نظمت مجموعة البحث في الدراسات السينمائية والسمعية البصرية مؤخرا بفضاء قاعة الندوات برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان ندوة حول"السينما والفنون بالجامعة المغربية: تجارب وآفاق"، استهل بكلمة عميد الكلية الدكتور عبد العزيز علاتي رحب فيها بضيوف اللقاء، كما أبرز الحركية التي تتميز بها مجموعة البحث، وما تحققه من إنجازات على المستوى الوطني والدولي. وقد تضمنت الجلسة الأولى التي أداراها الدكتور رضوان العيادي عدة مدخلات رصينة، افتتحت بمداخلة"حيرة الصورة" للأديب الدكتور محمد أنقار مستعرضا فيها مختلف أنماط الصور بما في ذلك الصورة الفوتوغرافية، وصور البطاقات البريدية، والصورة الروائية، والصورة السينمائية، وحتى الصورة المستمدة من كلام منظوم أو حتى من خطأ مطبعي أو من شخص نعرفه، متوقفا في هذا السياق الفني والتعليمي عند نمط آخر من الصور يُستعمل في تزيين أغلفة المقالات أو العروض، أو الكتب قبل أن تطبع، ليتطرق بعد ذلك إلى إشكال "الصورة الروائية" الذي يمثل بالنسبة إلى الباحث تحدياً نقدياً مؤرقاً. ذلك أن تنويع النظر من زوايا فنون أخرى من شأنه أن يزيدنا تبصراً ووعياً بمختلف العناصر التي تتشكل منها الصورة المكتوبة بواسطة اللغة، مقدما نموذجا حيا من علاقته المباشرة مع طلبة الماستر الذين بدأ يكلفهم في السنوات الأخيرة بالعناية بإخراج عروضهم، معترفا أن تجربة اختيار الأغلفة المصورة للعروض جديدة على الطلبة، خاصة بالنسبة إلى هؤلاء الذين يشتغلون بتحقيق التراث. ذلك أن البحث عن الصورة المناسبة يضع الطالب والباحث في موقف حائر. مصدر الحيرة يرجع إلى محاولة الباحث إخضاعَ سلطة صورةٍ لسلطة صورةٍ من نوع آخر، أو محاولةِ رصد التطابق فيما بينهما.. ليختتم مداخلته أنه تكفي تلك الحيرة المتوترة التي يعيشها الناقد عندما يكون في خضم بحثه عن الصورة الغائبة. إن الصور الحائرة هي بعض من كياننا وسماتنا. أما مداخلة الفنان التشكيلي حسن الشاعر الموسومة ب" حصة الصورة، الصورة التشكيلية والأيقونية" منطلقا من الصورة كسند للتعبير عن عنصرين: عنصر خارجي الذي يتمثل في الرسم بالملاحظة، وعنصر داخلي يرتبط برسم الأحاسيس، هذه العناصر التشكيلية يعتبرها كأبجدية للصورة بوصفها ترجمة لذكائها وقوة تعبيرها. ثم انتقل تحت هاجس الحفر إلى دلالة كلمة صورة في والتي تقابل كلمة استنتاخ، وتعني غياب وحضور المرجع في نفس الآن، هذا الغياب المادي للمرجع واستحضاره تشكيليا من خلال الألوان والأشكال والتراكيب والطل والضوء، متوقفا عند الصورة الإشهارية التي تتسم بكونها مقننة ومُفَكر فيها. ولعل سؤال الدكتور خالد أمين انطلاقا من عنوان المداخلة "أي موقع للمسرح في الجامعة المغربية؟ كان كافيا ليؤكد ما يتميز به مجال البحث العلمي الجامعي المرتبط بالمسرح من حيوية ورحابة الأفق على الرغم من ارتهانه أحيانا ببنيات التفكير التي تتوزع المشهد المسرحي المغربي، إلا أنه يتوق نحو آفاق مشرعة على استشراف علم المسرح الذي ينظر إلى الممارسة المسرحية في ارتباطها بباقي التبادلات الثقافية والرمزية من جهة، وحركية المجتمع من جهة أخرى؛ متوقفا عند مجال البحث العلمي وما له من ارتباط عضوي بالجامعة ومراكز البحث ومجموعات البحث، والمختبرات أو المخابر، وأنه بات من الضروري التمييز بين النقد الصحفي وهو ضرورة قصوى لتوسيع دائرة الاهتمام الجماهيري بالفرجة المسرحية، والدراسات النقدية الأكاديمية المتشبعة بمرجعية علمية صارمة.كما أشار في مداخلته إلى ضرورة أن مستقبل المسرح المغربي رهين بالتفاعل الإيجابي بين البحث العلمي والتكوين التطبيقي المختص والممارسة الميدانية، معربا عن قلقه اتجاه وضعية المسرح في الجامعة المغربية. آملا أن يأخد المسرح مكانته سواء داخل كليات الآداب والعلوم الإنسانية أو الكليات المستحدثة المتعددة الاختصاص، وذلك من خلال إدماجه في منظومة التعليم العالي كتخصص في إطار شعبة المسرح والفنون المشهدية أو شعب التواصل والدراسات المسرحية. أما المخرج السينمائي محمد الشريف الطريبق فقد استرجع ذكرياته بمدرجات كلية الآداب بتطوان وهو طالب فيها في التسعينيات، مذكرا بخصوصيات المرحلة هاته والتي عرفت إدماج السينما في السياق الجامعي متسائلا عن كيفية التعامل مع السينما كلغة أو كبيداغوجيا لكونه يشكل الفرق بين السينما والسمعي البصري نافيا أن تكون حدودا بينهما، مؤكدا أن وجهة النظر المخرج هي التي تقف وراء التمييز بينهما، كما أن هذا التمييز من حيث عمق الرؤية لن يتأتى إلا بالجانب التقني. كما أبرز الطريبق ضرورة الاشتغال من داخل تاريخ السينما، التي تستوعب مجموعة من الفنون، وأيضا ضرورة الرجوع إلى المدارس السينمائية، وكذا استيعاب الأجناس السينمائية، كما نبه المخرج ما يقوم به بعض النقاد الذين يحاكمون الأفلام المغربية دائما انطلاقا من وجهة السينما الأمريكية، وأنه لا يوجد شكل واحد للسرد السينمائي. في حين افتتحت الجلسة الثانية والتي ترأسها الدكتور يونس الأسعد الرياني بمداخلة الدكتور عبد الإله خليفي، والتي عنونها ب"دور الدراسات السينمائية والبصرية في تدريس الأدب والعلوم الإنسانية" انطلاقا من المجتمع العربي، وكذا في عدة كليات الآداب الراقية التي يتم توفير أماكن لدراسة السينما، وهو نفس الشيء للأماكن المخصصة للموسيقى والفنون الجميلة، معتبرا أن هذا اليوم الدراسي يشكل فرصة لهاته الكلية من أجل تقوية العروض والفرص، فالدراسة الأدبية ستستفيد كثيرا إذا ما تمكنا من الخروج من الواقع الورقي الجامد التي تتخبط فيه كلياتنا، مؤكدا على الرغبة في مواكبة التطورات الحديثة التي يعرفها الكتاب، ممثلا بالإصدار الرقمي الذي بما يتيحه من إمكانات هامة في التواصل، حيث تروم هذه التطورات عدة اعتبارات اقتصادية وتصاحبها تحولات عميقة على مستوى كيفية الاستهلاك فيما يخص الأدب الرقمي، والمرتبط أساسا بالنمو السريع للمجتمع المعاصر نحو حداثة تهتم بالصورة. وفي مداخلته الموسومة ب"الفن والنظرية نحو تعليم جامعي غير تقليدي" انطلق الدراماتورج والمخرج المسرحي الدكتور يوسف الريحاني من اقترح حاول فيه تحديد الرهان الحقيقي المتعلق بمشروعية استمرارنا في هذا الوجود الكوني المتعدد عن طريق رهانان: التكيف وإرغام النفس، متسائلا: لماذا كل هذا الضعف الشرق الأوسطي الحالي والقدرات المكبوتة، والتشكي المتزايد من هزالة المساهمة في الناتج العالمي؟ مشيرا إلى أن تعليمنا ما يزال يفتقر إلى المهارة العصرية بخاصة فيما بتعلق بفن إنتاج وتلقي وتداول الصورة على الرغم من أن عالم ما بعد الحداثة هو حضارة الصورة، ليتوقف بعد ذلك عند ثنائية التعليم والفن المرتبطة بقلة ثقافة الجامعيين وخريجي الدراسات العليا وضعية الناتجة عن هوية بيداغوجية ممزقة، -يضيف الريحاني- نحن مجبرون على تلقين أبنائنا اليوم فن تفكيك وتركيب الصور والتمرس على أسرار صناعتها، مع مواكبة سرعة وتراكم التقدم التقني المذهل الذي تعرفه الفنون الرقمية والتفاعلية اليوم، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تعليم عالي ملائم وممنهج، يتخذ من فنون الصورة تخصصات قائمة بذاتها ولذاتها، وليس سندا لتخصصات أخرى، غذت تقليدية وغير ذي فائدة البتة، لذلك أقصى ما تفعله هو أن تعيد إنتاج نفس العقليات البائدة، ليختتم مداخلته بضرورة وضع مخطط ينطلق بعد إجراء نقاش وطني حول مسالة الصورة وتدريس الفنون الرقمية كتخصصات قائمة الذات بالجامعة المغربية، وكدا توافر الكليات على مختبرات إنتاج الصورة الرقمية ومعالجتها، وأقصد كاميرات رقمية HD وحواسب المونتاج والتقطيع مزودة بأحدث البرامج، ويديرها مختصون لهم تكوين نظري وتطبيقي متماسك وصلب. وانصبت مداخلة الدكتور حميد العيدوني حول"تدريس السينما و الفنون بالجامعة في مديح الفن"، منطلقا من الواقع المحبط خلال 22 سنة من العمل، فانعدام التجهيزات يحول دون بلوغ الأهداف، بالرغم مما يقوم به المخرحون السينمائيون من دعم من خلال حضورهم وتأطيرهم، مؤكدا دور المدرسة والجامعة بوصفهما آخر معقل للمقاومة، والضرورة تقتضي الاستمرار في الاشتغال والإعلان عن استمرار المقاومة، كما توقف الباحث عند علاقة الانفصال بين أهداف الجامعة وماهية الفن، فالجامعة تمثل المؤسسة والقيم: قواعد، تعلم، إيديولوجيا، القاعدة ، الاستثناء بينما يمثل الفن/ السينما: الفوضوي، غير منضبط، ترفيه، حرية، إبداع، المختلف. كما تساءل العيدوني عن حدود قبول المدرسة كحافظة للقيم بالصورة كعنصر دخيل، غير موثوق به، معتبرا في ذات الوقت أن إشكال التأخر بقبول الصورة كمكون من مكونات الثقافي تعود بالأساس إلى ريب إيديولوجي من الصور، إضافة إلى الإشكال الديمقراطي و مفهوم الحرية في المجتمعات العربية. مبينا علاقة الجامعة و الثقافة التي تظل مفارقة الحضور و الغياب؛ الحضور كمادة و الغياب كفن، وأيضا علاقة الفن/ السينما و التلقين في ظل غياب البيداغوجيا التي يراها من المفارقات التي تعيشها الجامعة، وغياب وعي بضرورتها، موضحا أنه يطرح البيداعوجيا ليس كمجموعة من القواعد لتدريس مادة ما بل كتصور متحرر من القيود، ومن شأن غياب أو تغييب هذا المعطى عدم طرح أحد الإشكالات الأساسية و هي كيف يمكن استعمال، تدريس الصورة.كما تطرق الباحث إلى علاقة الجامعة والطالب من الناحية النظرية، فالطالب في" الإصلاح الجامعي" يقع في صلب العملية التعليمية، أما على مستوى الواقع اليومي هناك تهميش لأنشطة الطلبة، مبرزا أن تخصيص مائدة مستديرة للطلبة الباحثين هو اعتراف بالطالب كهدف و كشريك، وكذا قارب الباحث إشكالية التربية على الفن، والتدريس بالفن و السينما، ليخلص في النهاية إلى بعض المقترحات والملاحظات، من اجل جامعة منفتحة على الحياة: كضرورة إعادة الاعتبار للمشاهدة من أجل المتعة أي المشاهدة الحالمة، وضرورة الخروج من الحرم الجامعي، تحديد مرامي التحليل الفيلمي والتقني، طرح مسألة اختيار الأفلام وعلاقتها مع الرقابة بكل أشكالها، وتخصيص خزانة سمعية بصرية بالأقسام، وخلق تخصصات في مجالي السينما و السمعي بصري، ثم الإبداع أولا أو أخيرا. في حين تم تخصيص الجلسة الثالثة لموضوع" الشباب والفنون"، وقد تألق في تأطيرها الباحث عبد السلام دخان، لتفتتح بمداخلة للطالبة السينمائية والمسرحية منال الصديقي التي عبرت عن سعادتها بهذه الالتفاتة، عاكسة تجربتها التي بدأت مع المسرح في رحاب كلية الآداب، بعدما تعذر عليها ولوج مدرجات المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي لأسباب ترتبط بالزبونية كالعادة وليس بالموهبة على حد تعبيرها، معتبرة أن التحاقها بشعبة اللغة العربية كان يدفعه عشق المسرح، إلا أنها تفاجأت ببنية التدريس بالكلية المتسمة بالتقليدية وغياب دروس في المسرح، اللهم بعض الحصص التي كان يشرف عليها الأستاذ محمد أنقار والتي لم تخرج عن تقنيات كتابة النص المسرحي وبلاغته، كما أشارت إلى غياب مواد ترتبط بالتمثيل وما يتصل بالعرض المسرحي، حتى الفرقة الوحيدة التي أنشئها الطلبة كانت تحاصر أو تمنع بفعل سيطرة الفصائل الظلامية، وهذا ما حصل في مسرحية "شعراء إلى مقبرة المجانين" لدرجة أنهم وصفوها ب"المائعة" فقط لكون المسرحية تتضمن مشاهد تشتغل على التعبير الجسدي، متحدثة بعد ذلك عن مسارها الاحترافي مع فرق مسرحية بتطوان وشفشاون، خاصة مع مؤسسة المسرح الأدبي ودعم الأستاذ رضوان احدادو، لتختتم مداخلتها بالوقوف عند تجربتها السينمائية عبر عدد من الأشرطة القصيرة، و مشاركتها في بطولة فيلم"زمن الرفاق"لمحمد الشريف الطريبق. أما الباحث محمد العناز فقد ألمح في مداخلته الموسومة ب" الصورة من المتخيل إلى التمثل" إلى أهمية الصورة في مختلف مجالات الفكر والحياة والترفيه، سواء تعلق الأمر بالصورة الأدبية أم بصور التواصل الفني والإعلامي أم بصور الآخر، متسائلا: هل كان حقا أرسطو وهو يقعد لمفهوم الصورة في كتابه"فن الشعر" يدرك الرحلة الشاقة لهذا المفهوم من المتخيل إلى التمثل؟ ليتحدث بعد ذلك عن العوالم التي دشنتها الصورة نافيا أن يكون حديثه في هذا المقام عن الأخيلة المضللة لأفلاطون، متوقفا عند معيار الصورة كما يؤصله محمد أنقار لكونه أعاد الاعتبار إلى الصورة ليس كمبحث خاص في مجال السرديات ولكن حتى في مجال الفنون البصرية، ويساعدنا في فهم بلاغة الصورة السينمائية-يضيف العناز- ففي فيلم "الأزمنة المعاصرة" لشارلي شابلان لم تكن اللغة الإقناعية السينمائية قائمة على الحوار، ولا على تقابل الصور أو تسلسلها، فمجموع الحركات الهزلية لم تكن تهدف إلى الضحك بقدر ما كانت تتغيا خلق تمثل لدى المشاهد حول وضعية العامل وتشييئه بالمكننة. إن إغراء الصورة السينمائية لا يقاوم خاصة إذا امتزج ماهو تاريخي بما هو تخييلي كما هو الحال في" اسم الوردة" لأمبيرطو إيكو. مستنتجا أن الفعل الروائي هو تخييلي مفتوح، أما الفعل السينمائي فهو يحصر هذا التخييل في تمثل أحادي المعنى مشيرا في هذا الصدد إلى العمل السينمائي الأخير الذي حول رواية غابرييل غارسيا ماركيز" الحب في زمن الكوليرا" إلى عمل سينمائي، حيث إنه تمثل جزئي لصور تخييلية خصبة، مختتما مداخلته بالحاجة إلى صور حقيقية تشبه الأفلام الصامتة حيث اللغة السينمائية بديل للغة اليومية، صور تخون كاتبها ومخرجها، من أجل إنتاج المعنى المتعدد وليس العكس. في حين اعتبر الطالب الباحث والمخرج المسرحي والسينمائي هشام بن عبد الوهاب أن تدريس الصورة بالجامعة المغربية يشكل انفتاحا على عالم ما بعد الحداثة، بخاصة، في ظل سيطرة الثقافة الشعرية على مخيلتنا، فالصورة بالنسبة إليه متخيل، ومن ثمة يطرح إشكالية السمعي والبصري في علاقتها بالطالب المتلقي، وهو نفس الأمر الذي يُطرح عند الأستاذ، ويتغير يتغير المعايير الجاري بها فى الجامعة، مؤكدا أن الجامعة ( كما يجب أن تكون ) هي مكان لجعل المتلقي ينفتح على الآخر، ويطور حسه المعرفي والفني حتى يتسنى له أن يبدع فنا مغايرا؛ فن ما بعد الحداثة الذي ينفتح مصراعيه، فى عالم يصبح أصغر فأصغر، لا يمكن فهمه، بل استيعاب عدم تناسقه وتباعده الإنساني فى عالم الحداثة وإشكال الهوية ومشكل الصورة. هذا وسيتم نشر أشغال هذه الندوة في مجلة سينمائية دولية ستصدرها مجموعة البحث في الدراسات السينمائية والسمعية البصرية لأول مرة في تاريخ الجامعة المغربية.