بلا أدنى شك أن المتابع لشأن العلاقات الجزائرية المغربية يصاب بالحسرة على ما آل إليه وضع البلدين الشقيقين حقيقة وليس نفاقا سياسيا مللنا منه وكفرنا به، لأنه تجمع بينهما أواصر مشتركة وعميقة وقوية لا يمكن القفز عليها ولا تجاوزها مهما كانت الحسابات السرية والعلنية بين النظامين القائمين. إن الحديث عن العلاقات فيما بين الدول المغاربية يدفعنا إلى الإشارة ولو تكون عابرة للعلاقات العربية العربية، والتي صارت تعيش تحت عقلية الضرب تحت الحزام، فبالرغم من الشعارات الطنانة والرنانة التي رفعت من قبل الهيكل المصري المسمى تجاوزا "الجامعة العربية" وبالرغم من تلك التي ظل يرقص بها البعثيون والناصريون على جراحنا الغائرة بإسم "القومية العربية" البائدة والفاشلة، إلا أن واقع هذه العلاقات مزيف للغاية، ويكفي أنه عندما تسافر إلى أغلب دول الخليج والجزيرة العربية فإنك تجبر على التأشيرة وتحس بالقرف الشديد عند الوصول لما تجد الأوروبيين يمرون بمجرد حملهم لجوازات بلادهم في حين القادم الذي يأتي وخاصة من المغرب الكبير يخضع لنوع من المراقبة الصارمة غير المعلنة، ويعجبني ما قاله لي أحد الأصدقاء معلقا على هذا الأمر ونحن في مطار بلد خليجي: "المشرق العربي لا ينظر للمنطقة المغاربية على أنها عربية والسبب هي أنها منطقة أمازيغية أريد تعريبها فقط من أجل جمع أكبر عدد ممكن من التبرعات لجامعة حسني مبارك". إن الدول العربية مقبلة على موجة تفتيت واسعة بسبب عقلية بدوية تسيطر على حكامها وحتى على شيوخها من رجال الدين والسياسة، وخلال هذا القرن سنشهد هذا الأمر حيث سينقسم السودان ويلحقه اليمن ثم العراق الذي لن تلبث ديمقراطية بوش الدموية أن تقسمه إلى دويلات قبلية وعرفية وطائفية لا تصلح إلا للإنتداب الأمريكي والبريطاني والصهيوني وربما الإيراني أيضا... سيحدث ما لا يمكن تخيله في ظل هذا الأمر الذي يهدد العالم الإسلامي برمته ولا يقتصر على العالم العربي ولا حتى الأمازيغي في الشمال الإفريقي وخاصة ونحن نشهد نشاطات قوية وأخرى مشبوهة لأجل إحداث زلزال في المغرب الكبير. حتى لا نذهب بعيدا في حصر التصورات المتناقضة والمتباينة التي تشغل بال المفكرين والسياسيين والمتابعين للشأن العربي والإسلامي وحتى الدولي، تجدر الإشارة إلى أن وضع العلاقات الجزائرية المغربية لا يمكن أن تخرج عن هذا المناخ الموبوء الذي تحركه أطراف متعددة بينها المتآمر وآخر متحرش ويوجد حتى الأحمق الذي دفعه حمقه إلى توريط المغرب الكبير في تراجيديا ستعود حتما بالوبال على الدول الست التي كل واحدة منها تحمل بذور التفتيت والإنقسام، والنزعات الإنفصالية لا يمكن حصرها أو تحديدها، ولو أردنا أن نخوض فيها ما كفتنا المجلدات. إن غلق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب هي جريمة بكل المعايير ومهما كانت الأسباب والدوافع، فهي جريمة بحكم الشعب الواحد والهوية والدين الواحد، وبحكم التطور الدولي الذي تعرفه العلاقات الدولية التي تتجه في ظل العولمة والرأسمالية المتوحشة نحو التكتل ثم التوحد وربما سنشهد بداية الذوبان الواحد في الثاني وهكذا. لا يمكن أن نسلم بصدق ما يروج له الطرف الجزائري ولا الجانب المغربي، مادام يوجد خلاف جذري لم يقتصر على المواقف السياسية أو الصفقات الإقتصادية أو حتى الشخصية بين المخزن والعسكر، إنما الأمر تعدى الحدود الحمراء ووصل إلى البعد الجغرافي الذي بلا شك سيزيد النار إشتعالا. فأطماع المخزن في التراب الجزائري موجودة ولا يمكن أن يخفيها أحد، وحتى إن لم تظهر في هذه الفترة على ألسنة الرسميين إلا أنها موجودة في أطر أخرى وبمهماز رسمي، من بينها نشاطات المجتمع المدني وكذلك وسائل الإعلام. ومن الجانب الجزائري نجد قضية الصحراء الغربية التي يراهن عليها النظام القائم في كسر شوكة النظام العلوي التوسعي للمملكة المغربية، فتواجد جبهة البوليساريو على التراب الجزائري هو في حد ذاته صفعة قوية للمخزن هذا فضلا عن الدعم المالي والسياسي والدبلوماسي. وفي ظل هذا وذاك لا يمكن أبدا أن ننظر إلى الواقع بعين التفاؤل وقد جرت حرب الرمال بين النظامين وتواصلت حرب أخرى بالوكالة في الصحراء الغربية، وهذا الذي لا يكون محل غفران أبدا لدى الجميع وبلا إستثناء. غلق الحدود هو محطة من بين محطات التوتر الذي يهيمن على علاقات المخزن بالعسكر في المنطقة المغاربية، وقد أدى هذا التوتر إلى سباق تسلح لم تستفد منه سوى الدول المصنعة للسلاح والتي صارت تنتمي إلى "مافيا السلاح" والتي تعمل كل ما في وسعها من أجل بيع منتجاتها المنتهية الصلاحية ولو كانت على حساب أخوة الشعوب وأمن العالم وشرعيته. ونذكر آخر التقارير الواردة في هذا الإطار ويتعلق الأمر بما حرره المعهد الدولي لأبحاث السلام "سيبري" في مارس الماضي، حيث وضع الجزائر في المركز التاسع في قائمة الدول الأكثر إستيرادا للسلاح بناء على مجمل الأسلحة التي حصلت عليها خلال الخمس سنوات الأخيرة. أما المغرب ففي 2008 خصص حوالى 40%من مداخيله للانفاق الأمني. كما رُفعت موازنة "صندوق شراء معدات الجيش الملكي وتصليحه" من 4.5 مليارات درهم (600 مليون دولار) إلى 10.2 مليارات درهم (1.3 مليار دولار)، وسُمح له بطلب قروض قيمتها 72 مليار درهم (9.3 مليارات دولار) ستمولّها موازنات السنوات المقبلة. كما طلب المغرب دعما من الدول الخليجية لتمويل بعض نفقاته العسكرية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر أنه في 2005 أهدته الإمارات العربية المتحدة 40 دبابة كانت قد اشترتها من سويسرا، وفي 2007 أبدت المملكة العربية السعودية استعدادها لدفع فاتورة طائرات فرنسية أراد الجيش المغربي شراءها رداً على شراء الجزائر عشرات الطائرات الحربية الروسية الصنع. يتبع المقال القادم: مهزلة غلق الحدود بين الجزائر والمغرب – الحلقة الثانية (05/04/2010) المحرر: لن يتم نشر أي تعليق يتطرق لشخص أنور مالك عوض مناقشة أفكاره بخصوص الموضوع أعلاه