لا زال المراقبون المغاربة والأجانب لطبيعة التشرذم الحزبي والسياسي في المغرب، يتذكرون نبوءة خاصة بحزب الاتحاد الاشتراكي جاءت في جريدة "لوجورنال" التي توقفت عن الصدور بشكل نهائي، وتتعلق هذه النبوءة بتعيين إدريس لشكر وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، حيث عنون المجلة ملفها في العدد التي جاء مباشرة بعد هذا التعيين، بالإشارة إلى أن المغرب يمر من الدرجة الصفر من السياسة، وكانت تعني بأن تعيين لشكر، والانقلاب الذي طرأ على التصريحات التي كان يدلي بها قبل وبعد التعيين، تؤكد الحديث عن الدرجة الصفر. فإدريس لشكر كان يهدد بأن حزبه الاتحاد الاشتراكي قد يتحالف مع حزب العدالة والتنمية وكان يطالب بضرورة القيام بإصلاحات دستورية، ولكنه، مباشرة بعد تعيينه في منصب من العيار الخفيف، مقارنة مع الوزن التاريخي للحزب، الذي يتجه نحو المزيد من التراجع، لم يعد يدلي بهذه التصريحات، وأصبح يتحدث عن دور البرلمانيين ودور المؤسسة التشريعية، ويدعو إلى بعض الإصلاحات "خفيفة الوزن"، والتي لا ينتبه إليها أحد، بعد فقدانه للمصداقية، بسبب هذا الانقلاب الذي جاء نتيجة تحقيق أطماع شخصية على حساب تاريخ الحزب. وتكمن أهمية نبوءة "لوجورنال"، في أنها تفسر للمراقبين أسباب الغضبة الاشتراكية الأخيرة التي صدرت عن ثلاثة من أعضاء المكتب السياسي، وهم العربي عجول ومحمد الأشعري وعلي بوعبيد، والذين قاموا بتجميد مشاركتهم في لقاءات المكتب السياسي، ودعوا إلى أطروحة إصلاحية جديدة، ويهددون كذلك بتأسيس تيار جديد في الحزب، يمكن أن يمهد لتأسيس حزب اشتراكي جديد. وإذا كان الحديث عن أطماع وزارية أمر بعيد عن المصداقية، في حالة العربي عجول، بالنظر إلى تقادمه في السن، وبالتالي، من شبه المستحيل التفكير في استوزاره مثلا، فإن الأمر مختلف مع محمد الأشعري، وزير الثقافة والاتصال السابق، الذي يريد العودة إلى فخامة كرسي الوزارة، أو علي بوعبيد، الذي لم يذق بعد طعم الاستوزار. إنها نبوءة واحدة من نبوءات "لوجورنال" التي تتحقق في الميدان، وربما بسبب ذلك، اتخذ قرار إعدامها من طرف السلطة بسبب خطها التحريري وبسبب صراحتها في فضح التردي الحزبي والسياسي بالمغرب.