ما إن أصدر السيد محمد الأشعري وزير الثقافة المغربي سابقا روايته الجديدة "القوس والفراشة" حتى انتفضت أجنحة من المجتمع الثقافي في مختلف أنحاء المغرب لتنظيم لقاءات توقيع العمل الجديد وعرض قراءات عالمة له في احتفاء غريب بكاتب لم يسجل اسمه بعد في جنس الكتابة الروائية ولم يدخل عالمها رسميا؛ لعل الأمر كان سيكون مفهوما لو احتفي بديوان جديد لمحمد الأشعري لأن صاحبنا سجل اسمه في المجال الإبداعي باعتباره كاتبا صحفيا وشاعرا – مع تحفظ بسيط على لقب الشاعر، وهو اللقب الكبير لأننا نجد التاريخ يمنحه لأسماء عظام كالمتنبي وعنترة والشابي وأبو ماضي.. بينما نجده اليوم يطلق جزافا على كل من نظم قصيدة أو نشر "ديوانا"، والنظم ليس إلا شرط من بين شروط لاستحقاق لقب الشاعر... ليس غريبا ولا مستهجنا أن يقدم الكاتب على توقيع كتاب يصدر له، لكن من المفروض أن لا يقدم المجتمع الثقافي على هكذا احتفاء وطني بعمل من الأعمال ولما يمر على صدوره بضعة شهور؛ فمن شروط الاحتفاء بكاتب أن يكون قد فرض اسمه بتميز في جنس أو نوع للكتابة والإبداع؛ وللاحتفاء بعمل من الأعمال لابد أن يكون قد حقق نجاحا أدبيا أو مجتمعيا ... ولقد أثارني تعليق لقارئ على مقال مؤجج حول رواية محمد الاشعري الاخيرة على موقع الأوان حيت يقول فيها ما يفيد الكثير كما يلي: " هذه الرواية قرأتها، و هي ضعيفة جدا ومباشرة حتى إني لم استطع إتمامها، و لا أجد أبدا، مع احترامي الكبير للكاتب، أنها تستحق نصا نقديا، لا يكفي أن تكون وزيرا سابقا لتصبح روائيا بعد ذلك. مع شكري لكم" مناسبة القول هنا هي الظاهرة الثقافية المغربية في الاحتفاء بالأعمال لا لذاتها بل لنسبها لمن يحظى بمكانة في البلاد.. فيبدو في المغرب أن كل ما يكتبه محمد برادة يعتبر رواية متميزة حتى قبل قراءتها وكل ما ينشره محمد بنيس شعر حديث مجدد حتى قبل صدوره ... وقد أصدر كتاب مغاربة خلال السنوات الأخيرة أعمالا عديدة منها ما يستحق التكريم، لكن المجتمع الثقافي المنظم والمدعوم أبى الإنتباه إليهم لأن أصحابها ليسوا من ذوي الانتشار المجتمعي السياسي أو الجمعوي ولا ينخرطون في شبكات العلاقات المؤثرة... فقد شهد المغرب بعد الاستقلال ظاهرة الاحتفاء بكتابات لم تكن أغلبها تستحق الاهتمام لأن أصحابها كانوا يملكون سلطة السياسة والصحافة والمال، بينما كانت أعمال من إنجاز الهامش تركن في غياهب الإهمال والنسيان لكن التاريخ غالبا ما ينصف حين لا يذكر ما كان محط تقدير غير مستحق في حين تحظى الأعمال الرفيعة بالخلود ودخول ذخائر الأدب والإبداع..... والمثل الأهم في هذا الصدد رواية "الخبز الحافي" لصاحبها محمد شكري لتي يشهد التاريخ أن الجميع تنكر لها في البلاد أول الأمر لأن كاتبها قادم من عوالم القمامات والمغرب غير النافع، قبل أن تتلقفها عدالة التاريخ والزمن لينتصر الإبداع والتميز والموهبة والصدق وغياب التصنع في الكتابة في حين تقهقرت روايات أخرى فرضت فرضا على المجتمع الثقافي بحكم مناصب ومواقع أصحابها وقدمت في المدارس على أنها نماذج للأدب والإبداع بعينه ... وصل محمد شكري إلى العالمية بينما لم يذكر التاريخ الأدبي من تلك الأعمال غير النزر اليسير لانعدام الجدة والصنعة فيها... إن المجال الثقافي المغربي العليل يحتاج إلى أن ينتهي من اعتماد الأسماء معيارا لقيمة الأعمال بل عليه أن يعمد إلى عكس ذلك وأن يجعل العمل توقيعا لصاحبه.. على المجتمع الثقافي المغربي أن ينصت أكثر إلى تجاوب الجمهور القارئ مع الأعمال للحكم عليها لا توجيه هذا الجمهور إلى أعمال بعينها من خلال سلطة الصحافة الثقافية – التي ينقص أغلبها لجان للقراءة والتحكيم- وسلطة منابر اللقاءات والندوات الثقافية.. فكيف يفوز بجائزة المغرب للرواية عمل لا يعرف المغاربة القصة التي يحكيها... لقد آن الأوان للاحتفاء بالأعمال التي تجعل المغاربة يقرؤون وتدفعهم إلى القراءة دفعا... وآن الأوان لأن يعتمد المثقفون المفهوم الوجودي –نسبة إلى فلسفة جون بول سارتر الوجودية وتصورها الأدبي- الذي يعتبر أن العمل الأدبي لا يوجد إلا من خلال القراءة وبها وإلا فإنه بلا حياة ويظل مجرد حبر على ورق.. إن القراءة وحدها هي التي تعطي للعمل قيمة والعمل الذي لا يقرأ لا قيمة له مهما قال عنه "النقاد" والدارسون... ولقد أحسن إشارة السيد محمد بوزفور حينما رفض جائزة مبررا ذلك بأن كتبه لا يقرأها إلا القليل من الناس بالنظر إلى المبيعات القليلة وبالتالي فلا معنى للجائزة.. لقد عرفت رواية الخبز الحافي التي أحتقرها الجميع بداية لحقارة أصول صاحبها انتشارا ونجاحا عالميين واحتفظ بها التاريخ الأدبي إلى الأبد، فهل يصيب قوس رواية محمد الأشعري المحتفى بها وبصاحبها قلوب القراء وهل تحلق فراشتها في حدائق الأدب العالمي.. أما أن القوس سيصيب الفراشة ويرديها صريعة بنيران صديقة في بداية المعركة لعدم احترافية المحارب وضعف صنعته في الرمي..؟ّ!!!! [email protected]