يعيش سكان قبيلة إداومحمود المكونة من جماعتي تالماكانت وإمي لمايس إيقاع الغياب لأبسط الشروط الضرورية للإستقرار كالإنارة وتعبيد الطرق، كما أن أغلبية الساكنة تقطن بنايات هشة على سفوح الجبال، حيث يدق ناقوس خطر الانهيار في كل لحظة خصوصا في فصل الشتاء. ورغم وجود المنطقة في بيئة مائية غنية، إلا أن الساكنة ما زالت تتزود بالماء الملوث، الشيء الذي قد يسبب في أمراض في صفوف الأطفال خصوصا بجماعة إمي المايس التي يخترقها واد تستقر به مياه عكرة إلى جانب الماء المستهلك. إحداثيات المنطقة تقع قبيلة إداومحمود بإقليمتارودانت في جناحه الشمالي الغربي المتاخم لحدود إقليم شيشاوة في الجنوب الشرقي، وهي منطقة جبلية وعرة المسالك، تضم غابات العرعار والبلوط وتتكون من جماعتين: تلماكانت وإمي المايسالتابعتين لدائرة أولاد تايمة. تقدر مساحة جماعة تلماكانت ب 183 كلم مربع وعدد سكانها حسب الإحصاء الأخير يقدر ب 4369 نسمة، في حين تقدر مساحة إمي المايس ب 250 كلم2 ويقطنها 7398 نسمة. والجماعتين متكونة أساسا من دواوير متفرقة محاطة بجبال تعرف تساقطات ثلجية مهمة في فصل الشتاء، وأغلب أراضيها تنتمي إلى الملك الغابوي، لتبقى بعض المدرجات المحادية للوادي وعلى سفوح الجبال هي التي تستغل كأراضي زراعية. وبالرغم من المساحة الشاسعة لهاتين الجماعتين الموجودتين في خط واحد، إلا أنها مازالت تفتقر إلى طريق، إذ تعتمد الجماعتين حاليا على طريق ضيق ينتعش فقط يومي سوق أربعاء تنوت ويوم السبت سوق تالماكانت. ومن ثم فهذين اليومين هما المناسبة للأسفار وقضاء الأغراض الإدارية بالنسبة لساكنة هذه المناطق. وللإشارة فهذا الطريق عبدته شركة مستغلة لإحدى المعادن بأربعاء تانوت ويتطوع أبناء المنطقة بإصلاحه من حين إلى آخر، وذلك في إطار سنة الأجداد المسماة ب التويزة خصوصا بعد سقوط الأمطار، حيث يتعرض الطريق للتآكل والانجرافات التي تسببها روافد المياه الآتية من أعلى قمم الجبال. ومن المخاطر التي يسجلها الزائر وهو في طريقه إلى تالمكانت وإمي المايس هو توقف بعض الصخور الضخمة على بعض جوانب الطريق بعد انجرافها من أعلى الجبل ، بحيث يتوقع مواصلة انجرافه في أية لحظة خصوصا أيام الشتاء وقد يصطدم مع المارة . والكل مازال يتذكر ما وقع سنة 1989 بدوار مكونت التابع لتالماكانت حيث وقعت حادثة مؤلمة ذهب ضحيتها أحد رعاة الماشية بالدوار حينما سقطت عليه صخرة ضخمة منجرفة من إحدى القمم فأردته قتيلا . معايش الأهالي يعتمد غالبية السكان على الفلاحة البورية، ونادرا ما تجدها مسقية إلا في بعض الدواوير، رغم أن المنطقة تزخر بثروة مائية ملحوظة. إلا أن انعدام الوسائل لجلب المياه من قنوات وبناء سد في مستوى المنطقة أوعلى الأقل صهريج لخزن الماء. ويكتفي أبناء المنطقة ببناء المدرجات على سفوح الجبال لزراعة الشعير والذرة وبعضهم يتعدى ذلك إلى زراعة اللفت الذي يستهلك مجففا في تلك المناطق بحيث يطهى مع الكسكس أيام الشتاء ويسمى لدى أهل البلدة ب توقيرين بمعنى اليابسات. إلى جانب الفلاحة يتعاطى المحموديون لتربية الماشية كالماعز والغنم والبقر. وإذا كانت شجرة أركان تعول العائلات الفقيرة في مناطق حاحا بإقليمالصويرة ، فإن شجرة الجوزة تؤدي الدور نفسه بقبيلة إداومحمود، إذ تعتمد الأسر على غلاتها طيلة السنة ، بحيث يقصد رب الأسرة السوق لبيع كمية من الجوز ليسد حاجياته الأسبوعية. والجوزة تدق كأركان واحدة واحدة لاستخراج النواة، إلا أنه قبل ذلك يوضع في أكياس ثم يترك في الماء بعضا من الوقت حتى لا تتعرض نواته للكسر عند دقه. وحسب تصريحات ساكنة امي المايس فإن هذه الشجرة مهددة بالانقراض ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لعلاج ووقاية هذه الأشجار من مرض فتاك يصيبها من داخل جدعها يسمى لدى أهل البلدة ب أفكا، وأثناء رحلتنا إلى المنطقة توقفنا على العديد من الأشجار التي قضى عليها هذا الداء الذي ينخرها من الداخل. ومن بين الأشجار التي تأقلمت مع بيئة منطقة إداومحمود هناك شجر الخروب المنتشر خصوصا بتالماكانت، ورغم أن هذا الشجر يرجع أصله إلى بلدان يسودها مناخ دافئ كالسودان ومصر وتونس وليبيا، لكنه يتحمل درجة البرودة ويتكيف مع شتى أنواع التربة وهو من الأشجار الدائمة الخضرة. وأمام هذا المعطى الطبيعي كان لزاما على المسؤولين بالمنطقة أن يشجعوا غرس هذا الشجر بكثرة حتى تكون غلاته موردا اقتصاديا مهما للمنطقة. فالخروب يزرع بالبذور، بحيث توضع البذرة في الماء لمدة 24 ساعة حتى تنتفخ وتزرع في التربة، وبعد ذلك يبرز النبت الصغير شيئا فشيئا، ويراعى في زرعه كباقي الأشجار الكبيرة مسافة لا تقل عن 8 أمتار بين شجرة وأخرى. المجال الغابوي تتوفر جماعتي تلماكانت وإمي المايس على مساحة غابوية مهمة ومؤهلات طبيعية متمثلة في جبالها العالية كمصدر للثروة المائية والمكسوة بأشجار العرعار، حيث تجد هذا الشجر انطلاقا من جماعة تيمزكاديوين التابعة لإقليم شيشاوة، وأنت متجه إلى تالماكانت، وما أن تبلغ دوار أزار حتى تبدو لك بناية لمركز المياه والغابات، وهي بناية يرجع تاريخ بنائها إلى الفترة الاستعمارية، وهي تقع في موقع استراتيجي لمراقبة أشجار العرعار، إلا أن هذه الأخيرة رغم ذلك لم تنل حظها من الاهتمام فهي على طول هذه المسافة تتعرض للاتلاف والاندثار يوما بعد يوم، وإلى جانب العرعار هناك بكثرة شجر البلوط المنتشر بكثرة بجماعة إمي المايس. تحديات تعاني هذه المناطق من حرمانهما من الاستفادة من برنامج كهربة العالم القروي، كما تعيش أزمة الاتصالات الهاتفية رغم وجود بعض الأعمدة الهوائية بجانب الطريق إلا أنها حسب تصريحات الساكنة معطلة. ورغم أن المنطقة تعرف تساقطات ثلجية مهمة، إلا أنه ساكنة إمي المايس ما تزال تشكو من قلة الماء الشروب لكون الوادي الجاري بجانب الدوار محاذي لمجزرة تفرغ فيه أحشاء الذبائح يوم سوق أربعاء تنوت، أما البئران اللذان يلجأ إليهما السكان فيوجدان وسط الوادي تتساقط فيهما الأزبال وأكياس البلاستيك، ومن ثم تضطر الساكنة إلى التزود بهذه المياه رغم تلوثها الشيء الذي ينذر بكارثة صحية بالمنطقة، هذا دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم عناء بناء خزان مائي يخضع للمراقبة الطبية ويسد حاجيات الساكنة. يتكون منطقة قبيلة إداومحمود من عدة دواوير على قمم الجبال ك أرك وإمي مكونت ومكونت وتاجلت ؤفلا وتاجلت ءيزدار وأمضروس وتسكينت وأخفركا وأماسا وتكنزا وأنومس و تنوت، وتعيش هذه الدواوير عزلة تامة بفعل محاصرة الوديان لها، حيث تزداد معاناتهم في فصل الشتاء فتصبح عملية المرور صعبة بسبب جريان المياه وانتشار الأوحال. كما تفتقر هذه المناطق لأبسط مقومات الإقلاع الاقتصادي مقارنة مع بعض المناطق الجبلية كاشتوكة أيت باها التي نشطت فيه جمعيات المجتمع المدني بشكل ملفت النظير، وعلى المستوى التعليمي تتوفر قبيلة إداومحمود على مجموعات مدرسية بالجبال، إلا أن الفقر والبعد حالا دون تمكين الآباء من تسجيل كل الأبناء المتوفرين على سن التمدرس، والقلة القليلة من التلاميذ الذين يواصلون دراستهم الإعدادية بأولاد تايمة. في ظل هذه الأوضاع المزرية تتنامي رغبة سكان هذه الجبال في الهجرة نحو المدن والهروب من قساوة الطبيعة من جهة وانعدام أبسط شروط الاستقرار من جهة ثانية، ولهذا فأغلب العائلات تهاجر إلى المدن المجاورة كأولاد تايمة وتارودانت وهوامش أكادير كتكيوين والدراركة بحثاً عن لقمة العيش.