تكثفت منذ صيف سنة 2010 التوقعات خاصة الواردة من الولاياتالمتحدة وبريطانيا عن قرب انهيار تجربة العملة الأوروبية الموحدة «اليورو»، ومعها الجزء الأكبر من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. خلال تلك الفترة عرفت العملة الأوروبية انخفاضا كبيرا في معدلات تبادلها مع العملات الرئيسية الأخرى في العالم وقد ربط العديد من الاقتصاديين هذه الصدمة بالأزمة الاقتصادية التي انفجرت في اليونان واستدعت تدخل الأجهزة الاقتصادية للإتحاد الأوروبي لتقديم دعم بقيمة 110 مليارات يورو لأثينا في وقت كانت فيه أوروبا والولاياتالمتحدة ما تزالان تتخبطان في عملية الخروج ولو مؤقتا من أسوأ أزمة اقتصادية عالمية منذ سنة 1929. في تلك الأيام كانت هناك تفسيرات أخرى ترتكز على نظرية المؤامرة. فيوم السبت 8 مايو 2010 أوردت وكالة الأنباء الألمانية «د ب أ» تصريحا لرئيس وزراء اللوكسمبورغ جان كلود يونكر قال فيه إن تراجع اليورو على نحو ملحوظ في الأسابيع الأخيرة نجم عن «هجمات منظمة عالميا» وطالب سلطات منطقة اليورو برد الضربة للحفاظ على استقرارها. وأوضح يونكر «نحن نتعامل هنا مع هجوم منظم عالميا ضد اليورو، وعلى دول منطقة اليورو التعامل مع الموقف بطريقة موحدة». وبإسلوب دبلوماسي أثار إبتسامات الكثير من الصحفيين، أشار يونكر إلى انه لا يعرف من يقف وراء تنظيم هذه الهجمات، وتابع «إذا كنت أعرف هذا فأنا عندئذ لن أجري مقابلات، ولكن سأربح الكثير من المال». بعد 48 ساعة تقريبا دعا وزراء مالية الاتحاد الأوروبي لإجراء قوي لضمان الاستقرار قبيل اجتماعهم لمناقشة سبل احتواء أزمة ديون اليونان ومنع امتدادها إلى دول أخرى مثل البرتغال أو اسبانيا أو ايرلندا. وتعهد وزراء المالية الأوروبيون في مستهل محادثاتهم ببذل أقصى استطاعتهم للدفاع عن اليورو من «ذئاب» الأسواق المالية. وقالت وزيرة الاقتصاد الاسباني الينا سالغادو للصحفيين قبيل محادثات بروكسل «سوف ندافع عن اليورو»، وأضافت إن الوزراء مصممون على الحفاظ على العملة الأوروبية المعتمدة في 16 دولة من دول الاتحاد الأوروبي ال27. وذكر وزير المالية السويدي أندريس بورغ للصحفيين «ما نراه الآن هو... سلوك الذئاب وإذا لم نمنع تلك الذئاب... فسوف تمزق الدول الأضعف». قبل أن تحتدم الأزمة الأوروبية بأسابيع قليلة ذكرت صحيفة الباييس الإسبانية يوم الأحد 14 فبراير 2010 أن مدريد تجري تحقيقات حول حملة إعلامية خفية لإضعاف اليورو وإسبانيا. وأضافت الصحيفة أن المخابرات الإسبانية تستعين بخبراء اقتصاد للتحقيق في وجود حملة بريطانية أمريكية مشتركة تستهدف اقتصادها وتثير شائعات حول انهيار اقتصادي وشيك فيها مما يدفع رؤوس الأموال إلى الفرار. وأثارت الصحيفة في تحقيقها تساؤلات عديدة منها إمكانية استهداف إعلامي متعمد من قبل بريطانيا والولاياتالمتحدة بغرض إضعاف اليورو، ووجود رغبة أمريكية لمعاقبة حكومة سباتيرو والعمل على إسقاطها بسبب مواقفها ضد الحرب في العراق ووقوفها ضد السياسة الأمريكية والبريطانية في مناطق متعددة من العالم. وليام انجدال، الكاتب والباحث الاقتصادي، أكد «أن ما حدث في منتصف سنة 2010 هو التحدي الأكبر منذ عام 1999 عندما تم إنشاء اليورو. وقال إن الأزمة هي نتيجة لهجوم منظم من قبل الولاياتالمتحدة على المنافس الرئيسي للدولار». وأضاف «المعركة نشأت من استراتيجية منسقة من وول ستريت والمؤسسات الأمريكية لعرقلة دائمة أو محاولة لشل عملة احتياطية بديلة في أي مكان في العالم تستطيع أن تتحدي الدولار». عقوبة على النجاح الهجمة على العملة الأوروبية تجددت مع نهاية سنة 2010 وذلك بعد تدخل الاتحاد الأوروبي بخطة حجمها حوالي 90 مليار دولار لإنقاذ أيرلندا. يوم الاثنين 15 نوفمبر 2010 ووسط تفاعلات الأزمة الايرلندية وتوقعات بامتدادها خلال أسابيع إلى البرتغال وإسبانيا، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن بلادها لن تسمح بمعاقبتها على نجاحها كدولة قيادية في قطاع التصدير العالمي. وأرادت ميركل في كلمتها بمؤتمر للحزب الديمقراطي المسيحي الإشارة إلى رفض الضغوط التي تتعرض لها برلين من واشنطن لكبح فائض التجارة وميزان المعاملات الجارية. وتطالب واشنطن الدول المصدرة كألمانيا والصين بتحفيز الطلب المحلي لمساعدة اقتصادها على التعافي. وأكدت ميركل مجددا دعمها القوي للعملة الأوروبية الموحدة، قائلة إن انهيارها من شأنه أن يؤدي لانهيار الاتحاد الأوروبي. وفي قمة مجموعة العشرين التي احتضنتها كوريا الجنوبية خلال الثلث الأول من شهر نوفمبر أكدت دول الاتحاد الأوروبي دعمها للمستشارة الألمانية، في خلافها مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول تدفق الصادرات من بعض الدول لأنحاء العالم. وقبيل انطلاق قمة العشرين أكدت المستشارة الألمانية عزمها عدم تقديم أي تنازلات بشأن قضية الصادرات، فيما أعربت الولاياتالمتحدة عن استعدادها للتوصل لحلول وسط. واعتبرت ميركل أن مفتاح خفض الاختلالات القائمة هو بوضع نظام لصرف العملات بحيث تتحرك بطريقة مرنة، كما أنه يتعين أن تعكس الأسس الاقتصادية للدول. وأضافت المستشارة أن إزالة الحواجز أمام التجارة شيء أساسي لتقوية الانتعاش العالمي. يذكر أن الولاياتالمتحدة قدمت اقتراحا للقمة بضبط الصادرات، بحيث لا يزيد الفائض التجاري لأي دولة عن نسبة 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. التزامات على القطاع الخاص بعد ذلك بأسبوع بالضبط يوم الخميس 25 نوفمبر وفي مواجهة اتساع عمليات المضاربة على اليورو، ورصد تحركات مؤسسات مالية لإعادة توجيه جزء من الاستثمارات والتدفقات المالية بعيدا عن دول الاتحاد الأوروبي، تدخلت برلين بشدة. فقد طالبت المستشارة الألمانية الأسواق بتحمل جزء من أزمة الديون السيادية التي تعانيها منطقة اليورو. وأوضحت أن المنطقة التي تتكون من 16 دولة ستعتمد آلية جديدة لمعالجة الأزمات المالية بحلول العام 2013. وأكدت أن بلادها ستضغط من أجل يورو قوي، مشيرة إلى أن اليورو القوي مصلحة ألمانية، وحثت شركاءها الأوروبيين على تطبيق برامج صارمة لخفض الموازنة. وحضت المستشارة الاتحاد الأوروبي على التعجيل بفرض رقابته على أسواق المال واستحداث ضريبة جديدة عليها قائلة إن ألمانيا مستعدة للمضي قدما بمفردها في حظر البيع على المكشوف. بموازاة ذلك، فجرت برلين مفاجأة من العيار الثقيل عندما حظرت في وقت متأخر من مساء الثلاثاء 23 نوفمبر المراهنات على السندات والأسهم وضمان الإئتمان وبيعها على المكشوف. وتقود ألمانيا الضغط على القطاع المصرفي من أجل إشراكه في تأمين موارد للصندوق الذي يشكل شبكة الأمان بالنسبة إلى مستقبل العملة الواحدة. ودعت ميركل الشركاء الأوروبيين إلى التحلي ب «الشجاعة» لفرض حدود على الأسواق المالية من خلال إشراك دائني القطاع الخاص «الذين يكسبون الأموال جراء ارتفاع أسعار الفائدة». وقالت في مجلس النواب الألماني: «إن الذين يكسبون الأموال مع معدلات الفوائد المرتفعة ومع السندات السيادية يجب ان يتحملوا أيضاً الأخطار». قبل ذلك ويوم الجمعة 5 نوفمبر كان هناك تحرك ألماني آخر ضد عملية إغراق واشنطن للأسواق بدولارات تطبعها دون أي ضوابط اقتصادية. فقد انتقد وزير المالية الألماني وولفغانغ شويبله بشدة خطة الحفز الاقتصادي الأمريكيةالجديدة التي سينفذها مجلس الاحتياطي الاتحادي بهدف إنعاش الاقتصاد. وقال تعليقا على إعلان البنك المركزي الأمريكي أنه سيضخ 600 مليار دولار للمساعدة في خفض أسعار الفائدة ودفع النمو الاقتصادي «مع كل الاحترام.. لدي إنطباع بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية في حيرة من أمرها». ووصف شويبله القرار الأمريكي بأنه «غير المفهوم»، قائلا إن المشكلات الأمريكية ليس سببها نقص السيولة، وأضاف «عندما نقول إننا سنضخ الآن 600 مليار دولار فإن هذا لن يحل المشكلة». وذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن من أهداف خطة الحفز الأمريكيةالجديدة خفض سعر صرف الدولار مقابل اليورو الذي وصل إلى 1.42 دولار يوم الخميس. كما انتقد شويبله سياسة الولاياتالمتحدة الخاصة بأسواق النقد، وقال إن أوروبا ترغب في نزع فتيل النزاع القائم حاليا بين الولاياتالمتحدة والصين فيما يسمى حرب العملات. في الولاياتالمتحدة رد الرئيس باراك أوباما بالقول إن مفتاح تعافي النمو الاقتصادي يكمن في تعزيز الصادرات الأمريكية من خلال فتح أسواق جديدة في الخارج. وأعلن أوباما أنه يسعى لمضاعفة حجم الصادرات الأمريكية في غضون خمس سنوات، وقال «إن رخاءنا لا يعتمد على استهلاك السلع فحسب بل على تصنيع السلع أيضا». ويحذر اقتصاديون من أن واشنطن مستعدة لإتباع كل المغامرات حتى التي قد تشعل حروبا في مناطق متعددة من العالم لمجرد زيادة صادراتها خاصة المتمثلة في الأسلحة، وتمزيق تماسك ووحدة الدول لفتح أسوق جديدة لشركاتها. بدائل أخرى برلين لم تكن وحدها التي جهرت بمعارضتها لسياسة واشنطن في جعل غالبية دول العالم تدفع ثمن إنقاذ اقتصادها المريض. فقد هاجمت البرازيل يوم الخميس 4 نوفمبر قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي طبع مليارات الدولارات. وأبلغ مانتيجا الصحفيين أن الإجراء الأمريكي سيفاقم الاختلالات في الاقتصاد العالمي، ومن غير المرجح أن يحفز النمو العالمي. وأضاف أن القرار يزيد القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي في التجارة العالمية، وأن بلاده تصر على أن تغير الولاياتالمتحدة سياساتها الاقتصادية وتسعى لبدائل أخرى. ومن جهته، قال رئيس البنك المركزي في هونك كونغ نورمان شان إن الخطوة الأمريكية تزيد المخاوف من حدوث فقاعة عقارية. وإن حكومة المقاطعة الصينية ستتخذ خطوات مضادة لمواجهة هذه المخاطر بما يحد من قدرة البنوك على التوسع في تقديم قروض عقارية. خبراء اقتصاد حذروا من تداعيات الخطوة الأمريكية، وقالوا إنها ستؤدي إلى زيادة سريعة في معدل التضخم وخلق فقاعة أصول جديدة في الاقتصاد العالمي، على شاكلة فقاعة الرهن العقاري بالولاياتالمتحدة والتي كانت بداية للأزمة الاقتصادية الدولية سنة 2007. قرار بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي طباعة 600 مليار دولار أخرى، من دون رصيد، إلى جانب 600 مليار أخرى لشراء سندات ديون. يستهدف حسب الرأي الأمريكي «توسيع» حيازة الأوراق المالية كي «يسير الانتعاش الاقتصادي بوتيرة أقوى وللمساعدة على ضمان أن التضخم يسير بمستويات تتوافق مع تفويضها بمرور الوقت». ويعني «توسيع الحيازة»، طباعة المزيد من الأوراق المالية. الأمر الذي يترك أثرا تضخميا كبيرا على قيمة الدولار، ويزيد في خفض قيمته. ويشكل خفض قيمة الدولار أحد أهم الوسائل لتحميل أعباء الديون التي ترزح تحتها الولاياتالمتحدة على الآخرين، وخاصة الذين يقومون عملتهم بالدولار، أو الذين يحتفظون بأرصدة بالدولار، أو الذين يبيعون نفطهم بالدولار. الورقة الخضراء اقتصاد جزء كبير من دول العالم أصبح رغم أنف مسييريه ونتيجة لتقديرات سابقة عندما كانت أمريكا في أوج قوتها وكذلك نتيجة ضغوطها، مرهون بالورقة الخضراء أي الدولار، وبالتالي أصبح البيت الأبيض عبر هذه الأوراق المالية قادرا على التأثير بقوة أو التحكم سواء اقتصاديا أو سياسيا في من يملكونها بحسب حجم ما في خزائنهم منها. الدولار ليس مجرد عملة وطنية أمريكية ينحصر أثر قيمتها داخل المحيط الأمريكي، وإنما عملة احتياطية رئيسية حيث تصدر دول كثيرة عملتها وفقا لنسب متفاوتة مما تملكه بنوكها المركزية من دولارات، فضلا عن أنها أهم عملة في تداولات التجارة الدولية، ولذلك تهم قيمة الدولار كل مصدر، سواء مادة خام كالنفط والأخشاب والنحاس، أو مواد مصنعة كالأدوات والآليات، كما تهم بالطبع أيضا من يستوردون من دول أخرى غير أمريكا والدول المرتبطة عملتها الوطنية بالدولار. ويتم ضخ الدولارات، أو رفع مستوى السيولة داخل الاقتصاد الأمريكي، من طريق شراء صكوك، أو سندات الخزانة الأمريكية. وهي أوراق تجارية تحتوي نظريا على مبالغ مالية تتعهد بموجبها الخزانة الأمريكية بدفع ما هو مدون على متنها من مبالغ، تماما كأي سندات مديونيات أخرى يتعهد مصدرها بدفع ما وعد وسجل على متنها من مبالغ حين يحل أجلها وفقا لما هو مدون على متنها من أجل - أو تاريخ. غير أن المشكلة هي أن الولاياتالمتحدة طبعت من ورقتها الخضراء آلاف المليارات وعبرها استدانت أو حصلت على سلع ومواد أولية من دول أخرى بموجب هذه الوراق التجارية، والأن ومع تصدع الاقتصاد الأمريكي وتضخم ديون الحكومة الفدرالية استحال على واشنطن أن تسدد ديونها الخارجية. وبكلمات أبسط لن تستطيع الولاياتالمتحدة أن تقدم لمالكي عملتها الخارجيين سلعا أو عملة مختلفة مقابل ما يملكون. فهي مثل شركة تشغل عددا من العمال استدانت مبالغ تفوق مئات المرات قيمة ما تنتج، وعليها لسداد ديونها أن تشتغل وتنتج سلعا دون أن تدفع أجورا لعمالها أو مالا لموادها الخام لعقود من أجل أن تتمكن من سداد ديونها. أن الفرق بين السندات التي تصدرها جهات خاصة، والسندات التي تصدرها الخزانة الأمريكية، هي أن البنك المركزي هو الذي يشتري هذه السندات أو الصكوك، أي أن البنك المركزي الأمريكي هو الذي يمنح القروض للحكومة الفدرالية. وماذا يفعل المركزي بالسندات التي يشتريها سواء من الخزانة مباشرة، أو من دول أخرى سبق لها أن اشترتها وتحتاج إلى مبالغها أو قيمتها. كل ما تفعله أنها حرفيا «تطبع» أو تصدر دولارات جديدة تدفعها في مقابل شرائها للسندات ثم تحتفظ بما اشترته من سندات إلى أن يأتي وقت الحاجة لخفض مستوى السيولة. والذي يحتفظ بأكبر نسبة من سندات الخزانة الأمريكية أو صكوك من مديونياتها هي البنوك التجارية الكبرى. وحينما يشتري المركزي من البنوك التجارية هذه السندات يعوضها بالدولارات، وبذلك يرتفع مستوى السيولة المتداولة. ايرلندا واليونان يسجل الملاحظون أن الاتحاد الأوروبي عندما هب لمساعدة أيرلندا في نوفمبر 2010، كان الأمر مختلفا عما فعله صيف نفس السنة بالنسبة لليونان، حيث أن المساعدة ترمي بشكل أساسي إلى مساعدة القطاع المصرفي الايرلندي الذي تكبد خسائر ضخمة بسبب انفجار فقاعة عقارية. هذه الفقاعة شاركت فيها صنعها العديد من المصارف الأمريكية التي اشترت واشنطن ديونها المحلية بألاف ملايير الدولارات وتركت مستحقاتها الخارجية دينا على الآخرين. وكانت ايرلندا قد قامت في وقت سابق بضخ 50 مليار يورو إلى مصارفها في محاولة لتصحيح الوضع ولكن التدخل لم يكن كافيا، مما أدى إلى ارتفاع العجز العام لديها إلى مستوى قياسي بلغ 32 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لعام 2010. وقد أكد وزير المالية الايرلندي براين لينيهان «لسنا في حالة إفلاس»، وأضاف «في السنوات الأخيرة تقلص هامش المناورة للاستدانة من السوق الدولية الذي نملكه إلى حد كبير»، موضحا بذلك سبب طلب دبلن مساعدة. هدف المساندة الأوروبية كان هدفه كذلك منع انتقال العدوى الايرلندية إلى دول أخرى ذات اقتصاديات هشة في منطقة اليورو، من بينها البرتغال واسبانيا من خلال رفع معدلات الفوائد على السندات الإلزامية. كتبت المحللة الاقتصادية كارولين كون يوم 17 نوفمبر تحت عنوان «أمريكا تطبع دولارات لتحرق بها الأسواق الناشئة» مقالا قالت فيه: تتخلف الأسواق الناشئة الجديدة وهي الأقل تقدما في العالم عن ركب الاسواق المتقدمة عليها في ظل احتمالات ارتفاع التضخم بسبب جولة ثانية من طبع النقود في الولاياتالمتحدة وهو ما قد يكون أشد ضررا على هذه الاقتصاديات دون غيرها. ومنذ إطلاق الاحتياطي الاتحادي الجولة الأولى من التيسير الكمي في مارس 2009 أدى الانخفاض الشديد في عوائد سندات الخزانة الأمريكية إلى اتجاه المستثمرين إلى الأسواق ذات العائد الأعلى. ويقدر معهد التمويل الدولي التدفقات الرأسمالية العالمية على الأسواق الناشئة بنحو 825 مليار دولار في العام الحالي و833 مليار دولار في عام 2011 بارتفاع كبير عن مستويات 2008 التي بلغت 594 مليار دولار. لكن تقديرات التدفقات على منطقة أفريقيا والشرق الاوسط التي تشمل أيضا أسواقا ناشئة أكثر تقدما مثل جنوب أفريقيا جاءت عند 86 مليار دولار و85 مليار دولار في عامي 2010 و2011 على الترتيب انخفاضا من مستوى 2008 البالغ 88 مليار دولار. ولا تبدو تدفقات المستثمرين على الاسواق الناشئة الجديدة أشد بطئا وتحفظا فحسب بل إن الأثر السلبي المحتمل لارتفاع التضخم قد يكون أشد وطأة هناك. ويقول أحمد هيكل رئيس مجلس إدارة القلعة للاستشارات المالية ومقرها القاهرة «أرى أن أثر الجولة الثانية من التيسير الكمي سيكون سلبيا على الأغلب، «الجولة الأولى سببت ارتفاعا ملموسا في أسعار الغذاء.. والجولة الثانية استمرار لهذا. ليس هناك مؤشر على أن أسعار الغذاء ستتراجع في الأجل القريب وهذا سيشكل ضغوطا تضخمية على أجزاء كثيرة من أفريقيا». والمكاسب التي يحمل ثقلها الفقراء مباشرة ودولهم بشكل غير مباشر تذهب أرصدة الشركات الكبرى، وجزء ضخم منها أمريكي، وبهذا يتم سحب جزء من صكوك المديونية الأمريكية للخارج. مضاربات طبع واشنطن المزيد من الدولارات بدون أي سند اقتصادي خلق مزيدا من الأدوات للمضاربات في مختلف أسواق العالم. ويمثل تضخم أسعار الغذاء على وجه الخصوص مبعث قلق للأسواق الناشئة الجديدة حيث ينفق الفقراء الجزء الأكبر من دخلهم على الغذاء. فأسعار الخبز والحبوب تشكل 25 بالمئة من سلة تضخم أسعار المستهلكين في نيجيريا مثلا. وأشار محللون لدى «كابيتال ايكونوميكس» إلى أن مؤشر جي.سي.اس.اي الزراعي لأسعار المنتجات الزراعية الذي يشمل القمح والذرة وفول الصويا سجل في الاسبوع الأول من نوفمبر مستوى مرتفعا قياسيا. وكلما أضعفت الولاياتالمتحدة الدولار من خلال طبع الأموال كلما زاد خطر ارتفاع سعر النفط المقوم بالدولار وهو ما يضغط بدوره على صناعات أخرى من بينها الزراعة. حتى بعيدا عن الأسواق الناشئة تدفع دول متقدمة ضريبة الاستغلال الأمريكي لهيمنة عملتها وتوفر صكوك منها. الصينيون أصبحوا خلال سنة 2010 يشتكون من غلاء المعيشة خاصة الغذائية ويحملون الولاياتالمتحدة المسؤولية بعد إصدار كمية كبيرة من الأوراق النقدية. وحسب دراسة إجريت شهر أكتوبر 2010 نشرتها صحيفة «تشاينا دايلي»، فإن نصف الأسر الصينية المقيمة في المدن و60 في المئة من الاسر في الارياف تنوي بسبب هذا القلق خفض نفقاتها عام 2011. يوم الثلاثاء 16 نوفمبر نقلت صحيفة «داجينز نايرينسليف» النرويجية عن الملياردير جورج سوروس قوله بعد اجتماعه مع وزير التجارة النرويجي إن كلا من الولاياتالمتحدة والصين لديها وجهة نظر محكمة في إجراء التيسير الكمي للسياسة النقدية الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الامريكي). وقال سوروس «الصينيون يحاولون الحفاظ على عملتهم مقومة بأقل من قيمتها في حين تغمر الولاياتالمتحدة العالم بالدولارات ما يشكل ضغوطا على دول أخرى ويحدث توترات كبيرة في أسواق الصرف. فالإجراء الأمريكي يقود إلى جذب رؤوس الأموال للداخل واحداث ارتفاع غير مطلوب في عملات هذه الدول. وحول ما إذا كان هناك خيار آخر أمام مجلس الاحتياطي الاتحادي سوى مواصلة طبع النقود لتحفيز الاقتصاد الأمريكي الضعيف قال سوروس أن الإجراءات المالية ربما يكون أثرها أفضل. الصناديق السيادية يقول معهد المالية العالمي في واشنطن إن تدفقات الاستثمارات إلى الاقتصادات الناشئة ستصل إلى 825 مليار دولار هذا العام بزيادة بنسبة 30 في بالمقارنة مع عام 2009. وفيما ترحب الاقتصادات الناشئة بالمستثمرين، فإن تدفق النقد يخلق مشكلات بدءا من ارتفاع أسعار العقارات، إلى ارتفاع سعر صرف العملات، مما يجعل صادراتها أقل قدرة على المنافسة. ويقول رئيس بنك التنمية الآسيوي هاروهيكو كورودا إن هناك تدفقات كبيرة من الأموال إلى الاقتصاديات الناشئة. وحذر من أنه في حال استمرار مثل هذا الوضع فإنه سيكون من الصعب السيطرة عليه. لكن ليست فقط كمية التدفقات النقدية هي التي تسبب الاضطراب في أسواق آسيا. ويوضح كورودا أن نسبة كبيرة من هذه التدفقات هي تدفقات قصيرة الأجل واستثمارات في محافظ مالية وقروض، بمعنى أن اتجاهها يمكن أن يتحول في أي وقت. ليس الفقراء وحدهم من سيدفع ضريبة السياسة المالية الأمريكية بل المؤسسات المالية التابعة لدول أخرى. يقول خبراء اقتصاديون أن الصناديق السيادية التي تضطلع بإدارة الثروات الوطنية قد تضطر الى تغيير استراتيجياتها الاستثمارية تغييرا جذريا خلال السنوات المقبلة اذ ستغذي أحدث إجراءات لضخ السيولة في الاقتصاد الأمريكي تدفق الاموال وتخفض عوائد الأصول. وبينما من المنتظر أن تبلغ قيمة أصول تلك الصناديق عشرة تريليونات دولار خلال السنوات العشر المقبلة فإن انخفاض العائد يزيد من عدم جاذبية الادارة التقليدية للمحافظ الأمر الذي يدفع هذه الصناديق بصورة أكبر الى الاستثمار المباشر أو الاستثمار على أساس الصفقات. الأموال الرخيصة أي تلك المطبوعة بدون رصيد تغذي تدفق رأس المال الباحث عن العائد على الاقتصادات الناشئة سريعة النمو والاجراءات التي تتخذها هذه الدول مثل التدخل في سوق الصرف لمواجهة التدفقات تعزز احتياطيات العملة الاجنبية وهو ما يزيد رأس المال المخاطر الخاضع لادارة صناديق الثروة السيادية. ويعزز انخفاض أسعار الفائدة الطلب على السلع الاولية أو الصادرات من الاقتصادات المتقدمة وهو ما يعزز الايرادات غير المتوقعة التي يذهب جزء منها في نهاية الأمر إلى خزائن الصناديق السيادية. لكن العوائد عادة ما تتراجع في ظل انخفاض الفائدة. كما ينال ضعف الدولار والضغوط الصعودية على العملات المحلية أيضا من التقييمات مما يدفع العوائد لمزيد من الانخفاض. ويقول ستيفن كرن خبير الاقتصاد لدى دويتشه بنك والمتخصص في الصناديق السيادية «كانت صناديق الثروة السيادية تأمل في الانتقال من وضع الازمة إلى مناخ اقتصادي عالمي موات بصورة أكبر لكن مازالت هناك مخاطر كبيرة في أنشطتها». وأضاف «انخفاض الفائدة واجراءات التيسير الكمي (الامريكية) يؤثران على البيئة النقدية وأجواء الفائدة التي تعمل فيها الصناديق السيادية. السياسات النقدية بطبيعتها تؤثر على تقييم محافظ السندات القائمة والاستثمارات الجديدة. لا ينبغي التهوين من شأن ذلك». ووفقا لتقديرات كرن مازال 46 الى 60 بالمئة من محافظ الصناديق السيادية مستثمرا في أوراق مالية تعتمد على الفائدة مما يجعل عوائدها عرضة للانخفاض نتيجة تراجع أسعار الفائدة الى ما قرب الصفر. وربما جعل تنامي الاموال التي تديرها الصناديق السيادية الامر أكثر صعوبة لها أن تتحلى بمرونة في الاستثمار. ورفع كرن توقعاته لاجمالي الاصول التي تديرها الصناديق السيادية الى عشرة تريليونات دولار بحلول 2020 من سبعة تريليونات بحلول 2018. تجنب المواجهة المفتوحة تكافح عدة دول خاصة داخل المجموعة الأوروبية ما تصفه بعض الاوساط الاقتصادية «بالبلطجة» على الصعيد المالي الدولي ولكن حتى الأن مع تجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع واشنطن، وذلك لعدة أسباب لعل في مقدمتها تجنب تحول أرصدتها من الورقة الخضراء إلى مجرد شيكات بدون رصيد سواء اليوم أو غدا. يوم الثلاثاء 16 نوفمبر اعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان فرنسا تسعي الى اقامة «نظام نقدي دولي جديد» يضع حدا ل»الفوضى» التي تشهدها الاسواق النقدية. وأضاف ساركوزي «لا يمكننا بعد اليوم البقاء في هذه الفوضى النقدية». وقال في مقابلة بثتها ثلاث قنوات تلفزيونية فرنسية غداة التغيير الحكومي في فرنسا «ينبغي إقامة نظام نقدي دولي جديد»، وأكد أن الصين، اللاعب المركزي في هذا الملف، أعلنت موافقتها على تنظيم مؤتمر في ربيع 2011 حول قضية العملات «في محاولة لإحراز تقدم». الواضح أن الاتحاد الأوروبي ورغم أزمته يبحث عن حل وسط مع الولاياتالمتحدة لرفع جزء من الضرر الذي يلحقه نتيجة سياسة واشنطن، غي أنه بدأ يلوح باستخدام سلاح آخر وهو التوجه شرقا وجنوبا بدلا من الحفاظ على روابط أصبحت مكلفة مع واشنطن. فيوم الخميس 25 نوفمبر وصل رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الخميس الى برلين لاجراء محادثات مع المستشارة الالمانية ميركل بعدما اطلق فكرة إنشاء منطقة تبادل حر تمتد من «لشبونة الى فلاديفوستوك». فقد أعلن بوتين في مقالة نشرتها الصحافة الالمانية انه يرغب في «مجموعة اقتصادات متجانسة من لشبونة وصولا الى فلاديفوستوك». وتعتبر المانيا والمستشارة ميركل من المحاورين الاقرب لموسكو في الاتحاد الاوروبي وهي الشريك التجاري الاول لروسيا مع حجم تبادل يبلغ نصف تجارتها الخارجية. وبحسب الجمارك الروسية فان هذا التبادل بلغ حوالي 142 مليار دولار في النصف الأول من السنة أي بارتفاع نسبته 43 في المئة. اسبانيا على الخط إذا كانت ألمانيا وهي قاطرة الاتحاد الأوروبي لم تقفز إلى قبول العرض الروسي والتحول بأوروبا شرقا لأنها لا تزال تقدر ان الوقت لم يحن بعد للتخلي عن الطرف الأمريكي رغم أنه كان أحد أسباب هزيمتها في حربين عالميتين، فإن الأشهر القادمة قد تشكل نقطة التحول في هذا التوجه بسبب توسع الأزمة داخل المجموعة الأوروبية. توقع تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أن تكون إسبانيا على قائمة دول الاتحاد المرشحة للسقوط في أزمة مماثلة لتلك التي تمر بها اليونان وأيرلندا، غير أن مدريد تستبعد ذلك الأمر بشدة. ونقلت الصحيفة عن بابلو فاسكيز، الخبير الاقتصادي في مؤسسة الدراسات «دي دي إيكونوميا أبليكادا»، وهي معهد بحوث اقتصادية مقره مدريد: «»تستطيع أوروبا أن تتحمل سقوط آيرلندا، وربما سقوط البرتغال أيضا، لكن ليس إسبانيا، لذلك فإن خط دفاع إسبانيا النهائي هو إدراكها أنها أكبر من أن تفشل، وأن سقوطها يمثل خطرا كبيرا على منطقة اليورو». ذلك أن اقتصادها أكبر من اقتصاد الدول الثالثة الأخرى مجتمعة ولذلك فإن انهيارها قد يضغط بشدة على قدرة الدول الأوروبية الكبرى على دعم الدول الأضعف ماليا مما قد يتسبب في مشكلات عميقة للعملة الأوروبية الموحدة. ويشار إلى أن مصارف إسبانيا قد تتعثر في حال تدهور الوضع المالي للبرتغال، فإسبانيا ليست فقط أكبر شريك تجاري للبرتغال، بل إنها أكبر دائن له أيضا، حيث تمتلك المصارف الإسبانية نحو 78 مليار دولار من الديون البرتغالية، وفقا لمصرف التسويات الدولية. وقال إدوارد هيو، وهو خبير اقتصادي مستقل مقيم في برشلونة: «إن المصارف في إسبانيا لديها بالفعل ما يكفي من المشكلات، ولكن انكشاف البرتغال يمكن أن يكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير». وقد جدد الانهيار الوشيك لاقتصاد آيرلندا المخاوف بشأن المصارف الإسبانية، مما أدى إلى انخفاض سعر أسهمها. رفض سيناريو الكارثة البنك المركزي الأوروبي يرفض سيناريو الكارثة الذي تروج له أوساط خاصة في لندنوواشنطن. فيوم الخميس 25 نوفمبر قال اليكس ويبر عضو مجلس محافظي البنك المركزي الاوروبي ان حجم أموال الانقاذ المتاحة لدعم اليورو كاف وان أعضاء منطقة اليورو لن يسمحوا بانهيار العملة الموحدة. وأكد ويبر من برلين «أوضحت حكومات منطقة اليورو أنها تدرك مسؤولياتها بشأن اليورو وستفعل ما بوسعها للابقاء على العملة في شكلها الحالي». وأضاف «لكن ذلك لن يكون ضروريا لان اموالا عامة كثيرة أتيحت بالفعل لحل الازمة الحالية تجعلني أعتقد أن ما هو على الطاولة الان سيكون كافيا». وقال أيضا ان شبكة الامان المالي التي تبلغ قيمتها حاليا حوالي 925 مليار يورو ستكون كافية الا في أسوأ الحالات اذا تعين انقاذ ايرلندا واليونان والبرتغال واسبانيا جميعا من ديونها السيادية القائمة. من جانبه فند رئيس الآلية الأوروبية للاستقرار المالي كلاوس ريغلينغ التساؤلات التي تحيط بمستقبل اليورو. وقال ان منطقة اليورو ليست مهددة. وذكر في رد على سؤال تعلق بإمكانية تفكك المنطقة النقدية الأوروبية ان «نسبة الخطر صفر» وأن «انهيار اليورو أمر لا يمكن تصوره».