هذه حكاية مؤسفة، تعبر عن بعض أوجه الصحافة المغربية، بدأت على مشارف العام الحالي، وانتهت بصدور هذه التوضيحات، لمن ألقى السمع وهو شهيد، وتتعلق بما سُمِّي زورا، كوني دعوت الدول العربية إلى الانضمام إما إلى إسرائيل أو تركيا أو إيران! في البداية، هذه الفكرة التي نسبها إلي مراسل المساء بتاريخ29 ديسمبر 2009، العدد 1017 في تغطيته المزعومة عن محاضرةٍ لي بعنوان "إشكالية الترجمة والمثاقفة" يوم 24 ديسمبر 2009، بكلية الآداب، ظهر المهراز، فاس، أكذوبة ملفقة هدفها هو الإساءة المقصودة. فقد نسب إلي رأياً لم يصدر عني إطلاقاً لا شكلاً ولا مضموناً. والعبارة الناقلة لذلك الموقف المزعوم هي: "ودعا هذا الباحث الدول العربية إلى الانضمام إما إلى إسرائيل أو تركيا أو إيران، مقدماً هذه الدول الثلاثة باعتبارها أقطاباً للبحث العلمي والتنمية الثقافية في المنطقة". هذه العبارة مشبوهة، إذ إن مراسل المساء هو الذي يتكلم أو يروي، وهذه ليست عبارتي؛ والجملة ليست كاملة، إذ بعد "إما" الافتتاحية من الضروري إتمام الكلام ب "إما" الاختتامية. إلا أن اللغة كما يعلم الجميع آخر ما تحترمة المساء. هذا على الرغم من أن الخادمات في أوروبا القرون الوسطى كن يُطردْن من عملهن إذا ارتكبن خطأ نحوياً واحداً، لأن ذلك يعدي الأطفال بهذه العاهة اللغوية، ولكن في القرن 21 هذا مسموح لمراسل المساء من فاس العاصمة العلمية للمغرب. ولنعد إلى البداية لعرض عناصر السياق والموضوع. لقد تلقيت دعوة لإلقاء محاضرة في موضوع الترجمة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ضمن أنشطة ينظمها "مختبر التواصل الثقافي وجماليته" الذي يرأسه الزميل الأستاذ محمد أوراغ. العرض ذو طبيعة تقنية خالصة. ولقد نشر الباحث الشاب محمد بَنْغَى، المسجل في نفس المختبر الحاضن لهذا النشاط، صيغة تكاد تكون كاملة في موقعه الإلكتروني. وقد حرصت هذه التغطية على النقل الأمين لأهم الأفكار الواردة في المحاضرة. وهي نفسها التغطية التي عممتها الكلية في نشرة يشرف عليها أحد أساتذة الكلية المعروفين باجتهادهم وأمانتهم، وهو الزميل الأستاذ جمال بوطيب. والتغطيتان تخلوان من الترهة التي انفردت المساء بتلفيقها. ألقيت هذه المحاضرة على جمهور محصور من الطلاب والأساتذة الباحثين وهم في جملتهم ينتمون إلى "مختبر التواصل الثقافي وجماليته" وقد شرفني الأستاذ محمد أوراغ بتسيير جلسة العرض الذي ألقيته في مختبره. وتتبع المحاضرة ثلة من الأساتذة المشهود لهم بالاجتهاد والوداعة والسمو الأخلاقي والإخلاص المهني. أذكر من بينهم الزملاء الدكاترة جمال بوطيب والدهبي إدريس وعبد الحي القرشي وعبد الوهاب الفيلالي ومحمد الواسطي وحميد لحميداني وأحمد زكي كنون، إضافة إلى من لم أتمكن من مشاهدتهم في الصفوف الخلفية للقاعة. وكان من الحاضرين مراسل المساء. وأعتقد أن المبرر الوحيد لحضوره هو أنه طالب منتسب إلى المختبر المذكور. ولقد ظهر الآن، بعد نشر تغطية هذه المحاضرة في جريدة المساء يوم 29 ديسمير 2009، أنه حضر بصفته مراسلاً لجريدته. وهذا انتهاك صارخ للحرم الجامعي. ناهيك عن التبشير بأفكار تطبيعية ونسبتها إلى صاحب العرض وهو من تشهد أنشطته ومقالاته المنشورة في مجلة علامات والآداب البيروتية وبعض الصحف الوطنية المتعففة مثل الاتحاد الاشتراكي. ولعل أشهرها "في نقد الخطاب الأمازيغي". ومقالات حول القضية الفلسطينية مترجمة للفيلسوف الفرنسي إدْكَارْ مُورَانْ. وإهداء أطروحة دكتوراه الدولة "إلى أرواح الاستشهاديين من أجل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني". إن تلك التغطية تَطاوُلٌ على ذاكرتي العربية الفلسطينية. وإذا كنت المساء تتبجح علينا صباح مساء بكونها هي سيدة المهنية الصحفية في المغرب فما عليها إلا أن تفعل ما فعله مراسل لُومُونْدْ حينما كذَّبه أحد مُستَجْوَبِيه واتهمه بنشر كلام لم يصدر عنه. فقد بادر مراسل لُومُونْدْ إلى الكشف عن التسجيل الذي احتفظ به، والذي يحمل صوت المستجوَب ويؤكد صحة التغطية. وهنا انتهت القصة. هذه هي المهنية يامساء الصحافة المغربية. فهل يستطيع مراسلك أن يفعل معي نفس الشيء؟ إن مراسل المساء في فاس يعرف جيداً موقفي من الصهاينة ومن إسرائيل ومن العنصريين المختصين في شتم العرب بمناسبة وبدون، ومن أولئك الذين تسخرهم إسرائيل وتعول على استخدامهم كأبواق دعاية لإيديولجيتها الهدامة. إنني أمقت هذا السلوك المنافي للفضيلة الإنسانية. وهذا ليس سراً. ومواقفي منهم كلام منشورة في منابر عديدة. منها مجلة "علامات" التي يديرها الصديق سعيد بنكراد. يمكن الاطلاع عليها عبر الانترنيت. إنها مطروحة في الطريقة، يعرفها البدوي والعجمي والقروي والأمازيغي. بعثت لجريدة المساء ببيان أكذب فيه مراسلها في فاس وأطعن في تلك التغطية المشبوهة والمفبركة، بل والمصهينة. وبعد اتصالات تربو على العشرة، نشرت المساء صيغة مضغوطة، بل أمشاجاً، من بياني التكذيبي بحيث أنها عملت كل ما في وسعها لأجل التستر على فضيحة مراسلها. فقد نشرت البيان الذي تم إخضاعه لعملية بتر أهم أعضائة، وصادرت حقي في الرد الكامل. وها هي، وياللفضيحة!، الرقابة تعود، بعد رفعها عن الصحافة، فتسلطها المساء على الأقلام الحرة. وضيقت المكان على البيان فلم تخصه إلا بحوالي 20 في المئة من المكان الذي خصصته للتغطية الهجائية. وأودعته في مكان لا يكاد يرى في الجريدة. ولقد اتصلت مراراً بالجريدة المذكورة محاولا مخاطبة المدير المسؤول في الموضوع، ولكن للأسف الشديد اعترضني جدار من الكتاب والكاتبات يمنعون أي اتصال بالمدير. وراسلته عبر الفاكس منبهاً إياه على هذا الانتهاك، بل التجذيف، كما طالبته بضرورة التعفف والتحلي بالأخلاق الصحفية النبيلة، وألححت على ضرورة نشر بياني كاملاً وبالشروط التي يحددها القانون. ولقد ذهب كل ذلك أدراج الرياح. إلا أن حقاً وراءه طالب لا يضيع. وحبل الكذب مهما طال قصير. وآفة المساء الكبرى هي أنها إذا عزمت يوماً على قول الحقيقة فلا أحد يمكن أن يصدقها، وذلك هو أفضل عقاب للكذاب.