيوي الخاص بانتعاش المسرحى الأمازيغي ، فأشار إلى مجموعة من الملامح لذلك الفضاء: 1- انعدام سياسة ثقافية تستجيب لحاجيات الجماهير، وتنطلق من القناعة بجدوى العامل الثقافي في تنمية الإنسان المغربي؛ 2- التراجع الخطير عن إطلاق الحريات العامة وحرية التعبير بصفة عامة. 3- الإمعان في تجاهل مطالب التجهيز الثقافي وإهمال الموجود منها على ضآلته ؛ 4- انعدام حظوظ إمكانيات طبع الكتاب المغربي عامة، والأمازيغي خاصة. ومكن شأن هذا الواقع أن يؤدي إلى انعدام فرص الاطلاع على النصوص المكتوبة. وترويجها لتوفير فرص المثاقفة، وتبادل الخبرة في الكتابة بين المهتمين، وإيجاد ربرتوار المسرح الأمازيغي في النهاية. 5- غلبة الحماس والمبادرة العاطفية على العمل الجمعوي، دون التسلح بأساليب وخطط دقيقة تعتمد على الدراسة والتكوين، وفهم آليات العمل الثقافي عامة والمسرح خاصة، الأمر الذي يؤدي بالمنخرطين إلى فقدان الحماس عندما يجدون أنفسهم لايتلقون ما يلزم من الخبرة لمواصلة العطاء ، ويكتشفون الهوة بين الحماس المجرد والتأهيل العلمي. وهذا ينعكس على فعاليتهم واستمراريتهم.14 وبعد أن حدد الحسين القمري مجموعة من العراقيل التي تقيد انطلاقة المسرح الأمازيغي، وتشل طاقته، وتحد من نشاطه وانتعاشه، انتقل إلى تقديم مجموعة من الحلول الناجعة، وذلك لتحقيق تنمية مسرحية أمازيغية شاملة. وفي هذا الصدد يقول الحسين القمري:”إن هذا الواقع حسب ما حددناه من ملامح يكبح انطلاقة المسرح الأمازيغي كما نريده أن يكون ، ومن الأجدى أن يتفطن رواد الفرق المسرحية إلى هذا الواقع المزري ويحاولون تجاوزه، بربط المشروع الثقافي للمسرح الأمازيغي بالحركة الثقافية والديمقراطية فيما بينهم ، ويعملون على تقوية اتحادات الجمعيات لرفض مطالبهم. مع اجتناب التشرذم ومنطق الإقصاء، فبهذا وحده يواجهون الإقصاء الذي تتعرض له الثقافة الوطنية التي ينبغي أن يكون المسرح الأمازيغي جزءا لا يتجزأ منها. أيها الأصدقاء! إن المسرح الأمازيغي الذي قدم لنا شهادة الميلاد في أيامه الأولى – يضيف الحسين القمري- ليس محكوما عليه بالبقاء سنوات في مرحلة الضياع والتجريب السلبي. إذا ما وضع رجاله خططا محكمة للنهوض به. خاصة وأنه سيجد المجال الحيوي في الملايين من أبناء شعبنا الذين سيفهمونه لأنه سيخاطبهم بلغة ليست بعيدة عنهم شكلا ومضمونا على أن يبقى هذا المسرح جزءا من ثقافتنا الوطنية التي نريدها ثقافة تحريرية تغني الهوية الوطنية، وتفتح لها آفاق التطور والازدهار. إنها حتمية لاشك فيها وما نرجوه هو ألا تطول سنوات المخاض.”15 وهكذا، يختم الحسين القمري مقاله الذي شارك به في ندوة :” الأيام الأولى للمسرح الأمازيغي” التي نظمتها جمعية النهضة الثقافية بالناظور ، وذلك لفهم واقع المسرح الأمازيغي الحديث والمعاصر ، وتحديد آفاقه المستقبلية الممكنة والمحتملة. خاتمة: وخلاصة القول: ذلكم – إذاً- هو الأستاذ الحسين القمري الذي كان هو المؤسس الحقيقي للمسرح العربي والأمازيغي بمنطقة الريف تنظيرا وممارسة وإبداعا. فقد ألف هذا المثقف العضوي الكثير من المسرحيات للكبار والصغار على حد سواء. فساهم بكل جدية في إثراء المسرح المدرسي ، وإغناء مسرح الأطفال كتابة وتوجيها وإرشادا وتشجيعا وتقويما. كما كان علما ثقافيا بارزا في مدينة الناظور ، وشخصية محترمة في لجان التحكيم المسرحية إلى جانب كبار المسرحيين المغاربة، وكان له أيضا حضور مشرف في منطقة الريف باعتباره من المؤسسين الحقيقيين لفرع اتحاد كتاب المغرب إلى جانب عبد الله شريق ومحمد أقضاض . علاوة على ذلك، فكان للحسين القمري في منطقة الريف إشعاع إبداعي متنور ، وعطاء مسرحي مثمر ، وكانت له كذلك إسهامات جلى في تنشيط الحركة الثقافية والمسرحية بمدينة الناظور . ولا ننسى أن نقول كذلك بأن الحسين القمري كان له الفضل الأكبر في تكوين مجموعة من المخرجين البارزين، ونذكر مثالا واحدا كان نبراسا حقيقيا لكل شباب المدينة في مجال التأطير المسرحي، ألا وهو : الأستاذ المخرج فخر الدين العمراني الذي أغنى ريبرتوار المسرح الأمازيغي بمجموعة من مسرحياته الرائعة والموفقة كمسرحية” أرياز ن-وورغ/ رجل من ذهب” ، ومسرحية” ءارماس”، ومسرحية:”نشين سا/ نحن من هنا”. هوامش المقال: 15 – ولد الحسين القمري سنة 1944م بمدينة الناظور( المغرب)، مارس في بداية حياته مهمة التدريس. ثم ، انتقل بعد ذلك إلى مزاولة مهنة المحاماة إلى حين تقاعده الطوعي. ومن ناحية أخرى، فهو شاعر ومسرحي ومثقف جمعوي. ومن دواوينه الشعرية: ديوان “ألف باء” ( 1975م)، وديوان” كتاب الليالي” (1991م)، وديوان ” هديل الروح” ( 2001م)، وديوان” سنابل الحرية” (2005م)؛ انظر: د. محمد يحيى قاسمي: الإبداع الأدبي المعاصر بالجهة الشرقية من المغرب، مطبعة الجسور بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:39؛ 2 – الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف، مطابع أمبريال، سلا، الطبعة الأولى سنة 1994م، صص:127-152؛ 3 – انظر: د. عبد الله عاصم: كدية أومليل، القرية الصوفية العالمة، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرابط، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:498؛ 4 – د. عبد الله عاصم: كدية أومليل، القرية الصوفية العالمة، ص:498؛ 5 – د. عبد الله عاصم: كدية أومليل، القرية الصوفية العالمة، ص:151؛ 6 – من دواوينه الشعرية: ديوان الأعشاب( الرباط- 1965م)، وديوان المدينة الفاجرة ( ملحمة شعرية- دار الكتاب، بيروت، لبنان، 1971م)، وديوان دروس للأغنياء في الأخلاق( ملحمة شعرية- دار النجاح، الدارالبيضاء، 1980م)، وديوان مناقشة صريحة مع الله ( باريس- 1972م)، ودواوين شعرية أخرى...؛ د. عبد الله عاصم: كدية أومليل، القرية الصوفية العالمة، ص:151؛ 7 – د. عبد الله عاصم: صراع القبائل، رواية للإنتاج السينمائي، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1966م؛ 8 – سعيد الجراري: من مذكرات سعيد الجراري حول فرقة ” المشعل المسرحي” بالناظور، ورقة مخطوطة أمدني بها صاحبها مشكورا، ص:2-4؛ 9 – الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف، مطابع أمبريال، ، ص:130؛ 10- الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف، ص:136؛ 11- الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف، ص:144؛ 12- الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف، ص:144؛ 13- الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: نفس المرجع، ص:150؛ 14- الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: نفس المرجع، ص:150-151؛ 15- الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: نفس المرجع، ص:151-152. المصادر والمراجع: 1- الحسين القمري، وعبد الله شريق، ومحمد أقضاض: إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف، مطابع أمبريال، سلا، الطبعة الأولى سنة 1994م؛ 2- د. عبد الله عاصم: صراع القبائل، رواية للإنتاج السينمائي، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1966م؛ 3- د. عبد الله عاصم: كدية أومليل، القرية الصوفية العالمة، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرابط، الطبعة الأولى سنة 2008م؛ 4- د. محمد يحيى قاسمي: الإبداع الأدبي المعاصر بالجهة الشرقية من المغرب، مطبعة الجسور بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2009م.