إذا تراجع الطلب العالمي مثلا على النفط بفعل تباطؤ الانتعاش الاقتصادي العالمي، فإن ذلك يكون ذا تأثير على مداخيل الدول العربية المصدرة للنفط، مثل دول الخليج وشمال أفريقيا (الجزائر وليبيا بشكل محدد)، التي يعتبر النفط العمود الفقري لاقتصادها. وفي المقابل، فإن أي تذبذب في سوق العملات سينعكس أيضا على الدول العربية التي تعتمد على السياحة، مثل مصر ولبنان والمغرب وتونس. قد تكون البرازيل فقدت «هيبتها» في كرة القدم العالمية، خاصة بعد خروجها «المبكر»، حتى لا نقول شيئا آخر قد يغضب أنصار منتخب «السامبا» الكثيرين في العالم العربي، في دورة كأس العالم الأخيرة بجنوب أفريقيا، لكن البرازيل تفرض نفسها بالتأكيد، وبقوة، كلاعب مهم «له كلمته» في الساحة الاقتصادية العالمية مع النمو الكبير الذي يعرفه الاقتصاد البرازيلي الصاعد بشكل مذهل. وإذا ما عرف البرازيليون بمهاراتهم و«إبداعاتهم» في كرة القدم فإنهم يظهرون أيضا مهارات ليس فقط في الأداء الاقتصادي، إنما أيضا في التصريحات الاقتصادية المثيرة للانتباه. وفي هذا السياق، وبعد التصريح المثير، الذي أصبح من الأقوال المأثورة للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عن الأزمة المالية العالمية، و«إفلاس نظام الكازينو الرأسمالي»، أطلق وزير المالية البرازيلي، غيدو مانتيغا، مؤخرا ما يمكن اعتباره تصريح الأسبوع الاقتصادي، عندما أعلن أن «العالم يجد نفسه (وسط حرب دولية للعملات)»، مضيفا: «.. وهو وصف دقيق فعلا، خاصة بعد إقرار الكونغرس الأميركي مشروع قانون يعاقب الصين بسبب قيمة اليوان، ورد الصين القوي الرافض، والتحذيري أيضا، للخطوة الأميركية، ليس على علاقات أكبر اقتصادين في العالم فقط، بل على الاقتصاد العالمي برمته». وفيما يشبه لعبا لدور «رجل المطافي»، الذي يحاول إطفاء شرارة حرب العملات العالمية، دعا المدير العام لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستروس-كان، أول من أمس الاقتصادات العالمية الكبرى إلى التعاون لتجنب «حرب عملات» قد تحول دون تحقيق الانتعاش الاقتصادي العالمي. وقال ستروس-كان للصحافيين أثناء مؤتمر دولي في أوكرانيا: «نرى في العالم إمكانية اندلاع حرب للعملات» ستدخل خلالها الكثير من الدول في سباق لتخفيض قيمة عملاتها. ولفت إلى أن «وزير المالية البرازيلي والسلطات الصينية وكثيرين آخرين بدأوا يعتقدون أن في إمكانهم إيجاد حلول وطنية فيما يتعلق بقيمة عملتهم»، داعيا إلى استئناف الحوار ل«مكافحة اختلال التوازنات العالمية». وأضاف، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، محذرا: «إن الانتعاش العالمي جار»، لكن من دون العودة إلى التعاون «سنخرج من هذه الأزمة لنغرق مجددا في (أزمة) أخرى». وقد تعرضت دول عدة، خصوصا الصين في الآونة الأخيرة، لانتقادات لأنها تبقي معدل صرف عملتها في مستوى ضعيف بغية تحفيز صادراتها. موضوع العملات كان حاضرا أيضا أول من أمس في فرنسا، حيث قال مصدر في الرئاسة الفرنسية إن فرنسا والصين لم تجريا محادثات سرية في إطار جهود باريس لتعزيز التنسيق في أسعار الصرف. وكانت صحيفة «فايننشال تايمز» أفادت بأن محادثات من هذا القبيل تجري منذ عام. وأبلغ المصدر «رويترز» قائلا: «لا مفاوضات سرية بشأن سعر الصرف مع أي من شركائنا في مجموعة العشرين، لا مع الصينيين ولا مع أي شريك آخر». ويقول الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إن النهوض بالاستقرار النقدي الدولي سيكون على رأس أولوياته عندما تتولى فرنسا الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل». وقالت «فايننشال تايمز» إن فرنسا تريد فتح باب النقاش من خلال مجموعة العشرين بدلا من الدعوة إلى وجهة نظر محددة، وأنها لا تقترح تلاعبا في أسعار العملات. ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله، إن إحدى الأولويات هي تحديد المؤسسة التي ينبغي أن تتعامل مع قضايا العملة على الصعيد العالمي. وتدعو فرنسا منذ سنوات إلى تنسيق عالمي بشأن العملات. وقالت الصحيفة إن المحادثات مع الصين وفحواها ظلت طي الكتمان لمحاولة استدراج الصين إلى نقاش بشأن تنسيق عالمي فيما يتعلق بالعملات. وبحسب «رويترز» سيضغط ساركوزي على هو جين تاو، الرئيس الصيني، في هذا الصدد عندما يزور الرئيس الصيني باريس في نوفمبر. كما يعتزم بحث التنسيق بشأن العملة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حسبما ذكرت الصحيفة. وإذا كانت الصين والولايات المتحدة والبرازيل وفرنسا والدول الاقتصادية الكبرى الأخرى متوثبة ومستنفرة لهذه «الحرب»، وكل دولة تحسب بالتأكيد كل حسابات الربح والخسارة فيما يخص عملاتها، وتحرص على مصالحها، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو: ما موقع المنطقة العربية من إعراب «حرب العملات العالمية» هذه؟ الجواب المباشر هو أنها بالتأكيد ليست «فاعلا»!.. و حتى إن كانت الدول العربية وعملاتها ليست طرفا مباشرا ربما في هذه الحرب العالمية، فإن شظاياها بالتأكيد ستصيب الاقتصادات العربية وقد تكون الإصابات موجعة جدا، فأي هزات في سوق العملات العالمية ستكون لها ارتدادات على الأسواق العربية، فأي هزة تصيب الدولار مثلا تكون لها ارتدادات مباشرة على دول الخليج التي تربط عملاتها المحلية بالعملة الأميركية، كما أن شظايا «حرب عملات عالمية» قد تفرض نفسها بقوة على مشروع العملة الخليجية الموحدة، وأي تأثير على الدولار، الذي يبقى عملة الاحتياط الرئيسية العالمية، سيكون له انعكاس على مداخيل وقوة وصلابة الاقتصادات العربية، على اعتبار أن الدولار هو العملة المستعملة في صادرات الدول العربية. وفي المقابل، فإن الكثير من الدول العربية تستعمل اليورو في وارداتها من الدول الأوروبية، وأي ارتفاع في العملة الأوروبية الموحدة قد يكون له تأثير مباشر على القدرة الشرائية للدول العربية. وبالنظر إلى الصورة الأوسع، أي الاقتصاد بشكل كامل، فإن أي تأثير ل«حرب العملات العالمية» على الانتعاش الاقتصادي العالمي، مثلما حذر رئيس صندوق النقد الدولي، قد يكون له تأثير مباشر على الاقتصادات العربية، فإذا تراجع الطلب العالمي مثلا على النفط بفعل تباطؤ الانتعاش الاقتصادي العالمي، فإن ذلك يكون ذا تأثير على مداخيل الدول العربية المصدرة للنفط، مثل دول الخليج وشمال أفريقيا (الجزائر وليبيا بشكل محدد)، التي يعتبر النفط العمود الفقري لاقتصادها. وفي المقابل، فإن أي تذبذب في سوق العملات سينعكس أيضا على الدول العربية التي تعتمد على السياحة، مثل مصر ولبنان والمغرب وتونس.