موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    فرانسوا بايرو يكشف عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة أصيلة بالسجن في قضية اختلاسات مالية    المغرب يستعد لإطلاق خدمة الجيل الخامس من الانترنت    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    جلالة الملك يترأس جلسة عمل بشأن مراجعة مدونة الأسرة    إسبانيا.. الإطاحة بشبكة متخصصة في تهريب الهواتف المسروقة إلى المغرب    بقيادة جلالة الملك.. تجديد المدونة لحماية الأسرة المغربية وتعزيز تماسك المجتمع    العراق يجدد دعم مغربية الصحراء .. وبوريطة: "قمة بغداد" مرحلة مهمة    إرجاء محاكمة البرلماني السيمو ومن معه    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخاطر: أمريكا في الشرق الأوسط عواقب القوة وخيار السلام
نشر في العلم يوم 17 - 07 - 2009

كتاب شبلي تلحمي «المخاطر: أمريكا في الشرق الأوسط، عواقب القوة وخيار السلام» الصادر عن مكتبة العبيكان في الرياض سنة 2005، هو في المقام الأول - عن العالم العربي وعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية به، بما في ذلك الخليج العربي، كما أنه عن الصراع العربي الإسرائيلي، وكثيرا ما يتكلم فيه على «العرب والمسلمين» و«العرب والعالم الإسلامي» حيث يتفحّص، في مثل هذه المواضيع، تلك المواقف الشائعة في البلدان الإسلامية، بما في ذلك البلدان غير العربية. فثمة خمس وعشرون دولة هي أعضاء الجامعة العربية، ويشكل العرب المسلمون حوالي ربع مسلمي العالم الذين يبلغ تعدادهم 2،1 بليونا، وثمة أقلية من العرب من غير المسلمين، من بينهم بعض المسيحيين، وتنتشر الدول العربية في شمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط. وهناك مواقف كثيرة شائعة ومشتركة لدى الجمهور في كل من البلدان العربية والإسلامية - كما قال المؤلف - خاصة تلك المواقف المتعلقة بالسياسة الخارجية. فعلى الرغم من وجود تباينات مهمة في هذه البلدان، إلا أن ضروب التوافق تظل أكبر من ضروب التباين، حين يتعلق الأمر بالمواقف من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول: «وهذا الكتاب إنما هو ضرب من البناء على تلك الكتابات والتأملات، وعلى الكثير مما تَعلّمته من آخرين في هذا السياق، بغية طرح أفكار تخص القضايا التي شغلت أمريكا وكثيرا من العالم منذ 9/11 ومن المحتمل أن تترك أثرها في السياسة الخارجية الأمريكية في العقد التالي».
تأرجحات السياسة
الأمريكية الخارجية
قسم المؤلف هذا الكتاب إلى ستة فصول اشتملت على عدة محاور. وهذه الفصول هي: 1- في فهم التهديد. 2- لماذا يكرهوننا إلى هذا الحدّ. 3- هل للرأي العام في الشرق الأوسط أيّ أهمية؟. 4- دور الصراع العربي الإسرائيلي. 5- دور منطقة الخليج العربي، 6- حكمة التعاطف.
ويتحدث عن طبيعة ردّ الفعل على هجوم 11 سبتمبر باعتباره كان تذكرة بحاجة كل أمريكي لأن يُبقي لديه على بوصلة أخلاقية، فلا يٍتيح لأهواء اللحظة أن تملي عليه أفعاله. وذلك من منطلق أنّ ما يوازن القوة في نهاية المطاف هو الدرجة التي يدفع بها استخدام القوة إلى تحريض خصومها وحثهم على الفعل. وإذا لم يكن القويّ هو القادر على التصرف تبعا لما تقتضيه الأخلاق فإنه ليس بقوي.
يذكّر المؤلف، في البداية، بالتأرجحات الجذرية التي عرفتها السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية «غير أن هذه التأرجحات كانت تستغرق ما يقارب الجيل، منذ النزعة الانعزالية التي تلت الحرب العالمية الأولى وبلغت حدّها الأقصى الكارثي الذي شهدناه في بيرل هاربر - إلى النزعة التدخلية التالية التي انتهت بمستنقع فيتنام. فنادرا ما جرت مثل هذه التحولات القصوى في المزاج بالسرعة التي جرت بها في خريف العام 2001، ولعلها نادرا ما ترتّبت عليها العواقب التي ترتبت على هذه.
غير أن ما من تطرف يمكن أن يجد في الواقع ما يبرره. فالولايات المتحدة هي الأمة الأقوى في عالم اليوم، لكنها ليست من القوة بما يكفي لأن تواجه التحديات العالمية الجديدة وحدها أو لأن تبرر الثقة الزائدة التي تلت الإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان. ويمكن أن نفسّر جزئيا سرعة مثل هذه التحولات في المزاج بغياب قوة عظمى منافسة وبالسرعة التي تسم عالم اليوم بوجه عام. فالثورة المعلوماتية حملت الرعب إلى كل بيت في أرجاء الأرض خلال ساعات. والثورة التكنولوجية مكّنت من تحقيق نجاح عسكري ملفت على بعد آلاف الأميال من سواحل الولايات المتحدة وبحدّ أدنى من الإصابات في صفوف الأمريكيين.
غير أن العوامل ذاتها التي أدّت إلي تعزيز نزعة أحادية الجانب في السياسة الخارجية الأمريكية عملت أيضا على زيادة الاهتمام العالمي بدور أمريكا في العالم. فقد شهدنا تحوّلا دراماتيكيا مماثلا في المزاج العالمي من التعاطف مع ألم أمريكا والإحساس بالهشاشة العالمية بعد الهجمات على الولايات المتحدة مباشرة في أيلول 2001 إلى اتساع الفجوة بين أمريكا وسواها من الدول، حيث تنامى السخط على القوة الأمريكية في كثير من أرجاء العالم، بما فيه الشرق الأوسط من غير ريب» (ص 29/28).
كيف ينظر العالم إلى أمريكا؟
التأمت لجنة مجلس العلاقات الخارجية غير الحزبي لتناول الحاجة إلى دبلوماسية أمريكية عامة أكثر فعالية، ولخّصت هذه اللجنة ما اكتشفته بشأن الطريقة التي ينظر بها العالم إلى أمريكا على النحو التالي:
«وبالطبع، فإن التصورات الخارجية عن الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن أن تكون كتلة مصمتة واحدة. غير أنه يكاد أن يكون من المؤكد أن الصور النمطية عن الولايات المتحدة بوصفها متغطرسة، ومنغمسة في ذاتها، ومنافقة، وغافلة، ولا تريد أو لا تستطيع أن تنخرط في حوار عابر للثقافات هي صور عميقة الجذور».
كان بعض هذه المواقف قد انعكس في استطلاعات للرأي أجريت على نطاق عالمي بعد الهجمات التي تعرّضت لها الولايات المتحدة. وكان من بين المكتشفات الأشد لفتاً للانتباه ذلك التصور الشائع الذي مفاده أن السياسة الأمريكية أحادية الجانب وأن الحرب على العراق قد شُنّت خدمة للمصالح الأمريكية وحدها، دون أن تُؤخذ في الحسبان حتى مصالح الأصدقاء والحلفاء. وقد تبيّن أن التصور عن أحادية الجانب الأمريكية هو تصوّر واسع الانتشار في أوروبا أيضا، سواء قبل هجمات 9/11 أو بعدها.
ويضيف المؤلف: إذا كانت حكومات كثيرة قد قدّمت دعمها للحرب الأمريكية في أفغانستان في مراحلها الأولى، بما في ذلك دول ليست صديقة مثل إيران، فإن معارضة الشعوب لهذه الحرب لم تقتصر على العالم العربي والإسلامي بأي حال من الأحوال بل عمّت البلدان النامية خاصة أمريكا اللاتينية وإفريقيا. ومن بين أحد عشر بلدا في أمريكا اللاتينية قامت مؤسسة غالوب باستطلاع الرأي فيها عام 2001 عارضت الغالبية في عشرة منها الحرب في أفغانستان، بما في ذلك 76% في الأرجنتين، و73% في المكسيك، و72% في بوليفيا. كما عارضت الحرب الغالبية في ثلاثة من بين أربعة بلدان أفريقية.
وحتى في المسائل المتعلقة بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط كان اتجاه الرأي العالمي مماثلا لاتجاه الرأي الذي عُبّر عنه في الشرق الأوسط، والأكيد - كما قال المؤلف - أن شعوب الشرق الأوسط. تشكك في السياسة الأمريكية في المنطقة، وتعارض بقوة شن حرب جديدة على العراق، وتشعر أن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط محابية لإسرائيل على حساب هذه الشعوب فهذه التصورات عامة على نطاق واسع في أرجاء العالم.
وعلى سبيل المثال، فقد عبّرت الأغلبية في أوروبا الغربية عن ردة فعل مضادة لتسمية الرئيس بوش كلا من العراق، وإيران، وكوريا الشمالية «محور الشر» كما شهدت بلدان مثل ألمانيا وإيطاليا معارضة شديدة لأي عملية عسكرية تقودها الولايات المتحدة ضد العراق. وحتى في بريطانيا، حيث تجد الولايات المتحدة دعما قويا، بيّن استطلاع نشرته الميل في 4 آب 2002 أن الغالبية تعارض الحرب على العراق وتعتقد أن رئيس الوزراء طوني بلير يتصرّف مثل تابع للرئيس بوش. أما انتقاد السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بوجه عام فهو انتقاد واسع الانتشار في كل بقاع الدنيا، بما في ذلك أوروبا الغربية.
ففيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، تكشف الاستطلاعات عن مشاعر متسقة تجاه الولايات المتحدة في أرجاء العالم. ففي أوروبا الغربية، مثلا، حيث ثمة إحساس عام بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي سياسة منحازة، يفوق عدد الذين يعبّرون عن تعاطفهم مع الفلسطينيين عدد الذين يعبّرون عن تعاطفهم مع إسرائيل
والملفت أيضا أنّ آراء الجمهور الأمريكي تردّد من بعض النواحي أصداء الآراء الأوروبية حول الصّراع العربي الإسرائيلي، حيث يبيّن الاستطلاع أنّ غالبية كبيرة من الأمريكيين يريدون للسياسة الأمريكية أن تكون بعيدة عن التحيّز.
ويؤكد المؤلّف أنّ قدراً كبيراً من السخط على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ناجم عن السياسات الأمريكية تجاه المنطقة والأهداف الأمريكية كما تتصورها هذه، ومن المعروف تاريخيا أنّ بعض الجماعات الدينية قد اعترضت على استيراد القيم الغربية إلى الشرق الأوسط وشعرت خاصة بتهديد ذلك النّزوع إلى العلمنة الذي حاول أن يحدثه القوميون المتأثرون بالغرب. غير أنّ استطلاعات هذه الأيام تؤكد ما يشير إليه تاريخ علاقة الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط من أنّ مصادر هذا السخط ترتبط أكثر ما ترتبط بسياسة الولايات المتحدة.
وقدّم المؤلف مراجعة تاريخية للعلاقات الأمريكية العربية الإسلامية، وكيف أخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقع أوروبا بعد تراجع هذه القوة الاستعمارية، لتقوم بدور أخطر. كما تحدّث عن خصوصيات منطقة الشرق الأوسط، وتساءل: هل للرأي العام فيه أيّ أهمية؟ مبرزاً عامل الشرعية، وأثر الثورة الإعلامية ووسائل الإعلام الجديدة ودور الدولة، والعولمة وتمكين الجمهور.
وتكلم في الفصل الذي عقده لدور الصراع العربي الإسرائيلي عن مفاوضات كامب ديفيد الثانية وسيكولوجيتي الضعف وانعدام الأمن، والمخاطر القادمة، وما الذي يجعل أمريكا هدفاً للغضب؟
وفي ما يتعلق بدور منطقة الخليج العربي، نجد في هذا الكتاب محاور تناول المؤلف من خلالها أهمية نفط الخليج المطردة، والنفط والاستراتيجية العسكرية، ونشوء سياسة منع السيطرة على النفط، ومنع الأنظمة المعادية من السيطرة عليه، والاستراتيجية الأمريكية في الخليج بعد زوال الهيمنة البريطانية، وعواقب حرب الخليج في العام 1991،... ومن الملاحظات التي تضمنتها مراجعة المؤلف التاريخية للموقع الأمريكي وعلاقته بالشرق الأوسط أنّ ثمة تعارضا ملفتا تماماً بين مواقف هذه المنطقة اليوم من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ومواقفها من القوى الغربية في النصف الأوّل من القرن العشرين. ففي حين كان للأوروبيين صلات قديمة مع الشرق الأوسط، كانت الولايات المتحدة بعيدة جغرافيا عن تلك المنطقة. وحين كانت الأمم الأوروبية تتآمر لتتقاسم أسلاب الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط فيما بينها، أرسل الرئيس الأمريكي وودروولسون لجنة كينغ - كران إلى الشرق الأوسط لتحرّي رغبات شعوبه وذلك في اتساق مع دفاعه القويّ عن حقّ تقرير المصير.
كانت الغلبة في النهاية للقوى الأوروبية، وتحطمت آمال المنطقة بتقرير المصير والاستقلال مع تقسيم الشرق الأوسط تبعاً لمصالح القوى الاستعمارية الأوروبية خاصة بريطانيا وفرنسا، وعلاوة على ذلك، كان الغزو الإيطالي لليبيا قد بدأ في العام 1911. وشكلت تلك التقسيمات الاستعمارية أساس منظومة الدول الحالية.
تنامى دور الولايات المتحدة السياسي والعسكري في الشرق الأوسط تنامياً ملحُوظاً بعد الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1967. أما في النصف الأول من القرن العشرين، فكانت صلات الولايات المتحدة بالمنطقة صلات تجارية أساساً، خاصة ما يتعلق بالنفط، فضلاً عن التبادل الثقافي، وبعد حرب السويس زاد التوتر بين الولايات المتحدة والحكومات القومية العربية، خاصّة في مصر وسوريا، إذ انضمت تلك الحكومات إلى حركة عدم الانحياز وراحت تقترب من الاتحاد السوفياتي. وفي العام1957، أعلنت الولايات المتحدة مبدأ آيزنهاور، الذي رمى إلى الحيلولة دون النفوذ السوفياتي في المنطقة، وأفضى لاحقا إلى إنزال القوّات الأمريكية في لبنان. لكن الأوروبيين واصلوا حضورهم في المنطقة وكانوا الهدف الرئيس لغضبها.
ثم بدأ البريطانيون انسحابهم النّهائي من منطقة الخليج العربي، وأوقف الفرنسيون إمداد إسرائيل بالسلاح. كما أن نفوذ الاتحاد السوفياتي راح يتنامى. فقد أقام السوفييت قواعد في مصر ووطّدوا علاقاتهم مع العراق في الخليج العربي. وقد أدّت هذه البيئة التي ورثتها إدارة نيكسون، إلى دور أمريكي جديد، يتمثل بالحلول محلّ القوى الأوروبية في حماية المصالح الغربية إزاء النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط.
أمّا الاستراتيجية التي وُضعت لذلك فكانت بسيطة: دعم إسرائيل وإيران عسكرياً وسياسياً وتمكينهما من موازنة العراق في الخليج ومصر وسوريا في بلدان الطوق. وفي هذا الإطار، كان الأمل يحدو الولايات المتحدة بأن تتمكّن من احتواء النفوذ السوفييتي، وتأمين الاستقرار في الخليج، والاستمرار في دعم إسرائيل.
ولقد تحققت هذه الأهداف جزئيا خلال أمدٍ قصير. لكن نظرةً جديدة إلى الولايات المتحدة راحت تحلّ محل النظرة القديمة في سيكولوجية المنطقة. فأمريكا كانت تملأ على نحو متزايد ذلك الفراغ الذي خلّفته القوى الاستعمارية الأوروبية، وذلك من خلال لعبها أدواراً جديدة كانت تقف على الضدّ من طموحات المنطقة. وهكذا راح يُنظر إلى الولايات المتحدة بصورة متزايدة على أنها أساس نظام سياسي غير مرغوب فيه.
ويضيف المؤلف أنّ حرب العام 1967 غيّرت واقع المنطقة مزيداً من التغيير. فهزيمة مصر في ذلك العام حطّمت الآمال بقيام حركة عربية جامعة. وانتهت الحرب الباردة بين الدول العربية بانكباب هذه الدول على التعامل مع سيكولوجية هزيمة عربية مدوّية أسفرت عن احتلال إسرائيل لأراض في مصر والأردن وسوريا، فضلا عن الضفة الغربية وغزة. ولأن الولايات المتحدة كانت تدعم إسرائيل بتقنية عسكرية جديدة متطورة تتفوق على الأسلحة التي كان العرب يتلقونها من الاتحاد السوفياتي، فقد تضاءل الأمل باستعادة الأراضي المفقودة عن طريق القوة على الرغم من مواصلة مصر وسوريا التخطيط لخوض الحرب. ولم تر الولايات المتحدة أي ضرورة ملحة لأن تنظر في المطالب السياسية التي يقدمها العرب، كما أنها لم تر أي علاقة مباشرة بين ما أسفر عنه الصراع العربي الإسرائيلي وتدفق النفط المتواصل بأسعار معقولة من الخليج العربي، ولا شك أن السنوات بين الحربيْن العربيتيْن الإسرائيليتيْن في 1967 و1973 قد شهدت تعاظما في الاستياء من الولايات المتحدة ودورها الأساسي المتزايد في المنطقة.
وحتى حين كانت مصر وسوريا تعد العدة لحرب العام 1973، فإن إجراءاتهما كانت تهدف في قسط كبير منها إلى جرّ الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى التدخل دبلوماسيا في الأراضي التي احتلتها عام 1967. ولقد كانت حرب 1973 مفاجأة كبرى لأن فرصة الجيوش العربية في هزيمة إسرائيل واستعادة جميع أراضيها كانت تبدو ضعيفة. واستطاعت مصر وسوريا، سياسيا، أن تحققا أهدافهما الكبرى في تلك الحرب، خاصة دفع الولايات المتحدة إلى ممارسة دبلوماسية فاعلة ترمي إلى حل القضية العربية الإسرائيلية وكان ثمة سببان يمنعان الولايات المتحدة من أن تكتفي بالوقوف على الحياد. أولهما أن إسرائيل كانت بحاجة إلى إمداد كثيف كيما تدرأ هزيمتها، شأنها شأن حاجة المصريين والسوريين إلى الإمدادات السوفياتية، والثاني، أنه كان هنالك احتمال لقيام مواجهة خطيرة مع الاتحاد السوفياتي. أما فوق هذا وذاك، فقد كانت هنالك قضية النفط، فلأول مرة، تعمد الدول العربية المنتجة للنفط، وعلى رأسها العربية السعودية، إلى فرض حظر نفطي على الولايات المتحدة، مطالبة إياها بأن تجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة، وكانت عاقبة ذلك الحظر مضاعفة أسعار النفط أربع
مرات خلال الأشهر التالية. هكذا استيقظت الولايات المتحدة فجأة على إدراك جديد، مفاده أن القضية العربية الإسرائيلية مرتبطة بقضية النفط في واقع الأمر. وقاد هذا الإدراك إلى بروز مُسلّمة في السياسة الخارجية الأمريكية سادت طوال العقود الثلاثة الماضية، وهي أن السلام العربي الإسرائيلي مصلحة أمريكية. لماذا!؟ لأن الصراع بين إسرائيل والعرب يجعل من الصعب تدبّر الغايتين الأمريكيتين المترابطتين في المنطقة: الإبقاء علي تدفّق النفط إلى الغرب بأسعار معقولة وضمان أمن دولة إسرائيل وازدهارها...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.