دخل التشكيلي الصديق راشدي، الذي تعود تجربته الفنية وعشقه للألوان إلى بداية السبعينات من القرن الماضي، مرحلة مهمة في مسيرته الفنية عندما غامر باعتماده في أعماله الأخيرة (2009-2011) على مادة الإسمنت للخلق والإبداع ، فاتحا مرحلة جديدة في التعامل مع بياض اللوحة. ويعتمد الفنان راشدي، الذي ينحدر من تيزي ويسلي بإقليم تازة والذي عاش جزءا كبيرا من حياته ببني ملال التي يقطن بها حاليا، في تجربته الفنية الجديدة أساسا على مواد بسيطة ومنسية كالرمل والطلاء واللصاق وألياف "الخيش" وعناصر أخرى، يوظف فيها بذكاء ألوان متباينة غامقة وشفافة يهيمن عليها اللون الأبيض، فتتحول إلى مادة تنضح بالجمال. وعن هذه التجربة، ذكر الروائي عبد الكريم الجويطي أن الفنان الصديق راشدي "يتحدى نفسه ويتجاوزها باستمرار، ويمتلك القدرة التي تملكها نبتة في العراء، فقد استطاع أن يجعل من مادة باردة وبلا حس، مادة منبوذة وقبيحة خلقتها الأزمنة الحديثة لتسريع وتيرة البناء ومواكبة شراهة المدن في التوسع، عنصرا هاما تحول إلى مصدر للإلهام والجمال". وأضاف أن لوحات الصديق البيضاء " تشهر عدما ملغزا، إنها نور الأشياء التي لم تولد بعد، الأشياء التي نحس بها ونستشعر حركاتها في الأعماق، إنها دعوة مفتوحة للإقبال على الحقيقة"، مشيرا إلى أن الفنان راشدي، الذي يكسر إبداعاته إلى أشكال سمخية ومثلثات ودوائر ومربعات ومستطيلات المطلية بالياض الناصع، يمتلك طاقة تحويل أشياء العالم الصغيرة والمحدودة إلى فضاءات لا نهاية لها". من جهته، ذكر الناقد التشكيلي عبد الله لغزار أن اللوحة عند الفنان الصديق ، الحاصل على الاجازة في الفلسفة والسوسيولوجيا وعلم النفس، "تنقب عن أسئلة بصرية جديدة وفق منهجية جمالية محكمة، تقتصد في الحركة، وتعمل على خلق توازن بين الشكل واللون ، بين الواقع والذات". وأوضح أن إبداعات الفنان الصديق راشدي تمثل تجاوبا على تفاعل مفتوح على إنسان قادر بإرادته على خلق الحياة ... ، وعلى تحويل وتغيير وصياغة أية مادة وتوليد أفعال جادة تفتح العبارة على الأمل وعلى حرية التخيل. يذكر أن البداية الفنية للصديق راشدي، الذي سيعرض لوحاته الابداعية في الفترة ما بين 15 أكتوبر و10 نونبر القادمين برواق محمد الفاسي بالرباط، تعود إلى بداية السبعينات عندما كان تلميذا بالثانوية العسكرية الملكية بالقنيطرة، وهي مرحلة اتسمت بالتكوين والتعرف والانفتاح على مختلف المدارس والاتجاهات الفنية ولصقل الموهبة، ثم جاءت مرحلة مراكش، التي قال عنها إنها اتسمت بالبحث عن أسلوب خاص يراوح بين التجريد والتشخيص قادته إلى إنجاز أعمال تنزع نحو تحطيم الاشكال الهندسية. وأضاف الفنان راشدي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المرحلة الموالية، التي تعود إلى بداية الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان طالبا بمدينة فاس، اتسمت بنضج أكبر أنجز خلالها أعمالا فنية ملتزمة، وهو اختيار فرضته ضرورة المرحلة السائدة آنذاك، والتي وصفها ب" السوداء المسكونة والمجنونة بالأمل" ، وهو ما أدى ضريبتها باحتجاز العديد من إبداعاته (حوالي 30 لوحة ) ، ما زالت لحد الآن موضوع توصية من توصيات هيئة الانصاف والمصالحة. وقد شارك الفنان راشدي في العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية المنظمة بالمغرب (القنيطرةومراكشوفاس وبني ملال والدار البيضاء وميسور ومكناس والرباط والصويرة وقصبة تادلة) علاوة على مشاركته في معرضين بهولندا وفرنسا.