ردا على التحرك الياباني الأحادي من أجل إضعاف قيمة« الين»، الذي أعقبته تحركات مماثلة من قبل كل من كولومبيا وتايلند وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول, صرح وزير المالية البرازيلي، غوديا مانتيغا ، بأن العالم في خضم حرب عملات دولية. وفي مسعى من تلك الدول للتعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية, تحاول تشجيع صادراتها عن طريق خفض قيمة عملاتها. ويقول الكاتب الأميركي جوشوا كيتينغ في مقال تناول ما سماه حرب العملات نشره في موقع ال«فورين بوليسي جورنال» على الإنترنت، إن هذه المساعي تأتي لتضاف إلى التوتر القائم منذ أمد طويل بين الدول الغربية والصين فيما يتعلق بسياسة الأخيرة النقدية التي يقول عنها العديد إنها تجعل قيمة اليوان الصيني منخفضا بشكل مصطنع. وتساءل الكاتب عن كون الأمور في سبيلها للخروج عن السيطرة. وحذر مدير صندوق النقد الدولي، دومنيك ستراوس كان، من مغبة استخدام الدول للعملات أسلحة سياسية، أما وزيرة المالية الفرنسية، كريستين لاغارد ، فقد حثت الدول على الحديث عن السلام وليس عن الحرب. لكن وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غيثنر، نفى وجود توجه نحو اندلاع حرب عملات. فما الذي تعنيه حرب العملات بالضبط؟ وكيف لنا أن نعرف متى نكون في خضم إحدى تلك الحروب؟ إن حرب العملات حالة سياسية أكثر منها اقتصادية، فالحكومات كثيرا ما تتدخل في أسواق عملاتها المحلية عن طريق زيادة المعروض النقدي أو السيولة لتشجيع التجارة وخفض البطالة، أو الجنوح إلى تقليل السيولة النقدية لكبح جماح التضخم. والمشكلة هي أنه في اقتصاد عالمي متشابك ومرتبط بعضه ببعض، فإن ارتفاع أو انخفاض عملة ما لن يكون صرخة في واد بعيد. فعندما تحافظ الصين على انخفاض سعر عملتها ال«يوان» بشكل مصطنع ، مقابل الدولار الأميركي, فهي بذلك تجعل سعر البضائع الصينية منخفضا في الولاياتالمتحدة، مما يساهم في الإخلال بالتوازن التجاري، وهذا ما يوفر للولايات المتحدة حافزا للرد بالمثل بخفض قيمة عملتها كذلك. وعندما تقوم بعض الدول بخفض قيمة عملتها لزيادة قدرة صادراتها التنافسية, فإنها بذلك تجبر دولا أخرى، مثل البرازيل على سبيل المثال، على العمل لمنع ارتفاع سعر صرف عملتها. وغالبا ما تنظر الدول إلى حرب العملات على أنها لعبة فيها أطراف رابحة وأخرى خاسرة، لكن انتشار تخفيض قيمة العملات على نطاق واسع ، ستكون له نتائج مدمرة على الجميع. كما أن عدم الاستقرار في سعر صرف العملات يمكن أن يشكل رادعا للاستثمارات الدولية، مما يبطئ وتيرة الانتعاش الاقتصادي العالمي، علاوة على أنه سيكون لحروب العملات بالطبع آثار سياسية ثانوية. فعندما تتواجه الدول وتتحارب بخصوص العملة ، يتراجع احتمال الاتفاق على التجارة الثنائية، ناهيك عن أن ضغوط العملة يمكنها أن تبعد الصين عن مساعي الولاياتالمتحدة السياسية لاحتواء إيران أو كوريا الشمالية. وعلى خلاف الحروب الحقيقية ، فإن حروب العملات ليس لها تاريخ محدد لاندلاعها ، ولكن يمكن أن تنتهي بشيء أشبه باتفاقات أو معاهدات السلام. ففي عام 1936 ، وقعت كل من بريطانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة ما عرف بالاتفاقية الثلاثية الأطراف من أجل مواجهة ما عرف بعدم التوازن في سوق العملات الناجم عن تخلي كل من بريطانيا والولاياتالمتحدة عن معيار الذهب خلال فترة الكساد الكبير، وعشية الحرب العالمية الثانية، وحتى عندما لاح في الأفق عدو أكبر ، فقد وافقت الدول الثلاث على الإحجام عن خفض قيمة عملاتها. أما في عام 1985 حينما كانت اليابان وليست الصين هي القوة الاقتصادية الآسيوية الصاعدة, فقد وقعت حكومات كل من بريطانيا وفرنسا واليابانوالولاياتالمتحدة وألمانيا الغربية ما عرف باتفاق بلازا الذي يسمح بخفض قيمة الدولار مقابل الين. واليوم ، هناك من يطالب باتفاقية دولية من أجل السيطرة على الجولة الحالية من تخفيض قيمة العملات، لكن من الواضح أن الاقتصاد العالمي تغير قليلا عما كان عليه قبل خمس وعشرين سنة من الآن. فقد أدى تزايد قوة الاقتصادات الصاعدة ، مثل الصين والبرازيل والهند وكوريا الجنوبية، إلى صعوبة توصل عدد قليل من وزراء المالية إلى اتفاق خلال اجتماعهم في إحدى غرف الفنادق. أضف إلى ذلك أن المساعي السابقة لاستقرار سعر صرف العملات على النطاق العالمي، أدت إلى فقدان الأطراف المعنية في نهاية المطاف للثقة فيها عندما تتسبب السياسات المحلية في تقويضها. ويختتم الكاتب مقاله بالقول: وكما هو الحال في الحروب الحقيقية ، فإن الإعلان عن إشعال حرب أسهل بكثير من إطفائها. «فورين بوليسي جورنال» الأمريكية