المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحالمون عند نقطة الصفر . .
قراءة نقدية ، لنماذج سينمائية من كوردستان العراق . .


نظرة تاريخية :
قبل الحديث عن السينما في كوردستان العراق، اجد من الضروري التوقف قليلاً عند الملامح الاولى لظهور الشكل الفني للفلم السينمائي . أي اقتفاء اثر اللحظات الاولى التي كانت السينما فيها لاوجود لها كفن .حتى نرصد الخطوات الاولى لظهورها على سطح المشهد الثقافي الانساني .
ونحن بهذه العودة الى تلك السنين نسعى لان نضع السينما في كوردستان العراق ضمن اطارها الموضوعي والتاريخي ، ذلك لانها لم تولد من فراغ ، ولم يكن ميلادها قد جاء بفعل الصدفة ، او تعبيراً عن رغبة انية لفرد ما ، انما جاء ت بفعل تحولات اجتماعية وتاريخية شهدها العالم بشكل عام والمنطقة الجغرافية التي تحيط بالشعب الكردي بشكل خاص . وهذا بدوره قد انعكس بطبيعة الحال على المجتمع الكوردي سلباً وايجاباً لكنه في نهاية المطاف كان له الاثر البالغ في نمو ويقظة الوعي الذاتي والقومي في المجتمع الكوردي ، الذي شهد صوراًً جرب صور شتى للتعبير عن هذا الوعي عبر مراحل نضاله الوطني وكفاحه الطويل من اجل اثبات وجوده على ارضه المستلبة، ومن اجل اعلان هويته التي ظلت تتعرض لعمليات تدمير منظمة بقصد محوها أو اذابتهافي هويات شعوب وقوميات اخرى . من كل هذا المخاض الصعب كان الشعب الكردي لايتردد في الانفتاح على اي سبل ثقافية وفنية الى جنب الكفاح المسلح، للتعبير عن صوته وكشف الظلم الذي كان واقعاً عليه .
وكان الفن السينمائي واحد من تلك السبل التي حرم منها بسبب ظروف النضال التي كانت تتواجد في بيئة جبلية صعبة بعيدة عن المدن ،وبسبب مايتطلبه العمل السينمائي ايضاً من امكانيات ماديةضخمة .
لكنه وبعد ان نال شيئاً من حريته بعد انتفاضته الشعبانية عام 1991 ، بدأت اولى الخطوات العملية لاستثمار الفن السينمائي لتوثيق ذاكرته المعاصرة قبل ان يطولها النسيان ، هذه الذاكرة المثقلة بالاحداث الجسام والتواريخ المرة والمتوزعة مابين القتل الجماعي والتهجير القسري والنفي في الصحارى والتغييب في السجون والمعتقلات المطمورة تحت الارض ، كان لابد من العمل سريعاً على لملمة شظايا الجروح والمآسي التي كانت تختزنها الروح سواء جاء ذلك عبر اعمال وثائقية او افلام روائية ،وهذا ماتحقق فعلاً في عدد من الاعمال التي توزعت من حيث الشكل الفني على هذين النوعين من الانتاج الفلمي في النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن الماضي .
ان السينما باعتبارها فناً ، لم تكن في يوم ما ترفاً فنياً لاقيمة له جمالياً كان او فلسفياً او توثيقياً، انما كانت السينما منذ اللحظات الاولى لولادتها عندما جاءت صامتة ، تشيء بفن كبير اشارت كل الدلائل على ان قاموس مفرداته سوف يتسع فلماً بعد اخر وإسمَاً سينمائياً مغامرا بعد اخر،
وهنا انتبه لهذا الفن افراد افذاذ ، خُلِقوا لكي يكونوا فلاسفة مكتشفين ومطورين للفن السينمائي ،كما هو الحال مع (كريفث) الاميركي و(ايزنشتاين ) الروسي ، اللذان اقتحما ارضاً بكراً مجهولة، لم تطأها قدم شخص اخر قبلهما بقصد (الاكتشاف والتنظير والتغيير والاستثمار ). وكان لهما ما حلما به،وبدأت فعلاً على يديهما تتضح معالم فن جديد، لم يكن العالم يعرفه ، وانتبه التجار والمستثمرون الاميركان لمايختزنه هذا الفن الجديد من قدرات هائلة تجارية مخزونة فيه وعلى اشرطة السلولويد التي تطبع عليها القصص والمغامرات والمطارات . لذا لم يتوانوا في تأسيس تأسيس وانشاء دور للعرض السينمائي في المدن الاميركية ، واخذت تتسع اعداد تلك الدور يوماً بعد اخر، كما اخذت ادوات العرض تتجدد هي الاخرى تبعاً للمتغيرات الحاصلة في الصناعة التقنية للسينما ايضا .
ومن هنا بدأت رؤوس الاموال القادمة من الفن السينمائي تتضاعف وتتراكم لدى المنتجين والمستثمرين في هذا الفن . ليصبح لهذا المال ثقلاً رئيسياً في ميزانية الدخل القومي الاميركي في النصف الاول من القرن العشرين . ولم يكن تأثير الفن السينمائي مقتصراً منذ البداية على الجانب الاقتصادي فحسب بل بدا واضحاً لدى صناع القرار في اميركا تحديداً ، مدى التأثير الخطير لهذا الفن الدرامي البصري على عقول وثقافات واذواق الشعوب، الى الحد الذي تمكنت فيه السينما من تحقيق ماكانت قد عجزت عنه حقولا ثقافية وفنية اخرى كالادب والمسرح من الوصول الى ماوصل إليه الفن السابع من قدرة على نشر وتعميم نمط الحياة الاميركية الى ايما بقعة يصل اليها الفلم السينمائي الاميركي بعد أن اكتملت كل عناصر النجاح المادي والتقني لهذه الصناعة ،ابتدأً من رؤوس الاموال الضخمة الى معدات التصوير، والاضاءة ،والخدع الفنية التي يتم تطويرها يوماً بعد اخر، وصولاً الى بناء مؤسسات اكاديمية فنية على درجة عالية من الحرفية والعلمية يتلقى فيها عشاق الفن السينمائي من الذين يطمحون للعمل فيه ادق المعلومات الحرفية واحدثها في مجمل تفاصيل انتاج الفلم السينمائي . .
من كل هذا الارث الذي تراكم خلال قرن كامل اصبحت السينما اليوم ابرز واخطر واهم الفنون الدرامية جاهيرية وتأثيراً على الرأي العام، وامست عاملاً اساسياً لدى الساسة الاميركان وهم يرسمون الطريق لاحلامهم الستراتيجية التي تمتد على طول وعرض الكرة الارضية وخارجها .
وهناك من الدلائل الملموسة مايثبت صحة ماذهبنا اليه وهذا امر لم يعد جديداً ومستغرباً على احد ٍ . ويكفي الاشارة فقط الى عدد الافلام التي انتجت عن الحرب الاميركية في فيتنام وضخامة تلك النتاجات لا لشىء سوى تبرير وازاحة كل الشبهات عن تلك الحرب القذرة اضافة الى مساهمتها في اعادة الثقة بالنفس وبالكرامة للمواطن الامريكي بعد تلك الهزيمة التي تلقتها في المستنقع الفيتنامي .
وهكذا لعبت ايضاً نفس الدور في معركتها ضد الارهاب القادم من الشرق الاسلامي كما روجت الدعاية الرسمية ! وأعطت بذلك مبررات الدخول الى مناطق جغرافية كانت السياسة الاميركية تحلم بالوصول اليها منذ الحرب الباردة واقامة قواعد عسكرية واستخباراتية فيها ، من اجل هدف بعيد يحظى بالاولية لدى دوائر صنع القرار هناك: وهو السيطرة على ثروات الشعوب الفقيرة بأحوالها ،والغنية جداً بأراضيها والتي تختزن اهم واوسع ثروات العالم .
وفي المقابل لهذه الصورة السينمائية التي تم استغلالها بشكل بشع لخدمة اغراض واهداف اضرت كثيراً بالانسانية وبالشعوب الفقيرة والمبتلية بحكام طغاة واغبياء ، كانت هنالك صورة اخرى اكثر اشراقاً للسينما يتم انتاجها ايضاً في عجلة السينما الاميركية والاوربية ، صورة اقتربت كثيراً جداً من الذات الانسانية الجريحة بكل احلامها وامالها ، وكانت السينما هنا منطلقاً رائعاً لكل الفنانين الحالمين بعالم اجمل، وشهد العالم خلال قرن كامل اعمالاً سينمائية خالدة مجدت الانسان بكل طاقات الخير والنبل التي جُبل عليها واقتربت كثيراً من مشكلات واحداث فردية ومجتمعية قدمتها بتحف فنية تسري بين لقطاتها ومشاهدها مشاعر وعواطف واحاسيس انسانية تمكنت من اعادة التوازن الى الذات الانسانية التي كانت تتعرض الى شتى صنوف التهديد والخوف المجتمعي والسياسي . لتصبح السينما هنا تجربة جمالية تتظافر فيها فنون شتى وتتماهى مع بعضها من اجل الارتقاء بالذائقة الانسانية وابقاء الامل مفتوحا امام الانسان اينما كان وهو يشق طريقه في الحياة .
انتبهت شعوب عديدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية الى اهمية وخطورة الفن السينمائي بعد ان نالت تلك الشعوب ثمار نضالها وحريتها من اجل الاستقلال والخروج من تحت هيمنة القوة الاجنبية المستعمرة سواء في اميركا اللاتينة او في افريقيا او في اسيا . وظهرت خلال نصف قرن من الزمان تجارب سينمائية متفرقة هنا وهناك شهدتها تلك القارات والبلدان التي تقع فيها ، وتباينت نسب الانتاج بين مد وجزر تبعاً للظروف المحلية لكل بلد وقارة، خاصة ونحن نعلم ان كل البلدان التي تحررت والتي امست زمام امورها خاضعة لحكومات وطنية كانت قد ورثت تركة ثقيلة لتلك العهود الطويلة من النهب والاستعباد ، لكن الشيىء المؤلم والموسف له، ان تلك الفرصة التاريخية التي حظيت بها تلك الحكومات والزعامات الوطنية لم يتم استثمارها بالشكل الصحيح والمجدي ، بعد ان اساء الحكام الوطنيون الجدد استغلالها اسوأ استغلال خدمة لمناصبهم ومصالحهم ،وبدلاً من التفكير جدياً في خلق فرص تنموية لبلدانهم وتطويرها على النحو الافضل خدمة لشعوبهم،ذهبوا بعيداً جداً في عسكرة المجتمعات وبناء شبكة متضخمة من الاجهزة الامنية والقمعية والترسانات العسكرية التي ارهقت اقتصاد البلاد واصابته بالعجز والشلل والتضخم ولم يكن الهدف من تلك السياسات سوى السيطرة على شعوبهم بالقوة وقمع اي قوة تطالب بالحرية والعدالة الانسانية ولتكون السينما في هذه البلدان على شكل واحد من التشابه والاستنساخ في القارات الثلاث ( اسيا افريقيا واميركا اللاتينة ) ولتصبح هي الاخرى ضحية كبقية ضحايا المجتمع .
وعليه لم تشهد تلك البلدان نمواً وتطوراً في الانتاج السينمائي إلاّ فيما كان يخدم النظام الحاكم وايدلوجيته المخادعة والمزورة لكل شيىء ابتدأً من التاريخ البعيد ومروراً بالحاضرالقريب بكل التفاصيل البوليسية التي يحيا بظلها الانسان . لكن نماذج هذه السينما الحكومية لم تستطع ان تقنع الناس البسطاء في تلك البلدان بقيمتها الفنية ومصداقيتها.
وهكذا ايضاً فشلت تلك الافلام فشلاً ذريعاً في الوصول الى المهرجانات الدولية التي كانت تحرص الدوائر الرسمية الحكومية على التواجد فيها من اجل تلميع صورتها والاستمرار بنفس اللعبة دولياً لخداع العالم كما كانت تخدع مواطنيها . وبذلك لم تتمكن من تحقيق ماكان يصبو اليه الحكام .
وعلى ذلك لم يكن غريباً ولاأمراً يدعو للدهشة او الاسف ان يذهب كمٌ هائلٌ من النتاج السينمائي السوفيتي ومن الكتلة الاشتراكية في اوربا الشرقية كان قد تم صنعه على مدى نصف قرن الى حاويات الزبالة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي ..
لقد تم محو تاريخ طويل من الفن الدعائي الكاذب والمزور لكل شيىء . وسقطت من ذاكرة الناس والتاريخ اسماءً فنية كثيرة عملت لعقود طويلة من اجل خدمة الانظمة السياسية الحاكمة فقط ، وتجاهلت دورها الطبيعي ودور الفن الحقيقي في الكشف عن الحقيقة وانصاف الانسان المقهور والمستلب بحريته وانسانيته وهويته ولقمة عيشه واحلامه وارتضت تلك الاسماء لنفسها ان تنزلق الى منحدر ومستنقع اسن ٍ، الى فن ٍ وسخ، ساهم مساهمة واضحة في الاساءة لكرامة الانسان وحريته .
وبعد سقوط جدار برلين كرمز لسقوط حقبة سوداء من تاريخ البشرية لم يقتصر تأثيرهذا الحدث وتداعياته على اوربا فقط بل تعداه الى العالم اجمع وبدأ العالم يشهد عهداً اخر من تاريخ الانسانية ،عهد ايقظ الامل في الشعوب الصغيرة والاقليات المهمشة التي طالما سحقتها القوانين الجائرة للقوى المجتمعية الكبيرة المهيمنة على الحياة . وبدأنا نشهد الكثير من مظاهر التعبير الفني لتلك الشعوب والاقليات عكست من خلالها ماتختزنه من عشق كبير للحياة وقدرات ابداعية هائلة ظلت مقموعة لعقود طويلة وهكذا نال عدد من المبدعين ينتمون لتلك الاقليات والاعراق على العديد من الجوائز الفنية في الكثير من المهرجانات الفنية ،وسجلوا حضوراً مميزاً لهم ولشعوبهم بعد ان توفرت الفرصة لهم للتعبير عن انفسهم وعن قدراتهم . وهذ ماحصل على سبيل المثال لاألحصر مع مخرج فلم( اسامة ) للمخرج الافغاني ( صديق بارمك ) والمخرج الكوردي التركي ( يلماز كوني ). وعدد من الاسماء السينمائية الايرانية (محسن مخملمباخ )و(سميرا مخلمباف) واسماء اخرى تنتمي لجنسيات وقوميات اخرى كانت غائبة ومغيبة عن ذاكرة العالم .
السينما في كوردستان العراق :
تأتي السينما في كردستان اليوم لتعد واحدة من تلك التي السينمات التي لم تكن حاضرة في الحياة والثقافة المجتمعية الكوردية بفعل ماواجه الشعب الكوردي من ظلم على مدى عقود طويلة من القمع والاضطهاد ، وكانت قواه التقدمية تكافح بما تملكه من قدرات من اجل الحفاظ على الهوية والوجود من الابادة والزوال وكرست كل جهدها و طاقاتها لاجل هذا الهدف .
لذا لم ليكن الظرف مناسباً وملائما لقيام وظهور فن سينمائي نشط يواكب مايجري من احداث على ارض كردستان . لكن اليوم وبعد ان سقطت كل الاسباب الموجبة التي كانت وراء مأساة الشعب الكردي ونال حرية كان يسعى اليها دوماً وامست ارضه تحت ارادة ابناءه ، بدأت ملامح انتاج سينمائي كوردي تظهر على سطح الحياة الفنية في الاقليم . ومن هنا تعد السينما في كوردستان العراق من الفنون الجديدة التي شهدت الاهتمام بها خلال الاعوام القليلة الماضية .
ورغم العمر القصير هذا ، تمكن عدد من العاملين والمحبين لهذا الفن من انتاج عدد من الافلام الروائية الطويلة التي حققت حضوراً فنياً في المهرجانات الدولية التي شاركت فيها وحصلت على جوائز مهمة نتيجة لما حملته تلك الافلام من مستوى فني جيد ولغة سينمائية ناضجة ، كما هوالحال في فلم (زيان ) اي بمعنى( الحياة ) للمخرج جانو روجبياني والذي تم انتاجه في مطلع القرن الحالي ويتحدث الفلم عن قرية حلبجة التي تم قصفها بالسلاح الكيمياوي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي اثناء الحرب العراقية الايرانية ، وقد وترك ذلك اثراً بالغاً على حياة ساكنيها وعلى الاجيال التالية ،ولم تزل اثارها شاخصة حتى الان . وهنالك افلاماً اخرى للمخرج شوكت امين الذي حصد الجائزة الكبرى عن فلمه ( ضربة البداية ) في الدورة الاخيرة لمهرجان الخليج السينمائي الذي اقيم في دبي / الامارات عام 2010 وهو انتاج مشترك مع اليابان وسبق لهذا المخرج ان قدم فلماً اخر عنوانه ( عبور الغبار ) وقد نال هذا الفلم ايضاً في حينها عدد من الجوائز نتيجة مشاركته في كذا مهرجان دولي .اضافة الى ذلك هناك افلاما اخرى للمخرج بهمن قوبادي الايراني الاصل والذي قدم خلال مسيرته الفنية العديد من الافلام الروائية الطويلة نذكرمنها (نصف القمر،السلاحف تطير،اناشيد وطني، وقت للخيول المخمورة) اضافة الى افلامه القصيرة الثلاثة عشر( الدفئ ، الحرب انتهت، الحياة في الضباب،الحلاق ،جندي يدعى امين، سمكة الله، السابع عشر، كالحياة، الصوت، مطر من جديد مع الالحان، لحظة وميض، ) وغيرها من الافلام المنبعثة من صميم الواقع ، والمخرج قوبادي له رأي جريء في واقع صناعة السينما في كردستان سبق ان ادلى به في العاصمة الرومانية بخارست بعد مشاركته في لجنة تحكيم المهرجان العالمي الثالث للافلام المستقلة الذي نظمته رومانيا العام الفائت اذ قال في حينها ( بان شعب كردستان لن يتطور ويلتحق بركب الحضارة العالمية الا بتعميم الثقافة واحترام السينما والموسيقى والشعر ورعاية المبدعين وتشجيعهم ورعاية الناشئة الفنية ومن خلال نتاجات هؤلاء سيتعرف العالم على شعب كردستان وعلى قضيته السياسية العادلة لا من خلال التسابق على تشييد البنايات الفارهة وتاسيس الشركات المتنافسة والمطاعم والاسواق المزركشة الاستهلاكية.! ) .
ان هذا الرأي من مخرج مهم يملك تجربة غنية يستحق التوقف عنده والاخذ به من اجل قراءته بشكل جيد وصولاً الى وضع الاسس واللبنات الصحيحة لصناعة السينما في كردستان العراق .
ولاجل ذلك ينبغي الاخذ بمشورة المثقفين والسينمائيين عبر ملتقيات وحلقات دراسية يتم التهيئة والاعداد لها بشكل جيد من اجل القاء نظرة واضحة وعلمية على واقع الانتاج السينمائي وبناء صورة اخرى لليوم الاخر القادم .
و اضافة الى ماذكرنا من الاسماء العاملة في ميدان الاخراج السينمائي هناك مخرجون اخرين ، ايضاً اثبتوا كفاءتهم وتميزهم في هذا المضمار منهم المخرج (مهدي اوميد )والمخرج (حسين حسن ) الذي شاهد له الجمهور في كردستان العراق مطلع العام الحالي 2010 في مهرجان محلي اقيم لعرض عدد من الافلام الكوردية في اربيل فلماً بعنوان
( هرمان ) اي بمعنى (البقاء) .وهناك ايضاً المخرج انور السندي الذي قدم فلما بعنوان( مطلع الفجر ) ، عالج هو الاخر موضوعة الحدث الجسيم الذي شهدته ناحية حلبجة وماعانته من دمار نفسي ومادي نتيجة القصف الكيمياوي .اضافة الى ذلك فقد شهدت الافلام الروائية القصيرة هي الاخرى اهتماماً واضحاًمن قبل السينمائيين الشباب الذين عدوها خطوة اولى للدخول الى ميدان انتاج الافلام الطويلة رغم فارق الاسلوب الفني بين نوعي الفلمين .وقد شهدت كردستان العراق اقامة عدد من المهرجان السينمائية المحلية التي استوعبت العدد المتزايد من الافلام السينمائية الروائية القصيرة التي تولى اخراجها مجموعة من الشباب الكورد توزعوا على المحافظات الكردستانية العراقية ، وهم في تزايد واضح يوماً بعد اخر رغم قلة الدعم الذي يتلقونه من المؤسسات الحكومية . مع ان وزارة الثقافة في هذه الايام وفي خطوة جادة منها تسعى لتقييم طبيعة الدعم الذي تلقته الانشطة السينمائية في الاعوام الماضية وتهدف من وراء ذلك الى وضع خطط جديدة ورسم سياسة داعمة جديدة، الهدف منها استثمار الاموال في الانتاج السينمائي بالشكل الصحيح والفاعل بعد ان أمست الحاجة تقتضي توفير الارضية المناسبة والسليمة لبناء هيكلة جديدة لصناعة الفن السينمائي في كوردستان العراق التي سيكون لسينمائييها دور واضح ومهم في السنوات القادمة على المستوى الاقليمي والدولي .وهذا يأتي من شغف الشباب بهذا الفن الذي يملك بأمكاناته البصرية والسمعية مايجعله قادراً على ان يكون ذاكرة فنية وجمالية للانسان والشعوب .
وقد اتاح لنا نادي السينما الذي تم افتتاحه في منتدى عنكاوا للثقافة والفنون والذي يرأسه الفنان المجتهد رفيق نوري فرصة جميلة تعرفنا فيها على نماذج من السينما في كوردستان العراق في الاول من شهر حزيران الحالي وتمكنا من خلالها ان نشاهد ثلاثة افلام ، في اولى انشطة النادي كانت لثلاثة مخرجين اكراد، استطعنا من خلالها ان نستشف بعض ملامح هذه السينما التي يسعى شبابها من مخرجين ومخرجات ان يضعوا اقدامهم على الطريق السليم في مشوار الفن السابع . وهذا يأتي من طبيعة الموضوعات الغنية التي يحرص هولاء الفنانون على الاقتراب منها ومعالجتها بطرق واساليب تحاكي نماذج فنية متقدمة في صناعة الفلم ، وإن كان البعض من تلك النتاجات بقي اسير الموضوعات والمعالجات المستهلكة والتي تجاوزها الفن السينمائي وتركها الى خلفه لتعتاش عليها الدرامة التلفزيونية بكل اسرافها واستطراداتها المملة . لكن الشطر الاعظم من تلك الافلام كان تتضح فيه صدق النوايا والتوجهات الفنية التي تخلت عن كل القوالب الفنية النمطية الجاهزة التي اسسها نمط الانتاج الفني السينمائي في المنطقة العربية سواء في ( مصر) أوفي منطقة الشرق الاوسط ، رغم وجود العديد من النتاجات الفلمية في المنطقتين المذكوتين اعلاه والتي توفرت فيها قيماً جمالية وفنية متقدمة سواء على صعيد الشكل أو الموضوع كما في افلام يوسف شاهين وداؤد عبد السيد ومحمد خان من مصر على سبيل المثال لاألحصر وعبد الحميد عبد اللطيف من سوريا واسماء اخرى يحفل بها المغرب العربي اضافة الى السينما الايرانية .
ومن سط هذا الكم الهائل والتاريخ السينمائي الطويل في الشرق الاوسط الذي يحيط بالمنطقة الكوردية جغرافياً وثقافياً تأتي خطوات السينما الكوردية الشابة بكل عافيتها وحيوتها وقد ادركت حقيقة الطريق الذي ينبغي ان ترسمه لنفسها ، على الرغم مما ينقص هذا الطريق من ممهدات مادية فنية من مؤسسات انتاجية الى مؤسسات علمية اكاديمية الى مؤسسات ثقافية سينمائية . وإذا كانت قد وجِدت بعض من تلك المؤسسات في الاقليم مثل قسم السينما في كلية الفنون الجميلة في جامع صلاح الدين / اربيل ، إلاّ أنها لازالت تفتقر الى الكثير من المستلزمات الفنية والمادية ،اضافة الى الاساتذة المختصين من ذوي الشهادات الاكاديمية العليا ، وليس اقل من ذلك حاجتها الى من هم يمتلكون الخبرة العملية في هذا الميدان .
ومع كل ذلك فإن صورة السينما في كوردستان العراق هي افضل حالا مما هي عليه صورتها في بغداد وفي عدد من البلدان المجاورة، ليس من حيث عدد الافلام المنتجة بل من حيث جودتها ،وهذا ماتؤكده حقيقة المشاركات الدولية للعديد من تلك الافلام التي وإن لم يستطع بعض منها ان يحظى بجائزة ما ، فهي على الاقل قد تمكنت من الدخول بشكل رسمي ومشرف في تلك المهرجانات وتمكنت ايضاً ان تترك انطباعاً جيداً عنها وعن مستقبل هذه السينما الطموحة والفتية ، وهذا مالم يحصل مطلقاً في تاريخ السينما العراقية الذي يمتد لاكثر من نصف قرن !فهذه السينما التي بدأ الانتاج الوطني فيها منذ عام 1956 مع فلم ( فتنة وحسن ) إلاّانها لم تتمكن من الدخول بشكل رسمي طيلة نصف قرن من تاريخها الى اي من المهرجانات الدولية المعروفة للمشاركة في المسابقة الرسمية او حتى على هامش فعاليات تلك المهرجانات وهذا الامر مع ان الصورة بدأت تتغير نحو الافضل بعد التاسع من نيسان 2003 . وينطبق رأينا هذا ايضاً على السينما المصرية كذلك ، والتي هي ايضاً بقيت اسيرة لعدد من الاشكالات الفنية التي جعلتها غير قادرة على الدخول وبقوة إلاّ في استثناءات قليلة الى الساحة السينمائية العالمية التي تتواجد في المهرجانات الدولية لتأكيد تطورها وتطور اساليب مخرجيها وفنييها . وإن تغيرت ملامح هذه الصورة في الاعوام القليلة الاخيرة .
نماذج سينمائية :
نعود مرة اخرى للحديث عن الافلام الكوردية الثلاثة التي عرضت في حفل افتتاح نادي السينما في منتدى عنكاوا. في محاولة منّا لقراءتها بصرياً وفنياً من اجل المساهمة بجهد متواضع منا في الاحتفاء بها ودعم شباب هذه السينما .
الفلم الاول كان بعنوان ( انتينة ) للمخرج عدنان عثمان وهو مخرج يحمل شهادة اكاديمية في الاخراج حصل عليها من كلية الفنون قسم السينما في جامعة صلاح الدين في اربيل . وهذا المخرج له تجارب فلمية معدودة سبقت هذا الفلم .
قصة الفلم تحكي عن امرأة قروية تحيا في قرية نائية بين الجبال وهي تصارع العزلة التي فرضتها الثلوج المتاسقطة على حياتها في ذاك الكوخ الغاطس بين اكوام الثلوج ، ولم يكن لها من وسيلة لمجابهة تلك الظروف سوى متابعة الرسوم المتحركة لصراع القط مع الفأر في البث التلفزيوني الذي لم يكن مستقراً بسبب تكرار سقوط هوائي الاستقبال نتيجة العواصف الثلجية . . تمكن المخرج من ايصال حالة العزلة التي تحياها الشخصية الرئيسية وهي الوحيدة في الفلم ابتدأ من حسن اختياره لطبيعة المكان الذي جرت فيه احداث الفلم والذي تتراكم فيه الثلوج الى الحد الذي بدت وكأنها معادلاً صورياً لبرودة الحياة الداخلية للشخصية التي لم يكن يحيط بها اي ذات انسانية اخرى يمكن ان تدفء بها روحها وسط عالم صامت موحش لايسمع فيه سوى صوت الرياح العاتية التي كانت تتسبب في كل مرة في اقتلاع الانتينة التي تستقبل البث التلفزيوني وهو الصلة الوحيدة لتلك المرأة بالعالم الخارجي الذي يبدو وكأنه قد سلب منها كل شيءحتى ذاك الرجل الوحيد المعلقة صورته على الحائط ولايهم إن كان ابنها او زوجها . وقد حفل الفلم بايقاع هادىء وجميل عكس بطىء الحياة الخارجية المحيطة بالشخصية اضافة الى ايقاعها الداخلي . واقتنصت عدسة المخرج عبراحجام اللقطات وزواياها، المشاعر الداخلية للشخصية دون مبالغة ولاأسراف . وإن اخفقت الاضاءة في بعض اللقطات من الوصول الى كشف الانفعالات الداخلية . لكن في عموم القول الفلم يعد تجربة ناجحة وجيدة في مسيرة المخرج عدنان .
اما الفلم الاخر والذي كان بعنوان ( الجدار) للمخرج تحسين فائق . وهذا المخرج كان قد دخل الى ميدان العمل السينمائي من خلال التجربة والبناء الذاتي فقط ، ولم يتلقى العلوم السينمائية على مقاعد الدراسة . وهذا امر يحسب له رغم اهمية الدراسة الاكاديمية للفن السينمائي ، ذلك لان فيها شطراً واسعاً جداً من العلوم النظرية والتطبيقية التي لايمكن الحصول عليها وفهمها بالشكل السليم والعلمي دون الجلوس على المقعد الدراسي في معهد او اكاديمية تدرس الفن السينمائي بكل علومه المتنوعة والدقيقة . ابتدأ بالعلوم والنظريات الفيزيائية التي لها صلة مباشرة بالعدسات وانتهاءاً بنظريات الجمال وفلسفة الفن . ومع هذا نجد ان تحسين فائق يملك من الخبرة العملية الشي المهم الذي مكنه من الامساك بالعناصر الفنية المطلوبة لبناء الفلم الروائي القصير ابتدأ من جرأة الفكرة وغرابتها مروراً بكيفية معالجتها سينمائياً بطريقة سلسة ومثيرة في ان واحد ، والفلم محاولة شجاعة لطرح موضوعة انسانية تشمل مجتمعاً واسعاً بكل طبقاته وصراعاته واحلامه الفردية والمجتمعية من خلال جدار ما ،تسعى الكامرة في لقطة ثابتة عليه طيلة زمن الفلم الذي لايتجاوز الخمسة عشر دقيقة أن ترصد كل ماجرى لهذا المجتمع من احداث عصفت به عبر ماكتب ويكتب على الجدار من ذكريات شخصية وكتابات احتجاجية واعلانات تجارية ومايلصق عليه من ملصقات وماتعلق عليه من لافتات . ليتابع المتفرج طيلة زمن الفلم مايجري من تحولات وتغيرات بفعل الزمن على تلك الاشياء التي شهدها الجدار . والمخرج هنا ازاح بمعالجته الفنية الحوار تماما من الفلم لتكون الصورة بديلاً معبراً عنه . تحكي لنا بلغة عالية ومكثفة اشياء واحداث لن يتمكن الحوار بلغته الادبية ان يوصلها لنا مثلما استطاعت الصورة ان توصلها . وهذا هو جوهر الفن السينمائي الذي يقوم على ماتختزنه الصورة من طاقات هائلة للتعبير عن الموضوعات التي يطرحها الفلم.
وفلمنا الاخر كان بعنوان ( النَفَس ) وهو من اخراج شهرام نامق .الذي هو الاخر كزميله تحسين لم يدرس الفن السينمائي اكاديمياً لكنه درس المسرح ، وهذا لم يمنعه من المغامرة والدخول الى العالم السينمائي . وقصة هذا الفلم تحكي عن علاقة تنشأ بين امرأة ورجل عبر الهاتف بفعل الصدفة ،وسوف لن يلتقيا ابداً بعد ان سرق شخص ثالث هاتف العشيق لينتحل صفته وليحل مكانه .. لقد احتاج المخرج شهرام الى زمن طويل داخل الفلم ليشرح لنا تفاصيل القصة وهذا امر اثقل الحبكة وايقاعها . ومن هنا اقترب الفلم كثيراً من الدراما التلفزيونية التي تستند على (المشهد) الدرامي في البناء وليس (اللقطة) كوحدة فنية يتم الانطلاق منها وبها في صياغة معمارية العمل الفني الدرامي .
اما فلم ( تراوما ) للمخرجة ( جوانا سعيد ) وهي مخرجة اكاديمية تعمل مدرسة للفن السينمائي في قسم السينما التابع لكلية الفنون في جامعة صلاح الدين، فيعد هذا الفلم من وجهة نظرنا من افضل الافلام الثلاثة المعروضة في تلك الامسية ،وقد توفرت فيه جملة من العناصر الفنية التي اهلته لكي يقترب من البناء الدرامي الى مستوى من النضج الواضح في حبكة الموضوع الجرىء الذي تناوله الفلم والذي تتطرق الى موضوع (ختان الاناث ) . وإن كان هذا الموضوع لا يحتل مساحة مهمة في حياة المجتمع الكوردي، لكنه يشكل مبعثاً للقلق والخطورة في مجتمعات اخرى قد تكون بعيدة عن كردستان العراق . وحتى لو افترضنا وجود هذه المشكلة الاجتماعية هنا في كوردستان فإنها تكاد ان تكون على نطاق ضيق جداً قد لاتذكر ولاتشكل بذلك قضية تستحق التوقف عندها . ولكن مع ذلك يبقى تناول مثل هذا الموضوع من حيث المبدأ هو الذي دفع المخرجة لالتقاطه ، وكأنها هنا تمارس دورها الانساني كفنانة، في سعيها للطرق على موضوعات تسيىء الى الانسان عموماً والنساء خصوصاً وتسلبها ادميتها حتى وإن تواجدت هذه الموضوعات في مجتمعات اخرى بعيدة عن مجتمعها الذي تعيش فيه ،ذلك لان المهم بالنسبة لها هو تناول المشكلة التي تبدو واضحة لها بكل صورها البشعة في العديد من المجتمعات الشرقية .
ويعد تناول مثل هذا الموضوع من قبل مخرجة كوردية يعني اولا ً : الفهم السليم للدور الذي ينبغي ان تضطلع به السينما عندما تتصدى لقضايا مجتمعية تتسم بالتعقيد والحساسية وذلك لتداخل عوامل عدة بين ثناياه ، منها ماهو ديني، ومنها ماهو اخلاقي، ومنها ماله صلة بالاعراف والتقاليد الاجتماعية، التي عادة ما يتشكل منها المجتمع ، حتى وإن ظهرت على سطحه صفة التمدن والتحضر، إلاّ انه لم يزل يعاني صراعا مع نفسه يسحبه بكل قوة الى الخلف ، الى عادات وتقاليد قبلية وقروية ، تعود به الى ازمنة بعيدة مازالت تشكل ثقلاً قيمياً يتراوح حضورها مابين التقديس والخضوع للعرف الثقيل الذي لايمكن تخطيه بسهولة رغم ماتحمله الاجيال الجديدة من قيم مدنية تدفعها بقوة الى المستقبل بكل سعته، دون ان تعير للماضي تلك الاهمية التي مازال الاباء والاجداد يتمسكون بها ولايسمحون بتجاوزها .
لذا يعد فلم ( تراوما ) للمخرجة جوانا سعيد خطوة جريئة للاقتراب من شرفة الحرية التي يقتضيها الفن حينما يتصدى لموضوعة ما . فما جدوى ان تُقدِم على انتاج عمل فني دون ان تمتلك الجرأة لقول ماتريد ،وفق الزاوية التي تنظر منها انت للموضوع، وليس وفقاً لما ترسّخ من قناعات لدى المجتمع تشكلت عادة عبر عشرات السنين .
اما بالنسبة للجانب الفني في هذا الفلم فقد تمكنت المخرجة من خلق علاقات انسانية متوترة مابين الزوج و الزوجة التي تحمل ماضياً ثقيلاً عليها بعد ان كانت قد تعرضت في طفولتها الى عملية ختان قتلت فيها انوثتها وبرائتها . مما سبب لها بروداً في العلاقة الجنسية مع زوجها الذي كان في حيرة من امر زوجته وهو يراها على تلك الحالة من الرفض للعلاقة الشرعية الطبيعية التي تفرضها وتوجبها طبيعة العلاقة الزوجية بينهما ليصل الامر به في لحظة ما الى ان يشك بها، معتقداً بوجود علاقة اخرى ترتبط بها زوجته مع شخص اخر . وحين تصل العلاقة الى هذه المرحلة من الخطورة تقرر الزوجة الكشف عن ماضيها وعن خفايا وتداعيات تلك التجربة التي مرت بها وهي طفلة، مما سبب لها بروداً جنسياً تبعه عقدة خوف ورفض من اقامة علاقة طبيعية مع الزوج خوفاً من انكشاف الامر .
كانت مشاهد غرفة النوم التي كانت تجمع مابين الزوجين قد تمت ادارتها بشكل جيد من قبل المخرجة ، وتمكنت من رسم صورة واضحة ومعبرة لطبيعة العالم الداخلي والنفسي الذي تعيشه الزوجة ،وهي تعاني بصمت تجربة الماضي ،وتحملها معها كل تلك السنين ، لتخدش ذاك الحب الذي يكنه لها الزوج . كما نجحت ايضاً في ادارة الممثلين والوصول بهم الى اداء عفوي خال من التكلف والمبالغة، ورسمت من خلالهم دلالات تشير الى عمق العاطفة التي تجمعهما . وهكذا كانت ايضاً مشاهد الختان التي تم تقديمها ضمن اجواء نقيضة لتلك الاجواءالهادئة التي كانت عليها حياة الزوجين في غرفة نومهما . كما امسكت المخرجة بايقاع الفلم حتى نهايته دون ان يخرج عما رسمته من بطىء يعكس طبيعة الموضوعة المطروحة وثقلها على الشخصية المحورية .
أما فلم ( مصنع الاختطاف )فكان للمخرج ( ريفين سعيد ) والمخرج سعيد يعمل استاذ للفن السينمائي في كلية الفنون جامعة صلاح الدين وكان قد اكمل دراسته لهذا الفن في المانيا واشرف بعد ذلك على تدريس عدد من الطلبة في تركيا . في هذا الفلم للمخرج ريفين حاول ان يحكي عبرشريطه وجهة نظره طبيعة الصراع الدموي الدائر في بغداد ،ويبدو انه قد حكم على هذا الصراع مسبقاً حكماً طائفياً ، من خلال شخصيتين يلتقيان في المقهى ، احدهما يلقب (ابو علي )والثاني (ابوعمر ) !. وكان الاثنان طيلة لقائهما في المقهى ينافقان على بعضهما بمحبة واحترام مزيفين بينما يبيّتُ كل منها للاخرنيّة اختطافه وقتله ، وعلى ذلك يتصل كل منهم منفرداً دون ان يعرف الاخر، برجال العصابات عبر الهاتف لغرض تنفيذ عملية الاختطاف. وبالتالي يتم اختطاف الاثنين من قبل نفس المجموعة . ولم يقتصر الفلم على هاتين الشخصيتين بل كان هنالك ايضاً شخصية الفنان الذي كان منشغلاً بالعزف طيلة الفلم على الة العود، مردداً نغمات اغنية تراثية تتحدث عن جمال بغداد ( الليلة حلوة . . حلو وجميلة ) .
وتبقى هنالك شخصيات اخرى مثل ( عامل المقهى ) ورجل اخر يظهر في بوابة المقهى يراقب الاحداث دون ان يكون له اي دور مشارك وفاعل فيها ولم يكن لاختفائها فجأة اي تمهيد او اي مبرر مقنع .
إن هذا الفلم على الرغم من الموضوعة الكبيرة التي حاول ان يطرحها وهي موضوعة الصراع والعنف الطائفي الذي يجتاح العراق منذ عام 2003 إلاّ انه اخفق في رؤية هذا الصراع من الزاوية السليمة التي تتيح له ان يرى جانباً مهماً ومعبراً عنه وعن غموضه وتقاطعه . ذلك لان مايجري على ارض الواقع من قتل وخطف وتفجير، لايمكن النظر اليه بهذه البساطة والتسطيح لطبيعة القوى المتصارعة . فالمسألة هنا معقدة جداً والصورة غير واضحة على ارض الواقع طالما تداخلت المواقع والقوى مع بعضها ولم يعد بالامكان معرفة القاتل من الضحية، وطالما بات القاتل دائماً بعيداً عن ايدي العدالة في معظم الجرائم ، ولم تعد اسباب الغموض مجهولة بالنسبة للمواطن العراقي وذلك لمعرفته بوجود اطراف وشركاء متعددين ومن مختلف الانتماءات الدينية والطائفية والقوميةوالسياسية لهم صلة مباشرة وغير مباشرة ، باية جريمة قد تحدث على ارض الواقع ولايمكن الجزم بمسؤولية طرف واحد وتبرئة اطراف اخرى، فالامر هنا غاية في الصعوبة والتعقيد طالما نحن في دهاليز وكواليس الجريمة المنظمة وليس كما جاء به حدث الفلم عندما اختصر الصراع بين نموذجين اثنين فقط ! ، نمذجَهُما المخرج قسراً بشكل مُبسط جداً، الى شخصية سنية وشخصية شيعية .! وبالتالي هذا التبسيط قد دفع بالمخرج الى تعميم هذه الفكرة في تفسيره لحقيقة الوضع الملتبس والشائك في المحنة العراقية ، التي دخلت عامها السابع دون ان تجد لها مخرجاً ، لكن المخرج ريفين وببساطة شديدة اوصلنا الى هذا المخرج السهل جداً . ! وهو ينظر الى هذه المشكلة التي دمرت العراق واحالته الى بؤرة للموت، وأحالته الى عالمٍ حطام ْ، لايجد الانسان فيه بارقة امل . . ولم يقتصر تعميمه السلبي هذا على الشخصيتين المحوريتين بل تعداه الى شخصية الفنان عازف العود الذي لم يكن له اي دور فاعل في حركة الاحداث ولم تأتي منه اي ردة فعل تشير الى حقيقة وضعه في الحياة واستمر بالعزف بشكل آلي منذ بدء الفلم وحتى نهايته دون ان يرفّ له جفن وهو يرى بعينيه عمليات التأمر والخطف تتم امام ناظريه في المقهى !
لذا لم تكن هذه الشخصية تملك خصوصيتها الانسانية والواقعية كذات ولاخصوصيتها المهنية كفنان ، فكانت بالتالي شخصية مسطحة ومجردة من كينونتها الانسانية المرهفة ، بكل ماتحمله شخصية الفنان من وعي واحساس بالالام ألاخرين وغالباً لاتتوفر عند غيره، مثلما هي متوفرة لديه . . اضافة الى شخصية صاحب المقهى الذي هو الاخر لم يكن سوى اطاراً زخرفياً مكملاً لصورة المقهى الغير مكتملة اصلاً والمجردة تجريداً تاماً من الرواد باستثناء الشخصيتن الرئيسيتين الشيعي والسيني ، مع ان المقهى( كمكانٍ) في البيئة العراقية يشكل ركناً مهماً للعلاقات الاجتماعية وحيويتها . فلو لجأ المخرج الى خلق شخصيات اخرى ثانوية وتم توزيعها ضمن زمن الفلم داخل مكانية المقهى واعطيت لها مساحة من البناء الدرامي لتمكن المخرج من خلق صورة واقعية مفترضة تكون معادلا موضوعياً يخلق من خلاله التوازن المطلوب لسلبية الشخصيتين الرئيستين اللتين لم يتم الاشتغال عليهما عميقاً في بنائهما الدرامي بالشكل الموضوعي والذي جعلهما بهذا التسطيح والنمذجة . كما اتسم الحوار بالضعف الواضح جداً، ، وكان تكرار عبارة واحدة طيلة الفلم من قبل الشخصيتين ( بغداد جميلة مو ؟ ) لم يساهم في تطوير وبناء الفعل الدرامي ليبقى الحدث ساكناً في مكانه . .
والسؤال هو : هل ان مدينة بغداد التي تحيا في ازمنة العنف هذه تتسم بهذا الهدوء والسكينة التي ظهرت عليها في الفلم !؟ أليست بغداد تعاني من ضجيج الانفجارات ودوي القنابل وصافرات الاسعاف وصوت اطلاقات الرصاص !؟ اين تلك الاصوات في هذا الفلم ؟ . لقد خلا الفلم منها تماماً ! .ولاأدري لماذا تم استبعادها ؟ مع انها لو وجدت لأضفت مسحة واقعية على زمن الفلم واجوائه ، التي بدت مغربة عن بغداد ، وكأن مايحدث لم يكن في بغداد الملتهبة الان، انما في مدينة اخرى أو زمن اخر غاب عنها قبل اكثر من اربعين عاماً ، زمنٌ كان يتسم بالهدوء والراحة والمساحات الخالية كما هو الحال ايام الستينيات او السبعينيات من القرن الماضي .
ومع كل هذه الملاحظات إلاّ انني اجد ان المخرج كان قد امسك جيداً بعناصر التصوير ،وتوزيع الاضاءة ، سواء مايتعلق منها بالمكان بشكل عام او في مجموع اللقطات ،وتمكن من ايصال الجو الملائم للمكان عبر تدرج الالوان ،ومساقط الضوء ،وتضاداته، فكان جوا درامياَ عكس طبيعة الصراع الخفي الذي تضمره الشخصيات لبعضهاالبعض .
ولنا الان وقفة مع فلم ( الرهان ) وكان هذا الفلم بتوقيع ألمخرج (تنيا كريم ) . والمخرج كريم لم يتلقى تعليماً اكاديمياً لفن السينما ،وجاءت خبرته من اشتغاله في هذا الميدان في عدد من الاعمال الدرامية التي جعلته مرتبطاً بهذا الفن رغم ماضيه المسرحي.
الفلم يتحدث عن ممثل مسرحي ابتعد عن مهنة التمثيل في المسرح لان هذه المهنة لم تعد تجدي شيئاً ، واحالها الى الحياة ليتقمص عبرها شخصيات متنوعة يقتنص من خلالها الفرص لخداع الاخرين بعد ان يكون قد لجأ الى الرهان معهم حول امر ما . ليثبت لهم انه قادر على تحقيق مايراهن عليه مهما بدا صعباً . وبهذا استطاع ان يجمع ثروة بات يودعها في البنك يوما بعد اخر ، مما اثار شك وحيرة مدير البنك حول مصدر هذه الثروة ، ولما اعلمه بالكيفية التي يجني بها المال،وذلك بالاعتماد على المراهنات مع الاخرين ،سقط المدير هو الاخر في الفخ عندما اقنعه الممثل بأنه متأكد من وجود ( علامة ) على ظهره . فما كان من المدير إلاّ ان يخلع ملابسه ليثبت للمثل خطأه بعدم وجود علامة على ظهره . عند ذاك فتح الممثل الباب للموظفين الذين كان قد سبق ان اتفق معهم على رهان مالي مقابل استعداده للضحك على المدير وخداعه ليجعله يخلع ملابسه ويبقى عارياً في الغرفة ، عندها صُدِم الموظفين عندما شاهدوا بأمِّ اعينهم مدير البنك وهو عارٍ من ملابسه . . هذا الفلم ليس فيه من الجرأة بشيء ،سواء على مستوى الموضوع المطروح او على مستوى المعالجة الفنية، فهو فلم مصنوع بطريقة تقليدية من حيث حبكته وبناء شخصياته، ولم تكن هنالك اية مفاجأت درامية على مستوى بناء الشخصيات ،ولا ألاحداث باستثناء الدقائق الاولى من زمن الفلم ، عندما كانت الكامرة تتجول في الشوارع وتمرُّ على الدكاكين والاسواق من وجهة نظر ( ذاتية ) للشخصية الرئيسية ( الممثل ).كانت هذه لمسة ذكية تمكن المخرج من خلالها الى شد انتباه الجمهور واثارة مخيلته لمعرفة من يكون وراء الكامرة التي تتجول بشكل حر في الشارع . لكن ذلك لم يستمر بعد ان تم الكشف عنها ،داخل غرفة المدير لتتحول الى لقطة متوسطة ( موضوعية ) لشخصية الممثل ، وهنا تحديداً فقد الفلم عنصر المفاجأة والتشويق الذي كان قد بدأ به . ولكن اعتماد المخرج على الممثل الكوميدي الموهوب ايام اكرم الذي يملك خبرة اكاديمية وعملية انقذ الفلم من الترهل الذي كان من الممكن ان يصيبه وتمكن عبر قدرات هذا الممثل الذي لايقل شأناً عن افضل ممثلي الكوميديا في العالم ان يحافظ على ايقاع الفلم ، كما لم يلجأ المخرج الى تنويع اللقطات وتغيير الزوايا داخل المشهد مكتفياً باللقطة العامة التي بأمكانها ان ترصد امكانات الممثل ايام اكرم بأدائه الذي يقترب في الكثير من تفاصيله من الاداء المسرحي . لكن خفة الظل التي يتسم بها ، خففت من تلك الايماءات المبالغ بها، والتي عادة ماترافق الاداء المسرحي وليس الاداء السينمائي .
ومع هذا فإن المخرج( تنيا كريم) ، ورغم عدم تسلحه بالدراسة الاكاديمية للفن السينمائي إلا انه امتلك الفطرة والخبرة العملية التي أهلته لصنع دراما ( تلفزيونية ) تستقطبب اهتمام الجمهور وتشبع متعتهم .
في اخر القول يمكننا الايجاز بالشكل ألتالي : ان الافلام تناولت موضوعات انسانية تمت معالجتها سينمائياً بطرق جميلة وسلسلة ، فيها الكثيرمن الجرأة والتحدي، كما بدا ذلك واضحاً في فلم (انتينة) و(الجدار ) و( تراوما ) . .
و الافلام هذه كانت اقرب كثيراً الى البناء الدرامي الذي يتطلبه بناء الفلم السينمائي، بينما ابتعدت بقية الافلام عن بناء الفلم السينمائي بدرجات متفاوتة لتصبح اقرب مايكون الى المعالجات الدرامية التلفزيونية .
خطوة للمستقبل :
ان الفن السينما في كوردستان لكي يخطو في الطريق السليم يستدعي :
- اولاً . . الاقتراب من الموضوعات التي تثقل الذات الانسانية المعاصرة .
- ثانياً . . اللجوء الى المعالجات الفنية التي تبتعد تماماً عن الخضوع والاستجابة لكل الاشتراطات الفنية التي كدّسها الانتاج السينمائي التقليدي بكل قوالبه الجاهزة والمستهلكة .
- ثالثاً. . الاهتمام بما هو محلي من موضوعات وقضايا، والانطلاق بها نحو معالجات فنية متقدمة ، تخاطب المتفرج العالمي اينما يكون
- رابعاً. . عدم الاتكاء على القطاع العام في تمويل النتاجات السينمائية والعمل بشكل جدي لانشاء شركات سينمائية تابعة للقطاع الخاص حتى يتمكن السينمائيون من العمل بحرية دون الوقوع في دوامة الروتين واشتراطاتات وقيود المؤسسات الرسمية . لان تجربة القطاع العام اثبتت فشلها في كل دول العالم ولم يتمخض عنها اي تاريخ سينمائي يستحق البقاء فنياً .
- خامساً. . اعطاء الاهمية القصوى لقسم السينما في كلية الفنون وتهيئة الارضية المادية الملائمة لخلق جيل من الشباب السينمائي المثقف اكاديمياً وارسال هؤلاء الشباب الى دول العالم للتعرف على تجارب الاخرين في الدول المتقدمة .
- سادساً . . . ضرورة عقد المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية التي يشارك فيها نخبة من الاساتذة والباحثين والمختصين والعاملين في الفن السينمائي من اجل رسم سياسة واقعية لمستقبل السينما بعيداً عن الارتجال والعواطف التي لايمكن المراهنة عليها لخلق ارضية صلبة يمكن الانطلاق منها الى الغد .
- سابعاً . . انشاء صندوق لدعم ورعاية المشاريع الفنية السينمائية للشباب تساهم فيه جهات رسمية وغير رسمية على أن يتم تشكيل هيئة فنية ذات خبرة تكون هي مسؤولة بشكل مباشر عن ادارة هذا الصندوق ، ويكون لها الصلاحية التامة للموافقة او الرفض على المشاريع المقدمة اليها . لتكون هذه الهيئة بمثابة غرفة لصناعة سينما المستقبل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.