حذر وزير المالية البرازيلي، غيدو مانتيغا، في شتنبر الماضي، مما وصفه ب` "حرب عملات" قد تفضي بالاقتصادات العالمية إلى "حرب تجارية" واسعة النطاق، نتيجة التلاعب بأسعار صرف العملات وسوء تدبير تدفقات أموال المضاربات المسببة لعدم الاستقرار في الأسواق المالية. واستخدم مانتيغا وصف "حرب العملات" في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز، في إشارة إلى لجوء بعض الدول إلى خفض قيمة عملتها المحلية بهدف الحفاظ على تنافسية اقتصاداتها وتحفيزها وتقديم دعم غير مباشر لصادراتها على حساب الواردات. ولم تتوقف البرازيل، أكبر اقتصاد بأمريكا اللاتينية، منذئذ، عن اتخاذ تدابير داخلية للحد من المضاربات التي تسببت في ارتفاع قيمة عملتها الريال مقابل الدولار، وانعكست بذلك سلبا على حجم صادراتها وأضعفت تنافسيتها. وقد ارتفعت قيمة الريال البرازيلي إلى جانب عدد من العملات الرئيسية الأخرى في الأسواق الناشئة، نتيجة سعي المستثمرين وراء عوائد أعلى من العوائد المنخفضة التي تعرضها الاقتصادات المتقدمة. وتشير معطيات وزارة الصناعة والتجارة الخارجية البرازيلية إلى أن فائض الميزان التجاري للبلاد تراجع بنسبة 8ر19 بالمائة خلال سنة 2010 جراء ارتفاع قيمة الريال، حيث لم يتجاوز 2ر20 مليار دولار، مقابل 2ر25 مليار دولار سنة 2009، فيما ارتفعت قيمة الواردات إلى 63ر181 مليار دولار. وفي سعيها لكبح جماح ارتفاع قيمة الريال، عمدت السلطات البرازيلية في أكتوبر الماضي إلى رفع الضريبة على الاستثمارات الأجنبية القصيرة الأجل مرتين في ظرف أسبوعين، حيث زادت من 2 إلى 4 بالمائة ثم إلى 6 بالمائة، وذلك بهدف تجنب التدفقات المالية قصيرة الأجل المضاربة في السوق المالية البرازيلية. كما أقدم البنك المركزي البرازيلي على شراء كميات كبيرة من الدولار، سواء في السوق الفورية أو في أسواق العقود الآجلة، بهدف التحكم في تدفقات أموال المضاربات وضبط عمليات الصرف. وساهمت هذه الإجراءات، إلى جانب الاستثمارات الأجنبية الراغبة في الاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة، في تخطي احتياطي البرازيل من النقد الأجنبي حاجز 300 مليار دولار لأول مرة في تاريخ البلاد، حيث بلغ حتى حدود التاسع من شهر فبراير الجاري 271ر300 مليار دولار، حسب البنك المركزي. غير أن إقدام المؤسسة المالية البرازيلية على رفع سعر الفائدة الأساسية ثلاث مرات متتالية منذ أبريل الماضي، إلى أن وصل منتصف شهر يناير المنصرم إلى 25ر11 بالمائة، بهدف بلوغ نسبة التضخم المستهدفة عند متم العام الحالي (5ر4 بالمائة)، من شأنه أن يؤدي الى اجتذاب النقد الأجنبي، ما يعني مزيدا من الضغوط باتجاه ارتفاع قيمة الريال، في ظل عدم إقبال المستثمرين على معدلات فائدة متدنية في عدد من الاقتصادات المتقدمة. وقد حذر تقرير أصدره خبراء اقتصاديون تابعون لصندوق النقد الدولي في غشت الماضي، من أن العقبة الرئيسية أمام الاقتصاد البرازيلي هي تدبير السياسة النقدية عقب الأزمة المالية العالمية، نظرا لأن ارتفاع أسعار الفائدة بالبلاد يحفز على دخول الرساميل الأجنبية الساعية وراء فرص الربح في ضل التعافي البطيء لاقتصادات العديد من البلدان المتقدمة. ودعا التقرير السلطات البرازيلية، في ظل هذا المعطى، إلى تبني سياسة نقدية وضريبية "حذرة" قصد تفادي زيادة التضخم وضمان التحكم في نمو اقتصاد البلاد. ويرى محللون أن البرازيل أضحت قلقة على القدرات التنافسية لاقتصادها، في ظل ارتفاع سعر صرف عملتها بشكل مستمر بالمقارنة مع الدولار، حيث ارتفعت قيمة الريال، منذ سنة 2009 وحتى اليوم، بحوالي 40 بالمائة بالنسبة للعملة الأمريكية، ما جعله أكثر جاذبية في نظر المستثمرين الدوليين، وهو ما أضر بشدة بالمصنعين البرازيليين بعدما أصبحت صادراتهم أعلى سعرا، وزاد بالمقابل من واردات البلاد. وقد حملت البرازيل قلقها من "حرب العملات" إلى اجتماع دول مجموعة العشرين الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا، وتمكنت من إدراج معيار صرف العملات ضمن سلسلة مؤشرات لقياس الخلل في الموازين الاقتصادية العالمية، توصلت دول المجموعة إلى اتفاق بشأنها بعد نقاشات حادة. كما نجحت البرازيل خلال هذا الاجتماع، في الدفاع عن فكرة تحرير تجارة السلع الأساسية في السوق العالمية، مثل المنتوجات الزراعية والمعادن، التي تعد من أكبر مصدريها، بدل فرض قيود عليها كآلية لتفادي ارتفاع أسعارها بفعل المضاربة، وذلك بدعم من تكتل دول "بريك"، الذي يضم كلا من الصين والهند وروسيا، فضلا عن البلد الجنوب أمريكي نفسه. ويبدو أن قوة الريال لم تتأثر كثيرا بالإجراءات الحكومية، فقد خفض البنك المركزي، في آخر تقاريره الأسبوعية حول المؤشرات الاقتصادية للبلاد، الإثنين الماضي، توقعاته لسعر صرف العملة البرازيلية مقابل الدولار عند متم العام الجاري من 72ر1 إلى 70ر1 ريال، مع العلم أنه يتراوح في الوقت الراهن بين 68ر1 و66ر1 ريال مقابل الدولار الواحد. أما بالنسبة لفائض الميزان التجاري، فتوقعت المؤسسة المالية أن يصل عند نهاية السنة إلى 45ر11 مليار دولار، ما يعني المزيد من التدهور بسبب زيادة الواردات وتراجع الصادرات.