بقلم : أحمد الرافعي - تجمع التربة بمنطقة قلعة السراغنة بين نقيضين، "الصلابة"، بمعنى الحدة والقساوة و"الخصوبة " بمعنى السلاسة والليونة، وقد انصهرا معا ليجعلا من ربوعها، رغم طبيعة مناخها واكراهاته، الأرض المعطاء التي تدر على ساكنتها الفضل الشاسع ، متى جادت عليها السماء بالغيث النافع، لتظل الخزان الطبيعي لجهة تانسيفت الحوز. فلم تحل الإكراهات الطبيعية والمناخية بالمنطقة، دون بناء اقتصاد محلي ينبني على دعائم زراعية، بل استأثرت أنشطة الفلاحة بجل انشغالات السكان ، حتى أن أزيد من ثلثي سكان الحواضر يعيشون من موارد زراعية أو بالأنشطة المرتبطة بها كوحدات إنتاج الزيوت والحليب واللحوم. وبلغة الأرقام تتوفر المنطقة على 50 بالمائة من أغراس شجر الزيتون على صعيد جهة تانسيفت الحوز، أي ما يمثل 15 بالمائة من مجموع اغراس الزيتون على الصعيد الوطني، فضلا عن كونها تعرف وطنيا بإنتاج زيت الزيتون ذي الجودة الرفيعة والحليب بما يعادل 10 بالمائة من الانتاج الوطني، ناهيك عن تميزها بقطيع أغنام سلالة " الصردي " ، الأضاحي المحببة لدى كل المغاربة. أما عن صلابة التربة وقساوتها، فيعود الى طبيعتها البورية ومكوناتها الجيولوجية المتنوعة والتي تختلف عن " التيرس " وغيرها من الأتربة الحمراء أوالسوداوية المائلة الى الرطوبة ، وهذه النوعية من الأتربة لها من الخاصيات ما يجعلها تختزن عبرالتسربات الجوفية ما يكفي حاجتها من المياه ، بينما تتطلب التربة الصلبة أضعاف حاجيات الأولى بفعل انسيابها على السطح. وحسب تقنيي المندوبية الإقليمية للفلاحة بقلعة السراغنة ، فإن التربة الصلبة والبورية عموما ، تتميز بقلة الطفيليات واستبعاد الأمراض التي تصيب غيرها من الأتربة ، الأمر الذي يتجلى في محاصيلها الجيدة، أي أن عامل المناخ الجاف وتركيبة التربة يحددان درجة خصوبتها وكثافة إنتاجها ومردوديتها. ويتضح من هذا السياق، أن المزارعين القدامى بالمنطقة ، فطنوا بذلك ، وعمدوا الى التأقلم مع واقع محيطهم بمزاولة أنشطة زراعية تتلاءم مع مكونات التربة وإكراهات المناخ ، بجلب مغروسات مثل شجر الزيتون والصبار( كرم فرعون ) ، كغطاء أساسي لمقاومة وقهر هذه الإكراهات ، قبل تهجينهم لنوعيات أخرى حسب متطلباتهم اليومية لتأمين الاستقرار لساكنة تنحدر في غالبيتها من أصول صحراوية. وهكذا عمت منطقتي السراغنة والرحامنة بساتين الزيتون في المنحدرات على ضفاف الوديان الكبرى، ومنها على الخصوص، واد الأخضر وتساوت وأم الربيع وعلى امتداد السواقي المتفرعة عنها، بينما بقيت الأراضي البورية ومراعيها في الهضاب وسهول المرتفعات حكرا على زراعة الحبوب وتأمين رعي المواشي. ويسجل التاريخ أن المنطقة عرفت فترات شح قاسية وسنوات عجاف على مر العصور، ولعل حقبة الجفاف الذي ضربها في الثمانينيات لازالت عالقة بأذهان الجيل الجديد من المزارعين اليوم، إذ كان لها أثر كبير في إتلاف عدد كبير من البساتين والحقول علاوة على تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. ومع كل ذلك، بقيت شجرة الزيتون التي عمرت بالمنطقة لمئات السنين ، صامدة في وجه قساوة المناخ ، وهي تغطي حاليا 50 ألف هكتار ممثلة 91 بالمائة من إجمالي مغروسات زيتون الجهة بإنتاج سنوي يصل الى 150 ألف طن. أما شجر الصبار، كقيمة غذائية ودوائية، يمكن أن تشكل نواة لصناعة تصديرية مستقبلية واعدة بالمنطقة، اعتبارا لقيمة اللتر الواحد من الزيت المستخلص من شجره والتي تقدر ب 10 آلاف درهم، فيغطي 26 ألف هكتار ومن المقرر أن تصل هذه المساحة الى 100 ألف هكتار في السنوات المقبلة. ويعد قطاع الحبوب من القطاعات الفلاحية الأساسية خاصة في المناطق البورية التي ترتبط جودة محاصيلها بالمواسم الممطرة، إذ بلغ انتاجه في موسم 2006، أربعة ملايين و679 ألف و800 قنطار، ويرتقب أن تخصص للموسم الفلاحي الجديد ما مجموعة 228 ألف هكتار موزعة بين أراضي مسقية وبورية. وفي مجال تربية المواشي يتوفر الإقليم على أزيد من مليون و151 ألف رأس من الأغنام وما يزيد عن 204 ألف و180 من الأبقار وقرابة 58 ألف رأس من الماعز وأكثر من 75 ألف و300 من الخيول و800 رأس من الإبل. كما ينتج الإقليم من اللحوم الحمراء ما يفوق 7560 طن و6685 من اللحوم البيضاء و150 ألف طن من الحليب ، ويعد بذلك من المناطق الرائدة في انتاج اللحوم والحليب على الصعيدين الجهوي والوطني بمقياس الكم والكيف. ويصل إجمالي الأراضي الفلاحية 934 ألف هكتار، تشكل 580 ألف و350 هكتار أراضي قابلة للزراعة، 17 بالمائة منها مسقية عبر ثلاثة سدود كبرى هي سد مولاي يوسف والحسن الأول وبين الويدان. ومن أجل الحفاظ على هذه المكتسبات والارتقاء بها الى مستويات أفضل وأشمل بادرت المصالح الفلاحية الإقليمية خلال هذا الموسم المتزامن مع السنة الأولى لتنفيذ مخطط المغرب الأخضر، الى اتخاذ سلسلة من التدابير تروم تنمية سلاسل الإنتاج النباتي وتدبير مياه السقي وحماية الماشية لتحسين إنتاجيتها مع مصاحبة ذلك كله بحملات توعوية لتحسيس الفلاحين وتأطيرهم بغية تثمين مؤهلات الإقليم وجعله خزانا طبيعيا حقيقيا لجهة تانسيفت الحوز.