تعرض حاليا الفنانة التشكيلية نسرين الشودري لوحاتها في معرض «لاكاسيّا»، بين كابو نيغرو وتطوان، وهو معرض سيستمر إلى غاية شهر غشت المقبل. وكانت الشودري أقامت معرضا لها قبل ذلك في مركز الأندلس في مرتيل، كما أقامت معارض أخرى في عدة مدن مغربية وإسبانية. «المساء» التقتها وكان لها معها هذا الحوار حول توجهها الفني الفريد، وتأثير انبهارها بالطبيعة والتصوف على لوحاتها. - لوحاتك تبدو مختلفة، إلام تردّين ذلك؟ < ربما تكون لوحاتي مختلفة، وحتى منحوتاتي كذلك، وهذا راجع إلى طبيعة الفن ومنهجه الإبداعي الذي جاء منسجماً مع طبيعتي التي تدفعني إلى البحث عن التميّز والغرابة في أعمالي الفنية، وساعدتني على ذلك دراستي في المعهد العالي للفنون الجميلة بتطوان، فمنذ أن ولجت المعهد سعيت إلى الاستفادة من كل مادة، ومن كل أستاذ بذل جهداً إضافيا في تدريسي. في البداية كان بحثي الأول في مادة النحت التي حصلت فيها على دبلوم السنة الثانية، ثم جاء بحثي الثاني في مادة الصباغة ودراسة الألوان وحصلت فيه على الإجازة، وهذه البحوث كان موضوعها يدور حول الشجرة بدءاً من شكلها الخارجي وكل تفاصيلها ومكوناتها، وهو الموضوع الذي كان بؤرة اهتمامي منذ طفولتي، حيث أخذت مني تلك البحوث اهتماما وجهدا كبيرين. عشقي للشجرة يشكل إحدى سمات الجمال التي رافقت اهتمامي وفضولي المعرفي الفني، طيلة مسار حياتي من الطفولة إلى الشباب، وبعد أن تخرجت من معهد الفنون الجميلة عملت في مصنع الأثاث الإيطالي مديرة لقسم الصنائع والفنون، فأشرفت على قسم النجارة والبوليستر والصباغة والرسم ووضع الذهب على الأثاث، كل هذا زودني بمزيد من الخبرة وأكسبني القوة والجرأة التي جعلتني أستطيع أن أعطي أعمالا مختلفة تجمع بين القوة التعبيرية الداخلية والتركيبية الفنية الجديدة ودراسة الألوان السماوية في الطبيعة للمبدع الحقيقي. - هناك غياب مطلق في لوحاتك للوجوه والملامح الإنسانية؟ <نعم، فذلك يعود إلى أسلوبي في الرسم لأن لوحاتي تميل إلى التجريد والتعبير الحسي وليس الشكلي الملموس. - تقولين إن اللوحة التشكيلية تشبه قطعة موسيقية وتحتاج إلى مشاعر فقط لفهمها. ألا يبدو ذلك مبالغة في الاعتماد على مشاعر المتلقي؟ < ولماذا تعتبرينها مبالغة؟.. فهذه النظرية ليست نظريتي لوحدي، لقد تبناها العديد من الفنانين ومنهم الفنان الشهير كندانسكي الذي يمتلك نظرية خاصة، طوّر من خلالها مفهومه عن الرسم التجريدي، فهو يرى أن للألوان أصواتاً تشبه النغمات الموسيقية، وبإمكان المتأمل أن يبصر الموسيقى بمنظار الإنطباعات اللونية، وإذا كان من الممكن تحسس اللون فكذلك يمكن تلمس صوته ومن ثم سماعه لأنه يثير الحواس. والمبدأ الذي على أساسه بنى نظريته الجمالية نابع من اعتقاده في قدرة الحياة الداخلية للصورة على إيقاظ الاستجابة العاطفية لدى المشاهد. - وصفك ناقد عراقي بأنك متصوفة في أعمالك. إلى أي حد يتجلى ذلك التصوف في لوحاتك؟ < ربما بنى وصفه هذا على نظرية أفلاطون الجمالية التي هي تعامل الفنان مع مفردات الطبيعة المثالية، والتي تعود في مرجعيتها إلى حالة من حالات التصوّف والانقطاع عن الحياة وإلى صفاء الفن والتخيل النبيل، وهذا ما أشعر به فعليا. فعندما أدخل مرسمي أعيش حالة خشوع تجعلني أتجرد من العالم المادي، فأحاول التعبير عن كل ما أشعر به من صفاء روحي، وحبي وتقربي يكون خالصاً إلى الله عز وجل، وذلك هو مصدر سروري في الحياة وفي الفن الذي تلمسه الناقد في لوحاتي. -كثير من أعمالك يرتبط بالرمز، سواء في الألوان أو في الأشكال. كما أنك لا تستعملين اللون الأحمر. هل هو هروب من هذا اللون، لون الحروب والدماء، مع أن فنانين كثيرين يعشقونه لأنه لون رومانسي في اعتقادهم؟ < اللون الأحمر لون صعب جدا على نفسية الفنان بصفة خاصة، وعلى المتلقي بصفة عامة. عرفت هذا عندما كنت أدرس علاقة الألوان مع بعضها وتضادها وتأثيرها على الفنان، ولكن هذا لا يعني أنني لا استعمله نهائيا، فأنا أتجنب استعماله فقط، أما إذا أحسست بأهميته التي تفرضها مواضيع اللوحة وطريقة إخراجها فعندها أحاول الاستعانة بألوان تقاربه مثل اللون النحاسي الذي يميل إلى الاحمرار تارة وإلى الوردي في أوقات الشروق أو الغروب. فالطبيعة هي المدرسة الحقيقية لمعرفة الجمال المطلق ودراسة الألوان الحقيقية. - لا تستعملين اللون الأسود أيضا في لوحاتك. لكنك استعملت هذا اللون خلال معرض أقيم للتضامن مع أطفال غزة من ضحايا المحرقة الإسرائيلية. هل اللوحة التشكيلية يمكن أن تكون مرتبطة بالحدث؟ < اللون الأسود غالبا ما يلعب في لوحاتي دور البطل الخفي لأن وجوده يعطي اللون الفاتح تألقا وجمالا مثل منظر القمر. هذا من الناحية الجمالية التقنية، أما في الجانب التعبيري فاللون الأسود يمكنه أن يعبر في بعض لوحاتي عن حزن وأسى عميقين مثل ما يتعرض له أشقاؤنا في فلسطين من مجازر ومذابح. فالفن بصفة عامة يجب أن يكون مرتبطا بالحدث ويؤكد موقف الفنان وإلا فلا دور له، سواء في لوحة تشكيلية أو قطعة موسيقية أو نص أدبي أو مسرحية. - أنت تطوانية، وخريجة معهد الفنون الجميلة بتطوان، وأقمت أو شاركت في معارض مغربية وإسبانية. هل يمكن أن نتحدث عن اختلاف الفن التشكيلي بين شمال المغرب وباقي المناطق؟ < بالتأكيد سيكون لمحيطي الجغرافي أثر ملحوظ في أعمالي وخاصة أنني من السكان المطلين على البحر الأبيض المتوسط، وهذه ميزة تجعل أعمال أي فنان تخضع لعوامل وتأثيرات البيئة، ولذلك يتباين الاختلاف من منطقة إلى أخرى، وربما لا يكون للتقنية أية علاقة بالمكان الجغرافي، وقد تتأثر بعوامل البيئة، لكنها في المحصلة تبقى تقنية خاصة بالفنان نفسه. - لا تخفين انبهارك بالطبيعة في حياتك العامة، إلى أي حد ينعكس ذلك على لوحاتك؟ < ينعكس ذلك في كل لوحاتي، فالطبيعة في نظري تشمل كل ما هو فطري ما دامت لا تتدخل فيه يد إنسان فهي تتضمن شكلها الخارجي متمثلاً في المناظر التي ترسمها الطبيعة وكل المخلوقات، وبمضمونها الداخلي: الأحاسيس الفطرية بما فيها من الفرح، الحب والحزن، أما أجمل طبيعة بالنسبة إلي والتي أعيشها بقوة، فهي طبيعة الأمومة.