حسن بسطاوي فنان تشكيلي من مدينة خريبكة يجعل من لوحاته واجهة لإعلان الانتساب إلى المغرب العميق، فكائناته وألوانه، خاصة الأبيض والأسود، وعوالم لوحاته تقول أشياء كثيرة عن الخلق الآخر الذي يشغل الكثير من أبناء الهوامش وعن الجغرافيا المنسية، في هذا الحوار معه يوضح بعضا من اختياراته الفنية ومبررات ارتباطه بالفن التشكيلي: - متى بدأت الاهتمام بالتشكيل؟ < منذ طفولتي، إلا أن استعمال الألوان قد بدأ لدي لاحقا، ونفس الأمر بالنسبة إلى البحث بشكل عصامي في مجال الفن التشكيلي. لقد كان استعمالي للألوان منذ السبعينيات إلى بداية الثمانينيات، حيث اتجهت نحو الأبيض والأسود، وهو الاختيار الذي رافقني إلى حدود الآن، إلا أن رغبة قوية تجتاحني الآن للتحول إلى الألوان والنحت، وأظن أن ما سأسير فيه لاحقا يرتبط بهذا. - لماذا الأبيض والأسود كاختيار في هذه المرحلة؟ < أجد فيهما راحة على المستوى النفسي، حيث يستطيعان، برأيي، التعبير عما هو حسي، بل إن اللونين ينقلان ما هو روحي. طبعا قد يحصل هذا حتى بالنسبة إلى بقية الألوان، وذلك لأن اختيار لون محدد يستجيب لاحتياجات اللحظة الإبداعية وللطبيعة النفسية للفرد ولأشياء أخرى مرتبطة باختياراته وبالصيغ المفضلة لديه للتعبير عنها. - هل يهمك الانتماء إلى مدرسة تشكيلية محددة؟ < الاستفادة من المدارس التشكيلية مسألة ترتبط بالتأثر بإحداها، وأظن أن المدارس الكبرى المعروفة تطبع بالضرورة كل قادم حديث إلى المجال. وما يشغلني شخصيا هو الاستفادة من مدارس وتجارب عالمية ومغربية متنوعة، وأحس بتأثري أكثر بالسريالية والتجريد. - ما الذي أفادك أكثر في تعميق ارتباطك بالتشكيل، هل مشاهدة المعارض أم القراءة في المجال، أم مصادر ومرجعيات أخرى ثقافية وواقعية؟ < المجال الذي شغلني أكثر هو المسرح، وأعتبر أن هذا الفن هو الذي ورطني في عشق الإبداع وعشق التشكيل أساسا. لقد كنت هاويا لهذا الفن فاكتشفت قدرة الفن على التعبير، خاصة بالنسبة إلى التشكيل، ولهذا بالضبط اخترت الارتباط به. - في لوحاتك تبدو كائناتك معزولة ومتكسرة، هل اختيارها كذلك له غاية التعبير عن وجود ما يعنيك؟ < إنها صيغتي للتعبير عن أحوال الإنسان، وطريقة لإبراز انتمائي وانتماء تجربتي الإبداعية، فأشياء عديدة في لوحاتي تحيل على خطوط مدينتنا الثقافية، خاصة الخط الثقافي الإفريقي، واستحضار هذا الخط هو استحضار للكثير من الفن، وللكثير من المحن في نفس الوقت. لقد انشغلت دوما بإفريقيا وبالانتساب إليها، وهذا ما أسعى إلى التعبير عنه من خلال كائنات وألوان ومكونات وملامح لوحاتي. - ماذا عن مواد الاشتغال في لوحاتك؟ هل هناك من اختيارات خاصة على هذا المستوى؟ < اختيار مواد الاشتغال بررته في البداية الإمكانيات المادية، حيث لم يكن في إمكاني توفير ما أحتاج إليه، وفي هذه الحالة تكون المواد البسيطة كالأوراق والأقلام والألوان العادية اختيارا واقعيا وموضوعيا، إلا أنه يمكن الانطلاق من نفس المواد لتمييز الأسلوب الخاص وطبع التجربة الإبداعية الفردية، وهذا ليس اختياري لوحدي، بل إنه اختيار الكثير من الفنانين البسطاء الذين لم تتوفر لهم الإمكانيات الكافية للإبداع باعتماد المواد الثمينة، وبالنسبة إلي فغياب الإمكانيات لم يكن عائقا أمام استمراري في الإبداع وعملي على تطوير تجربتي في المجال. - الكثير من فناني الهوامش يتحدثون عن الغبن وغياب الاهتمام، هل تحس بنفس الشيء؟ < أظن أن طموح كل فنان هو الحضور على نطاق واسع، والمساهمة من موقعه في خدمة المجال الذي ينتمي إليه، والبروز فيه محليا ووطنيا ولم لا دوليا، إلا أن الظروف غير ملائمة للجميع. هناك فئة تتوفر لها إمكانيات أكبر وظروف أحسن للعمل والعرض، وهناك فئة أخرى لا يتوفر لها ذلك خاصة بالنسبة إلى الذين يوجدون في المناطق الصغيرة، إلا أننا نستغل كل مناسبة تتاح لنا للالتقاء بالناس والمثقفين والمبدعين، وشخصيا أجد في المهرجان السينمائي الذي ينظم بخريبكة منذ سنوات فرصة لملاقاة الفنانين وعشاق الإبداع الذين يأتون في الأصل لمشاهدة الأفلام الإفريقية، فيكون ذلك مناسبا للتحاور معهم والإنصات إلى أرائهم وانطباعاتهم حول تجربتي، خاصة أنني أعتبر أن تجربتي ترتكز على المكون الإفريقي بشكل كبير. - هل يمكن الحديث في مجال التشكيل عن مبدعي الواجهة ومبدعي الظل؟ < هذا واقع معروف، لأن وضع فناني المناطق الصغيرة لا يقارن بوضع فناني المراكز الكبرى، هذا على الرغم من أن الكثير من الفنانين يعيشون في الظل حتى داخل هذه المراكز، وذلك لأن إمكانياتها لا تسمح لها بالتواجد في مواقع تساعد على الظهور وملاقاة جمهور الفن، إلا أن هذا لا يعني أننا نسلم بالوضع ونيأس. الأساسي بنظري هو الاستمرار في العمل والإبداع وتطوير التجربة الخاصة ومضاعفة المجهودات للالتقاء بالجمهور والتعريف بالأعمال الخاصة. س: كيف تقيم تعامل الجمهور مع أعمالك ومع الفن التشكيلي بصفة عامة؟ < لي ارتسامات جد طيبة عن اهتمام الجمهور بالتشكيل، وشخصيا تطبعني الأحاسيس والارتسامات التي يعبر عنها الناس الذين يحضرون إلى معارضي، فغالبا تجد زوار المعرض من أعمار وأجناس مختلفة، وهذا اعتبره محفزا قويا على الاستمرار في الإبداع والعطاء. - س: ماذا عن معارضك؟ < لقد نظمت معارض فردية كما شاركت في معارض جماعية، وكان ذلك بخريبكةوسطات والرباط، ومن أعز المعارض هناك المعرض الذي نظمته أيام «مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة في دورته الجديدة (11)، كما شاركت بعد مهرجان خريبكة في مهرجان سطات للفنون البصرية، فالمعارض حين تتوفر تكون فرصة غالية للالتقاء بالناس وقياس أهمية ما تنجزه من إبداعات.