بطولة فرنسا.. نانت يعيّن المغربي القنطاري مدربا في مهمة محفوفة بالمخاطر    تلك البراري    هكذا يكبُر الخَوف    الجامعة توافق على إبقاء أوناحي مع جيرونا لمواجهة ريال سوسيداد    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        الإمارات تعزّي المغرب في "فاجعة فاس"    تصنيف "فيفا" للسيدات.. المغرب يحتل المركز 66 عالميا والخامس إفريقيا    الدار البيضاء.. معرض "خمسون" يحتفي بأعمال 50 فنانا    منظمة الصحة العالمية تؤكد عدم وجود صلة بين تلقي اللقاحات والإصابة بالتوحد    إسرائيل تتمسك بنزع سلاح حماس غداة اقتراح الحركة "تجميده" مقابل هدنة طويلة الأمد في غزة    قبل مواجهة سوريا.. رئيس اللجنة المنظمة لكأس العرب يزور مقر بعثة المنتخب المغربي    رحلة الحلم مستمرة..المغرب يواجه نسور قاسيون لإنهاء مهمّة العبور إلى المربع الذهبي    إطلاق ميزة البث المباشر من غوغل عند الطوارئ عبر أندرويد    مركز حقوق الإنسان بأمريكا الشمالية يدق ناقوس الخطر في اليوم العالمي لحقوق الإنسان    انتعاش النقل عبر التطبيقات يخيّم على استعداد الطاكسيات لل"كان" بالمغرب    المغرب ينتزع جائزة "باتريوت" بروسيا.. وتتويج دولي غير مسبوق لمنصة الشباب المغربية    النفط يتجه لمزيد من الارتفاع وسط قلق بشأن الإمدادات    البنك الإفريقي للتنمية يمنح 150 مليون أورو للمغرب لتمويل مشاريع التنمية الترابية    انطلاق فعاليات الدورة الرابعة عشرة للجامعة السينمائية بمكناس    تتويج الذهبي بجائزة "الأثر الإنساني"    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    أطر التدبير الإداري بالوزارة تصعّد وتطالب بإنصاف مالي وتعويض عن المخاطر    تقرير: السياسات الفلاحية بالمغرب تستنزف الماء وتهمل الأمن الغذائي وتهمش الفلاحين الصغار    "فاجعة فاس".. مجلس حقوق الإنسان يشدد على التطبيق الصارم لقانون التعمير    عندما يصبح الصحافي موظفاً حكومياً: أين تنتهي المهنة وتبدأ البروباغاندا؟    جامعة "الأخوين" تدعم التحول الرقمي    المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يقر برنامج عمل وميزانية 2026    فاجعة فاس.. فدرالية اليسار تحمل "الفساد" مسؤولية الانهيار    بمناسبة اليوم العالمي للتطوع..المغرب يكرّم المبادرات المحلية والوطنية ومغاربة العالم    شباب "جيل زد" يحتجون في الدار البيضاء للمطالبة بالإصلاح وإطلاق سراح المعتقلين    هذا الزوال بقطر: ربع نهائي ملغوم بين المغرب وسوريا..    البرد القارس يقتل رضيعة جنوب غزة    بنسعيد: المناصفة ليست مجرد مطلب حقوقي بل خيار استراتيجي وضرورة تنموية    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بانخفاض    تراجع استخدام اليافعين الألمان لمنصات التواصل الاجتماعي خلال 2025        أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس        كيوسك الخميس | النقل الذكي: الرباط نحو مرحلة جديدة بمشروع كوري مبتكر    نادي بيراميدز يطلب استعادة وليد الكرتي قبل مباراة سوريا    مارسيل خليفة يوجه رسالة شكر إلى المغرب والمغاربة    أمريكا تطلق تأشيرة "ترامب الذهبية" لجلب أموال الأثرياء الراغبين في بطاقة الإقامة    غزة.. تنظيم حملة "شتاء دافئ" لفائدة نازحين فلسطينيين بتمويل مغربي    وفاة طفل إثر سقوطه في مسبح فيلا بطنجة    "ميتا" تمنح مستخدمي "إنستغرام" أدوات تحكم جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي    الثلوج تغطي الطريق في "آيت تمليل"    اليونيسكو يصادق على تسجيل القفطان تراث مغربي على قائمته التمثيلية    ادراج القفطان المغربي ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لليونسكو    حوار مع شاب مصاب بالهيموفيليا: رحلة معاناة لا تعترف بها القوانين    ضعف حاسة الشم قد يكون مؤشرا مبكرا على أمراض خطيرة    دراسة تكشف فوائد الذهاب للنوم في التوقيت نفسه كل ليلة    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخاطر
عواقب القوة وخيار السلام
نشر في العلم يوم 24 - 07 - 2009

كتاب شبلي تلحمي «المخاطر: أمريكا في الشرق الأوسط، عواقب القوة وخيار السلام» الصادر عن مكتبة العبيكان في الرياض سنة 2005، هو في المقام الأول - عن العالم العربي وعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية به، بما في ذلك الخليج العربي، كما أنه عن الصراع العربي الإسرائيلي، وكثيرا ما يتكلم فيه على «العرب والمسلمين» و«العرب والعالم الإسلامي» حيث يتفحّص، في مثل هذه المواضيع، تلك المواقف الشائعة في البلدان الإسلامية، بما في ذلك البلدان غير العربية. فثمة خمس وعشرون دولة هي أعضاء الجامعة العربية، ويشكل العرب المسلمون حوالي ربع مسلمي العالم الذين يبلغ تعدادهم 2،1 بليونا، وثمة أقلية من العرب من غير المسلمين، من بينهم بعض المسيحيين، وتنتشر الدول العربية في شمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط. وهناك مواقف كثيرة شائعة ومشتركة لدى الجمهور في كل من البلدان العربية والإسلامية - كما قال المؤلف - خاصة تلك المواقف المتعلقة بالسياسة الخارجية. فعلى الرغم من وجود تباينات مهمة في هذه البلدان، إلا أن ضروب التوافق تظل أكبر من ضروب التباين، حين يتعلق الأمر بالمواقف من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول: «وهذا الكتاب إنما هو ضرب من البناء على تلك الكتابات والتأملات، وعلى الكثير مما تَعلّمته من آخرين في هذا السياق، بغية طرح أفكار تخص القضايا التي شغلت أمريكا وكثيرا من العالم منذ 9/11 ومن المحتمل أن تترك أثرها في السياسة الخارجية الأمريكية في العقد التالي».
أهمية نقط الخليج
في معرض حديث المؤلف عن أهمية نفط الخليج المطردة نجده يشير، في البداية الى أن معظم السيناريوهات التي تدعو الى استبدال مصادر أخرى بنفط الشرق الأوسط بنيت على التفكير الرغائبي. فأسواق النفط أولا هي أسواق لا فواصل بينها، فلا يهم من أين تشتري الولايات المتحدة نفطها، لأن أي انخفاض في العرض سيؤدي الى ارتفاع الأسعار في كل مكان ويؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره فليس السؤال من أين نشتري النفط بل السؤال هو من الذي يملك القدرة الأكبر على الامداد بالنفط والتأثير في السوق.
ولا مهرب من حقيقة أن المنطقة التي أثارت خلال نصف القرن الماضي أعظم اهتمام عالمي بمسائل النفط، أي الشرق الأوسط، تبقى منطقة حاسمة بالنسبة لموارد الطاقة في المستقبل.
ويقول المؤلف على الرغم من أن الشرق الأوسط ينتج ربع إمدادات النفط العالمية، إلا أنه يملك ما بين ثلثي إلى ثلاثة أرباع جميع المخزون النفطي المعروف.
ولهذا السبب فإن الولايات المتحدة والآمم الغربية الأخرى سوف تواصل النظر إلى المنطقة على أنها ذات أهمية حيوية بالنسبة لها.
ومن المؤكد أن حصة دول الخليج في سوق النفط العالمي قد انخفضت منذ سبعينيات القرن العشرين مع تخفيض مستويات الانتاج المحلي وزيادة الدول الأخرى صادراتها.
ومع أن الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة الأخرى قد قللت من وزن النفط النسبي في سوق الطاقة العالمي إلا أن النفط لا يزال يشكل 40% من استهلاك الطاقة العالمي ولا يتوقع أن يهبط إلى أدنى من هذه النسبة في العشرين سنة القادمة.
والأهم من ذلك، أنه فيما عدا الاكتشافات النفطية الجديدة من المتوقع أن تأتي جميع الزيادات الكبرى في إنتاج النفط من العام 2010 إلى العام 2020 من الخليج العربي نظرا لما يشكله مخزونه المرتفع من عامل مركزي في الإمداد النفطي. كما أنه من المتوقع في الوقت ذاته أن تزداد حاجة مناطق العالم الأخرى لنفط الشرق الأوسط وأن تنافس الغرب على هذه المصادر، فالصين مثلا تستورد الآن 60% من استهلاكها النفطي من الخليج العربي. وتشير التوقعات إلى أن هذا الرقم يمكن أن يرتفع في العقدين القادمين إلى 90%. وكانت الصين قد بدأت بالاستثمار في مجال التنقيب عن الطاقة في ايران وبذلت جهودا للحصول على حقوق التطوير في العراق قبل حرب العام 2003.
وفي النهاية، فإن ما من دولة في أرجاء العالم لها ما للعربية السعودية من تأثير حالي وأهمية مستقبلية مرجحة في سوق النفط، ومن المؤكد أن روسيا لا تشذّ عن هذه القاعدة، لأن مخزونها لايشكل سوى 5% من المخزون العالمي. وإذا ما استمرّ المعدّل الحالي لاستخراج النفط الروسي، بعيدا عن أيّ اكتشافات جديدة، فإن من المتوقع لروسيا أن تستنفد قاعدتها الاحتياطية في العام 2040. أمّا العربية السعودية فتبقى ورقتها الرابحة قدرتها الانتخابية الاحتياطية، والتي تتيح لها أن تؤثّر كثيراً في السوق بإحجامها عن العرض أو زيادته. وما من بلد آخر يحوز مثل هذه الإمكانية، وتالياً مثل هذه القدرة، في سوق الطاقة العالمي.
النفط والاستراتيجية العسكرية
يرى المؤلف أنّ الأهمية الحيوية التي يتمتع بها الشرق الأوسط لاتفضي بصورة آلية إلى استنتاج مفاده أنّ ثمة حاجة إلى استراتيجية عسكرية أمريكية هناك. ولقد كان البعد العسكري للاستراتيجية النفطية الأمريكية محل نقاش جرى مؤخرا في واشنطن وتركز بصورة خاصة على العربية السعودية التي تسيطر وحدها على ربع المخزون النفطي العالمي المعروف. وتمثل واحد من الأسئلة الأساسية فيما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى وجود قواتها العسكرية في المنطقة ككل. وتمثل سؤال آخر فيما إذا كان هدفها الرئيسي من إقامة القواعد في المنطقة هو الدفاع عن العربية السعودية وغيرها من دول الخليج التي اكتشفت أمريكا أنّ خلافاتها السياسية معها هي خلافات جدّية.
وقد بلغ الأمر ببعض المعلقين الذين أحبطهم التوتّر بين الولايات المتحدة والعربية السعودية، حدّ إطلاق الدّعوات إلى فطم الولايات المتحدة عن نفط المنطقة عموما والشرق بوجه خاص. غير أن النقاش أغفل كلّيا منطق الانخراط الأمريكي في المنطقة.
ويرى المؤلف كذلك، أنّ المشكلة لاتحلّ بشراء النفط من مناطق أخرى غير الشرق الأوسط. فالعرض والطلب هو مايدفع سوق النفط العالمي إلى حدٍّ بعيد. وإمدادات الشرق الأوسط لاتؤثر في أسعار نفط الشرق الأوسط وحدها بل في أسعار النفط العالمي. ومع أنّ بمقدور الولايات المتحدة، ومن واجبها، أن تدّخر الطاقة وتطوّر مصادر بديلة لها، فإن الفجوة وتطور بين ما تنتجه الولايات المتحدة وما تستهلكه حاليا (حوالي عشرة ملايين برميل يومياً) هي فجوة أوسع بكثير من أن تسدّ في المدى المنظور.
غير أنّ العاقبة الأهمّ التي تترتب على خفض إمدادات النفط تتمثل في التأثير في أسعار النفط العالمية وفي الاقتصاد العالمي، وهاتان القضيتان هماما يبقي على الأهمية الحاسمة لنفط الشرق الأوسط. وعلاوة على هذا، فإنّ تجمّع المخزون النفطي في الشرق الأوسط يعني أنّ حصة أكبر من الإمداد النّفطي سوف تأتي من هذه المنطقة في لحظةلامفرّ منها في المستقبل غير البعيد. ومع أنَّ المؤلف يقول هذا الكلام، فإنه يعقب عليه بالقول إنه ليس من الواضح تماما ما الذي يفرض أن تخلط اقتصاديات النفط مع السياسات النفطية أو ما الذي يجعل الاستراتيجية العسكرية ضرورية. فكثير من البلدان التي تعتمد بدة على نفط الشرق الأوسط مثل اليابان وكثير من الأمم الأوروبية تفترض أن بمقدورها أن تعتم سياستها بصورة كلية على طلب السوق دون حاجة الى التدخل السياسي العسكري. وقد يكون مثل هذا الموقف مدفوعا جزئيا بتسليمهم بحضور الولايات المتحدة وافتراضهم أن العم سام سوف يقوم بما ينبغي لمصلحة المستهلكين جميعا. غير أن في الأمر ما يتعدى ذلك، فخارج الولايات المتحدة، يتنامى الرأي القائل إن الاطمئنان إلى استمرار تدفق النفط لايقتضي مقاربة عسكرية. وما يعزز هذا
الرأي هو الاتجاهات التارخية، فباستثناء الخطر النفطي العربي في العام 1973، والذي وقفت وراءه دوافع سياسية وأدى إلى ارتفاع استثنائي في أسعار النفط، نجد أن الأدلة طويلة الأمد تشير الى أن السوق هو الذي يحدد أكثر من أي أمر آخر، اتجاهات أسعار النفط. فمنتجو النفط يبيعونه إلى البلدان التي تحتاجه والمستعدة لدفع ثمنه. وهذا النموذج كان صحيحا حتى في سنوات الحرب البادرة، حيث كان من الواضح أن العلاقات السياسية لم تكن أساسية في سلوك منتجي النفط التجاري. ومن الأمثلة على ذلك ليبيا، التي ظلت حليفا استراتيجيا للغرب يستقبل القواعد البريطانيةوالأمريكية حتى العام 1969. ويضيف المؤلف أنه لم يكن ثمة اختلاف جذري بين تجارة الدول المعتدلة وتجارة الدول الموالية للسوفييت، فالدولة المصدرة للنفط ذات الحصة الأكبر من التجارة مع المعسكر السوفيتي كانت إيران الشاه، وليس ليبيا أو الجزائر أو العراق. فلقد تمثل الخط الأساسي بأن هذه الدول كانت تفعل ماهو في صالحها الاقتصادي، بصرف النظر عن توجهها السياسي.
وبعد حرب الخليج في العام 1991 ومع الزخم المتصاعد لانتشار القوات الأمريكية ووجود مايكاد يشكل أسطولا جديدا في الخليج، اعتقد بعض المراقبين أن زيادة الوجود العسكري هناك سوف تعطي الولايات المتحدة ميزة أكيدة على أوروبا واليابان في التجارة مع دول الخليج، ولا شك أن واشنطن قد تمكنت، في بعض الحالات من استخدام رافعتها السياسية في مساعدة الشركات الأمريكية على أن تبرم عقودا في المنطقة، خاصة في المجال العسكري ومجال الملاحة الجوية. غير أن أرقام التجارة بين المنطقة وبقية العالم تبين أن الولايات المتحدة لم تكن لها أي ميزة منظورة. ففي العام 1989، العام السابق على غزو العراق للكويت، بلغت صادرات أوروبا إلى الشرق الأوسط ما قيمته 2،57 بليون دولار ، مقابل 9،19 بليون دولار للولايات المتحدة ، وقد استمر هذا لاتجاه، ففي العام 2000 صدرت أوروبا الى الشرق الأوسط ما قيمته 7،63 بليون دولار، في حين صدرت الولايات المتحدة ما قيمته 23 بليون من الدولارات.
ويكلف الإبقاء على الوجود الأمريكي في الخليج العربي دافعي الضرائب الأمريكيين بلايين الدولارات في كل عام، ولأن هذه القوات يمكن أن تستخدم في غير مكان من العالم فإن تلك المبالغ لاتصرف كلها في الدفاع عن المنطقة، بل إن المرء يتساءل ما الذي يدفع الولايات المتحدة لأن تكرس للخليج العربي مثل هذا القدر من مواردها وطاقاتها وتخطيطها الحربي...!
أليس من المعقول أن يترك أمر النفط لقوى السوق وأن تترك السياسة والعسكرة بعيدتين عنه؟!
والاستراتيجية الأمريكية ترتكز إلى عزم وطيد على ضمان تدفق النفط إلى الغرب بأسعار معقولة، وهو عزم يمتد إلى تخفيف ضروب الانقطاع قصيرة المدى في إمداد النفط وما يتلوها من ارتفاع حاد في الأسعار من خلال الاعتماد على دول، أبرزها العربية السعودية، تتميز بقدرة فائقة، غير أنه على مدى أكثر من نصف قرن، لم يكن الدافع الأساسي وراء الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة الغنية بالنفط ضمان تدفق النفط المتواصل إلى الولايات المتحدة بل منع الأعداء الأقوياء من السيطرة على هذه المصادر الهائلة.
فمع احتلال الحرب الباردة موقعا مركزيا في السياسة الخارجية الأمريكية في العام 1948، بزغ ضرب جديد من القلق في البيت الأبيض: إمكانية أن يسيطر الاتحاد السوفييتي على مصادر النفط في الشرق الأوسط، فليس مصادفة أن قدرا كبيرا من الاهتمام الباكر بإمكانية التهديد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية قد تركز على الوجود السوفييتي في إيران، ولم يعرف الجمهور إلا مؤخرا، مع رفع الحظر في السنوات الأخيرة عن وثائق مجلس الأمن القومي، مدى اهتمام إدارة ترومان باحتمال سيطرة السوفييت على حقول النفط. كما كان من المدهش بالمثل أنْ إدارة ترومان لم تبن استرتيجيتها على فكرة الدفاع عن حقول النفط في وجه غزو محتمل بقدرما بنتها على منع الاتحاد السوفييتي من استخدام هذه الحقول إذا ما غزاها.
فقد سارع مجلس الأمن القومي NSC إلى وضع خطة مفصلة، صادق عليها الرئيس ترومان في العام 1949وألحقت بها فيما بعد سلسلة من التوجيهات الإضافية الصادرة عن المجلس، وقد دعت هذه الخطة التي وضعت بالتنسيق مع الحكومة البريطانية وشركات النفط الأمريكية والبريطانية دون علم حكومات الشرق الأوسط الى تخزين المتفجرات في الشرق الأوسط. فإذا ما حصل غزو سوفيتي، تم كملجأ أخير، نسف المنشآت والمصافي النفطية وأحرقت حقول النفط بحيث يستحيل على الاتحاد السوفيتي أن يستخدمها.
لقد كان الخوف من أن يستغل السوفييت نفط المنطقة شديدا الى الحد الذي دفع الإدارة الى التفكير حتى بنشر الأسلحة «الإشعاعية». لكن المخابرات المركزية الأمريكية رفضت هذا الخيار، وكان المنطق الذي وقف وراء الرفض يتمثل علاوة على منع العدوان من السيطرة على النفط، بسياسة سعت الى «الحفاظ» عليه، أي المحافظة على مصادر النفط لكي تستخدم بعيد إعادة احتلالها ». وفي النهاية، كان أن اقترحت طرائق للتدخل أقرب الى التقليدية،
ونفذت الخطة، ونقلت المتفجرات الى المنطقة، وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية عبرت عن تحفظاتها بأن الخطة يمكن أن تفهم على أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للدفاع عن حكومات المنطقة، إلا أن الخوف من سيطرة السوفييت طغى على مثل هذه الاعتبارات، وفي العام 1975، عززت إدارة إيزنها ولهذه الخطة مع تنامي المخاوف من اضطراب المنطقة بعد أزمة السويس، وتشير الأدلة إلى أن هذه الخطة بقيت مطروحة خلال أوائل ستينيات القرن العشرين على الأقل،
وتوسعت سياسات منع السيطرة على النفط» خلال الحرب الباردة بحيث تخطت التهديد المباشر المتوقع من الاتحاد السوفيتي، فإدارة إيزنهاور، التي واجهت في الشرق الأوسط انقلابات تهدد الحكومات الموالية للغرب في تلك المنطقة، اعتراها القلق من ظهور أنظمة معادية يمكن أن تحوز قدرات كبيرة من خلال النفط فتقوض بذلك مزيدا من المصالح الغربية.
وفي العام 1957، بعد أزمة السويس وعقابيلها، التي اشتملت على الإطاحة بالحكومة الموالية للغرب في العراق، كما قال المؤلف، وسعت إدارة إيزنهاور استراتيجية ترومان في منع السيطرة على النفط، ومنذ تلك اللحظة فصاعدا، لم تعد تلك السياسة مقتصرة على التهديدات الوشيكة من الاتحاد السوفييتي بل تعدتها الى التهديدات التي يمكن أن تصدر عن الحكومات المعادية في ا لمنطقة.
ولقد غدا منطق منع القوى المحلية من السيطرة على النفط عاملا مهما في قرارات السياسة الأمريكية حين غزا العراق الكويت في العام 1990.
ففكرة أن يقوم عراق قوي بالسيطرة على منطقة غنية بالنفط لم تكن بالفكرة المقبولة لدى الاستراتيجيين في الولايات المتحدة.
ومن هنا قدم المؤلف نبذة تحليلية عن الاستراتيجية الأمريكية في الخليج بعد زوال الهيمنة البريطانية.
حيث بدأ اهتمام أمريكا المتزايد بالخليج العربي أواخر ستينيات القرن العشرين في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تنهي انسحابها من هناك، كانت في الخليج آنئذ قوتان عسكريتان مهمتان. العراق وإيرن. وكانت في سدة حكم العراق حكومة قومية عربية تعارض السياسة الخارجية الأمريكية وتتلقى السلاح من الاتحاد السوفيتي. أما في سدة حكم إيرن فكان الشاه الموالي للغرب، رضا بهلوي، الذي سبق للمخابرات المركزية الأمريكية أن حمت عرشه في خمسينيات القرن العشرين، حين واجه اضطرابات داخلية. وكان ثمة سببان يحولان دون توفر الولايات المتحدة على فرصة سانحة لكي تنشر قوات كبيرة في المنطقة دفاعا عن المصالح الغربية: أول هذين السببين، هو أن الاتحاد السوفيتي كان سيقاوم نشر مثل هذه القوات. وثانيهما، والأهم من بينهما، هو أن الجمهور الأمريكي لم يكن في مزاج يتيح اتخاذ مثل هذا القرار في وقت كانت الولايات المتحدة تحاول فيه أن تخرج نفسها من ورطة فيتنام . وهكذا ولدت المقاربة الأمريكية المعاصرة لأمن منطقة الخليج العربي، تلك المقاربة التي تقوم على توازن القوى بين القوتين الإقليميتين المسيطرتين، إيران والعراق، ومنذ ذلك الحين لم يكن يجري التفكير
بسياسة أمريكية تجاه واحدة من هاتين الدولتين دون تقويم للسياسة تجاه الأخرى، ففي العقد الذي تلا، ساعدت الولايات المتحدة في بناء القوات الإيرانية، وزودتها بالأسلحة الحديثة، خاصة بعد الأرباح المالية التي جنتها إيران من ارتفاع أسعار النفط في أواسط سبعينيات القرن العشرين، وقد اقتضت هذه الاسترتيجية شيئا من الوجود العسكري الأمريكي أبعد من مدى القوات البحرية الأمريكية.
وهكذا يسترسل المؤلف محللا موقع واستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط، مع بيان آثار القلق العالمي من النزعة الأمريكية أحادية الجانب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.