مالي تحتج على إسقاط "طائرة مسيرة" بتحرك عدائي للجيش الجزائري    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة.. نبيل باها: من أجل التتويج باللقب لابد من بذل مجهودات أكثر    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (ربع النهائي).. المنتخب المغربي يواجه نظيره الجنوب الإفريقي يوم الخميس المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توقيف إفريقيين مقيمان بدول أوروبية بمطار طنجة لحيازتهما ل46 كيلوغرام من المخدرات    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    خريبكة تلاقي تطوان بكأس العرش    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    عطاف يستقبل دي ميستورا بالجزائر    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها بين طنجة وطريفة بعد تحسن الأحوال الجوية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    عشرات آلاف المغاربة يتظاهرون في الرباط "ضد الإبادة والتجويع" في غزة    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    وزير الخارجية الفرنسي يعلن الاتفاق على بناء "شراكة هادئة" مع الجزائر    بيانات: المغرب ثاني أكبر مستورد للقمح الطري من الاتحاد الأوروبي    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    بعد انخفاض أسعار المحروقات وطنياً.. هذا هو ثمن البيع بمحطات الوقود في الحسيمة    آلاف المعتمرين المغاربة عالقون في السعودية    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تواجه رفضا واسعا للتعديلات القانونية الجديدة    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    المغرب يحدد منحة استيراد القمح    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    توقيف مروجين للمخدرات الصلبة بحي الوفاء بالعرائش    لوبن تدين "تسييس القضاء" بفرنسا    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    الذكاء الاصطناعي.. سوق عملاق يُهدد العدالة الرقمية    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    السفارة الأمريكية توجه تحذيرا لرعاياها بالمغرب    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    المغرب يتوعد بالرد الحازم عقب إحباط محاولة إرهابية في المنطقة العازلة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يخاف من موضوع فتح الحدود البرية المغربية الجزائرية؟
نشر في هسبريس يوم 11 - 08 - 2008

كاريكاتير عبد الله درقاوي من جريدة الصحراء المغربية
يبدو أن حرارة الصيف في الجزائر جعلت المنابر الإعلامية التابعة للعسكر لا تفهم دلالات ومعاني خطاب الملك محمد السادس الأخير، والذي ألقاه بمناسبة عيد العرش (الجلوس)، حقيقة هذه الأيام في شمال إفريقيا الجو الحار لا يناسب مزاج البعض. فبمجرد ما يشير مسؤول مغربي إلى حالة العلاقات المغربية الجزائرية حتى تشهر هذه الصحف المجهرية في الجزائر ألسنتها السليطة و تشرع في الشتم و القذف و التجريح و التحقير متهمة المغاربة بالتدخل في شؤون الجزائر الداخلية (مرض قديم عند الساسة لم ينفع معه أي علاج). ""
فماذا جاء في الخطاب حتى تقرر تلك الأقلام م الطفيلية و المرتزقة تشكيل طابور طويل متراص للتشكيك في كل ما جاء به ملك المغرب من أفكار تقدمية لحلحلة الوضع في منطقة شمال إفريقيا وتطبيع العلاقات مع الجزائر و ذلك بأعصاب باردة و عقل متفتح ورصين؟ لندع تلك المنابر المشبوهة والمعروفة في داخل الجزائر وخارجها تتلذذ بالدولارات التي قبضتها من أولياء نعمتها و تكتب ما يوحي به أسيادها إليها . و حتى يتعرف القارئ على جوهر ما جاء في الخطاب البرنامج للملك الشاب و أهم محاوره و السبب الذي جعل صحافة العسكر تقابله بالشتم والنقد والقذف، وهذا بالمناسبة سلوك ألفناه منذ زمان من أشباه الصحافيين الجزائريين الذين وظفوا جهلهم و سلاطة ألسنتهم في سب الناس وهجاءهم و تلفيق التهم إليهم سواء بسبب أو بدون سبب.
نظرا لهذا الكم الهائل من الهجاء الصادر من الجزائر و باللغتين !!، عدت لأتفحص خطاب محمد السادس، أبحث عن المؤامرة والمناورة فيه، فلم أجد شيئا من ذلك على الإطلاق، بل بالعكس، كل ما عثرت عليه هو كلام سياسي متوازن و متفائل قصد من وراءه الملك الشاب كسب رهان المستقبل في المغرب و في محيطه الإقليمي المباشر .
ليسمح لي القارئ أن أعطي لمحة مختصرة عن بعض الأفكار الأساسية التي تناولها الخطاب الملكي تاركا حرفة البوليميك العقيمة لورثة الحطيئة و ابن الرومي في الجزائر. فملك المغرب حلل في كلمته إلى الشعب المغربي الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي لبلده بناءا على حجج و براهين و مراجع علمية، فأبان خلال هذا الخطاب عن اطلاع واسع للحالة العامة التي تعرفها العلاقات المغربية الجزائرية.
و هكذا و مباشرة بعد إلقاء الملك محمد السادس لخطابه بمناسبة الذكرى التاسعة لجلوسه على العرش، والذي تناول فيه ككل سنة حالة البلاد الحالية والمستقبلية و دور و مواقف المغرب في السياسة الدولية، مقدما حصيلة ما أنجز من مشاريع و ما تبقى منه مع عرض كل الاختلالات الداخلية والاكراهات الخارجية التي تحد من سرعة النمو الاقتصادي للبلاد، منتقدا كذلك كل الجيوب التي تقاوم مشروعه في التغيير و الإصلاح . مناسبة كذلك أعطى فيها ملك المغرب كشفا كاملا ومفصلا عن السياسية التي ينهجها حاضرا و مستقبلا و عن الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الطفيلية التي تعرفها البلاد و التي عرفتها بعض الشعوب المتقدمة في مراحل معينة من تقدمها، معتبرا إياها ظاهرة صحية طبيعية تتبخر وتزول بمرور الوقت، كما واعد شعبه بالمضي قدما في إصلاح نظام التعليم و الاستثمار في تكوين الإنسان و الرفع من قدراته و مكانته باعتباره العنصر الأساسي في التنمية، كما ذكر المواطن بان السياسات المكرواقتصادية المتبعة في البلد، و بشهادة صندوق النقد الدولي وهيئات اقتصادية أخرى، حققت ارتفاعا نسبيا في مستوى النمو وصل إلى %7، سياسات حسنت دخل المواطن المغربي، وخلقت آليات اقتصادية ذاتية قوية لامتصاص النتائج السلبية لارتفاع أسعار الطاقة و المواد الغذائية الأولية ...الخ. وتبقى هناك أوراش أخرى، حسب عاهل البلاد، لازالت مفتوحة تهم كرامة الإنسان و حقوقه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، أهمها قطاع القضاء، القطاع الحساس الذي يحتاج إلى مشروع إصلاح متكامل عن طريق منحه استقلالية فعلية، ورش ينبغي تخليقه وجعله يتماشى مع باقي أوراش الإصلاح الأخرى ، انه عمل محوري في بناء الدولة الحديثة يقوده الملك بنفسه و يرتكز على ترسيخ دعامات الاستقرار السياسي و الاجتماعي في البلاد، فالعدل أساس الملك كما يقال. فالملك الشاب ورث إرثا ثقيلا في هذا المجال الذي تسربت إليه ومنذ الاستقلال بعض الأمراض الخبيثة الغريبة عن ثقافتنا الأصيلة كالرشوة و المحسوبية و استغلال النفوذ، فلا يمكن تغيير هذه السلوكيات إلا بإجراءات عقلانية رصينة يطبعها التدرج و التقييم المستمر، فالعدل قبل كل شيء هو قضية تربية على المواطنة، تخضع لها أجيال متلاحقة حتى يظهر مفعولها و نتائجها على الأرض،فهو ليس مسألة تغيير قاض بآخر و لا وكيل بغيره أو إشكالية لها صلة بإنشاء محاكم و سجون جديدة أو اتخاذ قوانين متعددة و مساطر إدارية حديثة، بل الأمر يتعلق بتغيير العقليات و تخليقها و في جميع الميادين و في جميع مراحل نمو الإنسان، و آليات تحدد المسؤوليات القائمة بين الحاكم و المحكوم. صحيح يمكن القول أن الملك محمد السادس له منظور مجتمعي حداثي أساسه المواطنة السليمة و المسؤولية المشتركة، و في هذا المجال أقترح أن ينظم المغرب إلى معاهدة روما و أن ينخرط في محكمة الجنايات الدولية كما فعلت بعض الدول العربية كالأردن و جزر القمر و جيبوتي .
إضافة إلى هذا، تناول الملك محمد السادس في خطابه وهذا هو بيت القصيد، حالة العلاقات المغربية الجزائرية المزرية المعطوبة و التي ترهن مستقبل الأجيال القادمة في المنطقة، واقع يدعو إلى السخرية و يقطع سبل التفاهم و التكامل و التضامن بين الشعبين الجارين، ظرف ينشر ثقافة اليأس و الانقسام و الفقر و التشرذم في منطقة غنية بأبنائها وخيراتها ، ومن أسباب هدا التمزق مشكل الإبقاء على الحدود البرية المغربية الجزائرية مغلقة، أمر يشكل في رأي العاهل المغربي "عقابا جماعيا للشعبين" ينبغي تجاوزه و إنهاءه في أسرع وقت. فنداء الملك هذا يترجم نظرته الإنسانية والتضامنية ورسالة قوية أخوية مباشرة إلى الشعب الجزائري وحكامه، فالملك القانوني - الذي نال درجة الدكتوراه في موضوع التكامل الاقتصادي و الإنساني و الثقافي في أوربا و المغرب العربي قضى مدة تدريبية دامت عاما كاملا ببروكسيل تحت إشراف وزير الاقتصاد الاشتراكي و المندوب السامي الأوروبي السابق جاك دلور - يعلم جيدا أن الصراع المغربي الجزائري هو نزاع سياسي و إيديولوجي و نتاج لتراكمات إيديولوجية سابقة، لا يمكن حله إلا بحوار مباشر عقلاني سلمي يضع المستقبل المشترك للبلدين فوق كل اعتبار، فمشاكل الجارين هي سياسية و اقتصادية و اجتماعية متداخلة ومترابطة فيما بينها بصفة عمودية وأفقية، فالمنطقة بإمكاناتها المختلفة و موقعها الجغرافي وبسكانها الشباب (سكان المغرب العربي % 70 سنهم اقل من 25 سنة ) تشكل قوة ضاربة إقليمية كبيرة في وجه أوروبا و العالم. فالتطبيع بين البلدين في رأي العاهل المغربي أصبح ضرورة ملحة سوف تفتح آفاقا جديدة للشعبين ،وهكذا فإن إلحاح الملك الشاب على هذا المشكل لا يعد ضعفا و لا نفاقا ولا هرولة نحو المجهول ولا التفافا حول المشاكل الداخلية للمغرب، فالدوائر الاقتصادية العالمية أكدت أن هذا البلد يوجد في وضعية اقتصادية مريحة و أنه أصبح قلعة مهمة في شمال إفريقيا و ذلك بدون غاز و لا بترول ولا ذهب و لا حديد. ولقد ذهب بعض الاقتصاديين الأسيويين في تحليلاتهم إلى مقارنة المغرب مع ماليزيا و سنغافورة.
فالملك القانوني وضع الساسة الجزائريين أمام مسؤولياتهم التاريخية، كما وضع الرأي العام العالمي وخاصة العربي و الإسلامي في الصورة الحقيقية للخطاب المزدوج الذي يروجه بعض الجنرالات الجزائريين في الخارج وفي منابر إعلامية أجنبية مكتراة بملايين الدولارات، فالمؤسسة العسكرية الجزائرية تدعي أنها دولة مهتمة بقضية الصحراء صلب النزاع بين الجارين وهنا تكمن الازدواجية في المواقف المتناقضة لجزائر الجنرالات، فإذا كان الأمر كذلك و ليس للجزائر أي مشكل مع المغرب، فلماذا لا تفتح الحدود إذن وتطبع علاقاتها مع المغرب تاركة للأمم المتحدة متابعة مسلسل المفاوضات بين الإخوة الأعداء؟ بل لماذا لا تتحول الجزائر إلى وسيط محايد في نزاع على حدودها كما فعلت مع توارق مالي ؟ أما في حالة ما إذا كانت الجزائر دولة معنية بالنزاع في الصحراء، فالأمر يختلف تماما ! فعليها يا عالم في هذه الحالة على الأقل أن تصارح شعبها بنواياها السرية ومده بكشف حساب عن ملايير الدولارات التي أنفقتها في قضية الصحراء الخاسرة منذ 1975 إلى الآن، وأن تخبر الأمم المتحدة و المنظمات الجهوية وأصدقائها و حلفائها عن حقيقة مشروعها و أجندتها الخفية في المنطقة ،إنها الشجاعة والنزاهة السياسية يا جماعة!.
فخطاب الجلوس التاسع للملك القانوني كان خطابا صريحا، واقعيا وطموحا جدا، ولا يختلف لا في الشكل ولا في المضمون مع تحليلات بعض السياسيين والاقتصاديين في العالم عامة و الجزائريين خاصة كأحمد بنبتور وبن حورية وشهيد المغرب العربي محمد بوضياف و آخرين، كلهم اتفقوا على أن مشاكل الجزائر الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية يوجد حلها في التطبيع مع المغرب وفي اتحاد المغرب العربي ، و بهذه المناسبة أطالب وأدعو بإلحاح من السلطات المغربية أن تطلق اسم شهيد المغرب العربي محمد بوضياف على الميناء الجديد في طنجة و أن تسمي باسمه أهم شارع في القنيطرة، المدينة التي عاش فيها هذا المناضل المغاربي منفيا طوال حياته، كما أهيب بمثقفي المنطقة المغاربية المخلصين لنداء طنجة المغاربي 1958 أن يخصصوا ندوة عالمية بمدينة القنيطرة التي كان الشهيد يعشقها بنفس الدرجة التي كان يحب بها الجزائر الصامدة، فلقد استشهد في سبيل و حدة المغرب العربي ومن اجل مغربية الصحراء كما كتب المحلل الجزائري أنور مالك .
وأعود إلى منابر الجنرالات التي ردت على خطاب الملك القانوني برشاشات ذات العيار الثقيل مهاجمة ندائه بفتح الحدود البرية وضرورة الخروج من هذا النفق المظلم الذي تعرفه العلاقات المغاربية بكثير من التهريج و الضجيج الديماغوجي العقيم. فصحف العسكر التي هي بعيدة كل البعد عن كل الأخلاق المهنية و الثقافة العربية الإسلامية نعتت هذه اليد الممدودة لملك المغرب بكثير من التجريح و القذف و التحقير لأن ملك المغرب كانت له الشجاعة الأدبية في الإشارة إلى أن همه الوحيد على المستوى الإقليمي هو تفعيل التسامح و المصالحة و الإخاء ورقي المنطقة وطي صفحة الماضي المؤلم بين البلدين لا غير، فالكل يعلم من يملك تلك الجرائد ومن يحركها ومن المستفيد من بقاء الحدود مغلقة و النزاع مستمرا، فسألوا بنوك موناكو و للكسمبورغ والجزر البعيدة أو الجنات المالية في أمريكا اللاتينية(paradis fiscaux) عن الحسابات الضخمة لأعداء المغرب العربي وأعداء الجزائر المستفيدين من غلق الحدود البرية، إن هذا النزاع الذي طال أمده يمثل البقرة الحلوب لهؤلاء الطغاة و حلفاءهم من المهربين و المافيوزيين.
نقطة أخرى مهمة ينبغي الإشارة إليها وهي أن الحدود البرية أغلقت من طرف الجزائر بصفة أحادية سنة 1994 بعد أحداث إرهابية دامية، شهدتها مدينة مراكش السياحية، شارك فيها بعض عناصر الجماعة المسلحة الجزائرية و التي يعرف الجميع أنها كانت شبكات مسلحة مخترقة من طرف الأمن العسكري الجزائري، أحداث إرهابية أدت إلى فرض التأشيرة على الجزائريين بصفة مؤقتة، وكان هذا الإجراء عملا أمنيا وتقنيا يهدف إلى استقرار أمن البلدين ومحاربة العنف القادم من أوربا وأفغانستان .و قد انتقد هذا القرار الإداري في حينه من طرف العديد من الفعاليات الحقوقية المغربية ، فالشعب المغربي الذي يقدر الجزائريين ويعزهم رفض هذا الإجراء رغم المعاناة التي خلفتها عملية طرد 45 ألف مغربي و مغربية من الجزائر في يوم عيد الأضحى بثيابهم الداخلية. فالمغرب لم يفكر مطلقا في قطع جسور الأخوة بين الأشقاء، وقد تم رفع هذا الإجراء الأمني التقني وألغيت التأشيرة خدمة لمصلحة الشعبين في الأمن و الطمأنينة سنة 2005 من طرف الملك القانوني الشاب، الذي لم يكن في الحكم عند اتخاذ القرار الأول، بعدما ظهر له أن فرض التأشيرة هو إجراء أسيئ فهمه في الجزائر بل استغل سياسيا من قبل الجنرالات الذين سارعوا إلى غلق الحدود من طرف واحد كرد فعل سياسي ذو أبعاد خطيرة على المنطقة، فإغلاق الحدود البرية من طرف المؤسسة العسكرية الجزائرية يهدف إلى قطع أوصال الأخوة بين الشعبين و يضاعف ثراء المهربين و قطاع الطرق. فنداء الملك الشاب إلى ضرورة فتح الحدود البرية بين الجارين جاء كرد إنساني و أخلاقي هدفه مسح كل الأخطاء المرتكبة في الماضي وفتح الأبواب المسدودة، سعي حميد وايجابي يرنو إلى ردم الهوة بين الشعبين ومد جسور التعاون والتضامن بينهما، فالملك محمد السادس الذي خبر شؤون السياسة و الاقتصاد في العالم طوال عقود، طوى ملفات الماضي الأسود على المستوى الداخلي ويحاول حاليا و بكل الوسائل المتاحة لديه إصلاح ذات البين بين المغرب و الجزائر، و ذلك بتنقية الأجواء في علاقات البلدين ، فهو يعرف أن الشعب الجزائري الطيب والمغيب في هذا الموضوع يعي دلالات و معاني خطابه المتقدم في زمانه ومنظوره للعلاقات المغربية الجزائرية المستقبلية . فلا تهمه ردود الأفعال المتشنجة و العصبية لبعض الأقلام المأجورة و بعض الأبواق المعروفة، فالشعبان يعرفان جيدا بعضهما البعض وأن تلك المنابر الإعلامية التي هي عبارة عن منصات لإطلاق صواريخ الحقد و الكراهية ﴿orgues de Staline﴾ لا تمثل إلا نفسها ولا تستحق حتى الذكر، لأنها ليست أقلاما تنتج لا حلولا ولا أفكارا، بل رشاشات إسرائيلية الصنع وكاتمة للصوت، تجهض كل محاولة صادقة تأتي من المغرب لحلحلة الوضع في المغرب العربي وتحريك بركة العلاقات الثنائية الجامدة. فالملك القانوني أراد أن يضع حدا للعدمية و التشكيك و التيئيس و الإفلاس و الجمود في شمال إفريقيا، و لكن مع الأسف لا يمكن مقارنة القانون الذي هو نتاج العقل مع الرصاصة التي تصدر من الرشاش و المدفع.
إن القاسم المشترك بين تلك المنابر الشاتمة في الجزائر التي اجتهدت هذه الأيام في افتتاحياتها الركيكة منذ خطاب العرش لملك المغرب و أستثني هنا بعض الصحف الجزائرية الشريفة و النزيهة هو التجريح و الهجاء و القذف لرئيس دولة جارة واصفة إياه بأفظع النعوت و الأوصاف، إن لجوء هذه الأقلام الاستخباراتية إلى مثل هذا الأسلوب كطريقة للرد على ملك المغرب يبرز ضعفها و أساطيرها البالية و تملقها للعسكر. إن ملك المغرب بخطابه وضع أصبعه على الداء مقترحا العلاج المناسب. هذا بطبيعة الحال لا يروق لأصحاب المنافع الكبيرة المتحالفة مع شبكات تهريب المخدرات و الأسلحة و تبييض الأموال . إنهم يحاولون إعطاء الانطباع للجزائريين بأن المغرب دولة فقيرة تريد السيطرة على خيرات الجزائر و الحال أن ما جاء في الخطاب الملكي كان سوى وقائع حقيقية و اقتراح لمجموعة من الحلول الواقعية. فإن من يقرا خطاب الملك القانوني لا يعثر على أي كلمة تنقص من قدر الجزائر، اللهم إذا كان وصف حالة العلاقات بين الدولتين الجارتين للرأي العام المغاربي يعتبر في نظرهم تآمرا.
و في الختام أتساءل مع ملايين المغاربيين متى يتخلى الجنرالات في الجزائر عن الفكر الأحادي و العناد و الهيمنة و العدمية؟. قال الله عز وجل في كتابه العزيز "إنهم يكيدون كيدا و أكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ".
ذ.عبد الرحمن مكاوي
أستاذ العلاقات الدولية/جامعة الحسن الثاني
خبير في الشؤون العسكرية و الإستراتيجية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.